ارشيف من :ترجمات ودراسات

كامب ديفيد أنقذت كيان العدو وغيرت المعادلات الإقليمية

كامب ديفيد أنقذت كيان العدو وغيرت المعادلات الإقليمية

كتب محرر الشؤون العبرية

رفعت وزارة الخارجية الأميركية السرية عن وثائق تتصل بالصراع العربي الإسرائيلي، وتحديدا ما يتعلق بالعام 1973، مما ورد فيها انه "في اليوم الأخير للحرب، (1973)، نشرت الاستخبارات الأميركية تقديرا إزاء احتمالات تغلب "إسرائيل" على الدول العربية في الحروب القادمة، قالت فيها "حتى لو تمكنوا من الخروج من النزاع الحالي، فإن الإسرائيليين لن يكون بوسعهم التأكد من انتصاراتهم السريعة والحاسمة في المستقبل". وأنه لضمان أمن "إسرائيل" مستقبلا "لن يكون كافيا بعد اليوم قوة الجيش الإسرائيلي، بل سيكون مطلوباً ضمانة دولية لحدود "إسرائيل"؛ ضمانة أمريكية أحادية الجانب لهذه الحدود؛ أو إعلان علني بأن إسرائيل مصممة على استخدام السلاح النووي لضمان سلامة أراضيها". يلاحظ على تقدير الاستخبارات الأميركية، أنها تشير إلى تبلور معادلات إقليمية جديدة في ذلك الحين، لم تقتصر على فقدان "إسرائيل" القدرة على المبادرة على شن حروب واسعة، كما حصل في العام 1967، عندما احتلت الضفة والقطاع وسيناء والجولان، في ستة أيام، بل أصبحت في موقع دفاعي محض تحتاج في ظله إلى حماية خارجية أو التلويح بالسلاح النووي، وهو ما يُقيِّد من دورها الإقليمي ويساهم في تحجيم النفوذ الأميركي في المنطقة. في هذا السياق يمكن فهم أهمية ونتائج اتفاقية كامب ديفيد بين "إسرائيل" ومصر، التي كانت تشكل القوة العربية الرئيسية في مواجهة "إسرائيل"، لجهة أنها حيدت الأخيرة عن دول المواجهة، وغيرت التوازن الاستراتيجي بين دول المواجهة و"إسرائيل" لصالح الأخيرة. وهو ما عبد الطريق لاحقا أمام اجتياح العام 1982، وشن اعتداءات واسعة أخرى في لبنان ولاحقا في الضفة الغربية (السور الواقي عام 2002، وعملية الرصاص المصهور نهاية 2008). وعليه، يتضح أن اتفاقية كامب ديفيد شكلت في حينه بديلاً سياسياً عن الخيارات التي كانت أمام إسرائيل (حماية أميركية، أو دولية أو التلويح بالسلاح النووي).

أما بخصوص إمكانية نشوب الحرب، فقد شككت الاستخبارات الأميركية، الـ "سي.آي.ايه"، في تقرير نُشر في 17 أيار 1973، باشتعال ذي مغزى في الجبهة المصرية – الإسرائيلية "في الأسابيع القريبة القادمة" واستبعد ايضا احتمال تجدد حرب الأيام الستة أو حرب الاستنزاف في 1969 – 1970. وفي أقصى الأحوال، كتب المقدرون الأميركيون يقولون، سيبادر المصريون إلى اقتحامات كوماندو قصيرة أو قصف مدفعي، وهذه ستجر ردا إسرائيليا شديد القوة.

إلى ذلك، من الواضح أن الخطأ الأميركي والإسرائيلي لم يكن استخباريا فقط، بل بدا ايضا في تقدير قوة الجيش الإسرائيلي بالقياس إلى قوة الجيشين السوري والمصري، وقد يكون الثاني هو الذي  مهد للأول. وأكثر ما برز هذا التوجه، في موقف موشيه ديان الذي قال أن مصر قادرة على تنفيذ عملية عسكرية محدودة، ولكن "الهجوم الإسرائيلي المضاد سيصد مصر إلى خطوط أسوأ من تلك التي في أيديها الآن". كما قدَّر رجال الاستخبارات في البنتاغون بأن الجيش الإسرائيلي سينتصر بسهولة على الجيوش العربية.

وعليه، يبدو من خلال مضمون التقدير، أن الاستبعاد الأميركي للحرب يعود إلى نظرة أميركية دونية للقوة المصرية في ذلك الحين، وأكثر ما تجلى ذلك، انه بعدما بدا خطأ التقديرات الاستخبارية الأميركية والإسرائيلية وبدا الهجوم على الجبهتين السورية والمصرية، أصروا في الـ "سي.آي.ايه" على التقدير بأن "مدة القتال الثقيل ستكون قصيرة – ليس أكثر من أسبوع. فالطرفان غير جاهزين لوجستيا لأعمال عدائية طويلة. لدى الإسرائيليين قوة لصد الهجوم السوري في أيام قليلة، وبنفس السرعة صد المصريين إلى ما وراء القناة". كما تؤكد هذه الأخطاء وغيرها على حقيقة أن صدور تقدير استخباراتي عن دولة بحجم الولايات المتحدة، لا يعني بالضرورة أنه يملك ارجحية على مستوى صحته ودقته. بل كشفت الكثير من الأحداث التاريخية والمعاصرة عن أخطاء وابتعاد المقدرين الاستخباريين عن الواقع.  
2011-07-27