ارشيف من :ترجمات ودراسات

رغم مسحة التفاؤل الإسرائيلية... يبقى الحدث المصري عبء ثقيلا

رغم مسحة التفاؤل الإسرائيلية... يبقى الحدث المصري عبء ثقيلا

بعد الحراك الثوري الذي شهده الشارع المصري وأدى إلى إزاحة حسني مبارك والعديد من أزلامه عن سدة الحكم، من الطبيعي أن تبقى التطورات المصرية موضع رقابة دقيقة من قبل القيادات الإسرائيلية والأجهزة والشخصيات المختصة لما تنطوي عليه مصر من أهمية حاسمة في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي.

بعدما تسببت المفاجأة المصرية، بإرباك القيادة الإسرائيلية حول مآل الثورة المصرية وتداعياتها على الأمن القومي الإسرائيلي في المدى المنظور، يبدو أن التطورات التي شهدتها الساحة المصرية في الفترة الأخيرة خفَّف من وطأة الثورة في وعي قادة العدو، انطلاقا من أن حجم وعمق التغيير الذي يحصل في مصر كان بحسب ما أورد رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق اللواء غيورا ايلاند "اقل مما كان متوقعا عند وقوع التظاهرات الكبرى في ميدان التحرير".. وعلى خلفية تقدير إسرائيلي مفاده أن أولويات الثورة في المدى المنظور والمتوسط على الأقل هي داخلية بامتياز مما يجعل العدو يشعر بأنه ليس أمام خطر وشيك عبر الجبهة الجنوبية.

ومن الواضح أن المسارات الداخلية المصرية التي تراهن عليها إسرائيل، منها ما له علاقة بالتباينات والمواجهات الداخلية، وأخرى بمحاولة الاكتفاء ببعض التغيرات التي تحاول أن تبقى مسقوفة بالثوابت الأميركية..، فضلا عما له علاقة بالواقع الاقتصادي لمصر الذي يرى ايلاند بأنه يسمح لإسرائيل الافتراض بأنه في المدى المنظور "لن يطرأ تغيير جوهري في العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدولتين...وبالتالي لا حاجة لإسرائيل في المرحلة الحالية إلى إجراء تغيير عميق في الفرضيات الأساسية بالنسبة لمصر". إلى ذلك يرى ايلاند انه "حتى لو كانت سياسة مصر أكثر عداءا لإسرائيل مما هي في الحاضر، فان الأمر سيكون قابلا للتشخيص، وحتى لو صعد حكم مناضل لا يستبعد مواجهة عسكرية مع إسرائيل، فان الزمن الذي تحتاجه مصر لترجمة هذا النهج الجديد وخلق تهديد حقيقي، فإن العبء الذي سيتعين على الحكم أن يتحمله سيمنح إسرائيل ما يكفي من الوقت للاستعداد كما ينبغي للتغيير.


ولا يخفى أن جانب من أهمية مستقبل الحدث المصري، يظهر جلياً فيما حقق من نتائج ماضية، وبحسب تعبير رئيس مجلس الأمن القومي السابق، "المسألة تتعلق بفرضية أساس رافقت إسرائيل في الـ 32 سنة الأخيرة وهي انه في كل سيناريو محتمل من غير المتوقع مواجهة عسكرية مع مصر. الأمر سمح لإسرائيل بالخروج إلى حربين في لبنان (1982 و 2006) وتنفيذ عمليتين واسعتين في الأراضي الفلسطينية ("السور الواقي" في 2002 و "رصاص مصبوب" في 2008) انطلاقا من إدراك مسبق بأن مصر لن ترد عسكريا. فضلا عن ذلك، فإن الموازنة الأمنية الأمن الإسرائيلية بقيت على ما يكفي من الثبات الحقيقي منذ العام 1974 وحتى 2011. فقد ازداد الإنتاج بقدر بارز خلال الـ 37 سنة الماضية، انطلاقا من أن نسبة الموازنة الأمنية من الناتج المحلي، كانت في العام 1974 توازي 30%، ولكنها انخفضت في العام 2010 إلى 7%. وبالرغم من أن عبء الأمن في إسرائيل لا يزال عاليا بمعايير أوروبية، لكن انخفاضه الكاسح منذ العام 1974، هو أحد العوامل الأساسية التي سمحت بالازدهار الاقتصادي لإسرائيل".

ولا شك أن كل ذلك يعود إلى أن المؤسسة الأمنية طوال العقود الثلاثة الماضية كانت تكرر تقديرها أمام القيادة السياسية بأن فرضية العمل انه لن تكون هناك مواجهة عسكرية مع مصر في المستقبل المنظور إلى حين حدوث "تغيير استراتيجي" في مصر، الذي سوف يؤدي على أقل تقدير إلى تغيير جوهري في موازنة الدفاع وحجمها وتركيبتها فضلا عن متغيرين باهظين: حجم القوة المقاتلة في ميادين البر والبحر والجو. إضافة إلى كمية الذخيرة وقطع الغيار والوقود...

في مقابل كل ذلك، تجدر الملاحظة إلى:

أيا كانت التقديرات الإسرائيلية السابقة واللاحقة، فقد دخلت مصر بعد إسقاط مبارك مرحلة جديدة رغم أنها قد تخضع للكثير من التجاذبات، وأصبحت إسرائيل مضطرة إلى أن تأخذ هذا المستجد بالحسبان في كل خطواتها العملانية ومخططاتها المستقبلية.

في أسوأ السيناريوهات لمستقبل مصر، لن يكون بإمكان أي نظام جديد أن يتبع نفس سياسة مبارك الإقليمية فضلا عن أن المسار العام لحركة الشعب المصري هو في الاتجاه الذي لا ولن يصب في مصلحة إسرائيل خاصة بعد اليقظة الشعبية الأخيرة وانكسار حواجز الخوف والتردد.

بموازاة ذلك، يبدو أن الإسرائيلي يتخوف من نتائج استمرار الوضع الرمادي في مصر، كونه سيؤدي، فيما يؤدي، إلى ضعف سيطرة النظام في سيناء الأمر الذي سيفتح الطريق أكثر فأكثر أمام عملية نقل السلاح ودخول جهات وشخصيات.. تساهم في تعزيز عناصر القوة في قطاع غزة.


2011-07-24