ارشيف من :آراء وتحليلات

سقوط استراتيجية البنزين... بين إيران و"اسرائيل"

سقوط استراتيجية البنزين... بين إيران و"اسرائيل"
حسان ابراهيم

تسبق ايران النووية، اسرائيل، خطوات. بينما "دعسة" اسرائيل في المواجهة والتصدي، لتهديد تراه، وهو بالفعل تهديد، دائماً ناقصة وقاصرة. والقصور الاسرائيلي ليس في ارادة التصدي، بل في خليط من قصور القدرة والرؤية وفهم الواقع ومحدودية القوة.

في العام 2003، وكعينة على طبيعة المتابعة والفهم الاسرائيليين للموضوع الايراني وللقدرات الايرانية، يكشف الصحافي زئيف شيف في محاضرة ألقاها في مركز دراسات الامن القومي (جافي سابقا)، ضمن ندوة لدراسة كيفية منع ايران من الوصول الى القدرة النووية، ان الاستخبارات الاسرائيلية العسكرية، في العام 1996، عرضت على طاولة حكومة بنيامين نتنياهو في حينه، تحذيراً من أن ايران تسعى للحصول على القدرة النووية، وأنها خلال عشر سنوات، ما لم يجر التصدي لها، ستحوز القنبلة النووية. الحضور من نواب ووزراء ورؤساء للأجهزة الأمنية الاسرائيلية، تلقوا التقرير الاستخباري بكثير من الاستهزاء والسخرية، وأحدهم قال، كما يذكر شيف، "صحيح أن الايرانيين ليسوا عربا، لكنهم ليسوا يهوداً.. من الآن وحتى عشر سنوات، لن يكون هناك نظام اسلامي في ايران، وبالتالي لا داعي للانشغال بأمور لن تحصل أساسا".

انتهى النقاش عند هذا الحد، يذكر شيف، بلا أي رؤية أو نقاش إضافي او تفاصيل تحذيرية لما سيأتي. مرت الأيام، وتبين صدق ما ورد في التقرير الاستخباري.

يُبين رد الفعل الاسرائيلي في العام 1996 على تحذير الاستخبارات العسكرية، ما يحكم التصور الاسرائيلي المتعجرف والاستعلائي حيال أعداء تل ابيب، إن لجهة قدراتهم وإمكاناتهم، أو لجهة قدرات إسرائيل ايضا. يوجد نوع من الاستخفاف والتعالي والنظرة المسبقة المحكومة بتصور عظمة "اسرائيل" وقدرتها على التحكم بالامور، مع التأكيد على فكرة حاكمة بأنه ليس لأعدائها القدرة الفعلية على ايجاد تحدّ وتهديد حقيقي للدولة العبرية.

على الدوام، ونتيجة للعقلية الاسرائيلية في التفكير، كانت الخطوات الاسرائيلية تأتي متأخرة. لدى الحديث الأول الجدي اسرائيلياً، في العام 1999، عن الخطر النووي الايراني، حكم توجه تل أبيب فكرة موضوعة مسبقا في عقولهم عن اعدائهم، بأن الايرانيين غير قادرين بقواهم الذاتية على حيازة التكنولوجيا النووية، الأمر الذي استتبع التوجه نحو روسيا والصين لمنع وصول هذه التكنولوجيا الى ايران.. في حينه، جرت تسمية إستراتيجية المواجهة بـ"منع تسريب النووي لايران"، وكان الشغل الشاغل لتل أبيب في تلك الفترة، هو الضغط بشكل ذاتي أو من خلال الاميركيين، على بكين وموسكو لمنع تسريب التكنولوجيا النووية، لكن في الوقت نفسه، كانت طهران تعمل على تنمية قدراتها الذاتية. أي إن أساليب واستراتيجية التصدي لايران كانت في غير محلها، وبالتالي نجحت ايران قبل أن تدرك تل ابيب بأن لا تسريب في الأساس، وأنها "تعالج الداء بدواء لداء آخر".

عندما استيقظت تل أبيب من غفوتها، كانت الأمور قد انتهت. لم يعد العامل الخارجي بمؤثر على الملف النووي الايراني، والتسريب، الذي نودي به طويلا ووضعت لأجله دراسات ونظمت ندوات، لم يكن في محله.

ولنقفز قليلا.. في السنوات القليلة الماضية، وبعد أن استكشفت تل ابيب أن المواجهة العسكرية مع ايران غير ممكنة، اوجدت "حلولا ابداعية"، ظنت أنها قادرة من خلالها على الوصول الى نتائج الهجوم العسكري على المنشآت النووية، بلا استخدام لهذا للخيار العسكري أساسا، رغم أنه موضوعيا، غير ممكن ومتعذر. الخيارات البديلة كانت متعددة، وكان أولها فرض عقوبات على الشعب الايراني، أملا في دفعه لمواجهة النظام الاسلامي في ايران. وأحد الأساليب التي اتبعت، والذي جرى التعويل عليه كثيراً، كان النقص في مادة البنزين في ايران.

في العام 2006 وما تلاه، كان انشغال بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الاسرائيلية الحالي، الذي كان وقتها في صفوف المعارضة، كان انشغاله بالتنقل من ولاية أميركية الى أخرى، ومن دولة غربية الى أخرى، من أجل الترويج لمادة البنزين وقدرتها الفائقة على اسقاط النظام في ايران. حث نتنياهو صناديق الادخار في الولايات الأميركية على مقاطعة أي شركة أو دولة موردة أو صندوق استثماري أجنبي، يساهم في إيصال مادة البنزين الى ايران، وكثير من صناديق ادخار الولايات الأميركية، ذات القدرات المالية الضخمة جداً، استجابت للطلب الاسرائيلي. بل إن الكونغرس الأميركي نفسه في كانون الأول 2009، اقر مشروع قانون يفرض عقوبات على الشركات الأجنبية التي تستثمر في قطاع الطاقة في ايران والتي تبيع النفط المكرر أو تكوّر تقنيات تكرير النفط في ايران.

وكعينة من تصريحات نتنياهو، يقول لصحيفة هآرتس بتاريخ 19/04/2006، "اذا جرى منع ايران من استيراد منتجات البترول، أي مادة البنزين، فإن ايران بكل بساطة ستنهار، وبالتالي سيسقط النظام"، نفس الحديث ردده قبل أشهر، اذ قال في حديث لبرنامج "صباح الخير يا اميركا"، الذي تبثه شبكة "اي بي سي" التلفزيونية الاميركية، "اذ منعتم ايران من استيراد مادة البنزين، فان إيران لا تملك القدرة على التكرير، وبالتالي سينتهي هذا النظام".

الذي سقط فعليا، هو مادة البنزين، واستراتيجية نتنياهو، كأداة "لانهاء" النظام الايراني. واعلان ايران اخيراً عن عروض لبيع 2.6 مليون برميل يوميا من مادة البنزين السوبر، كان بمثابة إنهاء تام للاستراتيجية الاسرائيلية التي وضعت على أساساتها صروح من الآمال الخيالية.

الخبر الايراني سقط من تداول اعلام تل ابيب. لم يتطرق اليه أي من المراسلين أو المحللين، كما إن التصريحات الاسرائيلية الرسمية تغافلت عنه. حتى أولئك الذين كانوا يرددون موضوع "البنزين" كلازمة كلامية قائمة بذاتها في أي تعليق أو حديث عن ايران وسبل مواجهتها، أصيبوا فجأة بالبَكَم، ولم ينطقوا بكلمة حول المسألة.

البنزين، كعينة من عينات كثيرة لاستراتيجيات اسرائيلية بديلة عن حرب او ضربة عسكرية متعذرة لفقدان القدرة على تنفيذها، سقطت. لكن هل تل ابيب استفادت من الدرس؟ من الصعب معرفة ذلك، في ظل مواصلة المراهنة على أشباه استراتيجيات، وآخرها: ان الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، ينوي الانقلاب على قائد الجمهورية الاسلامية السيد علي خامنئي؟ وبالتالي سيسقط النظام نتيجة للفتنة؟ إن من يراهن على ذلك، كما يظهر من كثير من الكتابات الاسرائيلية في هذا الاطار في الآونة الاخيرة، لا يكون قد استفاد من درس البنزين.

2011-07-22