ارشيف من :ترجمات ودراسات

كاسيزي يجتهد من جديد: المحكمة الدولية من أجل كرامة الإنسان!!! لماذا يعترض المتهمون؟

كاسيزي يجتهد من جديد: المحكمة الدولية من أجل كرامة الإنسان!!! لماذا يعترض المتهمون؟
محمد الحسيني

استنفزّ الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله بكلامه عن رئيس المحكمة الدولية "انطونيو كاسيزي" ما هبّ ودبّ من مستقبليي السيادة والحرية في لبنان، وانبرت "منابر السياسة والإعلام" في تيار "سعد الحريري" للدفاع عن رجل العدالة الدولية والاستقرار العالمي والمناصر الشرس للقضية الفلسطينية، واستشهدت في هذا الدفاع باجتهاد متجزأ وملتبس لكاسيزي... لكأن هذا الرجل المعروف بانحيازه المطلق للصهيونية بات لدى المستقبليين رمزاً مقدّساً أقرب إلى العصمة منه إلى الخطأ... والانحياز المتآمر، وهو الذي يجاهر بوضعه "إسرائيل" في مصاف أرفع الدول الديمقراطية في المنطقة، ويعتبر الجيش الإسرائيلي أكثر الجيوش "أخلاقية" في العالم.

ولا شك أن كلام السيد نصر الله قد أحدث دوّامات كثيرة في مستنقع المجتمع الدولي ولا سيما المحكمة الدولية، حيث سارع كل معني بها لتأكيد حيادية ونزاهة عمل هذه المحكمة بالكلام، من دون اقتران هذا الكلام بردود علمية وواضحة على ما كشفه الأمين العام في مؤتمره الصحافي الذي عقده بتاريخ السبت 12 آب/ أغسطس 2011 من تزوير وارتشاء وارتهان وتبعية والتزام بأجندة مرسومة منذ ما قبل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري... وهو ما دفع بالرئيس كاسيزي نفسه لينبري إلى الدفاع عن نفسه بمقال نشرته جريدة "نيويورك تايمز" ألقى المزيد من العتمة على صورة الرجل بدل أن ينصّعها.

ماذا قال اجتهاد كاسيزي الجديد في مقاله؟

"... تظهر الأحداث الأخيرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط الرغبة في العدالة، وأن كرامة الإنسان عالمية.. الملف معقّد جداً والتحقيق يجب أن يكون دقيقاً جداً والإجراءات القضائية يجب أن تكون عادلة غير منحازة على الإطلاق.. نحن نعلم أن في لبنان، كما في أماكن أخرى، العدالة تقتضي أن تعمل ضمن بيئة سياسية.. إن الاضطرابات التي شهدها المواطنون في الشرق الأوسط في الأشهر الأخيرة أظهرت للعالم جلياً أن سيادة القانون والمساءلة هي من الركائز التي يرغبون في بناء مجتمعاتهم عليها.. وهذه المحكمة هي فرصة لصحوة قضائية في لبنان والمنطقة، وهي فرصة يجب عدم تضييعها".

لن نقرأ هذا الكلام لكاسيزي قضائياً لأنه لم يحتوِ على أي نص أو قاعدة أو معادلة تتعلق بميزان القضاء والعدل، فالرجل ساق عناوين أشبه بالخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي جورج بوش الصغير بعيد تدمير برجي مركز التجارة العالمية في 11 أيلول/ سبتمبر 2001، حيث أعلن آنذاك الحرب على الإرهاب الدولي وانطلاق الحملة لنشر الديمقراطية في العالم وبدء تشكيل العالم من جديد ولا سيما منطقة الشرق الأوسط، وتوالت الأحداث فصولاً بدءاً من أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان وصولاً إلى يومنا هذا. ولم يدر بخلد بوش أن هناك من سيقلب معادلاته الدولية ويسقط مخطّطه في إعادة رسم خارطة المنطقة، وهو ما أفرزته نتائج الحرب الإسرائيلية على لبنان في العام 2006 التي انهزمت بها "إسرائيل" وتاريخها... ومستقبلها أيضاً.

كان كاسيزي واضحاً في "عنونة" غايات المحكمة الدولية التي تتجاوز الهدف المحدّد والمرسوم لها، وهو التحقيق في اغتيال الرئيس الحريري، ليجعل من دائرة شموليتها تغطي أحداث منطقة الشرق الأوسط، بذريعة التحركات الشعبية ضد الحكومات، وهو طبعاً لم يقصد بذلك إلا النظام في سوريا، بدليل أن هذه المحكمة ومن يقف وراءها من المجتمع الدولي لم يتحرك لمحاكمة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، ولا الرئيس التونسي اللاجئ إلى السعودية، وهذان يحاكمان وفق القانون الوطني لبلديهما، في حين تحركت ماكينة القضاء الدولي ومجلس الأمن و..و.. لإطباق الحصار على الرئيس السوري بشار الأسد... لماذا؟!!

أما أن يعتبر كاسيزي أن "هذه المحكمة فرصة لصحوة قضائية في لبنان والمنطقة.."، فذلك يأخذ الأمر إلى أبعد من ذلك بكثير، فهي دعوة واضحة وجليّة ومباشرة لوضع المنطقة وحكامها وأنظمتها وأشخاصها تحت مقصلة القضاء الدولي، كما إنها ضربة مباشرة للأنظمة القضائية السائدة في دول المنطقة، ولا نتحدث هنا عن لبنان فقط، بل عن كل الدول التي تشكّل الشرق الأوسط عرباً وغير عرب.. وطبعاً باستثناء "إسرائيل" التي ـ وفق كاسيزي ـ تشكّل النموذج الذي سيبنى عليه مستقبل المنطقة، ويسود قانونها مع ما فيه من جرائم ترتكب بحق الإنسانية، دون حساب، وباسم كرامة الإنسان.. فلماذا يعترض المتّهمون؟
2011-07-15