ارشيف من :خاص
باكستان، الجيش والصراع داخله
بقلم برفيز هودبوي، ضياء ميان
ميدل ايست ريسرتش وانفورميشن بروجكت
12 تموز، 2011
جنرالات باكستان محاصرون من كل الجهات. فهم، كما لم يكونوا من قبل، في صراع دائم مع جنودهم. وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، فان السخط والنقمة على كبار الضباط في الجيش كبير الى درجة تستثير الهواجس لجهة حصول انقلاب من قبل عقداء الجيش. فالجيش يفقد الدعم من حلفائه السياسيين المحليين وهو عرضة لعدائية الشعب الباكستاني المتزايدة. حتى ان الجنرالات معرضون لخطر رميهم من قبل الولايات المتحدة، داعمتهم الأقدم والأسخى.
يعلم قائد الجيش الباكستاني الجنرال اشفاق كاياني وقادة عسكريون آخرون بأن من الحكمة وقف الحفر عندما تكون في حفرة. لكن من غير الواضح إن كان بامكان الجنرالات التوقف عن الحفر. ففي 5 تموز/يوليو، ذكرت صحيفة نيويرك تايمز في تقريرها بأن مسؤولين أميركيين حمَّلوا كبار الضباط في وكالة الاستخبارات الداخلية ( ISI)، الاستخبارات العسكرية، المسؤولية عن خطف، تعذيب، وقتل الصحافي الباكستاني سليم شاه زاد. وكان شاه زاد معروفاً جداً بكتابة التقارير عن روابط الجيش بالجماعات الاسلامية الأصولية المسلحة.
أما السبب المباشر لهذه الأزمة فكان العملية الأميركية الناجحة باكتشاف مخبأ أسامة بن لادن في باكستان، والدخول الى البلد بسريّة وقتله. لكن الجنرالات، في الواقع، قد انجروا الى هذه المضائق المنذرة بكارثة بسبب سياسات الجيش، تحديداً بسبب أولئك الذين مثلوا دوراً على مدى العقود الثلاثة الماضية، ما ترك الجيش، وباكستان، مقسمَيْن بعمق. ان الحفاظ على الجيش والبلاد معاً هو جزء من التحدي نفسه.
كوابيس خاكي
بعد منتصف ليل 2 أيار/مايو بوقت قصير، انسل فريق من كوماندوس البحرية الأميركية الى داخل باكستان قادمين من أفغانستان بواسطة مروحية. حلقوا فوق البلاد وصولاً الى مدينة "أبوت آباد"، مركز "الأكاديمية العسكرية الباكستانية". وفي منزل كانت تراقبه الـ CIA لأشهر، وجد الكوماندوس الأميركي أسامة بن لادن وقتلوه وأخذوا جثته. وبالوقت الذي كانت الدفاعات الجوية الباكستانية قادرة على الرد، كانت القوة الأميركية قد تركت المجال الجوي الباكستاني. وفقط عندما أخلت الضفادع البشرية الأميركية المكان قامت السلطات الأميركية بابلاغ الجيش الباكستاني والقادة المدنيين بالعملية. بالنسبة الى باكستان كان الأمر قمة الاحراج، بحسب ما قال أياز أمير، البرلماني والمحرر الصحفي والضابط السابق في الجيش.
لقد أطلقت العملية الأميركية العنان لموجة تسونامي من اللوم من كل مكان وجهة. وكان الجنرال كاياني، الملذوع من الانتقادات والساعي لرفع المعنويات، يمشي بتثاقل بين حامية الجنود، حيث يواجه ضباطاً من الصف الثاني غاضبين ومستائين كفاية ليواجهوا من هم أعلى منهم رتبة. وتستشهد صحيفة "اكسبرس تريبيون"بكلام لضابط شاب لم يُذكر اسمه، قال فيه لقائد الجيش: "سيدي، أنا أشعر بالخجل والعار مما حدث في أبوت آباد". وأجاب كاياني، "وأنا أيضاً".
لكن هناك تساؤلات صعبة تتخطى الشعور بالخجل والعار. فقد سُئل كاياني عن سبب فشل الجيش الباكستاني بتقصي الغزاة الجويين وتدميرهم، كما سُئل عمّن آوى بن لادن في باكستان كل تلك السنين في الوقت الذي كان فيه الجيش يقاتل ويموت في حرب ضد القاعدة وحلفائها في مناطق القبائل على الحدود الأفغانية.
أما القادة المدنيون المشجعون للجيش، الذين رباهم الجنرالات وزرعوهم بعناية على مدى سنوات، فهم يشعرون بالاهانة لأن جيشهم صاحب الجعجعة والدعاية المضللة لم يكن كما كانوا يعتقدونه. فالجيش الباكستاني الذي طالما استهلك معظم موارد البلد، على أنه سخاء ضروري، كان يعد بالمحافظة على قوة قتالية من الصف الأول، لكن عندما وُضع الرادار الخيالي وأجهزة أخرى قيد الاختبار، فانها أثبتت عجزا بائسا.
بدأ الشعب الباكستاني،هو أيضاً، بمهاجمة الجيش. فالسخرية والتجديف يحلان محل الخوف والرهبة. ومؤخراً، وفي سوق "آبارا"في اسلام آباد ـ على بعد خطوات من مركز القيادة الرئيس لجهاز الاستخبارات الداخلية ISI ـ قام متظاهرون بتمزيق لافتة ضخمة للجيش تمدح هذا الجيش ووكالته التجسسية المتبجحة. وقد هلل المتفرجون لذلك. لم يشهد أحد مثل هذه المشاهد منذ حرب عام 1971 مع الهند، عندما استسلم 90000 جندي باكستاني بعد هزيمة مرة.
في كل الأحوال، ان نجاح الولايات المتحدة بالعثور على بن لادن وقتله، وابقاء الجيش الباكستاني وجهاز استخبارات ISI في الظل، ما هو الا مجرد عاصفة صغيرة لصورة المؤسسة العسكرية وغرورها. ففي ربيع عام 2011، كانت عمليات الكشف عن المعايير المزدوجة قد ضاءلت أصلاً من السلطة المعنوية للجيش.
يعترض الجيش، رسمياً، وبقوة على هجمات طائرات الـ Predator التابعة للـ CIA في منطقة القبائل التابعة ادارتها، فيدرالياً، لباكستان ـ تدعى المنطقة FATA ـ ، امتداد لسلسلة الجبال الشمالية الغربية والتي أصبحت منطقة محظور الدخول اليها بعد وقت قصير من التدفق الهائل لمقاتلي القاعدة وطالبان الأفغان الهاربين من الغزو الأميركي في بداية هجمات 11 أيلول/سبتمبر، 2001. الا أن الباكستانيين لطالما شككوا بالادانات على أنها غير صادقة. لقد بدا التواطؤ والاشتراك في الجريمة واضحاً. وقد أكدت الوثائق المسربة من ويكيليكس، التي حصلت عليها صحيفة الفجر ( Dawn) الريادية، هذه الشكوك.
تظهر برقيات وزارة الداخلية التي نشرتها ويكيليكس بأن القيادة العليا الباكستانية قد دعمت بقوة، في واقع الأمر، برنامج هجمات الطائرات. ففي اجتماع تم في 22 كانون الثاني/ يناير، 2008 مع الأدميرال وليام ج. فالون، الذي كان رئيس CENTCOM آنذاك، طلب الجنرال كاياني "تغطية مستمرة لطائرات الـ Pradator لمناطق الصراع" في جنوب وزيرستان حيث كان الجيش يقوم بعمليات ضد المسلحين. أما الطلب فمفصَّل في رسالة سرية أرسلتها السفيرة الأميركية آن باترسون من اسلام آباد الى واشنطن في 11 شباط من ذلك العام. لاحقاً، وفي أوائل آذار/ مارس، وفي اجتماع مع الأدميرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، طلب الأخير من كاياني تقديم المساعدة في "الموافقة على منطقة عمليات محظورة للطائرات الأميركية فوق منطقة FATA". ويشير هذا المطلب ـ المفصل في برقية من السفارة الأميركية في اسلام آباد في 24 آذار/ مارس ـ بوضوح، الى أنه قد تمت الموافقة من قبل كاياني على تأمين ممرَّين للطائرات الأميركية.
في الوقت الذي أنذر فيه الجيش الباكستاني الجيش الأميركي قائلاً بأن القدم الأميركية لن تطأ الأرض الباكستانية، فان برقيات ويكيليكس المنشورة من قبل صحيفة الفجر تكشف ما مفاده أن نخبة الوحدات الأميركية تعمل، في واقع الأمر، بشكل وثيق مع الجيش الباكستاني على جمع المعلومات الاستخبارية، كما أنهما يعملان معاً في عمليات مشتركة أخرى في الأراضي الباكستانية. قالت باترسون في تقرير لها الى وزارة الخارجية الأميركية في أيار م مايو 2009/ "لقد أنشأنا خلايا اندماج استخباراتية (Fusion Cells) مع القوات الخاصة الأميركية المزروعة مع كل من الـ SSG وكتائب الحدود (بلاهيسار، بيشاور) مع تجهيزات الـ Rover الجاهزة للانتشار".
الفوز بالحرب في الداخل
ان الأهم من أزمة الثقة في الجيش الباكستاني هو العجز المستمر بالدفاع عن قادته، جنوده وممتلكاته من الخطر الجهادي الداخلي المنشأ. كان برويز مشرَّف، رئيس هيئة الأركان في الجيش الباكستاني قبل الجنرال كاياني، هدفاً لمحاولات اغتيال متكررة من قبل رجال العصابات الأصولية الاسلامية، بعضهم كان لديه مساعدة من داخل الجيش. وتشمل حوادث أخيرة أخرى هجوماً ناجحاً على مركز القيادة العامة للجيش في راولبندي في العام 2009، تدمير ثلاثة مراكز اقليمية حيوية لجهاز الـ ISI بواسطة تفجيرات انتحارية بالاضافة الى هجوم أيار/ مايو 2011 على القاعدة البحرية في مهران على يد حفنة من المقاتلين، كجزء من الغزوات التي شنتها مئات من القوى الأمنية منذ وقت طويل كاف لتدمير طائرة أوريون P3C المضادة للغواصات، ثمن كل واحدة منها 36 مليون دولار.
ان الجيش الباكستاني ـ والبلد الذي يديره ـ ينزفان بسبب آلاف الجروح التي تسببت بها قسوة الجزمة العسكرية بجنرالاتها المتدينين المنفوخين المحبين للقتال. ففي الوقت الذي يتزايد فيه العنف، ارتفع منسوب التشاؤم بشأن مستقبل البلاد لدى جماعة الاستخبارات والطبقة المستثمرة، محفزة الاختصاصيين ورؤوس الأموال على الهرب من البلاد.
من المثير للسخرية أن تكون الأمور قد تحولت واتخذت هذا المنحى. اذ كانت خطة الجيش، التي فقست قبل عقود، جعل الهند تعلق في حرب بديلة تُشن لمصلحة باكستان من قبل مسلحين اسلاميين. فعلى الأقل، ومنذ تسلم الجنرال اسلام بيغ منصبه من العام 1988 وحتى 1991، أيد قادة الجيش الواحد تلو الآخر الحرب السرية ضد الهند على أنها قلب استراتيجية الجيش. بدت الاستراتيجية آمنة كفاية ـ يفترض بالسلاح النووي الباكستاني أن يردع الهند ـ كما بدا بأنها تعمل وذلك في مناسبتين على الأقل: بعد هجوم 13 كانون الأول/ ديسمبر، 1999 على البرلمان الهندي من قبل جهاديي جيش محمد، وبعد هجمات بومباي 2008 على يد عسكر طيبة. وقد احتجت الهند بعنف لكنها لم تنتقم (على الأقل ليس بطريقة مباشرة). واليوم حتى، يبدو أن هناك استمراراً لهذه السياسة. هناك عدد من المسلحين المنتحلين لصفة الاسلام موجودون في موريدكي، بهاوالبور، مانسيهرا وفي أماكن أخرى متروكين أحراراً ليخططوا لهجمات ضد الهند في زمان ومكان من اختيارهم.
في كل الأحوال، تملك الجماعات الأصولية الاسلامية المسلحة العديدة أجنداتها الخاصة التي تسيِّرها حماسة ايديولوجبة منفصلة جذرياً، غالب الأحيان، عن تلك التي للدولة الباكستانية. بعضها تستهدف الامبراطورية الأميركية، ما يفسر السبب بأن تكون باكستان الملاذ المختار لبن لادن وبقايا القاعدة. وأخرى تركز على الهدف الأكثر محدودية وهو "تحرير"كشمير من الهند. مع ذلك هناك مجموعات أخرى، كعسكر طيبة، وجيش الصحابة، هم عبارة عن مقاتلين مذهبيين يسعون الى تطهير الاسلام من الشيعة والأقليات الأخرى، في حين يرغب مقاتلو جماعة "خاتم النبوة"بالقضاء على الـ "كادانيين"، وهو تعبير قذف وتشهير يستخدمونه لتشويه سمعة مذهب الأحمدية الذي وُلد مؤسسه في القرن التاسع عشر في بلدة "كاديان". هؤلاء المنتحلون لصفة الاسلام يرسلون مفجرين انتحاريين بسرعة لضرب المساجد، الأماكن المقدسة والأسواق، وقتل قادة دينيين وشخصيات بارزة في مختلف مجتمعات الأقليات. انهم يُجمعون فقط على مسألة قتل "المجدِّفين" كهؤلاء مع أولئك الذين يقفون للمطالبة بحقوقهم.
يقفون مقسمين
الدين يقسم باكستان، والباكستانيون يقسمون، أكثر فأكثر، الجيش الباكستاني. بالواقع، ان أسوأ سر مكتوم في صفوف الجيش هو أن هناك جيشين الآن. الأول برئاسة الجنراك كاياني وهو جيش وطني. الثاني ليس لديه قائد معروف، حتى الآن، ويعتبر نفسه جيش الله. نفس التقسيم يمكن أن نجده في جهاز الاستخبارات الـ ISI، وقد يكون التقسيم موجوداً في قسم الخطط الاسراتيجية حتى، الذي يملك الوصاية على ترسانة باكستان الذرية.
الجيش رقم 1 والـ ISI رقم 1، والجيش رقم 2 والـ ISI رقم 2، لديهم جميعاً عقليات وذهنيات متشابهة وانما متمايزة. فالضباط والجنود في كل فريق تربوا، ككل الباكستانيين، على "نظرية الدولتين"، معتقد الأب المؤسس لباكستان محمد علي جناح والذي يقول بعدم امكان الهندوس والمسلمين العيش معاً كمتساوين بسلام أبداً. وأن كلتا المجموعتين من الجنود منزلقة في حكم مسبق معادٍ للهند، شعور تشرَّبوه باكراً في كليات التدريب التابعة للجيش في "بيتارو" و "حسن عبدل"، كما إنهم يتقاسمون الاحتقار نفسه للمدنيين والمتجذر عميقاً في نفوسهم. في كل الأحوال هم يختلفون في الدين.
منذ أيام ضياء الحق، حاكم باكستان في الثمانينيات، كانت مراكز التجنيد تكللها أعلام تقول "ايمان، تقوى، جهاد في سبيل الله". فبالنسبة الى الجيش رقم 1 والـ ISI رقم 1، يعتبر الدين، والى حد كبير، مسألة ثقافة وهوية. فهم مؤمنون بالمنشأ والتربية بـ: تقديم الاسلام طريقة ليعيش المرء حياته؛ الصلاة والصوم هدفان قيمان ويميزان الانسان التقي والورع؛ والصوفيون والشيعة هم مسلمون رفاق، وان كانوا ذوي آراء مغايرة (خارج عن اجماع الأمة في الدين).
من جهة أخرى فان الجيش رقم 2 والـ ISI رقم 2 هم جهاديون، والذين بالنسبة لهم الاسلام والدولة لا ينفصلان. انهم متشددون في مسائل الطقوس وتطابق الحياة العامة: انهم يصلّون بانتظام، يصرون على فصل الضباط عن زوجاتهم، وابقاء العين مفتوحة على نظرائهم الذين يشربون الكحول بالخفاء. ان فلسفتهم السياسية تستمد الوحي من أعمال مولانا أبو العلاء المودودي، المفكر في القرن العشرين ومؤسس حزب الجماعة الاسلامية في باكستان، الذي يصر على أن الاسلام العربي في القرن السابع يوفر مخططا تفصيليا تاما للمجتمع والسياسة. فالامساك بالسلطة هو وسيلة نحو انشاء مجتمع مثالي على نسق المدينة المنورة في زمن النبي محمد. لديهم كره للعلوم كطريقة لطرح التساؤلات لكنهم يرحبون بالتكنولوجيا الحديثة كأداة لمعاركهم.
ان أكثرية الفيلق رقم 2 هم من الوهابيين، السلفيين وأتباع العقيدة الديوباندية. ان مسلمي هذه الرابطة الوهابية ـ السلفية ـ عقيدة الديوباندية يدينون علانية وبشراسة دمج الاسلام الشعبي (الدمج والتوفيق بين نظم مختلفة للمعتقدات)، زاعمين بأن ذلك ناشئ عن تجاهل التعاليم القرآنية.
كانت الوهابية، التي ترجع بأصولها الى القرن الثامن عشر، جزئياً، رد فعل على معتقدات الشيعة والسلفيين وتوقيرهم لـ "علي، والحسين وأطهار آخرين". ففي السنوات الأولى للوهابية، دمر المنتسبون لهذا المذهب المقدسات والمقامات الشيعية والسلفية تدميراً كاملاً، كما دمروا الضرائح كطريقة لتطهير المعتقد مما يسمى بالدنس. كانت طريقة التفكير هذه مستوردة، بسرعة وثبات، الى داخل باكستان منذ أوائل السبعينيات، مع هجرة العمال الباكستانيين الى دول الخليج العربية. وقد تمت اما مهاجمة كل مكان مقدس كبير للشيعة في باكستان ( بعضها يزورها السنة تكراراً أيضاً) أو هي تحت التهديد. ففي حزيران 2010، فجر انتحاريان نفسيهما في مقام "داتا داربار"في لاهور، أكثر مقام يتردد اليه الناس على نطاق واسع، ليقتلوا بذلك أكثر من 50 من المتعبدين فيه.
أما السلفيون ـ مصطلح واسع لأولئك الذين يريدون العودة الى الاسلام الذي يتصورون أنه كان ممارساً من قبل النبي وأصحابه ـ فهم غالباً ميالون الى التطرف والعنف. ومن بين أكثر المظاهر تطرفاً للتوجهات السلفية هناك جماعة التكفير والهجرة. ففي العام 1996، قالت هذه الجماعة بأنها تآمرت على اغتيال أسامة بن لادن لأنه كان مسلماً متراخياً. ولدى جماعة عسكر طيبة، المنظمة الجهادية الباكستانية البارزة ذات التعاطف السلفي، علاقات وثيقة مع جهاز استخبارات الداخلية ISI.
أخيراً، الديوبانديون، وهم أتباع مدرسة الفقه التي تأسست في ديوباند في الهند البريطانية. فالديوبانديون الباكستانيون، كما يتم تمييزهم عن الديوبانديين الهنود، لا يدينون التفجيرات الانتحارية، وهم موالون لطالبان بقوة.
بدلاً من مواجهة تعقيدات الفجوة المتسعة داخل المجتمع والجيش الباكستانيين، دافع الموالون للجيش رقم 1 والـ ISI رقم 1 باخلاص عن اسطورة الوحدة الوطنية ووحدة الجيش، مصرين على القول بأن الضباط والرجال المتجندين لمساعدة المتورطين في هجمات جهادية هم أفراد منعزلون ومضللون. ويتم تناول مسألة الارهاب ذي الدافع الديني على أنه عاصفة ريح وتمرّ، برغم أنه تسبب بازهاق أرواح باكستانيين بأعداد أكبر من كل حروبها مع الهند معاً. سوف تهدأ العاصفة، بحسب ما يؤكد مناصرو الفريق رقم 1، عندما تترك الولايات المتحدة أفغانستان وتعود علاقات القوى الاقليمية الى طبيعتها.
استكشاف الأصولية
في كل الأحوال، من غير الواضح بالنسبة لباكستان ماهية الوسائل الطبيعية بالنسبة للجيل الذي كبر في السنوات العشر ما بعد العام 2000، عقد من الحرب بالجوار، ووجود عنف اسلامي ونزاع مدني في الداخل. فبعد 64 عاماً من تقسيم الهند البريطانية، لا تزال التساؤلات الأساسية من دون جواب. فهل الباكستانيون عرب أم هم آسيويون جنوبيون؟ هل هناك ثقافة باكستانية؟ هل ينبغي ادارة البلاد وفقاً للشريعة الاسلامية؟ هل بامكان الهندوس، المسيحيين و"الكاديانيين"أن يكونوا باكستانيين كاملين؟ ماذا ستكون أجوبة الجيل التالي؟
كشف مسح تم مؤخراً لمجموعة تتألف من 2000 باكستاني من عمر 18 ـ 27 عاماً أن ثلاثة أرباع هؤلاء يعرّفون عن أنفسهم كمسلمين أولاً وباكستانيين ثانياً. واختار 14 بالمئة فقط من المستطلعة آراؤهم أن يعرّفوا عن أنفسهم كمواطنين باكستانيين أولاً. لا ينبغي أن تكون هذه النتيجة مفاجئة. فأطفال المدارس الباكستانيون يتعلمون أن يهتفوا بانسجام تام النشيد التالي: ما معنى باكستان؟ لا اله الا الله...
لقد أصبح الشباب الباكستاني، المحمس من قبل الملاليين، وبسبب اعتناق الجيش ووسائل الاعلام لعواطف وانفعالات غير متحضرة، وافتقاره لفرص وجود أنواع أكثر تقدمية وديمقراطية من الانخراط السياسي، أصبح أقل تعلماً ومعرفة بالعالم، وأقل قدرة على التفكير بطريقة مطلعة ومفكرة ومراعية لشعور الآخرين. في نفس الوقت، هم قلقون أكثر فأكثر بسبب البطالة، التضخم، الفساد، والعنف. الا أن هذه العوامل غير كافية أو لا يمكن احتسابها كثيراً بسبب شعلة الحماسة الدينية الطالعة في باكستان.
ان الأصولية الدينية واللجوء الى العنف ليسا الرد المباشر على الفقر الشديد، البطالة، التطبيق غير العادل للعدالة، الافتقار للتعليم المدرسي السليم أو المعاناة اليومية المتكررة للطبقة العاملة.
هذه العناصر، الى جانب عناصر أخرى بالطبع، تصنع الخليط المتفجر. من الواضح أن الناس الذين يحكمون على حياتهم بعدم وجود أمل كبير فيها هم عرضة للاستهداف بشكل مخيف للديماغوجية الدينية، الذين في مقابل الطاعة العمياء تقدم لهم حياة الآخرة الأكثر سعادة. لكن هذا يعني أن بامكان أيتام وفتية مدارس دينية مرتجلة كيفما كان في باكستان التحول وبسرعة الى مفجرين انتحاريين. انهم مجرد رهائن مستخدمين من قبل أولئك الأكثر تعلُّماً ومهارة، الذين تعتبر مسيرتهم ورؤاهم نابعة من عوامل أخرى غير البؤس والعجز وانعدام القوة.
من الصحيح القول أيضاً بأن الراديكالية الاسلامية تدين بالكثير للغضب المتولد من الهيمنة الغربية على المجتمعات الاسلامية ـ ألقت الهيمنة الأميركية على قسم كبير من العالم العربي لستة عقود ظلالاً كبيرة عليه. ثم هناك احتلال فلسطين، ومؤخراً العراق وأفغانستان. الا أن شعوراً كهذا بالنقمة والسخط ليس أمراً فريداً ومختصاً بالاسلاميين. اذ وجد مسح خاص نفذته سفارة أوروبية في اسلام آباد أن 4 بالمئة فقط من الباكستانيين المستطلعة آراؤهم يتحدثون بطريقة جيدة عن أميركا، مع 96 بالمئة يحتجون بعنف ضدها. اذ لدى الولايات المتحدة الامتياز المشبوه بأن تكون هي العدو رقم واحد لباكستان، بعدما استبدلت مكانة الهند كعدو قديم.
ان لصعود الاسلام المتشدد في باكستان جذوراً أعمق. ربما يكون الأمر ذو الصلة أكثر موجوداً في الكبرياء المجروحة. اذ أصبحت المجتمعات الاسلامية، التي تواجه انحداراً جلياً من قمة العظمة قبل عدة قرون، والمبتلاة بفقدان الموقع الثقافي في عصر العولمة، ناضجة للانبعاث الديني من جديد. اذ يعيش الباكستانيون على بقايا آثار هزيمة الامبراطورية المغولية الاسلامية في الهند على يد القوة الاستعمارية البريطانية في منتصف القرن التاسع عشر. ان تصورهم للتاريخ هو تصور العاطفة والحنين لزمن كان فيه المسلمون حاكمين للهند، وكانوا يحملون حضارة عظيمة. ليس لباكستان اليوم حضور كبير في الشؤون العالمية، في العلوم أو في الثقافة. البعض يلقي باللائمة على هذا السقوط للمسلمين على ضلالهم وابتعادهم عن الدين.
هناك أيضاً مسألة المال. فصعود الوهابية في باكستان كان مدفوعاً مادياً من قبل أغنياء عرب وحكوماتهم. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2008، نقل برايان هانت، مسؤول كبير في المستشارية الأميركية في لاهور، برقية الى وزارة الخارجية الأميركية يذكر فيها مناقشات تمت مع الحكومة المحلية ومع مصادر غير حكومية في مدينتَيْ مولتان وبهاوالبور. وتصرّح المذكرة، المنشورة من قبل ويكيليكس، بأن "الدعم المالي المقدر بنحو 100 مليون دولار سنوياً كان يشق طريقه الى رجال الدين الديوبانديين وجماعة أهل الحديث في جنوب البنجاب من قبل منظمات في العربية السعودية والامارات العربية المتحدة بدعم مباشر، كما يظهر، من تلك الحكومات". هذا التمويل يغذي النار التي تأكل باكستان.
ما الذي ينبغي فعله؟
يُقال بأن الأزمة مسألة من المخيف اهدارها. بالنسبة الى الطبقة السياسية الباكستانية، قدمت عملية بن لادن والأزمة التي تلتها فرصة لمواجهة قوة الجيش. لكن بدلاً من القيام بمبادرة جريئة من هذا النوع، أثبت قادة باكستان المدنيون ضعفهم الشديد، واستعدادهم للتسويات ومقدار السخافة لديهم ليقوموا ويفعلوا أي شيء. لقد وقفوا مشلولين في دورهم المعهود كخدم متواضعين لرجال الجيش.
ما إن انتشرت قصة عملية بن لادن في القنوات الاخبارية الباكستانية حتى صُعقت الحكومة المنتخبة ولم تقوَ على الكلام. لم يكن هناك من رد فعل باكستاني رسمي لساعات بعدما أعلن الرئيس باراك أوباما عن نجاح المهمة الأميركية. لقد انعقد لسانهم مدة 36 ساعة. اذ انتظر الرئيس ورئيس الوزراء الباكستانيان الاشارات من الجيش، ليتبعاها بعد استلامها مطيعَيْن. قرر الجيش ادانة الغارة الأميركية. ولذلك، فقد تحرك رئيس الوزراء يوسف جيلاني بعد ثمانية أيام من الحادثة وكسر صمته ليبرئ الـ ISI والجيش من "تهمتيِّ التآمر وعدم الكفاءة". وأمام العالم المتشكك، زعم جيلاني في تصريح له بأن الطرحَيْن "سخيفان". وأعلن في باريس في اجتماع له مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، محاولاً نشر اللوم، "هذا فشل استخباراتي لكل العالم، وليس لباكستان وحدها".
أما نواز شريف، القائد الفعلي للمعارضة البرلمانية، فقد طالب في النهاية بأن يغير الجيش ذهنيته. كان ذلك بمثابة تنفّس للصعداء. الا أن هذا الحث كان غامضاً: فما هو التغيير الذي كان يتحدث عنه؟ هل على الجيش أن يُخضع نفسه للسياسيين وللحكومة المنتخبة، كما يشترط الدستور؟ أو أن عليه حماية قواعده، قنابله وممتلكاته بشكل أفضل فحسب؟
ان التغيير الأهم الضروري هو أن على الجيش التوقف عن النظر الى كل شيء من خلال منظار التنافس والحرب مع الهند. فستة عقود من هذه السياسة تركت باكستان منهكة، غير مبالية بمعاناتها. وكي تنجح، على باكستان المضي الى ما هو أبعد. عليها أن تتخطى كراهيتها للهند؛ ترك مسألة كشمير كمشكلة تُحل مع الكشميريين. ان باكستان بحاجة الى وضع كل طاقاتها لتحسين الحكم والتعامل مع قضاياها الداخلية التي لا حصر لها، أكثرها تحديداً، انهاء العنف الأصولي ودفع التيارات السياسية والثقافية الأصولية الطاغية على مجتمعها الى الوراء. أما دور الجيش في هذا المجهود فينبغي أن يكون محدوداً بالدفاع عن الشعب الباكستاني من العنف وضمان أن تكون حقوقه الدستورية والمدنية محمية.
ترجمة :إيمان سويد
ميدل ايست ريسرتش وانفورميشن بروجكت
12 تموز، 2011
جنرالات باكستان محاصرون من كل الجهات. فهم، كما لم يكونوا من قبل، في صراع دائم مع جنودهم. وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، فان السخط والنقمة على كبار الضباط في الجيش كبير الى درجة تستثير الهواجس لجهة حصول انقلاب من قبل عقداء الجيش. فالجيش يفقد الدعم من حلفائه السياسيين المحليين وهو عرضة لعدائية الشعب الباكستاني المتزايدة. حتى ان الجنرالات معرضون لخطر رميهم من قبل الولايات المتحدة، داعمتهم الأقدم والأسخى.
يعلم قائد الجيش الباكستاني الجنرال اشفاق كاياني وقادة عسكريون آخرون بأن من الحكمة وقف الحفر عندما تكون في حفرة. لكن من غير الواضح إن كان بامكان الجنرالات التوقف عن الحفر. ففي 5 تموز/يوليو، ذكرت صحيفة نيويرك تايمز في تقريرها بأن مسؤولين أميركيين حمَّلوا كبار الضباط في وكالة الاستخبارات الداخلية ( ISI)، الاستخبارات العسكرية، المسؤولية عن خطف، تعذيب، وقتل الصحافي الباكستاني سليم شاه زاد. وكان شاه زاد معروفاً جداً بكتابة التقارير عن روابط الجيش بالجماعات الاسلامية الأصولية المسلحة.
أما السبب المباشر لهذه الأزمة فكان العملية الأميركية الناجحة باكتشاف مخبأ أسامة بن لادن في باكستان، والدخول الى البلد بسريّة وقتله. لكن الجنرالات، في الواقع، قد انجروا الى هذه المضائق المنذرة بكارثة بسبب سياسات الجيش، تحديداً بسبب أولئك الذين مثلوا دوراً على مدى العقود الثلاثة الماضية، ما ترك الجيش، وباكستان، مقسمَيْن بعمق. ان الحفاظ على الجيش والبلاد معاً هو جزء من التحدي نفسه.
كوابيس خاكي
بعد منتصف ليل 2 أيار/مايو بوقت قصير، انسل فريق من كوماندوس البحرية الأميركية الى داخل باكستان قادمين من أفغانستان بواسطة مروحية. حلقوا فوق البلاد وصولاً الى مدينة "أبوت آباد"، مركز "الأكاديمية العسكرية الباكستانية". وفي منزل كانت تراقبه الـ CIA لأشهر، وجد الكوماندوس الأميركي أسامة بن لادن وقتلوه وأخذوا جثته. وبالوقت الذي كانت الدفاعات الجوية الباكستانية قادرة على الرد، كانت القوة الأميركية قد تركت المجال الجوي الباكستاني. وفقط عندما أخلت الضفادع البشرية الأميركية المكان قامت السلطات الأميركية بابلاغ الجيش الباكستاني والقادة المدنيين بالعملية. بالنسبة الى باكستان كان الأمر قمة الاحراج، بحسب ما قال أياز أمير، البرلماني والمحرر الصحفي والضابط السابق في الجيش.
لقد أطلقت العملية الأميركية العنان لموجة تسونامي من اللوم من كل مكان وجهة. وكان الجنرال كاياني، الملذوع من الانتقادات والساعي لرفع المعنويات، يمشي بتثاقل بين حامية الجنود، حيث يواجه ضباطاً من الصف الثاني غاضبين ومستائين كفاية ليواجهوا من هم أعلى منهم رتبة. وتستشهد صحيفة "اكسبرس تريبيون"بكلام لضابط شاب لم يُذكر اسمه، قال فيه لقائد الجيش: "سيدي، أنا أشعر بالخجل والعار مما حدث في أبوت آباد". وأجاب كاياني، "وأنا أيضاً".
لكن هناك تساؤلات صعبة تتخطى الشعور بالخجل والعار. فقد سُئل كاياني عن سبب فشل الجيش الباكستاني بتقصي الغزاة الجويين وتدميرهم، كما سُئل عمّن آوى بن لادن في باكستان كل تلك السنين في الوقت الذي كان فيه الجيش يقاتل ويموت في حرب ضد القاعدة وحلفائها في مناطق القبائل على الحدود الأفغانية.
أما القادة المدنيون المشجعون للجيش، الذين رباهم الجنرالات وزرعوهم بعناية على مدى سنوات، فهم يشعرون بالاهانة لأن جيشهم صاحب الجعجعة والدعاية المضللة لم يكن كما كانوا يعتقدونه. فالجيش الباكستاني الذي طالما استهلك معظم موارد البلد، على أنه سخاء ضروري، كان يعد بالمحافظة على قوة قتالية من الصف الأول، لكن عندما وُضع الرادار الخيالي وأجهزة أخرى قيد الاختبار، فانها أثبتت عجزا بائسا.
بدأ الشعب الباكستاني،هو أيضاً، بمهاجمة الجيش. فالسخرية والتجديف يحلان محل الخوف والرهبة. ومؤخراً، وفي سوق "آبارا"في اسلام آباد ـ على بعد خطوات من مركز القيادة الرئيس لجهاز الاستخبارات الداخلية ISI ـ قام متظاهرون بتمزيق لافتة ضخمة للجيش تمدح هذا الجيش ووكالته التجسسية المتبجحة. وقد هلل المتفرجون لذلك. لم يشهد أحد مثل هذه المشاهد منذ حرب عام 1971 مع الهند، عندما استسلم 90000 جندي باكستاني بعد هزيمة مرة.
في كل الأحوال، ان نجاح الولايات المتحدة بالعثور على بن لادن وقتله، وابقاء الجيش الباكستاني وجهاز استخبارات ISI في الظل، ما هو الا مجرد عاصفة صغيرة لصورة المؤسسة العسكرية وغرورها. ففي ربيع عام 2011، كانت عمليات الكشف عن المعايير المزدوجة قد ضاءلت أصلاً من السلطة المعنوية للجيش.
يعترض الجيش، رسمياً، وبقوة على هجمات طائرات الـ Predator التابعة للـ CIA في منطقة القبائل التابعة ادارتها، فيدرالياً، لباكستان ـ تدعى المنطقة FATA ـ ، امتداد لسلسلة الجبال الشمالية الغربية والتي أصبحت منطقة محظور الدخول اليها بعد وقت قصير من التدفق الهائل لمقاتلي القاعدة وطالبان الأفغان الهاربين من الغزو الأميركي في بداية هجمات 11 أيلول/سبتمبر، 2001. الا أن الباكستانيين لطالما شككوا بالادانات على أنها غير صادقة. لقد بدا التواطؤ والاشتراك في الجريمة واضحاً. وقد أكدت الوثائق المسربة من ويكيليكس، التي حصلت عليها صحيفة الفجر ( Dawn) الريادية، هذه الشكوك.
تظهر برقيات وزارة الداخلية التي نشرتها ويكيليكس بأن القيادة العليا الباكستانية قد دعمت بقوة، في واقع الأمر، برنامج هجمات الطائرات. ففي اجتماع تم في 22 كانون الثاني/ يناير، 2008 مع الأدميرال وليام ج. فالون، الذي كان رئيس CENTCOM آنذاك، طلب الجنرال كاياني "تغطية مستمرة لطائرات الـ Pradator لمناطق الصراع" في جنوب وزيرستان حيث كان الجيش يقوم بعمليات ضد المسلحين. أما الطلب فمفصَّل في رسالة سرية أرسلتها السفيرة الأميركية آن باترسون من اسلام آباد الى واشنطن في 11 شباط من ذلك العام. لاحقاً، وفي أوائل آذار/ مارس، وفي اجتماع مع الأدميرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، طلب الأخير من كاياني تقديم المساعدة في "الموافقة على منطقة عمليات محظورة للطائرات الأميركية فوق منطقة FATA". ويشير هذا المطلب ـ المفصل في برقية من السفارة الأميركية في اسلام آباد في 24 آذار/ مارس ـ بوضوح، الى أنه قد تمت الموافقة من قبل كاياني على تأمين ممرَّين للطائرات الأميركية.
في الوقت الذي أنذر فيه الجيش الباكستاني الجيش الأميركي قائلاً بأن القدم الأميركية لن تطأ الأرض الباكستانية، فان برقيات ويكيليكس المنشورة من قبل صحيفة الفجر تكشف ما مفاده أن نخبة الوحدات الأميركية تعمل، في واقع الأمر، بشكل وثيق مع الجيش الباكستاني على جمع المعلومات الاستخبارية، كما أنهما يعملان معاً في عمليات مشتركة أخرى في الأراضي الباكستانية. قالت باترسون في تقرير لها الى وزارة الخارجية الأميركية في أيار م مايو 2009/ "لقد أنشأنا خلايا اندماج استخباراتية (Fusion Cells) مع القوات الخاصة الأميركية المزروعة مع كل من الـ SSG وكتائب الحدود (بلاهيسار، بيشاور) مع تجهيزات الـ Rover الجاهزة للانتشار".
الفوز بالحرب في الداخل
ان الأهم من أزمة الثقة في الجيش الباكستاني هو العجز المستمر بالدفاع عن قادته، جنوده وممتلكاته من الخطر الجهادي الداخلي المنشأ. كان برويز مشرَّف، رئيس هيئة الأركان في الجيش الباكستاني قبل الجنرال كاياني، هدفاً لمحاولات اغتيال متكررة من قبل رجال العصابات الأصولية الاسلامية، بعضهم كان لديه مساعدة من داخل الجيش. وتشمل حوادث أخيرة أخرى هجوماً ناجحاً على مركز القيادة العامة للجيش في راولبندي في العام 2009، تدمير ثلاثة مراكز اقليمية حيوية لجهاز الـ ISI بواسطة تفجيرات انتحارية بالاضافة الى هجوم أيار/ مايو 2011 على القاعدة البحرية في مهران على يد حفنة من المقاتلين، كجزء من الغزوات التي شنتها مئات من القوى الأمنية منذ وقت طويل كاف لتدمير طائرة أوريون P3C المضادة للغواصات، ثمن كل واحدة منها 36 مليون دولار.
ان الجيش الباكستاني ـ والبلد الذي يديره ـ ينزفان بسبب آلاف الجروح التي تسببت بها قسوة الجزمة العسكرية بجنرالاتها المتدينين المنفوخين المحبين للقتال. ففي الوقت الذي يتزايد فيه العنف، ارتفع منسوب التشاؤم بشأن مستقبل البلاد لدى جماعة الاستخبارات والطبقة المستثمرة، محفزة الاختصاصيين ورؤوس الأموال على الهرب من البلاد.
من المثير للسخرية أن تكون الأمور قد تحولت واتخذت هذا المنحى. اذ كانت خطة الجيش، التي فقست قبل عقود، جعل الهند تعلق في حرب بديلة تُشن لمصلحة باكستان من قبل مسلحين اسلاميين. فعلى الأقل، ومنذ تسلم الجنرال اسلام بيغ منصبه من العام 1988 وحتى 1991، أيد قادة الجيش الواحد تلو الآخر الحرب السرية ضد الهند على أنها قلب استراتيجية الجيش. بدت الاستراتيجية آمنة كفاية ـ يفترض بالسلاح النووي الباكستاني أن يردع الهند ـ كما بدا بأنها تعمل وذلك في مناسبتين على الأقل: بعد هجوم 13 كانون الأول/ ديسمبر، 1999 على البرلمان الهندي من قبل جهاديي جيش محمد، وبعد هجمات بومباي 2008 على يد عسكر طيبة. وقد احتجت الهند بعنف لكنها لم تنتقم (على الأقل ليس بطريقة مباشرة). واليوم حتى، يبدو أن هناك استمراراً لهذه السياسة. هناك عدد من المسلحين المنتحلين لصفة الاسلام موجودون في موريدكي، بهاوالبور، مانسيهرا وفي أماكن أخرى متروكين أحراراً ليخططوا لهجمات ضد الهند في زمان ومكان من اختيارهم.
في كل الأحوال، تملك الجماعات الأصولية الاسلامية المسلحة العديدة أجنداتها الخاصة التي تسيِّرها حماسة ايديولوجبة منفصلة جذرياً، غالب الأحيان، عن تلك التي للدولة الباكستانية. بعضها تستهدف الامبراطورية الأميركية، ما يفسر السبب بأن تكون باكستان الملاذ المختار لبن لادن وبقايا القاعدة. وأخرى تركز على الهدف الأكثر محدودية وهو "تحرير"كشمير من الهند. مع ذلك هناك مجموعات أخرى، كعسكر طيبة، وجيش الصحابة، هم عبارة عن مقاتلين مذهبيين يسعون الى تطهير الاسلام من الشيعة والأقليات الأخرى، في حين يرغب مقاتلو جماعة "خاتم النبوة"بالقضاء على الـ "كادانيين"، وهو تعبير قذف وتشهير يستخدمونه لتشويه سمعة مذهب الأحمدية الذي وُلد مؤسسه في القرن التاسع عشر في بلدة "كاديان". هؤلاء المنتحلون لصفة الاسلام يرسلون مفجرين انتحاريين بسرعة لضرب المساجد، الأماكن المقدسة والأسواق، وقتل قادة دينيين وشخصيات بارزة في مختلف مجتمعات الأقليات. انهم يُجمعون فقط على مسألة قتل "المجدِّفين" كهؤلاء مع أولئك الذين يقفون للمطالبة بحقوقهم.
يقفون مقسمين
الدين يقسم باكستان، والباكستانيون يقسمون، أكثر فأكثر، الجيش الباكستاني. بالواقع، ان أسوأ سر مكتوم في صفوف الجيش هو أن هناك جيشين الآن. الأول برئاسة الجنراك كاياني وهو جيش وطني. الثاني ليس لديه قائد معروف، حتى الآن، ويعتبر نفسه جيش الله. نفس التقسيم يمكن أن نجده في جهاز الاستخبارات الـ ISI، وقد يكون التقسيم موجوداً في قسم الخطط الاسراتيجية حتى، الذي يملك الوصاية على ترسانة باكستان الذرية.
الجيش رقم 1 والـ ISI رقم 1، والجيش رقم 2 والـ ISI رقم 2، لديهم جميعاً عقليات وذهنيات متشابهة وانما متمايزة. فالضباط والجنود في كل فريق تربوا، ككل الباكستانيين، على "نظرية الدولتين"، معتقد الأب المؤسس لباكستان محمد علي جناح والذي يقول بعدم امكان الهندوس والمسلمين العيش معاً كمتساوين بسلام أبداً. وأن كلتا المجموعتين من الجنود منزلقة في حكم مسبق معادٍ للهند، شعور تشرَّبوه باكراً في كليات التدريب التابعة للجيش في "بيتارو" و "حسن عبدل"، كما إنهم يتقاسمون الاحتقار نفسه للمدنيين والمتجذر عميقاً في نفوسهم. في كل الأحوال هم يختلفون في الدين.
منذ أيام ضياء الحق، حاكم باكستان في الثمانينيات، كانت مراكز التجنيد تكللها أعلام تقول "ايمان، تقوى، جهاد في سبيل الله". فبالنسبة الى الجيش رقم 1 والـ ISI رقم 1، يعتبر الدين، والى حد كبير، مسألة ثقافة وهوية. فهم مؤمنون بالمنشأ والتربية بـ: تقديم الاسلام طريقة ليعيش المرء حياته؛ الصلاة والصوم هدفان قيمان ويميزان الانسان التقي والورع؛ والصوفيون والشيعة هم مسلمون رفاق، وان كانوا ذوي آراء مغايرة (خارج عن اجماع الأمة في الدين).
من جهة أخرى فان الجيش رقم 2 والـ ISI رقم 2 هم جهاديون، والذين بالنسبة لهم الاسلام والدولة لا ينفصلان. انهم متشددون في مسائل الطقوس وتطابق الحياة العامة: انهم يصلّون بانتظام، يصرون على فصل الضباط عن زوجاتهم، وابقاء العين مفتوحة على نظرائهم الذين يشربون الكحول بالخفاء. ان فلسفتهم السياسية تستمد الوحي من أعمال مولانا أبو العلاء المودودي، المفكر في القرن العشرين ومؤسس حزب الجماعة الاسلامية في باكستان، الذي يصر على أن الاسلام العربي في القرن السابع يوفر مخططا تفصيليا تاما للمجتمع والسياسة. فالامساك بالسلطة هو وسيلة نحو انشاء مجتمع مثالي على نسق المدينة المنورة في زمن النبي محمد. لديهم كره للعلوم كطريقة لطرح التساؤلات لكنهم يرحبون بالتكنولوجيا الحديثة كأداة لمعاركهم.
ان أكثرية الفيلق رقم 2 هم من الوهابيين، السلفيين وأتباع العقيدة الديوباندية. ان مسلمي هذه الرابطة الوهابية ـ السلفية ـ عقيدة الديوباندية يدينون علانية وبشراسة دمج الاسلام الشعبي (الدمج والتوفيق بين نظم مختلفة للمعتقدات)، زاعمين بأن ذلك ناشئ عن تجاهل التعاليم القرآنية.
كانت الوهابية، التي ترجع بأصولها الى القرن الثامن عشر، جزئياً، رد فعل على معتقدات الشيعة والسلفيين وتوقيرهم لـ "علي، والحسين وأطهار آخرين". ففي السنوات الأولى للوهابية، دمر المنتسبون لهذا المذهب المقدسات والمقامات الشيعية والسلفية تدميراً كاملاً، كما دمروا الضرائح كطريقة لتطهير المعتقد مما يسمى بالدنس. كانت طريقة التفكير هذه مستوردة، بسرعة وثبات، الى داخل باكستان منذ أوائل السبعينيات، مع هجرة العمال الباكستانيين الى دول الخليج العربية. وقد تمت اما مهاجمة كل مكان مقدس كبير للشيعة في باكستان ( بعضها يزورها السنة تكراراً أيضاً) أو هي تحت التهديد. ففي حزيران 2010، فجر انتحاريان نفسيهما في مقام "داتا داربار"في لاهور، أكثر مقام يتردد اليه الناس على نطاق واسع، ليقتلوا بذلك أكثر من 50 من المتعبدين فيه.
أما السلفيون ـ مصطلح واسع لأولئك الذين يريدون العودة الى الاسلام الذي يتصورون أنه كان ممارساً من قبل النبي وأصحابه ـ فهم غالباً ميالون الى التطرف والعنف. ومن بين أكثر المظاهر تطرفاً للتوجهات السلفية هناك جماعة التكفير والهجرة. ففي العام 1996، قالت هذه الجماعة بأنها تآمرت على اغتيال أسامة بن لادن لأنه كان مسلماً متراخياً. ولدى جماعة عسكر طيبة، المنظمة الجهادية الباكستانية البارزة ذات التعاطف السلفي، علاقات وثيقة مع جهاز استخبارات الداخلية ISI.
أخيراً، الديوبانديون، وهم أتباع مدرسة الفقه التي تأسست في ديوباند في الهند البريطانية. فالديوبانديون الباكستانيون، كما يتم تمييزهم عن الديوبانديين الهنود، لا يدينون التفجيرات الانتحارية، وهم موالون لطالبان بقوة.
بدلاً من مواجهة تعقيدات الفجوة المتسعة داخل المجتمع والجيش الباكستانيين، دافع الموالون للجيش رقم 1 والـ ISI رقم 1 باخلاص عن اسطورة الوحدة الوطنية ووحدة الجيش، مصرين على القول بأن الضباط والرجال المتجندين لمساعدة المتورطين في هجمات جهادية هم أفراد منعزلون ومضللون. ويتم تناول مسألة الارهاب ذي الدافع الديني على أنه عاصفة ريح وتمرّ، برغم أنه تسبب بازهاق أرواح باكستانيين بأعداد أكبر من كل حروبها مع الهند معاً. سوف تهدأ العاصفة، بحسب ما يؤكد مناصرو الفريق رقم 1، عندما تترك الولايات المتحدة أفغانستان وتعود علاقات القوى الاقليمية الى طبيعتها.
استكشاف الأصولية
في كل الأحوال، من غير الواضح بالنسبة لباكستان ماهية الوسائل الطبيعية بالنسبة للجيل الذي كبر في السنوات العشر ما بعد العام 2000، عقد من الحرب بالجوار، ووجود عنف اسلامي ونزاع مدني في الداخل. فبعد 64 عاماً من تقسيم الهند البريطانية، لا تزال التساؤلات الأساسية من دون جواب. فهل الباكستانيون عرب أم هم آسيويون جنوبيون؟ هل هناك ثقافة باكستانية؟ هل ينبغي ادارة البلاد وفقاً للشريعة الاسلامية؟ هل بامكان الهندوس، المسيحيين و"الكاديانيين"أن يكونوا باكستانيين كاملين؟ ماذا ستكون أجوبة الجيل التالي؟
كشف مسح تم مؤخراً لمجموعة تتألف من 2000 باكستاني من عمر 18 ـ 27 عاماً أن ثلاثة أرباع هؤلاء يعرّفون عن أنفسهم كمسلمين أولاً وباكستانيين ثانياً. واختار 14 بالمئة فقط من المستطلعة آراؤهم أن يعرّفوا عن أنفسهم كمواطنين باكستانيين أولاً. لا ينبغي أن تكون هذه النتيجة مفاجئة. فأطفال المدارس الباكستانيون يتعلمون أن يهتفوا بانسجام تام النشيد التالي: ما معنى باكستان؟ لا اله الا الله...
لقد أصبح الشباب الباكستاني، المحمس من قبل الملاليين، وبسبب اعتناق الجيش ووسائل الاعلام لعواطف وانفعالات غير متحضرة، وافتقاره لفرص وجود أنواع أكثر تقدمية وديمقراطية من الانخراط السياسي، أصبح أقل تعلماً ومعرفة بالعالم، وأقل قدرة على التفكير بطريقة مطلعة ومفكرة ومراعية لشعور الآخرين. في نفس الوقت، هم قلقون أكثر فأكثر بسبب البطالة، التضخم، الفساد، والعنف. الا أن هذه العوامل غير كافية أو لا يمكن احتسابها كثيراً بسبب شعلة الحماسة الدينية الطالعة في باكستان.
ان الأصولية الدينية واللجوء الى العنف ليسا الرد المباشر على الفقر الشديد، البطالة، التطبيق غير العادل للعدالة، الافتقار للتعليم المدرسي السليم أو المعاناة اليومية المتكررة للطبقة العاملة.
هذه العناصر، الى جانب عناصر أخرى بالطبع، تصنع الخليط المتفجر. من الواضح أن الناس الذين يحكمون على حياتهم بعدم وجود أمل كبير فيها هم عرضة للاستهداف بشكل مخيف للديماغوجية الدينية، الذين في مقابل الطاعة العمياء تقدم لهم حياة الآخرة الأكثر سعادة. لكن هذا يعني أن بامكان أيتام وفتية مدارس دينية مرتجلة كيفما كان في باكستان التحول وبسرعة الى مفجرين انتحاريين. انهم مجرد رهائن مستخدمين من قبل أولئك الأكثر تعلُّماً ومهارة، الذين تعتبر مسيرتهم ورؤاهم نابعة من عوامل أخرى غير البؤس والعجز وانعدام القوة.
من الصحيح القول أيضاً بأن الراديكالية الاسلامية تدين بالكثير للغضب المتولد من الهيمنة الغربية على المجتمعات الاسلامية ـ ألقت الهيمنة الأميركية على قسم كبير من العالم العربي لستة عقود ظلالاً كبيرة عليه. ثم هناك احتلال فلسطين، ومؤخراً العراق وأفغانستان. الا أن شعوراً كهذا بالنقمة والسخط ليس أمراً فريداً ومختصاً بالاسلاميين. اذ وجد مسح خاص نفذته سفارة أوروبية في اسلام آباد أن 4 بالمئة فقط من الباكستانيين المستطلعة آراؤهم يتحدثون بطريقة جيدة عن أميركا، مع 96 بالمئة يحتجون بعنف ضدها. اذ لدى الولايات المتحدة الامتياز المشبوه بأن تكون هي العدو رقم واحد لباكستان، بعدما استبدلت مكانة الهند كعدو قديم.
ان لصعود الاسلام المتشدد في باكستان جذوراً أعمق. ربما يكون الأمر ذو الصلة أكثر موجوداً في الكبرياء المجروحة. اذ أصبحت المجتمعات الاسلامية، التي تواجه انحداراً جلياً من قمة العظمة قبل عدة قرون، والمبتلاة بفقدان الموقع الثقافي في عصر العولمة، ناضجة للانبعاث الديني من جديد. اذ يعيش الباكستانيون على بقايا آثار هزيمة الامبراطورية المغولية الاسلامية في الهند على يد القوة الاستعمارية البريطانية في منتصف القرن التاسع عشر. ان تصورهم للتاريخ هو تصور العاطفة والحنين لزمن كان فيه المسلمون حاكمين للهند، وكانوا يحملون حضارة عظيمة. ليس لباكستان اليوم حضور كبير في الشؤون العالمية، في العلوم أو في الثقافة. البعض يلقي باللائمة على هذا السقوط للمسلمين على ضلالهم وابتعادهم عن الدين.
هناك أيضاً مسألة المال. فصعود الوهابية في باكستان كان مدفوعاً مادياً من قبل أغنياء عرب وحكوماتهم. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2008، نقل برايان هانت، مسؤول كبير في المستشارية الأميركية في لاهور، برقية الى وزارة الخارجية الأميركية يذكر فيها مناقشات تمت مع الحكومة المحلية ومع مصادر غير حكومية في مدينتَيْ مولتان وبهاوالبور. وتصرّح المذكرة، المنشورة من قبل ويكيليكس، بأن "الدعم المالي المقدر بنحو 100 مليون دولار سنوياً كان يشق طريقه الى رجال الدين الديوبانديين وجماعة أهل الحديث في جنوب البنجاب من قبل منظمات في العربية السعودية والامارات العربية المتحدة بدعم مباشر، كما يظهر، من تلك الحكومات". هذا التمويل يغذي النار التي تأكل باكستان.
ما الذي ينبغي فعله؟
يُقال بأن الأزمة مسألة من المخيف اهدارها. بالنسبة الى الطبقة السياسية الباكستانية، قدمت عملية بن لادن والأزمة التي تلتها فرصة لمواجهة قوة الجيش. لكن بدلاً من القيام بمبادرة جريئة من هذا النوع، أثبت قادة باكستان المدنيون ضعفهم الشديد، واستعدادهم للتسويات ومقدار السخافة لديهم ليقوموا ويفعلوا أي شيء. لقد وقفوا مشلولين في دورهم المعهود كخدم متواضعين لرجال الجيش.
ما إن انتشرت قصة عملية بن لادن في القنوات الاخبارية الباكستانية حتى صُعقت الحكومة المنتخبة ولم تقوَ على الكلام. لم يكن هناك من رد فعل باكستاني رسمي لساعات بعدما أعلن الرئيس باراك أوباما عن نجاح المهمة الأميركية. لقد انعقد لسانهم مدة 36 ساعة. اذ انتظر الرئيس ورئيس الوزراء الباكستانيان الاشارات من الجيش، ليتبعاها بعد استلامها مطيعَيْن. قرر الجيش ادانة الغارة الأميركية. ولذلك، فقد تحرك رئيس الوزراء يوسف جيلاني بعد ثمانية أيام من الحادثة وكسر صمته ليبرئ الـ ISI والجيش من "تهمتيِّ التآمر وعدم الكفاءة". وأمام العالم المتشكك، زعم جيلاني في تصريح له بأن الطرحَيْن "سخيفان". وأعلن في باريس في اجتماع له مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، محاولاً نشر اللوم، "هذا فشل استخباراتي لكل العالم، وليس لباكستان وحدها".
أما نواز شريف، القائد الفعلي للمعارضة البرلمانية، فقد طالب في النهاية بأن يغير الجيش ذهنيته. كان ذلك بمثابة تنفّس للصعداء. الا أن هذا الحث كان غامضاً: فما هو التغيير الذي كان يتحدث عنه؟ هل على الجيش أن يُخضع نفسه للسياسيين وللحكومة المنتخبة، كما يشترط الدستور؟ أو أن عليه حماية قواعده، قنابله وممتلكاته بشكل أفضل فحسب؟
ان التغيير الأهم الضروري هو أن على الجيش التوقف عن النظر الى كل شيء من خلال منظار التنافس والحرب مع الهند. فستة عقود من هذه السياسة تركت باكستان منهكة، غير مبالية بمعاناتها. وكي تنجح، على باكستان المضي الى ما هو أبعد. عليها أن تتخطى كراهيتها للهند؛ ترك مسألة كشمير كمشكلة تُحل مع الكشميريين. ان باكستان بحاجة الى وضع كل طاقاتها لتحسين الحكم والتعامل مع قضاياها الداخلية التي لا حصر لها، أكثرها تحديداً، انهاء العنف الأصولي ودفع التيارات السياسية والثقافية الأصولية الطاغية على مجتمعها الى الوراء. أما دور الجيش في هذا المجهود فينبغي أن يكون محدوداً بالدفاع عن الشعب الباكستاني من العنف وضمان أن تكون حقوقه الدستورية والمدنية محمية.
ترجمة :إيمان سويد