ارشيف من :ترجمات ودراسات
أميركا وحلفاؤها: حل سياسي مع القذافي على حساب الثوار الليبيين
عقيل الشيخ حسين
باستثناء بعض الحالات النادرة التي تستخدم لذر الرماد في العيون عبر ادعاء الحيادية، عودتنا "هيومان رايتس ووتش" ومثيلاتها من منظمات حقوق الإنسان على الخروج بتقارير ومواقف هي تمهيد أو امتداد للمواقف الأميركية التي تستخدم الدفاع عن حقوق الإنسان كذريعة لتغطية الضغوط والتدخلات التي تخدم أغراض الهيمنة وبسط النفوذ.
ومهما بذلت تلك المنظمة من جهود من أجل تقمص الحيادية والموضوعية، فإن تقريرها الذي صدر مؤخراً وجاء مفاجئاً لجهة اتهام قوات المجلس الانتقالي الليبي بارتكاب تجاوزات بحق المدنيين الليبيين، يمكن اعتباره فاتحة لانقلاب على الثوار الليبيين من قبل الجهات المتحالفة في الحرب على ليبيا.
فالاتهامات التي وجهتها المنظمة المذكورة للثوار والتي ركزت على أنهم مارسوا أعمالاً من نوع السطو على المتاجر والمنازل ونهب المستشفيات وغيرها من الممتلكات العامة وصولاً إلى الاعتداء بالضرب عل مواطنين يشتبه بتأييدهم لنظام القذافي، كان من الممكن، حتى ولو صحت، وفيما لو كانت الانسجام هو ما يحكم العلاقة بين الثوار والتحالف، أن يتم التغاضي عنها أسوة بما لا يحصى من ارتكابات وجرائم وإبادات ترعاها أو تمارسها قوى الهيمنة في أربع أقطار العالم.
إن قيام المنظمة الحقوقية بتعميم هذا التقرير في الوقت الذي تتبارى فيه بلدان التحالف والقوى المرتبطة بها في تقديم أشكال من الدعم للثوار الليبيين، لا يصح فهمه، حتى في حال صحة ما ورد فيه من معلومات، إلا من خلال سياقه، أي من خلال تزامنه مع التصريحات المفاجئة التي صدرت عن كبار المسؤولين الفرنسيين والتي تحدثت عن حل سياسي وشيك للنزاع الليبي، وهي تصريحات جاءت لتؤكد ما أكده سيف الإسلام القذافي عن مفاوضات تجري بين السلطات الفرنسية والنظام الليبي.
والأكيد أن الأميركيين والبريطانيين قد ساءهم أن يسبقهم ساركوزي إلى تسجيل هذا السبق الصحفي عبر الإعلان عن المفاوضات والحل الوشيك، فوجهوا إليه لطمة عبر إجباره على الاستدراك المتأخر الذي عاد معه إلى مقولة رحيل القذافي كشرط مسبق للحل. لكن ذلك لا يعني أن الأميركيين والبريطانيين متمسكون فعلاً بهذا الشرط الذي يستخدمونه كوسيلة لحفظ ماء الوجه في ظل عجزهم عن تحقيق التقدم الموعود في حرب أقل ما يقال فيها إنها تحولت إلى حرب عبثية.
فالمعروف أن المسؤولين الغربيين قد وعدوا العالم وشعوبهم بتنفيذ المهمة في ليبيا في غضون أيام أو أسابيع على الأكثر. وبعد أن مضت ثلاثة أشهر على بدء العمليات العسكرية من دون أن يلوح أفق الانتصار الموعود، لجأ الحلفاء إلى روسيا، في قمة الثماني التي عقدت في أواخر أيار/ مايو الماضي، ليتسولوا منها مبادرة باتجاه الوصول إلى حل سياسي ينهي الصراع في ليبيا.
صحيح أنهم يتمنون رحيل القذافي ليظهروا أن تدخلهم في ليبيا لم يكن بلا طائل. وقد استشاط الرئيس الفرنسي في بذل الجهود العسكرية من أجل تحقيق هذا الهدف قبل 14 تموز/ يوليو الذي تحتفل فيه فرنسا بذكرى ثورة العام 1789. وصحيح أن الرئيس الأميركي كان يراوده الحلم نفسه ليغطي على الانسحابات المعلنة من أفغانستان والعراق.
وصحيح أنهم قد لجأوا قبل أيام إلى العنتريات الفارغة عبر الحديث عن إنزال بري وشيك لنحو 50 ألف جندي للإسراع في حسم المعركة. لكن كل ذلك لم يفلح في زعزعة القذافي الذي كان يهدد من جهته بنقل الحرب إلى أوروبا، الأمر الذي تم حمله على محمل الجد في وقت يعتقد فيه بأن النظام الليبي لا يزال يمتلك خلايا نائمة وقادرة على التحرك في المدن الأوروبية.
لذا بات من الطبيعي أن نسمع رئيس الوزراء الفرنسي، فرنسوا فيون، يتحدث أمام برلمان بلاده عن حل سياسي بدأت ملامحه ترتسم في الأفق، ويؤكد أن هذا الحل بات ضرورياً أكثر من أي وقت مضى. وإذا كان فيون قد استجدى من البرلمان تمديد التدخل العسكري في ليبيا فلتجنب الفضيحة التي ستصيب نظام ساركوزي فيما لو خرجت فرنسا من الحرب قبل التوصل إلى ذلك الحل أسوة بما فعلته، بعد بلدان اوروبية اخرى، كل من النروج وإيطاليا.
أما المجلس الانتقالي والثوار الليبيون، فلم يغنهم رفع الأعلام الفرنسية وتعليق صور ساركوزي في الأماكن العامة. فهم الآن ـ وبعد تقرير هيومان رايتز ووتش ـ على وشك أن توجه إليهم تهمة الإرهاب. فقد صدقوا للحظة أن الذئب يمكن أن يصبح صديقاً وحارساً للنعاج.
يمكنهم أن يرفعوا أصواتهم الآن برفض كل حل لا يستند إلى رحيل القذافي، لكنها تبقى أصوات جوفاء عندما تقتضي لعبة الأمم تقديم شعب أو شعوب كاملة قرابين على مذبح المصالح. إنها عبرة بعد آلاف العبر برسم الثورة الليبية وغيرها من الثورات العربية.