ارشيف من :آراء وتحليلات
14 آذار على ميزان "الحلال والحرام في السياسة"!
لؤي توفيق حسن(*)
{فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق. يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم...} ـ (سورة يونس: 23)
إنها لمهزلة.. ولكنها ليست سابقةً أن يلجأ بعض الداخل اللبناني للاستقواء بالخارج لتصفية حساباتٍ محض داخلية.
تجمع 14 آذار من طراز "البريستول ـ 5" فعلها على عاداته!. مع بيانه الناري الذي أذاعه فؤاد السنيورة يعلن بأنه في وارد إجراء اتصالات دولية هدفها دفع "المجتمع الدولي الى عدم التعاون مع هذه الحكومة". أي حكومة الرئيس ميقاتي.
ربما غير العارف بالمفارقات اللبنانية الفريدة سيعتقد للوهلة الأولى بأن المقصود هنا حكومة احتلال!. والقاصد هو رئيس الحكومة الموقتة "للبنان الحر"!!!
لو جرى ما سبق في مكان آخر لكانت العواقب مختلفة. إذ لو وقف نائب وفي أي بلد ليقول بأنه ينوي "اطلاق حملة سياسية.. دولية" هدفها الطلب من الحكومات والمجتمع الدولي "عدم التعاون" مع حكومة بلاده التي جاءت وفقاً للقواعد الدستورية المرعية الإجراء. وباستشارات شارك فيها هو. لو صدح هذا بما صدحت به جوقة 14 آذار وعلى لسان السنيورة لكان سُيجَرَّمُ حتماً بتهمتين موصوفتين:
الأولى: الإضرار بمصالح الدولة العليا بوضعها تحت التهديد أو خطر التهديد عسكرياً أو إقتصادياً. وبما يهدد استقرارها، وسمعتها بالآن عينه.
الثاني: القفز من فوق السلطات المعنية للاتصال بجهات أجنبية بغية تحريضها على ما من شأنه المساس بأمن الدولة.
لن نتمثل في هذا الأمر بالدول المتقدمة العريقة. بل ببلدان مثلنا من العالم الثالث. وبالحد الأدنى أي ممن هم احدث منا عهداً في (الحياة الديمقراطية). وأقل مستوىً في التعليم والنشاط الاجتماعي والاقتصادي. لو أتى ذلك من نائب منهم، او مسؤول فيهم. لكان سبباً كافياً كي تنزع الحصانة عنه ويحال الى القضاء.
لكن لعمرك! فإن الاستقواء بالخارج، وقرع (ابواب القناصل) هو من صميم (تقاليد!) السياسة اللبنانية منذ الإمارة الشهابية.. إلى حلف بغداد، وليس انتهاءً بتآمر البعض ـ المعروف ـ على المقاومة صيف 2006. وما بدلوا تبديلا!!!.
ربما الجديد هذه المرة انهم أسقطوا عن عوراتهم ورقة التوت على الملأ، علناً. وخلافاً للعادة التي اقتصرت على الإستعراضات!! من خلف الكواليس. كما فعلوها خلال حرب 2006، وبعدها أيار/ مايو 2008.
حسناً!.. وبما أنكم أعلنتموها من فوق المنابر ضاربين عرض الحائط بـ "الحلال والحرام في السياسة" ـ والتعبير هذا لإحداكن!- فإنه من الضروري بعدها ان تتحملوا وزر مجانبة حدود "الحلال"!. وهي صعبة ومفتوحة على تداعيات لا سيما في حالات الذروة.
دعونا نفكر بصوتٍ عالٍ: انتم الآن خارج الغطاء العسكري للحلف الأطلسي وربيبته "اسرائيل". فقد ولت أعوام 1982، 1983 الى غير رجعة بعد ان سارت مياه كثيرة في الليطاني!. وانتم قبل غيركم تدركون بأن انتصارات المقاومة، وبالأخص صيف 2006 قد غيرت "قواعد الاشتباك". وقد لمستموها في 5 أيار/ مايو 2008 لمس اليد. يوم ورطتكم أمريكا بإبرتها المنشطة من نوع: "البارجة كول"!. أرسلتها قبالة السواحل اللبنانية. فانتشيتم بها لتُصْدِرَ حكومتكم قراراتها الشهيرة في 5 أيار.
للتذكير ومنذ أطلت "كول" حذركم العديدون ـ ونحن منهم في حديث إذاعي ـ بأن لا (تترسملوا) على هذه الباخرة. لأسباب كثيرة ابسطها ان من يرسل "كول" واحدة ليس جاداً في أن يرد عن مرماكم "كول" واحد !!.
ربما الآن تعتبر جماعة 14 آذار انه من "الحلال" ان يستعينوا بالخارج للضغط من بوابة الاقتصاد على حكومة الرئيس ميقاتي. هذا على خلفية تجربة سابقة عام 1993 أدت الى اسقاط حكومة الرئيس عمر كرامي. غير انه منذ ذلك التاريخ تغيرت هي الأخرى"قواعد اللعبة" بالاقتصاد.ذلك عندما أصبح هذا الأخير في قبضة جماعة 14 آذار بالذات. لكن مفارقات اللعبة أنها وضعت بين ايديهم سلاحاً ذا حدين. الأول لمصلحتهم في حال الاستقرار. والثاني مصْلَتٌ عليهم في الأزمات.
ان العماد الأساس للاقتصاد اللبناني الحالي هو القطاع المصرفي. وبالتالي فإن أي حرب على سعر صرف الليرة اللبنانية سيلحق اضراراً بالمصارف، والمودعين. ولكن أي مودعين؟!!.
يظهر مسح أجرته إدارة الإحصاء المركزي أن ما يزيد عن 60% من قيمة الودائع هي حصة 2 % من مجموع الودائع أي من عدد المودعين. استطراداً يبدو من هذه الأرقام مدى الخلل الكبير في توزيع الثروة المتمركزة في يد حفنة من رجال الأعمال. نتيجةً للسياسات النيوليبرالية المتعاقبة المتفلتة من أي ضوابط، وفي ظل فسادٍ مستشرٍ.
أما ثاني القطاعات المتضررة فهو قطاع البناء والعقارات. وكلاهما الأول والثاني في حوزة جماعة أثرياء 14 آذار حيازة بالتكوين او بالشراكة المصلحية!. فمن ذا الذي سيتضرر أكثر في لعبة عض الأصابع هذه؟!.
نعم... سيبدو بالعين المجردة ان كتلة الرواتب والأجور هي العبء الأكبر على كاهل الدولة. أي إذا تراجعت القوة الشرائية لليرة اللبنانية. غير ان هذه الحالة قابلة للعلاج بتغطية الفارق في التراجع من مساعدات ستأتي من مصادر صديقة كما تسرب عن جهة موثوقة ومطلعة. وهذا ما يستوجب ان يأخذه بعين الاعتبار من يقرر، او من يتلقى القرار في 14 آذار.
هناك العديدون من الحالمين على طريقتهم. حيث يعتقدون بأن إعادة بناء الدولة والمجتمع انما تبدأ من الأزمات الاقتصادية التي تتحول في مرحلة الذروة الى عصبية تفوق العصبية للطوائف!. فمن هذه الأزمة أو بها يحلم الكثيرون شباباً، ومثقفين، بقلب الطاولة في هذا "الربيع العربي" ليستعيد الشعب ماله المنهوب في السوليدير، والأملاك البحرية، ومشاعات الدولة المسروقة. وثروته الضائعة في قلب البحر غازا. أو على شواطئه مياها حلوة تقذف بها الأنهار... وإلى آخر آخر القائمة الطويلة.
كثيرة هي الحقائق التي بدت أحلاماً في البداية. وكثيرة هي الأمور التي بدت للوهلة الأولى مكلفة ليتضح العكس فيما بعد... أقله مصداقاً للمثل العربي: "درء المفاسد أولى من جلب النِّعم".
(*) كاتب من لبنان
{فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق. يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم...} ـ (سورة يونس: 23)
إنها لمهزلة.. ولكنها ليست سابقةً أن يلجأ بعض الداخل اللبناني للاستقواء بالخارج لتصفية حساباتٍ محض داخلية.
تجمع 14 آذار من طراز "البريستول ـ 5" فعلها على عاداته!. مع بيانه الناري الذي أذاعه فؤاد السنيورة يعلن بأنه في وارد إجراء اتصالات دولية هدفها دفع "المجتمع الدولي الى عدم التعاون مع هذه الحكومة". أي حكومة الرئيس ميقاتي.
ربما غير العارف بالمفارقات اللبنانية الفريدة سيعتقد للوهلة الأولى بأن المقصود هنا حكومة احتلال!. والقاصد هو رئيس الحكومة الموقتة "للبنان الحر"!!!
لو جرى ما سبق في مكان آخر لكانت العواقب مختلفة. إذ لو وقف نائب وفي أي بلد ليقول بأنه ينوي "اطلاق حملة سياسية.. دولية" هدفها الطلب من الحكومات والمجتمع الدولي "عدم التعاون" مع حكومة بلاده التي جاءت وفقاً للقواعد الدستورية المرعية الإجراء. وباستشارات شارك فيها هو. لو صدح هذا بما صدحت به جوقة 14 آذار وعلى لسان السنيورة لكان سُيجَرَّمُ حتماً بتهمتين موصوفتين:
الأولى: الإضرار بمصالح الدولة العليا بوضعها تحت التهديد أو خطر التهديد عسكرياً أو إقتصادياً. وبما يهدد استقرارها، وسمعتها بالآن عينه.
الثاني: القفز من فوق السلطات المعنية للاتصال بجهات أجنبية بغية تحريضها على ما من شأنه المساس بأمن الدولة.
لن نتمثل في هذا الأمر بالدول المتقدمة العريقة. بل ببلدان مثلنا من العالم الثالث. وبالحد الأدنى أي ممن هم احدث منا عهداً في (الحياة الديمقراطية). وأقل مستوىً في التعليم والنشاط الاجتماعي والاقتصادي. لو أتى ذلك من نائب منهم، او مسؤول فيهم. لكان سبباً كافياً كي تنزع الحصانة عنه ويحال الى القضاء.
لكن لعمرك! فإن الاستقواء بالخارج، وقرع (ابواب القناصل) هو من صميم (تقاليد!) السياسة اللبنانية منذ الإمارة الشهابية.. إلى حلف بغداد، وليس انتهاءً بتآمر البعض ـ المعروف ـ على المقاومة صيف 2006. وما بدلوا تبديلا!!!.
ربما الجديد هذه المرة انهم أسقطوا عن عوراتهم ورقة التوت على الملأ، علناً. وخلافاً للعادة التي اقتصرت على الإستعراضات!! من خلف الكواليس. كما فعلوها خلال حرب 2006، وبعدها أيار/ مايو 2008.
حسناً!.. وبما أنكم أعلنتموها من فوق المنابر ضاربين عرض الحائط بـ "الحلال والحرام في السياسة" ـ والتعبير هذا لإحداكن!- فإنه من الضروري بعدها ان تتحملوا وزر مجانبة حدود "الحلال"!. وهي صعبة ومفتوحة على تداعيات لا سيما في حالات الذروة.
دعونا نفكر بصوتٍ عالٍ: انتم الآن خارج الغطاء العسكري للحلف الأطلسي وربيبته "اسرائيل". فقد ولت أعوام 1982، 1983 الى غير رجعة بعد ان سارت مياه كثيرة في الليطاني!. وانتم قبل غيركم تدركون بأن انتصارات المقاومة، وبالأخص صيف 2006 قد غيرت "قواعد الاشتباك". وقد لمستموها في 5 أيار/ مايو 2008 لمس اليد. يوم ورطتكم أمريكا بإبرتها المنشطة من نوع: "البارجة كول"!. أرسلتها قبالة السواحل اللبنانية. فانتشيتم بها لتُصْدِرَ حكومتكم قراراتها الشهيرة في 5 أيار.
للتذكير ومنذ أطلت "كول" حذركم العديدون ـ ونحن منهم في حديث إذاعي ـ بأن لا (تترسملوا) على هذه الباخرة. لأسباب كثيرة ابسطها ان من يرسل "كول" واحدة ليس جاداً في أن يرد عن مرماكم "كول" واحد !!.
ربما الآن تعتبر جماعة 14 آذار انه من "الحلال" ان يستعينوا بالخارج للضغط من بوابة الاقتصاد على حكومة الرئيس ميقاتي. هذا على خلفية تجربة سابقة عام 1993 أدت الى اسقاط حكومة الرئيس عمر كرامي. غير انه منذ ذلك التاريخ تغيرت هي الأخرى"قواعد اللعبة" بالاقتصاد.ذلك عندما أصبح هذا الأخير في قبضة جماعة 14 آذار بالذات. لكن مفارقات اللعبة أنها وضعت بين ايديهم سلاحاً ذا حدين. الأول لمصلحتهم في حال الاستقرار. والثاني مصْلَتٌ عليهم في الأزمات.
ان العماد الأساس للاقتصاد اللبناني الحالي هو القطاع المصرفي. وبالتالي فإن أي حرب على سعر صرف الليرة اللبنانية سيلحق اضراراً بالمصارف، والمودعين. ولكن أي مودعين؟!!.
يظهر مسح أجرته إدارة الإحصاء المركزي أن ما يزيد عن 60% من قيمة الودائع هي حصة 2 % من مجموع الودائع أي من عدد المودعين. استطراداً يبدو من هذه الأرقام مدى الخلل الكبير في توزيع الثروة المتمركزة في يد حفنة من رجال الأعمال. نتيجةً للسياسات النيوليبرالية المتعاقبة المتفلتة من أي ضوابط، وفي ظل فسادٍ مستشرٍ.
أما ثاني القطاعات المتضررة فهو قطاع البناء والعقارات. وكلاهما الأول والثاني في حوزة جماعة أثرياء 14 آذار حيازة بالتكوين او بالشراكة المصلحية!. فمن ذا الذي سيتضرر أكثر في لعبة عض الأصابع هذه؟!.
نعم... سيبدو بالعين المجردة ان كتلة الرواتب والأجور هي العبء الأكبر على كاهل الدولة. أي إذا تراجعت القوة الشرائية لليرة اللبنانية. غير ان هذه الحالة قابلة للعلاج بتغطية الفارق في التراجع من مساعدات ستأتي من مصادر صديقة كما تسرب عن جهة موثوقة ومطلعة. وهذا ما يستوجب ان يأخذه بعين الاعتبار من يقرر، او من يتلقى القرار في 14 آذار.
هناك العديدون من الحالمين على طريقتهم. حيث يعتقدون بأن إعادة بناء الدولة والمجتمع انما تبدأ من الأزمات الاقتصادية التي تتحول في مرحلة الذروة الى عصبية تفوق العصبية للطوائف!. فمن هذه الأزمة أو بها يحلم الكثيرون شباباً، ومثقفين، بقلب الطاولة في هذا "الربيع العربي" ليستعيد الشعب ماله المنهوب في السوليدير، والأملاك البحرية، ومشاعات الدولة المسروقة. وثروته الضائعة في قلب البحر غازا. أو على شواطئه مياها حلوة تقذف بها الأنهار... وإلى آخر آخر القائمة الطويلة.
كثيرة هي الحقائق التي بدت أحلاماً في البداية. وكثيرة هي الأمور التي بدت للوهلة الأولى مكلفة ليتضح العكس فيما بعد... أقله مصداقاً للمثل العربي: "درء المفاسد أولى من جلب النِّعم".
(*) كاتب من لبنان