ارشيف من :آراء وتحليلات
سوريا: هل من قوى معطلة للإصلاح؟!
لؤي توفيق حسن(*)
حذارِ!.. كأن هنالك من لا يريد لسوريا أن تدخل ميدان الإصلاح. فما أن تلوح بارقةٌ من هنا حتى تعقبها انتكاسةٌ من هناك!.
كنا حتى الأمس القريب نعاتب الشخصيات التي قاطعت "اللقاء التشاوري" الذي دعت إليه هيئة الحوار في الشهر الجاري (تموز/ يوليو). حتى تساءلنا عن مدى جديتهم في التحاور. وحيث لم تقنعنا أسبابهم من أن "السلطة لم توفر بيئة مناسبة للحوار". وكنا في المقابل نرد، بأن مجرد الدعوة للحوار تعكس تغيرات مناخية نحو البيئة المنشودة.
لكن يبدو بأننا ظلمناهم بعض الشيء!. إذ ما كاد يجف الحبر الذي به سُطِّرت قرارات اللقاء التشاوري حتى نُفاجأ في اليوم التالي بخبر التصدي العنيف لمسيرة المثقفين في العاصمة دمشق واعتقالاتٍ طالت بعضهم.
إنه لأمر مخالفٌ للمنطق يدفعنا إلى تساؤلاتٍ تحمل في طياتها الكثير من القلق، والكثير من الشك.
من هو صاحب المصلحة في إجهاض حوار سلمي ديمقراطي يؤسس لمرحلة جديدة من التطور السياسي. وبأقل قدرٍ من الكلفة. أو بمعنى آخر بعيداً عن حسن النوايا هذه المرة!.. هل هنالك من (جنودٍ مجهولين!) يتولون الالتفاف على الإصلاح في سيناريو معقد من فعلٍ يأتي من هنا. (ينتظره!) ردٌّ من هناك!!. وإلى ما يستكمل مشاهد مركبة من العنف، و(الفوضى الخلاقة!!). والتوجس، واللاثقة حتى الإحباط!!.
الأخطر في هذه المرحلة المسعى لإسقاط عامل الأمان. "حماة بيد الفوضيين!!" بحسب ما أفاد مراسل "السفير" اللبنانية في سوريا. الأخبار تتواتر عن إطلاق نارٍ من هنا أو اختطاف من هناك. وذلك من مصادر الإعلام الرسمية. إن هذا بالذات يهدف إلى إسقاط دور الدولة. وأولى مهماتها الأمن والأمان.
مما لاشك فيه بأن الخارج وأصابعه في الداخل، تحاول تصنيع فوضى لاستثمارها في تجويف النظام من محتواه ، ودوره وصولاً لإسقاطه. لكن المؤسف ان البعض في مكانٍ آخر يرد بالتذاكي! محاولاً استثمار الفوضى لينشر منها ثقافةً مؤداها: أن الديمقراطية لا تليق بالمجتمع السوري!. هذا ما نلمسه على صفحات شبكة التواصل الاجتماعي (facebook) وهي نسبياً تعكس عيّنات يمكن الركون إليها تشير الى طريقة تفكيرٍ ما زالت تحلم بإبقاء القديم على قِدمه!.
حتى الأمس القريب بدا ما حدث في سوريا وكأنه بحجم الثورة. ولكن من طبيعة وآلية مختلفة عما حدث في مصر، وتونس. حراكٌ في القاعدة. لاقاه تحركٌ من قمة الهرم: الرئيس بشار الأسد. خطوةٌ من هنا. وخطوةٌ من هناك. والمحصلة ما كاد يصل إلى عتبة الإنجاز الثوري.
إذا ما انطلقنا من الفرضية السابقة، سنجد تقاطعاً بين ما يحدث في مصر، وما يحدث في سوريا. الثورة في الأولى لم تكتمل لوجود قوى معطلة. وكذلك الحال في الثانية!.
أما نقاط الاختلاف الجوهري فهي ان الثورة في الأولى لم تبلغ غايتها مع رحيل الرئيس وبقاء النظام. والثورة في الثانية كادت ان تقترب من مبتغاها مع بقاء الرئيس ووشوك عجلة الإصلاح على الانطلاق.
المطلوب توليفة جديدة من حركة سياسية واعية، ويقظة... حركةٌ من قمة الهرم باتجاه تنسيقيات الشباب وبما يجعلهم محصنين من مؤثرات الخارج، أو استطالاته في الداخل. وهنا يبرز الدور الحيوي للمثقفين الشرفاء في صفوف المعارضة. وفي المقابل المطلوب من القاعدة الشبابية تلك تفهّم ظروف الرئيس. مع إدراكها بأن الشعارات لا تختزل الحلول الصعبة. وبأن الرياح لا تنتظر أشرعتهم لتهب إلى ما يبتغونهُ!. إنهم أضعف الحلقات في لعبة الأمم المحيطة بسوريا المتسللة إليها. ومعها وبها سيصبحون إما مطيتها، أو شهود زورٍ فيها. هذا ما لم يبلوروا تصوراً سياسيا واقعياً، يشكل منطلقاً ـ (عملياً) ـ لتفاهماتٍ مع السلطة تساهم في إخراج سوريا من عنق الزجاجة إلى نقلةٍ نوعية في حياتها السياسية.
لكن سيبقى ما جرى بعد 12 تموز/ يوليو مثيراً للقلق. ليس أقله أنه يسيء للحوار الذي كان على رأسه نائب رئيس الجمهورية بما يمثل. وبما هو عليه. وبكل ما لذلك من آثار وتداعيات... وما يحمله من أسئلةٍ صعبة!!، تستدعي إجاباتٍ شجاعة.
(*) كاتب من لبنان