ارشيف من :آراء وتحليلات
تعمق الازمة الاقتصادية العالمية
صوفيا ـ جورج حداد*
منذ انفجار الأزمة المالية والاقتصادية العالمية في 2008، والنظام الرأسمالي العالمي يتخبط أكثر فأكثر في مستنقع هذه الأزمة المستعصية. ويعود انفجار الأزمة الى أسباب رئيسية عديدة أهمها:
1ـ النهب الفظيع الذي تتعرض لها بلدان الأطراف (أي غير المتروبولات الامبريالية) عبر القروض ومقص الأسعار وانظمة الضرائب وقوانين التجارة الدولية المفصلة على قياسات مصالح الدول الامبريالية. وهو ما يؤدي الى الافقار الفظيع لجميع شعوب بلدان الأطراف وإضعاف قدرتها الشرائية والخلل غير القابل للاصلاح في الميزان التجاري بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة.
2ـ تضخم "اقتصاد الظل" او "الاقتصاد الرمادي" (اقتصاد الجريمة المنظمة، والفساد، والتهريب، والتزوير وتجارة الرقيق، وتجارة المخدرات، الخ) وتفوقه على الاقتصاد الإنتاجي الكلاسيكي. وما ينتج عن ذلك من الافقار المتزايد والمتسارع وإضعاف القدرة الشرائية للجماهير العمالية والشعبية الكادحة في جميع البلدان الرأسمالية.
3ـ صراع الضواري فيما بين التكتلات المالية الاحتكارية في المتروبولات، للسيطرة على الأسواق المالية وشبكات وقنوات التجارة العالمية.
4ـ الانفاق الاسطوري على أجهزة بيروقراطية الدول الامبريالية وخصوصا أجهزة القمع والتجسس والتسلح والجيوش الجرارة، والحروب الظالمة التي تشنها الدول الامبريالية بزعامة أميركا على البلدان الأخرى من أجل فرض هيمنتها الدولية. (تدعي ادارة أوباما أن الحرب على افغانستان والعراق كلفت الخزينة الاميركية 1،0 تريليون دولار. ولكن بعض الخبراء، بما في ذلك خبراء البنك الدولي يقدرون تلك النفقات بـ 3،7 تريليونات دولار).
كيف تعمل الآن الادارة الامبريالية الأميركية والأوروبية لحل الأزمة المالية والاقتصادية العالمية؟ ـ يتضح اكثر فأكثر انها تعمل لحل الازمة في الاتجاهين التاليين:
الاول : الافقار والمزيد من الافقار للبلدان الاطرافية، ونهبها واخضاعها كما في اليونان ولبنان، و"تنظيم" افناء شعوب بكاملها عن طريق المجاعات، كما في الصومال واثيوبيا، والأمراض الوبائية، كما يجري في كل افريقيا، واستخدام الأسلحة المحرمة التي تجعل الأراضي غير صالحة للزراعة وتهديد الأجيال القادمة كلها، كما في العراق، والعزل والنبذ الكامل والموت البطيء، كما في افغانستان، والحصار والقتل اليومي، كما في غزة.
والثاني: تقليص الانفاق العام وفرص العمل والصناديق الاجتماعية في البلدان المتروبولية ذاتها. اي: "الاحتكاريون ينهبون ويكافأون، والجماهير العمالية والشعبية الكادحة تدفع الثمن".
ولنلق نظرة خاطفة على الطرق التي تعالج بها الادارات الامبريالية الازمة المالية والاقتصادية العالمية:
XXX
اعترف الرئيس الاميركي باراك أوباما ان الميزانية الفيدرالية يمكن في وقت قريب أن تفتقد الاموال اللازمة لدفع معاشات التقاعد للمتقاعدين الأميركيين. وحذر أوباما من انه اذا لم يتوصل البيت الابيض والكونغرس الى الاتفاق حول رفع سقف دين الدولة، فإن دفع معاشات التقاعد سوف يتوقف، كما اذاعت وكالة "فوكوس" الاميركية.
ان المتقاعدين، والمعاقين والمحاربين القدماء، الذين يحق لهم تلقي مرتبات، يمكن ان لا يحصلوا على الاموال الخاصة بهم بدءا من 3 اب/اغسطس القادم. "لا يمكنني ان اضمن انه سيتم اصدار الشيكات في 3 اب/اغسطس، اذا لم نتوصل الى الاتفاق على هذه المسألة. فالخزينة يمكن ان لا يبقى فيها اموال". هذا ما قاله اوباما في مقابلة مع تلفزيون CBS.
ومن جهة ثانية وافق مجلس النواب ذو الأغلبية الجمهورية على مشروع قانون يتوجب بموجبه تخفيض النفقات الفيدرالية بمبلغ 6 تريليونات دولار وأن يتم ادخال تعديل في الدستور لأجل ايجاد ميزانية متوازنة، كما جاء في وكالة اسوشيتد برس. وقد أقر هذا التدبير في مجلس النواب الاميركي بأغلبية 234 صوتا "مع" مقابل 190 صوتا "ضد". ولكن هذا المشروع قانون هو في الحقيقة ذو قيمة رمزية، لأنه من المؤكد أن يتم رفضه من مجلس الشيوخ، اما الرئيس اوباما فقد هدد بأن يضع فيتو على هذا القانون.
واعلن الديمقراطيون ان هذا القانون الذي يقتضي القيام بتقليص الوظائف وتحديد المصاريف سوف يلحق الضرر بملايين الاميركيين، الذين يعتمدون على الضمانات الاجتماعية، والبرنامج الصحي "مديكير" وغيره من برامج المساعدات الاجتماعية. وفي وقت سابق كان اوباما وعدد كبير من السيناتورات الجمهوريين قد عبروا عن تأييدهم للبرنامج الذي تمت الموافقة عليه من قبل الحزبين حول تقليص العجز في الميزانية، والذي يقتضي زيادة الضرائب بمقدار 1 تريليون دولار. وقد حيت اوساط الاعمال في وولستريت التسوية التي تمت حول رفع سقف دين الدولة.
وخلافا لليونان، التي هي قريبة من الاعلان عن العجز الجزئي عن الدفع، فإن الولايات المتحدة لا تزال قادرة على عقد صفقات قروض بفوائد جيدة نسبيا. هذا ما اشار اليه الرئيس باراك اوباما امام نواب الكونغرس، كما نقلت وكالة رويترز. ولكنه اكد ان الوضعية يمكن ان تتبدل، اذا لم يوافق الكونغرس على رفع سقف الدين الخارجي لاميركا.
ودعا اوباما النواب الدمقراطيين والجمهوريين الى تطبيق خطة متوازنة، من اجل التوصل الى اتفاق حول المسألة. ويخضع موضوع سقف الدين الخارجي الى نقاشات جدية، اذ ان الجمهوريين يضعون شروطا صعبة امام اوباما، مثل تقليص النفقات الاجتماعية.
وفي تصريحه الاذاعي الاسبوعي قال اوباما "من الضروري وجود خطة متوازنة، وتنازلات متبادلة وارادة، من اجل القيام بخيارات غير شعبية من قبل كل من الاطراف، للتوصل الى الاتفاق. وهذا يعني ان يتم تقليص الانفاق على البرامج الداخلية، وعلى برامج الدفاع... وان يتم الغاء بعض التسهيلات الضرائبية على الفئات الاكثر غنى". وحذر اوباما الجمهوريين من انه يجب التوصل سريعا الى الاتفاق حول رفع سقف الدين، حتى لا تصل الولايات المتحدة الى لحظة الاعلان عن العجز عن الدفع.
ويذكر ان العهود الاميركية المتعاقبة منذ اواسط القرن الماضي الى اليوم عمدت الى رفع سقف الدين العام الاميركي 70 مرة، منها 7 مرات في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن. وسقف الدين العام الان هو محدد بقانون، ويبلغ 14،3 تريليون دولار، وهو ما يعادل 69% من الدخل القومي القائم. وفي اواسط ايار/مايو الماضي وصل الدين العام الى اقصى نقطة مسموح بها. ووزارة المالية لا تستطيع على الدوام ايجاد حلول موقتة، وقد دعت الكونغرس للتصويت على رفع السقف بمعدل 2،3 تريليون دولار جديدة.
XXX
هذا في عرين الرأسمالية العالمية من حيث انطلقت الأزمة المالية والاقتصادية العالمية قبل أكثر من سنتين؛ اما في المقلب الآخر من المحيط الأطلسي فإن رئيس اللجنة الأوروبية جوزيه مانويل باروزو وصف الوضع بأنه صعب للغاية بسبب أزمة الديون الأوروبية، وحذر من أنه في حال فشل القمة الأوروبية في إيجاد الحلول فإن ذلك سيجد انعكاساته الدولية؛ كما جاء في وكالة فرانس برس.
وفي مؤتمر صحفي عقده بمناسبة اجتماع القمة الأوروبية في بروكسل قال باروزو "لا ينبغي لأي كان ان يداخله الوهم ـ بأن الوضع هو خطير جدا"، وأكد انه ينبغي على القمة الأوروبية أن تجد الحلول لمنطقة اليورو. ودعا القادة الاوروبيين الى اتخاذ خطوات ملموسة من أجل ضمان الاستقرار في منطقة اليورو، كما جاء في وكالة الأنباء البلغارية. ونقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية قوله أنه ينبغي على الأقل ان يكون هناك وضوح في التدابير المتوقع اتخاذها لأجل تأمين الاستقرار في اليونان.
وابدى المستثمرون والخبراء الماليون تخوفهم من أنه إذا لم تتم السيطرة على الأزمة دفعة واحدة وفي الوقت المناسب، فإنها يمكن ان تنتقل الى بلدان أكبر، كايطاليا واسبانيا، ويمكن ان تتحول الى أكبر ازمة تشهدها منطقة اليورو منذ تأسيسها قبل 12 عاما.
وفي الوقت نفسه سجلت أسعار المواد الاساسية، كالذهب مثلا، ارتفاعات قياسية، وقوت الشعور بالخطر، والضياع والعجز. وقد خمد بسرعة التفاؤل الذي ابداه البعض، بعد الاطلاع على المناقشات التي جرت بين المستشارة الألمانية انجيلا ميركيل والرئيس الفرنسي ساركوزي، حول القرارات المرتقبة بخصوص أزمة الديون اليونانية.
" لا تتوقعوا عروضا عادية في اللقاء المتوقع، كل شيء يتعلق بعملية يمكن السيطرة عليها، ومن الضروري القيام بخطوات وتدابير اضافية، التي من شأنها حل المشكلة، والامساك بها من جذورها. وهذا يعني القيام بصفقة لتخفيض الدين ورفع قدرة المزاحمة"، كما قالت ميركيل.
وهذا التعليق الرصين والخالي من العواطف لميركيل، التي تقف على رأس الدولة الواهبة الأكبر في الإتحاد الأوروبي والموزعة الأكبر لأموال المساعدات، لم يفعل سوى صب المزيد من الزيت على نار مخاوف المستثمرين، مما أسهم في تراجع مواقع اليورو أمام الدولار. أما التشاؤم حيال قدرة القادة الاوروبيين على إيجاد حل دائم لأزمة الدين اليونانية، فقد تحول الى مزاج سائد في منطقة اليورو.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب لبناني مستقل
منذ انفجار الأزمة المالية والاقتصادية العالمية في 2008، والنظام الرأسمالي العالمي يتخبط أكثر فأكثر في مستنقع هذه الأزمة المستعصية. ويعود انفجار الأزمة الى أسباب رئيسية عديدة أهمها:
1ـ النهب الفظيع الذي تتعرض لها بلدان الأطراف (أي غير المتروبولات الامبريالية) عبر القروض ومقص الأسعار وانظمة الضرائب وقوانين التجارة الدولية المفصلة على قياسات مصالح الدول الامبريالية. وهو ما يؤدي الى الافقار الفظيع لجميع شعوب بلدان الأطراف وإضعاف قدرتها الشرائية والخلل غير القابل للاصلاح في الميزان التجاري بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة.
2ـ تضخم "اقتصاد الظل" او "الاقتصاد الرمادي" (اقتصاد الجريمة المنظمة، والفساد، والتهريب، والتزوير وتجارة الرقيق، وتجارة المخدرات، الخ) وتفوقه على الاقتصاد الإنتاجي الكلاسيكي. وما ينتج عن ذلك من الافقار المتزايد والمتسارع وإضعاف القدرة الشرائية للجماهير العمالية والشعبية الكادحة في جميع البلدان الرأسمالية.
3ـ صراع الضواري فيما بين التكتلات المالية الاحتكارية في المتروبولات، للسيطرة على الأسواق المالية وشبكات وقنوات التجارة العالمية.
4ـ الانفاق الاسطوري على أجهزة بيروقراطية الدول الامبريالية وخصوصا أجهزة القمع والتجسس والتسلح والجيوش الجرارة، والحروب الظالمة التي تشنها الدول الامبريالية بزعامة أميركا على البلدان الأخرى من أجل فرض هيمنتها الدولية. (تدعي ادارة أوباما أن الحرب على افغانستان والعراق كلفت الخزينة الاميركية 1،0 تريليون دولار. ولكن بعض الخبراء، بما في ذلك خبراء البنك الدولي يقدرون تلك النفقات بـ 3،7 تريليونات دولار).
كيف تعمل الآن الادارة الامبريالية الأميركية والأوروبية لحل الأزمة المالية والاقتصادية العالمية؟ ـ يتضح اكثر فأكثر انها تعمل لحل الازمة في الاتجاهين التاليين:
الاول : الافقار والمزيد من الافقار للبلدان الاطرافية، ونهبها واخضاعها كما في اليونان ولبنان، و"تنظيم" افناء شعوب بكاملها عن طريق المجاعات، كما في الصومال واثيوبيا، والأمراض الوبائية، كما يجري في كل افريقيا، واستخدام الأسلحة المحرمة التي تجعل الأراضي غير صالحة للزراعة وتهديد الأجيال القادمة كلها، كما في العراق، والعزل والنبذ الكامل والموت البطيء، كما في افغانستان، والحصار والقتل اليومي، كما في غزة.
والثاني: تقليص الانفاق العام وفرص العمل والصناديق الاجتماعية في البلدان المتروبولية ذاتها. اي: "الاحتكاريون ينهبون ويكافأون، والجماهير العمالية والشعبية الكادحة تدفع الثمن".
ولنلق نظرة خاطفة على الطرق التي تعالج بها الادارات الامبريالية الازمة المالية والاقتصادية العالمية:
XXX
اعترف الرئيس الاميركي باراك أوباما ان الميزانية الفيدرالية يمكن في وقت قريب أن تفتقد الاموال اللازمة لدفع معاشات التقاعد للمتقاعدين الأميركيين. وحذر أوباما من انه اذا لم يتوصل البيت الابيض والكونغرس الى الاتفاق حول رفع سقف دين الدولة، فإن دفع معاشات التقاعد سوف يتوقف، كما اذاعت وكالة "فوكوس" الاميركية.
ان المتقاعدين، والمعاقين والمحاربين القدماء، الذين يحق لهم تلقي مرتبات، يمكن ان لا يحصلوا على الاموال الخاصة بهم بدءا من 3 اب/اغسطس القادم. "لا يمكنني ان اضمن انه سيتم اصدار الشيكات في 3 اب/اغسطس، اذا لم نتوصل الى الاتفاق على هذه المسألة. فالخزينة يمكن ان لا يبقى فيها اموال". هذا ما قاله اوباما في مقابلة مع تلفزيون CBS.
ومن جهة ثانية وافق مجلس النواب ذو الأغلبية الجمهورية على مشروع قانون يتوجب بموجبه تخفيض النفقات الفيدرالية بمبلغ 6 تريليونات دولار وأن يتم ادخال تعديل في الدستور لأجل ايجاد ميزانية متوازنة، كما جاء في وكالة اسوشيتد برس. وقد أقر هذا التدبير في مجلس النواب الاميركي بأغلبية 234 صوتا "مع" مقابل 190 صوتا "ضد". ولكن هذا المشروع قانون هو في الحقيقة ذو قيمة رمزية، لأنه من المؤكد أن يتم رفضه من مجلس الشيوخ، اما الرئيس اوباما فقد هدد بأن يضع فيتو على هذا القانون.
واعلن الديمقراطيون ان هذا القانون الذي يقتضي القيام بتقليص الوظائف وتحديد المصاريف سوف يلحق الضرر بملايين الاميركيين، الذين يعتمدون على الضمانات الاجتماعية، والبرنامج الصحي "مديكير" وغيره من برامج المساعدات الاجتماعية. وفي وقت سابق كان اوباما وعدد كبير من السيناتورات الجمهوريين قد عبروا عن تأييدهم للبرنامج الذي تمت الموافقة عليه من قبل الحزبين حول تقليص العجز في الميزانية، والذي يقتضي زيادة الضرائب بمقدار 1 تريليون دولار. وقد حيت اوساط الاعمال في وولستريت التسوية التي تمت حول رفع سقف دين الدولة.
وخلافا لليونان، التي هي قريبة من الاعلان عن العجز الجزئي عن الدفع، فإن الولايات المتحدة لا تزال قادرة على عقد صفقات قروض بفوائد جيدة نسبيا. هذا ما اشار اليه الرئيس باراك اوباما امام نواب الكونغرس، كما نقلت وكالة رويترز. ولكنه اكد ان الوضعية يمكن ان تتبدل، اذا لم يوافق الكونغرس على رفع سقف الدين الخارجي لاميركا.
ودعا اوباما النواب الدمقراطيين والجمهوريين الى تطبيق خطة متوازنة، من اجل التوصل الى اتفاق حول المسألة. ويخضع موضوع سقف الدين الخارجي الى نقاشات جدية، اذ ان الجمهوريين يضعون شروطا صعبة امام اوباما، مثل تقليص النفقات الاجتماعية.
وفي تصريحه الاذاعي الاسبوعي قال اوباما "من الضروري وجود خطة متوازنة، وتنازلات متبادلة وارادة، من اجل القيام بخيارات غير شعبية من قبل كل من الاطراف، للتوصل الى الاتفاق. وهذا يعني ان يتم تقليص الانفاق على البرامج الداخلية، وعلى برامج الدفاع... وان يتم الغاء بعض التسهيلات الضرائبية على الفئات الاكثر غنى". وحذر اوباما الجمهوريين من انه يجب التوصل سريعا الى الاتفاق حول رفع سقف الدين، حتى لا تصل الولايات المتحدة الى لحظة الاعلان عن العجز عن الدفع.
ويذكر ان العهود الاميركية المتعاقبة منذ اواسط القرن الماضي الى اليوم عمدت الى رفع سقف الدين العام الاميركي 70 مرة، منها 7 مرات في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن. وسقف الدين العام الان هو محدد بقانون، ويبلغ 14،3 تريليون دولار، وهو ما يعادل 69% من الدخل القومي القائم. وفي اواسط ايار/مايو الماضي وصل الدين العام الى اقصى نقطة مسموح بها. ووزارة المالية لا تستطيع على الدوام ايجاد حلول موقتة، وقد دعت الكونغرس للتصويت على رفع السقف بمعدل 2،3 تريليون دولار جديدة.
XXX
هذا في عرين الرأسمالية العالمية من حيث انطلقت الأزمة المالية والاقتصادية العالمية قبل أكثر من سنتين؛ اما في المقلب الآخر من المحيط الأطلسي فإن رئيس اللجنة الأوروبية جوزيه مانويل باروزو وصف الوضع بأنه صعب للغاية بسبب أزمة الديون الأوروبية، وحذر من أنه في حال فشل القمة الأوروبية في إيجاد الحلول فإن ذلك سيجد انعكاساته الدولية؛ كما جاء في وكالة فرانس برس.
وفي مؤتمر صحفي عقده بمناسبة اجتماع القمة الأوروبية في بروكسل قال باروزو "لا ينبغي لأي كان ان يداخله الوهم ـ بأن الوضع هو خطير جدا"، وأكد انه ينبغي على القمة الأوروبية أن تجد الحلول لمنطقة اليورو. ودعا القادة الاوروبيين الى اتخاذ خطوات ملموسة من أجل ضمان الاستقرار في منطقة اليورو، كما جاء في وكالة الأنباء البلغارية. ونقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية قوله أنه ينبغي على الأقل ان يكون هناك وضوح في التدابير المتوقع اتخاذها لأجل تأمين الاستقرار في اليونان.
وابدى المستثمرون والخبراء الماليون تخوفهم من أنه إذا لم تتم السيطرة على الأزمة دفعة واحدة وفي الوقت المناسب، فإنها يمكن ان تنتقل الى بلدان أكبر، كايطاليا واسبانيا، ويمكن ان تتحول الى أكبر ازمة تشهدها منطقة اليورو منذ تأسيسها قبل 12 عاما.
وفي الوقت نفسه سجلت أسعار المواد الاساسية، كالذهب مثلا، ارتفاعات قياسية، وقوت الشعور بالخطر، والضياع والعجز. وقد خمد بسرعة التفاؤل الذي ابداه البعض، بعد الاطلاع على المناقشات التي جرت بين المستشارة الألمانية انجيلا ميركيل والرئيس الفرنسي ساركوزي، حول القرارات المرتقبة بخصوص أزمة الديون اليونانية.
" لا تتوقعوا عروضا عادية في اللقاء المتوقع، كل شيء يتعلق بعملية يمكن السيطرة عليها، ومن الضروري القيام بخطوات وتدابير اضافية، التي من شأنها حل المشكلة، والامساك بها من جذورها. وهذا يعني القيام بصفقة لتخفيض الدين ورفع قدرة المزاحمة"، كما قالت ميركيل.
وهذا التعليق الرصين والخالي من العواطف لميركيل، التي تقف على رأس الدولة الواهبة الأكبر في الإتحاد الأوروبي والموزعة الأكبر لأموال المساعدات، لم يفعل سوى صب المزيد من الزيت على نار مخاوف المستثمرين، مما أسهم في تراجع مواقع اليورو أمام الدولار. أما التشاؤم حيال قدرة القادة الاوروبيين على إيجاد حل دائم لأزمة الدين اليونانية، فقد تحول الى مزاج سائد في منطقة اليورو.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب لبناني مستقل