ارشيف من :آراء وتحليلات
جنوب السودان: قربان على مذبح الأطماع الغربية والصهيونية!
عقيل الشيخ حسين
9 تموز/يناير 2011 هو موعد الإعلان الرسمي عن ولادة "دولة جنوب السودان" وفقاً لنتيجة الاستفتاء الذي صوتت عليه الأكثرية الساحقة من سكان جنوب السودان، في كانون الثاني/يناير الماضي، لمصلحة الانفصال عن الشمال.
إنها لحظة تأتي كتتويج لحرب بين الشمال والجنوب، استمرت لأكثر من عشرين عاماً سقط فيها أكثر من مليوني قتيل، وجرت بتحريض وتشجيع وتدخلات مباشرة من قبل المعسكر الغربي الصهيوني الطامح إلى تقسيم السودان إلى دولتين ثم إلى دول، بداية لعمليات تقسيم مشابهة تشمل كامل العالم العربي والإسلامي، ليكون هذا العالم مفتتاً ومشتتاً على صورة بلدان أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى والقفقاس التي شهدت، بفعل الانفصالات والتقسيمات، ولادة عدد كبير من الدول الجديدة كنتيجة لانهيار المعسكر السوفياتي.
لكنها بداية يبدو من الصعب أن تبلغ مآلاتها السعيدة المرسومة، اللهم إلا إذا صحت الدعاوى التي تنظر حاليا، ومنذ اندلاع حركات الاحتجاج في العالم العربي، لربيع عربي مشابه لربيع بلدان المعسكر الاشتراكي السابق. فهذا الربيع تحول سريعاً إلى صيف ملتهب في ليبيا، حيث أدخل المعسكر الغربي في متاهة لا يعرف كيف يخرج منها، وزج في وضع قد لا يقل ارتباكاً عن وضعه في أفغانستان والعراق.
كما تحول في تونس ومصر إلى مخاض تتعزز فيه يومياً توجهات جذرية نحو قيادة سفينة الثورة في غير الاتجاه الذي يريده الغربيون وحلفاؤهم الإقليميون والمحليون، في حين تأخذ الثورة اليمنية يوماً بعد يوم شكل انتفاضة ليس ضد نظام علي عبد الله صالح، بل ضد أميركا ورعاة المبادرة الخليجية.
وكل ذلك يضاف إلى انتكاس المؤامرة على سوريا وما سيعقبها من تداعيات تصب، في أكثر من بلد عربي، في مصلحة قضية التحرر الوطني، كما يضاف إليها النجاحات المتحققة في إيران برغم الضغوط والعقوبات، وفي لبنان برغم كل الجهود المبذولة من أجل تحويل ورقة المحكمة الدولية إلى أداة للفتنة تستهدف المقاومة واستقرار البلاد بوجه عام.
وإلى جانب هذه العوامل الهامة، ترتسم علائم الوهن بوضوح على صورة الدولة الجديدة في جنوب السودان. فالواقع مختلف تماماً عن الطموحات. فإذا كان المتحمسون للانفصال يظنون أن أبواب الازدهار والخير ستنفتح على مصاريعها لتعم دولتهم الوليدة على شكل مساعدات ومنح مالية تجود بها عليهم بلدان الغرب، فذلك يعني أنهم لا يلحظون الأزمات المالية والإشراف على الإفلاس الذي تعاني منه جميع هذه البلدان بلا استثناء.
بل لا يلحظون الواقع المتمثل بنظرة بلدان الغرب إليهم لا بصفتهم طفله المدلل، بل بصفتهم قرباناً لا يتردد الغرب الاستعماري في إحراقهم على مذبح مصالحه كدأبه في جميع التجارب الماضية والراهنة على حد سواء.
ألا يحتدم الجدل منذ اليوم في جنوب السودان ـ بمناسبة احتفالات الإعلان عن ولادة الدولة ـ بخصوص دعوة الرئيس السوداني، عمر حسن البشير، لحضور تلك الاحتفالات أو عدم دعوته لحضورها، لما في ذلك من تأثيرات سلبية أو إيجابية على مواقف الغرب من تلك الدولة؟
ألا يعبر ذلك عن مدى الحيرة في جنوب السودان حول موضوع الانتماء إلى المحيط القريب أو القطيعة مع هذا المحيط لمصلحة علاقات غير مضمونة مع حلفاء بعيدين جغرافياً وثقافياً ولجهة المصالح الاستراتيجية؟
الحيرة نفسها تطبع التساؤلات الحادة المطروحة حول هوية الدولة الوليدة. اللغة هي محدد أساسي من محددات الهوية لشعب من الشعوب. لكن تعدد اللغات واللهجات في بلد صغير كجنوب السودان جعل القيمين عليه يقفزون على هذه المشكلة عبر اعتماد اللغة الانكليزية كلغة رسمية للبلاد، في حين أن لغة التعامل السائدة في الشارع هي اللغة العربية!
والدين محدد أساسي آخر. صحيح أن غالبية سكان جنوب السودان هم من المسيحيين والإحيائيين، لكنهم اختاروا العلمانية مذهباً سياسياً لدولتهم، وهو الأمر الذي ينطوي على إشكالات وتوترات ممكنة.
وكذا الأمر بالنسبة لتعددية الاتنيات والقبائل، في وقت ترتفع فيه الأصوات منذ الآن عن تحكّم قبيلة واحدة بمجريات الأمور على حساب القبائل الأخرى.
وهنالك أيضاً شبح الحرب الأهلية الذي يخيم على الدولة الجديدة قبل ولادتها، بفعل ما لا يقل عن عشر حركات " تمرد" تتحرك على الساحة بشكل دموي أدى إلى مقتل المئات منذ الاستفتاء حتى الآن.
وكل ذلك يضاف إلى المشكلة الأكبر: الملفات العالقة بين الشمال والجنوب وفي طليعتها ملفا آبيي وجنوب كردفان، حيث يجري الاحتكام فيهما حالياً إلى لغة السلاح، وهي اللغة المرشحة لإعادة دولة الجنوب إلى نقطة البداية، نقطة الحرب التي سبقت توقيع اتفاق السلام قبل ست سنوات. حرب قد تكون باهظة التكاليف على الشمال، لكنها ستقدم الجنوب قرباناً على مذبح الأطماع الإسرائيلية والغربية.
إنها لحظة تأتي كتتويج لحرب بين الشمال والجنوب، استمرت لأكثر من عشرين عاماً سقط فيها أكثر من مليوني قتيل، وجرت بتحريض وتشجيع وتدخلات مباشرة من قبل المعسكر الغربي الصهيوني الطامح إلى تقسيم السودان إلى دولتين ثم إلى دول، بداية لعمليات تقسيم مشابهة تشمل كامل العالم العربي والإسلامي، ليكون هذا العالم مفتتاً ومشتتاً على صورة بلدان أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى والقفقاس التي شهدت، بفعل الانفصالات والتقسيمات، ولادة عدد كبير من الدول الجديدة كنتيجة لانهيار المعسكر السوفياتي.
لكنها بداية يبدو من الصعب أن تبلغ مآلاتها السعيدة المرسومة، اللهم إلا إذا صحت الدعاوى التي تنظر حاليا، ومنذ اندلاع حركات الاحتجاج في العالم العربي، لربيع عربي مشابه لربيع بلدان المعسكر الاشتراكي السابق. فهذا الربيع تحول سريعاً إلى صيف ملتهب في ليبيا، حيث أدخل المعسكر الغربي في متاهة لا يعرف كيف يخرج منها، وزج في وضع قد لا يقل ارتباكاً عن وضعه في أفغانستان والعراق.
كما تحول في تونس ومصر إلى مخاض تتعزز فيه يومياً توجهات جذرية نحو قيادة سفينة الثورة في غير الاتجاه الذي يريده الغربيون وحلفاؤهم الإقليميون والمحليون، في حين تأخذ الثورة اليمنية يوماً بعد يوم شكل انتفاضة ليس ضد نظام علي عبد الله صالح، بل ضد أميركا ورعاة المبادرة الخليجية.
وكل ذلك يضاف إلى انتكاس المؤامرة على سوريا وما سيعقبها من تداعيات تصب، في أكثر من بلد عربي، في مصلحة قضية التحرر الوطني، كما يضاف إليها النجاحات المتحققة في إيران برغم الضغوط والعقوبات، وفي لبنان برغم كل الجهود المبذولة من أجل تحويل ورقة المحكمة الدولية إلى أداة للفتنة تستهدف المقاومة واستقرار البلاد بوجه عام.
وإلى جانب هذه العوامل الهامة، ترتسم علائم الوهن بوضوح على صورة الدولة الجديدة في جنوب السودان. فالواقع مختلف تماماً عن الطموحات. فإذا كان المتحمسون للانفصال يظنون أن أبواب الازدهار والخير ستنفتح على مصاريعها لتعم دولتهم الوليدة على شكل مساعدات ومنح مالية تجود بها عليهم بلدان الغرب، فذلك يعني أنهم لا يلحظون الأزمات المالية والإشراف على الإفلاس الذي تعاني منه جميع هذه البلدان بلا استثناء.
بل لا يلحظون الواقع المتمثل بنظرة بلدان الغرب إليهم لا بصفتهم طفله المدلل، بل بصفتهم قرباناً لا يتردد الغرب الاستعماري في إحراقهم على مذبح مصالحه كدأبه في جميع التجارب الماضية والراهنة على حد سواء.
ألا يحتدم الجدل منذ اليوم في جنوب السودان ـ بمناسبة احتفالات الإعلان عن ولادة الدولة ـ بخصوص دعوة الرئيس السوداني، عمر حسن البشير، لحضور تلك الاحتفالات أو عدم دعوته لحضورها، لما في ذلك من تأثيرات سلبية أو إيجابية على مواقف الغرب من تلك الدولة؟
ألا يعبر ذلك عن مدى الحيرة في جنوب السودان حول موضوع الانتماء إلى المحيط القريب أو القطيعة مع هذا المحيط لمصلحة علاقات غير مضمونة مع حلفاء بعيدين جغرافياً وثقافياً ولجهة المصالح الاستراتيجية؟
الحيرة نفسها تطبع التساؤلات الحادة المطروحة حول هوية الدولة الوليدة. اللغة هي محدد أساسي من محددات الهوية لشعب من الشعوب. لكن تعدد اللغات واللهجات في بلد صغير كجنوب السودان جعل القيمين عليه يقفزون على هذه المشكلة عبر اعتماد اللغة الانكليزية كلغة رسمية للبلاد، في حين أن لغة التعامل السائدة في الشارع هي اللغة العربية!
والدين محدد أساسي آخر. صحيح أن غالبية سكان جنوب السودان هم من المسيحيين والإحيائيين، لكنهم اختاروا العلمانية مذهباً سياسياً لدولتهم، وهو الأمر الذي ينطوي على إشكالات وتوترات ممكنة.
وكذا الأمر بالنسبة لتعددية الاتنيات والقبائل، في وقت ترتفع فيه الأصوات منذ الآن عن تحكّم قبيلة واحدة بمجريات الأمور على حساب القبائل الأخرى.
وهنالك أيضاً شبح الحرب الأهلية الذي يخيم على الدولة الجديدة قبل ولادتها، بفعل ما لا يقل عن عشر حركات " تمرد" تتحرك على الساحة بشكل دموي أدى إلى مقتل المئات منذ الاستفتاء حتى الآن.
وكل ذلك يضاف إلى المشكلة الأكبر: الملفات العالقة بين الشمال والجنوب وفي طليعتها ملفا آبيي وجنوب كردفان، حيث يجري الاحتكام فيهما حالياً إلى لغة السلاح، وهي اللغة المرشحة لإعادة دولة الجنوب إلى نقطة البداية، نقطة الحرب التي سبقت توقيع اتفاق السلام قبل ست سنوات. حرب قد تكون باهظة التكاليف على الشمال، لكنها ستقدم الجنوب قرباناً على مذبح الأطماع الإسرائيلية والغربية.