ارشيف من :آراء وتحليلات

عندما تصبح القضية الفلسطينية رافعة لنضال الشعوب في بلدان الغرب !

عندما تصبح القضية الفلسطينية رافعة لنضال الشعوب في بلدان الغرب !
عقيل الشيخ حسين

للمحافظة على ورقة التين الأخيرة التي تستر عورة الانحياز الرسمي الدولي للكيان الصهيوني، سمحت السلطات الفرنسية لسفينة "الكرامة" المشاركة في "أسطول كسر الحصار على غزة 2"، بالمغادرة نحو اليونان، كما سمحت لها هذه الأخيرة بمغادرة الميناء اليوناني، في حين احتجزت جميع السفن الأخرى المشاركة في الأسطول.

كما سمحت السلطات التركية لسفينة أخرى بالرسو في مرفأ تركي بعد أن كانت قد منعتها من ذلك في أعقاب مغادرتها لأحد الموانئ اليونانية وتوقفها قبالة الشواطئ التركية لمدة يومين في إطار بحثها عن مرفأ ترسو فيه ريثما تتضح الخطوة التالية في مسار حملة التضامن مع غزة والشعب الفلسطيني.

وقد رشحت أخبار مفادها أن الموقف التركي ربما يكون قد اتخذ لأسباب "إنسانية" بعد انسحاب تركيا من "الحرية 2" نتيجة لضغوط مورست عليها من قبل الأميركيين والإسرائيليين. وهنالك تحليلات تذهب إلى القول بأن تركيا قصدت من انسحابها إحراج "إسرائيل" وعدم إعطائها ذرائع لمهاجمة الأسطول الذي ستقتصر المشاركة فيه على سفن تابعة لبلدان أوروبية وغربية!

لكن أياً من البلدان المعنية بحملة التضامن مع الشعب الفلسطيني لم يظهر الحاجة إلى مثل هذه البراعة التركية في ابتكار المبررات الواهية، خصوصاً في وقت لم تجفّ فيه بعد دماء الشهداء الأتراك الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي في واقعة سفينة "مرمرة".

فالمواقف الغربية الرسمية كانت بالإجماع أكثر ملكية من الملك في تصديها لتلك الحملة. الكونغرس الأميركي اعتبرها ـ في تماهٍ كامل مع الخطاب الإسرائيلي ـ "عملاً استفزازيا". أما بقية السلطات في أوروبا وأميركا فقد اعتمدت الحلول الأمنية ضد المشاركين في الحملة إن على مستوى احتجاز "أسطول الحرية 2" في الموانئ اليونانية، وإن على مستوى الاضطهاد الذي تعرّض له المشاركون في الحملة الدولية "أهلاً في فلسطين" في المطارات الأوروبية والأميركية.

فقد شاهد العالم الإجراءات التعسفية والذرائع المفضوحة التي لجأت إليها حكومة باباندريو وحزبه الاشتراكي في التضييق على نحو 21 سفينة تقل أكثر من 600 ناشط من 22 بلداً يحملون مساعدات إنسانية إلى غزة. وقد جرى كل ذلك تنفيذاً للرغبة الإسرائيلية المدعومة أميركياً في وقت يخوض فيه باباندريو مواجهة شرسة مع شعبه لإمرار سياسات التقشف المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية الدولية، ويراهن على دور إسرائيلي في إخراج اليونان من حالة الإفلاس المالي التي تضريها منذ اشهر.

أما المشاركون في حملة "أهلاً في فلسطين" فقد أصابهم ما أصاب المشاركين في "الحرية 2" ولكن على مسرح مختلف هو مطارات باريس ولندن وروما وفرانكفورت وجنيف وفيينا وأثينا واسطنبول وبروكسل وزوريخ وبخارست وبودابست، إضافة إلى عدد من المطارات الأميركية وإلى مطار... اسطنبول.

ففي أجواء الاستياء الذي قوبلت به إجراءات السلطات اليونانية بحق أسطول "الحرية 2"، ومنذ بداية تموز/ يوليو أطلق عدد من المنظمات الفلسطينية دعوة للتعرف المباشر إلى الظروف الحياتية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في ظل الاحتلال الإسرائيلي، وذلك عبر قضاء عشرة أيام في ضيافة الأسر الفلسطينية في القدس والضفة والقطاع.

وفي الوقت الذي كانت بعض كبريات وسائل الإعلام العالمية والعربية تتحدث عن ناجعية الإجراءات الأوروبية والأميركية في عرقلة "الحرية 2" وتعتبر ذلك "انتصاراً كبيراً" للديبلوماسية الإسرائيلية، لم تمض إلا أيام قليلة على إطلاق الدعوة الفلسطينية حتى تبين مدى ما يحظى به الشعب الفلسطيني من تعاطف وتأييد شعبي في العالم.

فقد استجاب للدعوة 650 ناشطاً من مختلف البلدان الأوروبية والأميركية بينهم 330 فرنسياً، واشتروا بطاقات للسفر إلى فلسطين على رحلات جوية عادية عبر المنفذ الوحيد المتمثل بمطار "بن غوريون" الإسرائيلي (في ظروف الدمار الذي ألحقه الإسرائيليون بالمطارات الفلسطينية).

عدد قليل جداً من هؤلاء تمكن من الوصول إلى المطار الإسرائيلي حيث تعرضوا للاعتقال والترحيل. أما اكثريتهم الساحقة فقد اصطدمت بتحالف الأجهزة الأمنية وشركات الطيران التي وضعتهم على لوائح سوداء ومنعتهم من الصعود إلى الطائرات بتوجيه من الإسرائيليين الذين صوروهم في وسائل الإعلام بصورة المشاغبين والمحرضين والمخربين.

وفي الحالتين (الحرية 2، وأهلاً في فلسطين)، لاحظ المراقبون أن الإسرائيليين قد وسعوا إطار حصارهم المفروض على فلسطين وغزة ليمتد بعيداً في طوق يشتمل على بلدان أميركا وأوروبا في ظل خضوع الحكومات والدول لإملاءاتهم وللإملاءات الأميركية.

ولاحظوا أيضاً، في الوقت الذي تحتدم فيه معركة الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الدورة المقبلة للجمعية العمومية للأمم المتحدة، أن حراكاً نشطاً يتنامي بين شعوب هذه البلدان التي بدأت تدرك مدى فشل حكوماتها في معالجة أزماتها المستحكمة، ومدى الكذب الذي تمارسه الدعاية الصهيونية بالتواطؤ مع تلك الحكومات، في ما يخص القضية الفلسطينية التي تتجه نحو التحول إلى رافعة هامة للنضال الشعبي في بلدان الغرب المأزومة.

2011-07-20