ارشيف من :أخبار لبنانية

الانقسام الفلسطيني في مرآة الصحافة الإسرائيلية (1-2)/ أنطـوان شلحت (*)

الانقسام الفلسطيني في مرآة الصحافة الإسرائيلية (1-2)/ أنطـوان شلحت (*)
تعالج هذه المداخلة موضوع انعكاس الانقسام الفلسطيني في مرآة الصحافة الإسرائيلية، من خلال التركيز على محورين:

الأول ـ محور تعاطي الصحافة الإسرائيلية مع الانقسام الفلسطيني ودلالاته المختلفة على شتى الصُعد، وذلك خلال الفترة القصيرة التي تلت مباشرة عملية انشطار المناطق الفلسطينية المحتلة منذ 1967، في حزيران/ يونيو 2007؛

الثاني ـ محور العلاقة القائمة على وجه العموم بين هذه الصحافة وبين سياسة المؤسسة الإسرائيلية الرسمية، ولا سيما إزاء "العملية السياسية" مع الجانب الفلسطيني وإزاء الصراعات القائمة لديه.

ولا شك في أن هناك صلة وثيقة بين المحورين، كما سيتبين في سياق لاحق.

ردّة الفعل الأولية وإعادة إنتاج: الرواية الإسرائيلية المستهلكة

إن ردة الفعل الأولية من طرف وسائل الإعلام الإسرائيلية المكتوبة على الانقسام الفلسطيني تمثلت في الإلماح إلى محصلة واحدة ووحيدة له هي نشوء "كيانين" فلسطينيين منفصلين جغرافيًا وسياسيًا، ومن وجهة نظر أصحاب ردة الفعل هذه فإن هذا الأمر يتيح لإسرائيل إمكان عدم التعامل مع "الكيانين" على قدم المساواة علنًا منذ لحظة الانقسام فصاعدًا، فضلاً عن تأدية تلك المحصلة إلى ابتعاد احتمال تطبيق "رؤية الدولتين".

وهذا الموقف عبّر عنه بصورة مبكرة، مثلاً، تعليق مشترك كتبه المراسل العسكري لصحيفة هآرتس، عاموس هارئيل، ومراسل الشؤون الفلسطينية للصحيفة نفسها، آفي سخاروف، بقولهما "إن سيطرة حماس على قطاع غزة، التي بدا نهار 12 حزيران/ يونيو 2007 أنها باتت قريبة أكثر من أي وقت مضى، من شأنها أن تجزئ المناطق الفلسطينية إلى كيانين سياسيين وربما ثقافيين: حماستان (القطاع) وفتحستان (الضفة الغربية). وبالنسبة إلى الجانب الإسرائيلي فإنه بات واضحًا حتى لمن لا يزال يهجس بمسألة الشريك الفلسطيني أنه بحاجة إلى أن يفكر من جديد، فعلى الأقل في قطاع غزة لم يعد لدى إسرائيل من تتحادث معه" (1). وقد اعتبر كلاهما أن ما جرى في غزة هو "حرب أهلية" ستكون لنتائجها إسقاطات بعيدة المدى ليس على مستقبل السلطة الفلسطينية فحسب، إنما أيضًا على علاقاتها مع إسرائيل، وربما على المنطقة برمتها. وفي قراءتهما فإن الحلم الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة آخذ في التلاشي، ولذا يتعيّن على خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش الذي كان من المقرّر أن يلقيه في 24 حزيران/ يونيو 2007 (بمناسبة مرور خمسة أعوام على خطابه بشأن رؤيا الشرق الأوسط والدولتين في 2002) أن يخضع لتغيرات جوهرية (قرر بوش لاحقًا عدم إلقاء خطاب في هذا التاريخ، وقام بإلقائه في 16 تموز/ يوليو 2007).

ورجّح معلق الشؤون الفلسطينية في صحيفة يديعوت أحرونوت، روني شاكيد، حدوث هذه المحصلة متهمًا الفلسطينيين بأنهم "يهدمون مستقبلهم بأيديهم" (2). وكتب ما يلي: "داخل الفوضى المستشرية (في القطاع) ينشأ كيان حماستان الفلسطيني. وقد أصبح واضحًا أن الواقع الحمساوي الجديد في غزة بلغ نقطة اللاعودة. وسيكون من الوهم أن تعتقد الولايات المتحدة وإسرائيل أنه يمكن إنقاذ محمود عباس (أبو مازن) وسلطته، فأبو مازن نفسه منقطع عن الواقع، يعيش في الماضي ويتغاضى عن الحاضر ولم يخطط للمستقبل. ولا يزال يتسلّى بأمل رأب الصدع، ولذا فإنه لم يأمر قواته إلى الآن بخوض حرب مضادة. إنّ إحدى النتائج الإستراتيجية لانتصار حماس في غزة هي نشوء منطقتين فلسطينيتين منفصلتين مع واقع مختلف وقيادة مغايرة لكل منهما. وهكذا يتحقق أمام بصر الفلسطينيين كابوس الفصل بين غزة والضفة، أشبه بدولتين لشعب واحد. إن هذا الوضع ليس جيدًا لإسرائيل، بل إنه سيء. وإذا كان الفراغ الذي نشأ في غزة بعد خطة الانفصال (في صيف 2005) قد ملأته حماس فلأنه لم يكن هناك طرف يقف لها بالمرصاد وهي تعدّ العدّة لاحتلال غزة. وقد أضاعت إسرائيل فرصة توجيه ضربة قوية إلى حماس في الشهر الفائت (أيار/ مايو 2007) عقب سقوط صواريخ القسّام على سديروت. إن النتيجة الجديدة الآن هي قيام سلطة حماس في غزة. وهي سلطة ليس في وسع إسرائيل التعاون معها لكن ليس في وسعها تجاهل احتياجاتها. ويمكن أن يكون الحل المرحلي للوضع الجديد هو دخول قوة تدخل دولية، تكون بالأساس عربية" (3).

لكن المعلق العسكري للصحيفة نفسها، أليكس فيشمان، رأى أنه "داخل هذه الفوضى المضطرمة كلها فإن البعض في مقرات المؤسسة الإسرائيلية الأمنية في تل أبيب أفلح في رؤية نقطة ضوء واحدة، هي وجود رأس واحد في القطاع بدلاً من وجود رأسين يثيران البلبلة لدى العالم كله ولدينا أيضًا. وقد سقطت الأقنعة ولم تعد هناك سلطة تحظى بالشرعية والمساعدات وبقي عنوان واحد ومحدّد هو حماس. ومن وجهة نظر إسرائيل فإن غزة باتت مشابهة لجنوب لبنان وباتت حماس شبيهة بحزب الله. ويتوجب على إسرائيل الآن أن تعتمد سلة وسائل تعزّز ردعها إزاء قطاع غزة. ونظرًا لوجود عنوان محدّد، فقد أصبح في وسع إسرائيل تفعيل رافعات ضغط اقتصادية وعسكرية أيضًا. في الوقت نفسه فإن الأحداث في قطاع غزة أشعلت ضوءًا أحمر لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وهناك خشية الآن من وجود نيات لدى حركة فتح للقيام بأعمال استفزازية تضطر إسرائيل في ضوئها إلى تنفيذ ما يتعين على فتح تنفيذه، أيّ جرّ إسرائيل إلى القطاع كي تسدّد ضربة إلى حماس. إن هذا الأمر يستوجب من الجيش الإسرائيلي أن يبقى على أهبة الاستعداد تحسبًا لأي محاولة تهدف إلى استيراد الفوضى الغزيّة إلى الضفة الغربية" (4).

وسارعت يديعوت أحرونوت، في موازاة ذلك، إلى استكتاب رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" (يمين متطرف) أفيغدور ليبرمان، الذي كان في ذلك الوقت يشغل منصب "وزير معالجة التهديدات الإستراتيجية" في حكومة إيهود أولمرت (2006- 2009). ومما كتبه ليبرمان تعقيبًا على الانقسام: "في هذه الأيام ينشأ أمام أبصارنا كيان إسلامي متطرف يجب عدم التغاضي عنه. ويجري على مرأى منّا تخزين نظريات ووسائل قتالية متطورة من إنتاج إيرانيّ.  إن كل شيء كان متوقعًا. والسلطة الفلسطينية تنهار. ونحن كعادتنا نراقب ونُفاجأ ونتلعثم. يبدو أن الحلّ في غزة صعب، لكنه ليس معقدًا. خطة إسرائيل بيتنا، التي نشرت قبل بضعة أسابيع، تطالب بفصل غزة عن إسرائيل وفصلها أيضًا عن الضفة الغربية وإغلاق المعابر كافة أمام الناس والبضائع وقطع المياه والكهرباء وعوائد الضرائب بصورة تامة عن غزة بعد توجيه إنذار مسبق بذلك. قبل هذه الخطة طالبنا بالسيطرة على محور فيلادلفي (محور صلاح الدين) وتوسيعه في سبيل قطع أنبوب الأكسجين عن الإرهاب الحمساوي. كما أنني دعوت إلى إدخال قوات من حلف شمال الأطلسيّ (الناتو) إلى القطاع. وقد نظر إليّ أصدقائي من اليمين واليسار بذهول، لكن الكثيرين منهم يتبنون الآن هذه الأفكار كما لو أنها من صنعهم. إنّ تحويل غزة إلى حماستان يحدّد أعداءنا بخطوط واضحة ويلزمنا بالعمل ضدهم. كما أنه ضوء آخر، أكثر احمرارًا من الدم، بالنسبة لبعضنا الذي طوّر أحلامًا عبثية بشأن إمكان حسن الجوار مع الفلسطينيين" (5).

وبعد يومين من استكتاب ليبرمان بادرت الصحيفة إلى استكتاب رئيس حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، الذي كان رئيس المعارضة الإسرائيلية في الكنيست.

وفيما يلي موجز ما كتبه نتنياهو: "إننا نعيش الآن في عالم الإسلام المتطرف والصواريخ. هذه هي خلاصة الواقع الذي يحيط بنا. وكل منطقة ننسحب منها بصورة أحادية الجانب تسيطر عليها القوى الإسلامية المتطرفة، ويتم فيها نصب الصواريخ الموجهة ضدنا بإرشاد إيراني. عندما قمت، عشية الانتخابات الأخيرة للكنيست (أجريت الانتخابات في 28/3/2006 وأسفرت عن تأليف حكومة برئاسة حزب كاديما في أيار/ مايو 2006)، بالتحذير جراء هذا الأمر فإن تحذيري جوبه بعبارات التسخيف والاستهزاء. لقد حذرت من أنّ الانسحاب الأحادي الجانب لن يحقق الأمن، ومن أنّ الانسحاب من غوش قطيف ومحور فيلادلفي وشمال قطاع غزة سيؤدي لتحويل القطاع إلى حماستان. إن الانسحاب المتسرّع من جنوب لبنان في العام 2000 خلق "حزب الله ستان" في الحدود الشمالية وأشعل الانتفاضة الفلسطينية الثانية، والانسحاب من قطاع غزة أوجد قاعدة إيرانية ثانية في الجنوب. وإذا لم نضع حدًّا لهذا الشرّ فلن تقف الصواريخ عند عسقلان وإنما ستصل أيضًا إلى عمق الأراضي الإسرائيلية. إن المطلوب الآن هو التوصل إلى ثلاثة استنتاجات: 1. أنّ تدهور وضعنا الأمنيّ هو، قبل أيّ شيء، نتيجة للسياسة الخاطئة التي اتبعها قباطنة الدولة، لا الجيش الإسرائيلي؛ 2. أنه يجب الآن تشديد الحصار العسكري على القطاع وزيادة عزلة سلطة حماس السياسية والاقتصادية. ويجب أن ننسق مع الأردن ومصر بمساعدة أميركا الإجراءات الرامية إلى تقويض هذه السلطة؛ 3. مطلوب إحداث انقلاب شامل في سياسة إسرائيل، أي الانتقال من الضعف إلى القوة على كل المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية. وعلينا أن نجنّد الأسرة الدولية للعمل بسرعة وبوسائل ضغط مناسبة ضد إيران وأتباعها. حزب الله وحماس هما ذراعان للأخطبوط الإيراني. وهذا الأخطبوط لا يهددنا فقط. إن الجيش الإسرائيلي يمتلك القوة والحنكة لردع أعدائنا والانتصار عليهم. لكن ما ينقصنا هو السياسة المثابرة وذات التصميم القوي التي تستشرف الآتي وتضع مصلحة الشعب لا مصلحة الزعيم نصب عينيها" (6).

إن ما نطالعه عبر هذه المقتبسات يشف عن الاستنتاج التالي:

قراءة الصحف الإسرائيلية، في معظمها، موضوع الانقسام الفلسطيني تأدّى بادئ ذي بدء عن سياق ربطه، أكثر من أي شيء آخر، بعنصرين مركزيين:

أولاً، جوهر "العلاقة" القائمة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والذي كان خاضعًا من نظرة إسرائيلية منذ العام 2000 نتيجة ما شهده هذا العام من فشل مفاوضات كامب ديفيد ثم اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، إلى رؤية "انعدام وجود شريك فلسطيني للتسوية النهائية"؛

ثانيًا، التداعيات المترتبة، من نظرة إسرائيلية كذلك، على ما أسمي بـ "سيرورة الانسحاب الإسرائيلية الأحادية الجانب"، والتي سبق أن حدثت في كل من جنوب لبنان (2000) وقطاع غزة (2005، في نطاق "خطة الانفصال")، وما أسفرت عنه كل عملية منهما، وفق تلك النظرة، من تعاظم نفوذ "القوى الإسلامية المتطرفة" (حزب الله وحماس)، في جهة، ومن تفاقم "خطر الصواريخ"، في جهة أخرى.

وفي واقع الأمر ثمة عنصر مركزي ثالث، لا يقل أهمية، يكمن في أن الحكومة الإسرائيلية كانت، قبل الانقسام بأقل من عام، قد "تخلت" عما عرف باسم "خطة الانطواء" أو "خطة التجميع" المتعلقة بالضفة الغربية، والتي ولدت من رحم "عملية الانسحاب الأحادية الجانب" من غزة، وأعلن صاحبها، رئيس الحكومة إيهود أولمرت، دفنها في إثر "حرب لبنان الثانية" في صيف 2006 (7).

في ضوء ذلك، يمكن ملاحظة أن الاستنتاجات المباشرة للصحافة الإسرائيلية من الانقسام الفلسطيني انصبت، في معظمها، في مصلحة خلاصتين متصلتين: الأولى، استمرار التشكيك في وجود "شريك فلسطيني للتسوية النهائية"؛ الثانية، الإجماع على ضرورة عدم قيام إسرائيل بتنفيذ أي انسحابات أخرى تتعلق بالضفة الغربية.

ولا بُدّ من الإشارة إلى أن جوهر المقاربات الإعلامية المتعلقة بالخلاصة الأولى (وفحواها التشكيك في وجود "شريك فلسطيني للتسوية النهائية") لم يكن ناجمًا عن رؤية تسبب بها الانقسام نفسه فحسب، وإنما كان ناجمًا أيضًا عن مواقف جرى التعبير عنها بقوة إزاء الجانب الفلسطيني عمومًا وإزاء حركة حماس خصوصًا، لا سيما منذ الانتخابات التشريعية الفلسطينية في كانون الثاني/ يناير 2006 والتي أسفرت عن فوز هذه الحركة بأكثرية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، وكان مؤداها أن تلك النتائج تشكل تكريسًا لواقع "انعدام الشريك" الذي بدأت ملامحه ترتسم منذ العام 2000 (8).

في الوقت نفسه، فإن هذه المواقف كانت قد تفاقمت في وسائل الإعلام الإسرائيلية المكتوبة، شأنها في ذلك شأن المؤسستين السياسية والعسكرية، عقب التوصل إلى اتفاق مكة بين حماس وفتح في شباط/ فبراير 2007. وكانت نابعة، أساسًا، من معارضة ذلك الاتفاق، ومن مماشاة سياسة الحكومة الإسرائيلية إزاء المصالحة الوطنية الفلسطينية والتي حظيت في حينه بدعم الإدارة الأميركية برئاسة جورج بوش. ولعل ما يجدر التذكير به، في هذا الخصوص، هو أن أول قمة عقدت بعد هذا الاتفاق، في 19 شباط/ فبراير 2007، بين إيهود أولمرت ومحمود عباس، بإشراف وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، لم يكن في وسعها أن تزحزح هذا الموقف الإسرائيلي قيد أنملة. وفي واقع الأمر فإن نتائج هذه القمة كانت قد حسمت حتى قبل أن تطأ قدما رايس أرض الشرق الأوسط، إذ إن أولمرت استبق ذلك بأن اتصل هاتفيا بالرئيس جورج بوش في 16 شباط/ فبراير 2007، وحصل منه على تعهّد شخصي بأن اتفاق مكة لن يغيّر شيئا، وبأن الولايات المتحدة ستستمر في مقاطعة حماس، كما تفعل إسرائيل. (كتب شمعون شيفر، المراسل السياسي الواسع الاطلاع لصحيفة يديعوت أحرونوت، في هذا الشأن يقول: توصّل الرئيس جورج بوش، خلال محادثة هاتفية مع رئيس الحكومة إيهود أولمرت، قبل مساء يوم 16/2، إلى اتفاق على اتخاذ موقف حاسم ضد الحكومة الفلسطينية الجديدة. وبحسب هذا الاتفاق فإن كلا من الولايات المتحدة وإسرائيل لن تعترفا بحكومة فلسطينية لا تعترف بإسرائيل ولا تتبنى الاتفاقات التي وقعها الفلسطينيون مع إسرائيل ولا تتنصل من الإرهاب. كما اتفق بوش وأولمرت على عدم التعاون مع وزراء من فتح يكونون شركاء في حكومة يرأسها إسماعيل هنيّة من حماس. وقد خصص قسم آخر من المحادثة لموضوع التهديد الإيراني وبقي سريًّا... ويعزو أولمرت أهمية إستراتيجية لهذه المحادثة، حيث إنه أفلح في إنجاز تنسيق كامل للمواقف مع الإدارة الأميركية، وذلك في ضوء محاولات بذلتها بعض الأطراف في الأسرة الدولية وكانت ترمي إلى دقّ إسفين بين الأميركيين وإسرائيل. ويتبيّن من تقارير وصلت مؤخرًا إلى إسرائيل أن الروس والإيطاليين يتصدران عملية تهدف إلى بلورة محور دول يعترف بالحكومة الفلسطينية الجديدة 9).

ومع أن ردّات الفعل الإسرائيلية على اتفاق مكة تراوحت بين "استفظاع" الاتفاق وبين التعويل عليه لشقّ "أفق سياسي"، إلا إن هذا التعويـل كان إلى ناحية مسبقة الاختيار هي تلبية ما يسمى بـ "شروط الرباعية" (الاعتراف بإسرائيل وتبني الاتفاقات التي وقعها الفلسطينيون مع إسرائيل ونبذ الإرهاب)، التي كانت إسرائيل تتغطى بها لمواصلة سياسة الحصار على الشعب الفلسطيني، المتبعة منذ انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني.

ومن شأن متابعة التعبيرات، التي صدرت تباعًا عن مختلف المسؤولين الإسرائيليين مباشرة بعد اتفاق مكة، أن توجز هذا الموقف الرسمي في العناوين العريضة التالية:

ـ يعبّر الاتفاق لأول مرة عن رغبة فتح وحماس في منع استمرار التصعيد في المواجهات العنيفة بينهما. ومن الناحية العملية، فقد حسم محمود عباس وفتح الموضوع لمصلحة "السلم الأهلي" في الساحة الفلسطينية الداخلية من خلال التنازل لحماس وإدارة الظهر لطلبات الولايات المتحدة الأميركية و"اللجنة الرباعية".

ـ تظهر حركة حماس بمظهر من جنت معظم الأرباح من "اتفاق مكة"، وذلك لأنها نجحت في الاحتفاظ بأهم مرتكزات السلطة، من دون تقديم تنازلات أيديولوجية فيما يتعلق بالصراع مع إسرائيل، ومن دون قبول شروط "الرباعية" والمجتمع الدولي.

ـ إن إشراك فتح في حكومة الوحدة، ودعوة عباس من خلال كتاب التكليف إلى احترام اتفاقيات الماضي التي وقعت عليها منظمة التحرير الفلسطينية، يهدفان إلى تمكين عباس وحماس من الظهور بمظهر ليّن أمام المجتمع الدولي بهدف إعادة المساعدات الاقتصادية ورفع العزلة الدولية. ومع هذا، فإن "اتفاق مكة" لا يتطرق إلى مبدأين أساسيين تطالب بهما الولايات المتحدة الأميركية و"اللجنة الرباعية"، وهما مبدآن أساسيان في اتفاقيات الماضي: الاعتراف بحق دولة إسرائيل في الوجود، ونبذ طريق الإرهاب والعنف كوسيلة لحل النزاع. وقد حرص المتحدثون باسم حماس على توضيح هذا من خلال تصريحات عبر وسائل الإعلام تفيد بأن البرنامج السياسي لحكومة الوحدة التي سيتم تشكيلها لا يتضمن الاعتراف بإسرائيل.

أمّا فيما يتعلق بالمحصلة المباشرة لهذا الاتفاق، والمحدّدة في إقامة حكومة وحدة فلسطينية، فإنّ الرهان عليها انطلق أكثر شيء من "رغبة مزدوجة": هناك من جهة الرغبة في إبداء التحفظ على العمل والتعاون مع الحكومة الفلسطينية الجديدة. وهناك، من جهة أخرى، الرغبة في أن لا تقوم هذه الحكومة أصلاً، كتعويل على أن يفضي ذلك إلى القضاء على الاتفاق في مهده، ما يعني أن تكون المسؤولية عن الجمود السياسي منحصرة في الجانب الفلسطيني وحده (10).

وبالنسبة للخلاصة الثانية، التي كان فحواها معارضة "انسحابات" إسرائيلية أخرى في الضفة الغربية، فإن تواترها بدا أكبر كثيرًا، واتخذ أصحابها من الانقسام الفلسطيني حجة لتسويغ هذه المعارضة.

ولاحظ المراسل السياسي لصحيفة هآرتس، ألوف بـن، أن هناك إجماعًا آخذًا في الرسوخ في إسرائيل بعد الانقسام الفلسطيني، وهو الإجماع على أنّ الانسحاب من الضفة الغربية لم يعد ممكنًا. وقد بات الجميع، من المعسكرات والأطياف السياسية كافة، شركاء في هذا الاستنتاج، وفقط التبريرات لذلك كانت مختلفة: فاليمين الأيديولوجي يرى أن المستوطنات هي نتاج فريضة دينية، وبنيامين نتنياهو يتكلم عن "جدار واق" توفره جبال يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، وإيهود أولمرت وعد بالانسحاب من الضفة وإخلاء معظم المستوطنات (خطة الانطواء) وتنكر للفكرة في أعقاب حرب لبنان الثانية وإطلاق صواريخ القسّام من قطاع غزة، وحتى في ميرتس لم يعودوا يتكلمون عن حلّ دائم وإنما فقط عن إطار نظريّ يمنح إسرائيل شرعية دولية، من منطلق الفهم بأن محمود عباس لن ينفذه. إنّ القاسم المشترك لهذه المواقف هو أنها تكرّس الوضع القائم لعشرات المستوطنات ومئات الحواجز وآلاف الجنود خلف الجدار الفاصل (11).

وإذا كان الجزء الأكبر من هؤلاء قال ذات مرّة إنه "ليس هناك من نتفاوض معه" في الجانب الآخر، فإنه الآن يقول، برأي هذا المراسل، إنه ليس هناك من نعيد إليه المناطق (المحتلة).

وقد كان أبرز من عبّر عن ذلك الرئيس الإسرائيلي المنتخب وحامل جائزة نوبل للسلام، شمعون بيريس، الذي كتب في سياق مقالة له في صحيفة يديعوت أحرونوت يقول: "من غير الواضح متى سنخرج من المناطق نهائيًا"، وأضاف: "حتى لو كنا جاهزين للخروج فلا يوجد من نسلمه المناطق في هذه المرحلة بسبب انعدام القدرة الفلسطينية على إقامة جيش واحد ودولة واحدة تفرض سيادتها على هذه المناطق" (12).

أصوات نقديــة: دور إسرائيل في الانقسام

بطبيعة الحال كانت هناك في الصحافة الإسرائيلية بعض الأصوات النقدية، التي سلطت الضوء أكثر على دور السياسة الإسرائيلية في تأجيج الانقسام الفلسطيني، في مقدمها المعلق السياسي في صحيفة هآرتس عوزي بنزيمان، الذي أشار إلى أن إسرائيل "مسؤولة بقدر غير ضئيل عما يحدث في الضفة الغربية وقطاع غزة، بحكم كونها الدولة المسيطرة على هاتين المنطقتين منذ العام 1967. كما أن الانفصال لا يعفي إسرائيل من المسؤولية عما يحدث في قطاع غزة" (13). كذلك فإنه نوّه إلى خروج رئيس الحكومة إيهود أولمرت، في ذلك الوقت، إلى ما أسماه "مهمة عاجلة" هي "البحث عن حاضنة تواجه بدلا من إسرائيل الفوضى الناشئة في قطاع غزة"، في حين أن ما كان مسيطرًا حتى وقت قريب على مراكز اتخاذ القرار في إسرائيل هو المفهوم الحاسم الذي يرفض أيّ تدخل دولي في الترتيبات الأمنية المتعلقة بحدود إسرائيل، لكن هذا المبدأ تعرّض للشرخ في حرب لبنان الثانية مع نشر القوات الدولية في الحدود الشمالية، والآن تتطلع إسرائيل للتوصل إلى تسوية مماثلة في محور فيلادلفي. علاوة على ذلك فقد حذّر رؤساء الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من مغبة "تدويل النزاع" مع الفلسطينيين، لكن أولمرت يخفّ الآن إلى عقد لقاءات مع الرئيس جورج بوش والسكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون، في محاولة يائسة لإيجاد شركاء، بل وحتى بدائل كاملين للقيادة الإسرائيلية، من أجل أداء المهمة التي تتطلبها التطورات الدراماتيكية في السلطة الفلسطينية. وبرأيه فإن "السيطرة العنيفة لحماس على قطاع غزة" من شأنها "أن تعزّز لدى اليمين واليسار في إسرائيل الاعتقاد بصدقية طريقيهما. فسيدعي اليمين أن ما حدث هو نتيجة لاتفاق أوسلو والانسحاب الأحادي الجانب من غزة، بينما سيقول اليسار إن ما حدث هو الثمرة المرّة للسياسات التي انتهجتها حكومات إسرائيل المتعاقبة. لكن مهما يكن فإنّ البلبلة التي تلف القيادة في إسرائيل إزاء التطورات في القطاع والتوجه اليائس إلى العالم لطلب مساعدته إنما يعكسان الفشل الأساسي في مواجهة إسرائيل للمشكلة الفلسطينية. وقد فضلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إدارة النزاع بدلاً من السعي إلى إنهائه" (14).

ويمكن التدليل على ما قاله هذا المعلق بشأن مواقف اليمين واليسار في إسرائيل إزاء الانقسام عبر نموذجين:

الأول، مقال لرئيس حزب ميرتس- ياحد (يسار صهيوني)، يوسي بيلين، ظهر في صحيفة معاريف (15) واعتبر فيه أن إسرائيل ارتكبت خطأ فادحًا عندما أوقفت المفاوضات بشأن الحل الدائم مع الفلسطينيين العام 2001 (في إثر مفاوضات طابا) وعندما تجاهلت المبادرة العربية للسلام العام 2002 (التي تبنتها القمة العربية في بيروت في ذلك العام)، فضلاً عن ارتكاب أخطاء أخرى، لكنه أكد أن ما أسماه "الأزمة الخطرة" في غزة تنطوي على "احتمالات جيدة"، ويتعين على إسرائيل في ضوئها أن تتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في مقابل حماس، وفي ظل الأوضاع المستجدة ليس هناك خيار إلا تطبيق هذا الاتفاق بواسطة طرف ثالث مثل مصر (وكتب في هذا الشأن بأن وقف إطلاق النار يجب أن يشمل تعهد حماس بالامتناع من ممارسة أي عنف ضد إسرائيل انطلاقًا من غزة، وتوقف إسرائيل، من ناحيتها، جميع عملياتها البرية والجوية في قطاع غزة، وتعمل حماس على إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأسير غلعاد شاليط (16) وتفرج إسرائيل عن أسرى فلسطينيين. كما يجب أن يشمل الاتفاق نظامًا مفصلاً لمعالجة القضايا اليومية)، في المقابل يتعين على إسرائيل أن تبدأ فورًا مفاوضات جادة بشأن الحل الدائم مع محمود عباس (أبو مازن)، فما من شيء يمكن أن يعزّز أبو مازن أكثر من ذلك، وعلى هذا الاتفاق أن يطبّق المبادرة العربية وأن يؤدي إلى اعتراف عالمي بحدود إسرائيل الجديدة وبالقدس عاصمة لها كما أنه يؤدي إلى إنهاء قضية اللاجئين، بالإضافة إلى فحص الخيار السوري قبل أن يتلاشى كليًا.

الثاني، مقال لوزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه أرنس (ليكود) ظهر في صحيفة هآرتس (17) وأكد فيه أنّ إسرائيل تتحمل، بسبب سياستها الخاطئة، جزءًا كبيرًا من المسؤولية عما حدث في غزة. صحيح أن هذه السياسة كانت، برأيه، تحركها نيات حسنة، مثل التطلع للتوصل إلى سلام وتحقيق العدل للفلسطينيين، لكن من المعروف جيدًا أن الطريق إلى جهنم مرصوفة بالنيات الحسنة. ووفقًا لقراءته فإن كل شيء بدأ في أوسلو قبل نحو خمسة عشر عامًا (من تاريخ حدوث الانقسام الفلسطيني). وفي ذلك الوقت حظي "رئيس الإرهابيين" ياسر عرفات بلقب "المحارب من أجل الحرية". وبعد انتهاء المفاوضات أحضر عرفات وعصابته من تونس وتم فرضهما على الشعب الفلسطيني في غالبية أجزاء يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وغزة. وقد خرجت إسرائيل من غزة منذ ذلك الوقت، لا في وقت اقتلاع المستوطنين من غوش قطيف في آب/ أغسطس 2005، بحسب الادعاء الكاذب لأنصار الانفصال. ومرّت التطورات اللاحقة عبر قرار إيهود باراك العام 2000 التخلي عن المنطقة الأمنية في جنوب لبنان وخيانة جيش جنوب لبنان، الحليف القديم لإسرائيل. وقد أدى ذلك إلى اندلاع انتفاضة الأقصى التي تمّ تنسيقها ما بين فتح وحماس. وفي الوقت الذي كاد فيه الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (شاباك) أن يلحقا بالإرهابيين هزيمة ساحقة طرحت حكومة أريئيل شارون الفكرة الغبية باقتلاع المستوطنين الإسرائيليين في غزة بالقوة والانسحاب إلى خطوط الهدنة الإسرائيلية- المصرية من العام 1947. وكان الشعار الكاذب "الانسحاب من غزة" هو ما تحتاج إليه حماس كي تزعم أنها انتصرت على إسرائيل وكي تنتصر على سلطة فتح الفاسدة في الانتخابات الفلسطينية. والآن سيطرت حماس على قطاع غزة، وليس في نيتها أن تقف هناك. وخلص أرنس إلى القول: إن حكومة إسرائيل أخطأت المرّة تلو المرّة في تقدير ردّات فعل العرب على الخطوات الإسرائيلية الرامية إلى التخفيف من حدّة التوتر في المنطقة وإلى تقريب العرب من أهدافهم بموجب مفهوم إسرائيل لهذه الأهداف. إن النيات الحسنة لا تكفي. وإذا لم تقترن هذه النيات بقدر كبير من الواقعية فمن شأنها أن تؤدي مباشرة إلى جهنم.    

وبالعودة إلى الأصوات النقدية يمكن القول إن صوت معلق الشؤون العربية في صحيفة هآرتس، تسفي بارئيل، بدا أكثر حدّة في نقد "السرعة التي استعدت فيها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل لاحتضان الحكومة الفلسطينية الجديدة (التي أعلن عن تأليفها في رام الله عقب الانقسام) ولمنحها كل ما لم تمنحاها إياه قبيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية في العام 2006، كما لو أنهما أيضًا تخفّان إلى المشاركة في احتفالات التقسيم بين الجنّة وجهنم بغية الإثبات لمواطني فلسطين كم كانت خسارتهم بالغة عندما صوتوا لحماس" (18).

وتابع: ليس في وسع غزة أن تنفصل عن الضفة الغربية. وإنّ كل من يرى في اتفاق أوسلو أساسًا لاستمرار التعاون الرسمي مع السلطة الفلسطينية ـ وما من طريق أخرى لتحقيق ذلك سوى اتفاق أوسلو- يتعيّن عليه أن يتبنى المبدأ الذي بموجبه تعتبر غزة والضفة وحدة واحدة. وحتى من دون هذا الأساس الرسمي فإنّ الصلة بين غزة والضفة هي صلة شراكة في الحلم والرؤيا اللذين يشكلان جوهر القومية الفلسطينية. من هنا فإنّ منح "ملكية" كل منهما إلى حركة دون سواها سيفسر على الفور بكونه خيانة للقضية الفلسطينية، فكم بالحري عندما تتمتع إحدى المنطقتين بالرعاية الأميركية- الإسرائيلية بينما تحظر هذه الرعاية على المنطقة الأخرى الخاضعة لرعاية إيران، حسبما تحاول فتح تعريف غزة الآن. إن السؤال هو كيف بالإمكان إذابة الغضب الذي تراكم لدى فتح ضد حماس وجمع الطرفين حول مائدة واحدة؟. يجوز أن لا يكون هناك مهرب مرة أخرى من تدخل السعودية ومصر وربما إيران وسورية من أجل التوصل إلى صيغة متطورة من "اتفاق مكة" (19).

غير أن معلق الشؤون الفلسطينية في صحيفة هآرتس، داني روبنشتاين، رأى أن غزة والضفة أصبحتا عمليًا كيانين منفصلين منذ اتفاق أوسلو، وأصبحت التجزئة بينهما أكثر حدّة بعد إحاطة القطاع بالأسيجة الحدودية وبعد البدء بإقامة الجدار الفاصل من حول الضفة أيضًا (20).

وكان الرئيس الأسبق لجهاز الأمن العام (شاباك)، يعقوب بيري، قد أشار في لحظة صراحة نادرة إلى أن سيطرة حماس على قطاع غزة لم تفاجئ أجهزة الأمن والاستخبارات في إسرائيل، ذلك بأنها كانت متوقعة منذ فترة. ومن الواضح الآن لجميع الدول والجهات الدولية الضالعة في العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين أن الحكومة الإسرائيلية ستتصرف على نحو صحيح فيما لو أوقفت خدمات البنية التحتية وأغلقت المعابر، وبالتالي يجب على دولة إسرائيل أن توقف خدمات جميع البنى التحتية المشتركة بينها وبين قطاع غزة بموجب جدول زمني تدريجي يجري الإعلان عنه مسبقًا، وأن تتيح لأي طرف دولي أو أي دولة عربية ترغب في ذلك إمكان أن تحلّ محلها. وفي وسع مصر، القلقة جدًا من سيطرة الإسلام المتطرف على القطاع، أن تكون طرفًا ملائمًا أفضل من أي طرف آخر لملء الفراغ الأمني والإنساني الذي تخلفه إسرائيل وراءها. بالإضافة إلى ذلك، على الحكومة الإسرائيلية أن تلقي مسؤولية استيعاب الراغبين في الهروب من قطاع غزة على عاتق أبو مازن والحكومة الجديدة التي أقامها في الضفة وذلك بعد فحوصات أمنية يقوم بها جهاز شاباك. وعليها أن تقيم قيادة خاصة لذلك في معبر إيرز تشمل عناصر من الجيش الإسرائيلي وشاباك وشرطة إسرائيل ووزارتي الخارجية والصحة. وبواسطة تحرير الضغط المتراكم في معبر إيرز، ستظهر إسرائيل تأييدها لحركة فتح وتحل مشكلة إنسانية صعبة من دون المجازفة بإدخال عناصر غير مرغوب فيها إلى الضفة الغربية (21).

أمّا الكاتب والمعلق السياسي ب. ميخائيل فقد نوّه بأن إسرائيل عملت لأعوام طويلة على تعظيم قوة حركة حماس بين أبناء شعبها وعلى تشجيعها في الساعات الحرجة وعلى ضمها إلى السلطة الفلسطينية. وكان الهدف من ذلك بطبيعة الحال هو بلوغ لحظة يمكن فيها إطلاق تنهيدة عميقة والقول بفم مبتسم: "الآن ليس هناك من نتحادث معه فعلاً". هذا هو الهدف الذي وقف وراء سحق أي قيادة فلسطينية ليست حمساوية. وهذا هو ما تطلع إليه جميع الحكماء الذين دبروا موت ياسر عرفات. وهذا كان هدف التحطيم المنهجي لقوات السلطة الفلسطينية. وهذا هو المنطق من وراء التقليل المعاند والمثابر والمهين لأهمية أبو مازن. وفعلاً تطورت حماس بشكل جيد. وتعاظمت قوتها وأصبحت منظمة ومحبوبة لدى شعبها وانتصرت في الانتخابات. وكلما تعاظمت قوة حماس وتآكلت قوة السلطة الفلسطينية تفاقمت الأصوات الإسرائيلية التي تطالب السلطة الفلسطينية بأن "تحارب حماس" وبأن "تلجم حماس" و"تنزع سلاح حماس" وبمطالب أخرى لم تفلح إسرائيل في أن تنفذها طوال أربعين عامًا من طغيانها. وبدأ الإسرائيليون يقولون أخيرًا إن "الفلسطينيين بحاجة إلى ألتالينا خاصة بهم". ومعنى ذلك أن المؤسسات الوطنية الفلسطينية يجب أن تفعل بالانفصاليين ما فعله دافيد بن غوريون بالانفصاليين اليهود في العام 1948. وقد أمر أبن غوريون في ذلك الوقت بإغراق سفينة "ألتالينا" التي كانت تشحن الأسلحة لمنظمة الإيتسل، وبذا فقد لقنهم درسًا موجعًا في وجوب الطاعة والوحدة. لكن ما يتضح فجأة هو أن جميع المثقفين الإسرائيليين الذين تمنوا حدوث "ألتالينا" فلسطينية قصدوا عمليًا نصف "ألتالينا"، أي فقط الحرب الأهلية لكن ليس المصالحة التي حصلت في أعقابها، فقط سفك الدماء والكراهية وتبادل إطلاق النار، لكن ليس الحل الوسط ولا الوحدة ولا التكتل من حول سلطة واحدة. وإذا ما كفّ أبو مازن عن الحرب الأهلية أو جنح إلى المصالحة والتحادث فعندها نبلغه بأنه انحرف عن حدود الـ "ألتالينا" المسموح بها ونعلن أنه غير صالح للمفاوضات ونعود نتمنى لحظة سعيدة تتاح لنا فيها "ألتالينا" أخرى (22).
[للبحث صلة]
الهوامش:
1. هآرتس، 13/6/2007.
2. يديعوت أحرونوت، 14/6/2007.
3. المصدر نفسه.
4. يديعوت أحرونوت، 15/6/2007.
5. المصدر نفسه.
6. يديعوت أحرونوت، 17/6/2007.
7. نصت "خطة الانطواء" على الانسحاب من معظم أجزاء الضفة الغربية، وإخلاء المستوطنات الواقعة شرقي الجدار الفاصل (بحسب هذه الخطة تقوم الحكومة الإسرائيلية، بصورة أحادية الجانب، بتجميع المستوطنين اليهود المنتشرين في المستوطنات القائمة في قلب الضفة الغربية ونقلهم للسكنى في المستوطنات القائمة داخل الكتل الاستيطانية المنتشرة في مناطق قريبة أكثر من حدود ما قبل العام 1967، وفقًا لمسار الجدار الفاصل. وقد جرى الحديث على كتل معاليه أدوميم وأريئيل وغوش عتصيون. وأشارت صحيفة يديعوت أحرونوت في حينه إلى أن هذا التجميع لن يشمل مستوطنة كريات أربع والبؤرة الاستيطانية في الخليل، على الرغم من كونهما خارج الجدار. وبناء على الخطة تواصل إسرائيل السيطرة على 7 بالمئة من أراضي الضفة الغربية).
8. "لا شريك جديد- قراءات إسرائيلية في الانتخابات الفلسطينية"، أوراق إسرائيلية 32، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية مدار، آذار/ مارس 2006.
9. يديعوت أحرونوت، 18/2/2007.
10. أنطوان شلحت، إسرائيل واتفاق مكة: انتظار الفشل، مجلة الدراسات الفلسطينية، مجلد 18، عدد 69، شتاء 2007.
11. هآرتس، 28/6/2007.
12. يديعوت أحرونوت، 22/6/2007.
13. هآرتس، 17/6/2007.
14. المصدر نفسه.
15. معاريف، 19/6/2007.
16. تجدر الإشارة إلى أن موضوع الجندي الأسير غلعاد شاليط حظي باهتمام خاص في نطاق تعليقات الصحف الإسرائيلية على الانقسام الفلسطيني، ورأى بعضها أنّ سيطرة حماس على قطاع غزة تجعل هذه الحركة، من ناحية إسرائيل، العنوان الوحيد في هذا الشأن. كما أنه من أجل الإفراج عن شاليط ربما ستضطر إسرائيل إلى تنفيذ إملاءات هذه الحركة. مع ذلك فإنّ سيطرة حماس تحمل معها أملاً معينًا، حيث أن الحركة تحاول في هذه الأيام أن تفرض سيادتها على جميع الميليشيات العاملة في جنوب قطاع غزة. وفي حال نجاحها في ذلك فسيكون هناك عنوان واحد واضح لإدارة المفاوضات (عمير ربابورت، معاريف، 24/6/2007).
17. هآرتس، 21/6/2007.
18. هآرتس، 18/6/2007.
19. المصدر نفسه.
20. هآرتس 15/6/2007.
21. يديعوت أحرونوت، 19/6/2007.
22. يديعوت أحرونوت، 26/6/2007.

(*) نص أحد فصول كتاب "الإعلام الفلسطيني والانقسام ـ مرارة التجربة وإمكانيات التحسين" الصادر عن "مواطن ـ المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية" ـ رام الله، 2011، تحرير: خالد الحروب وجمان قنيص
2011-07-09