ارشيف من :خاص
آخر مؤشر لنهاية القوة الإسرائيلية... الخوف على المجال الجوي
عبد الحسين
شبيب
تفصح "اسرائيل" تدريجياً عن التداعيات السلبية الجوهرية على قوتها العسكرية بفعل حرب تموز/ يوليو 2006، وتقدم ذلك على شكل تحولات في "العقيدة القتالية" و"النظرية الامنية" و"الاستراتيجية العسكرية"، وهي مصطلحات ثلاثة لكل منها مجال محدد وفيها قواسم مشتركة بحكم طبيعتها الحربية.
باختصار يتم التداول بثلاثة تغييرات اساسية في منظومة القوة الاسرائيلية عكست تراجعها ومست بمقولة تفوقها العسكري في الشرق الاوسط، مع الاشارة الى ان مفهوم التفوق هذا لا يُعرَف فقط بعناصر كمية ونوعية تتعلق بعديد الجيش وعتاده ونوعية الاسلحة ومداها ودقتها وفعاليتها وكميتها وما تحتويه الترسانة العسكرية الاسرائيلية من طرازات وادوات قتالية برية وبحرية وجوية غير متوافرة عندى اي من الخصوم في الشرق الاوسط، بل ان مفهوم التفوق الاسرائيلي يتعلق ايضا بكيفية ادارته للحروب والقواعد التي يعمل بموجبها الجيش والاستخبارات وكافة الاذرع القتالية. ومن المفاهيم التي وضعتها القيادة الاسرائيلية لقياس مؤشر تفوقها القواعد التالية: أولاً، تخوض " اسرائيل" حروبها في ارض "العدو"، وثانياً تخوضها بكلفة بشرية ومادية اسرائيلية محدودة وقليلة جداً قياساً الى اكلاف العدو، وثالثاً تنجز المهمة في مدى زمني قصير جداً، وهو ما يسمى بالحسم السريع، ورابعاً، تحظى الجبهة الداخلية الاسرائيلية بأمان كبير جداً نسبة الى طبيعة الحرب وحجم النار المستخدمة فيها.
تطبيقا لنظرية التراجع العكسي (البدء من رابعاً)، فان "اسرائيل" اعلنت بوضوح ان الجبهة الداخلية اصبحت بُعيد حرب تموز 2006 في قلب اي حرب تعتزم خوضها لاحقاً، اي اصبحت خط تماس وليس منطقة امان لا تحتاج الى الا مجهود عادي. وقد ترجمت ذلك بخماسية مناورات التحول التي شاركت فيها كل "اسرائيل" من دون استثناء، وهذه المناورات في طبيعتها والموارد المستخدمة فيها لم يحصل ان تدربت عليها الدولة العبرية ولا مرة منذ انشاء نفسها عام 1948.
مقولة الحسم السريع ايضاً طارت باعتراف قادة العدو وخبرائه، والدليل المستحكم على سقوط هذه القدرة التي توافرت لـ"اسرائيل" منذ العام 1948 وماتت عام 2006، هو ذلك الجدل المستمر عن الحرب المقبلة والوقت الذي تحتاجه (ثلاثة اشهر حسب اقل التقديرات)، وبنتائج لا تتعدى في افضل التقديرات الاسرائيلية الخمسين في المئة من الاهداف المحددة، وهذا هو المعطى الاساسي الذي يؤخر قرار "اسرائيل" باستنناف القتال مع حزب الله وانهاء مفعول القرار الدولي 1701 الذي اوقف العمليات العسكرية ولم ينه الحرب بحسب نصه وبحسب الفهم الاسرائيلي له.
اما الكلفة البشرية والمادية اسرائيليا في اي حرب مقبلة فانها لم تعد زهيدة، وهناك تقديرات وارقام لم يحصل أن دونت في اي مذكرة او تقرير استخبارتي او دراسات لمراكز الابحاث التي تزود بها مراكز صنع القرار لترشيدها، وخلاصة التوقعات المتداولة تنعى نظرية "الحرب النظيفة والمعقمة".
هذه التراجعات/ الانتكاسات الاسرائيلية الثلاثة باتت محسومة، وهناك مقابلها ثلاثة تحولات/ انتكاسات قيد الاختبار حاليا وفي المستقبل، وبعضها جرى التنبؤ به، وبعضه يجري مقاربته بحذر شديد وقلق كامن لانه يعني دق مسمار في آخر حصون القوة الاسرائيلية.
اولى هذه الانتكاسات/ التراجعات هي خوض الحرب في ارض العدو. اصبح الامر متعذرا على النحو الذي كان يسمح لـ"اسرائيل" بأن تتباهى وتستخف وتقول ان فرقتها الموسيقية قادرة على احتلال لبنان. الاساليب القتالية التي ابدعها حزب الله والوسائل القتالية للتعامل مع سلاح البر الاسرائيلي كانت كافية لان تقنع "اسرائيل" نفسها ان خوض حروبها على اراضي اعدائها لم تعد متوافرة بالسهولة التي كانت لها سابقاً. لكن مصدر القلق الاسرائيلي ليس هنا فحسب، بل في بدء قيادة العدو بحث امكانية ان ينقل اعداؤها الحرب الى اراضي فلسطين المحتلة، وقد جرى كلام على مستوى عال وسربت تحليلات وفحوصات ميدانية أجريت لاحتمال كهذا، سواء على الجبهة الشمالية مع لبنان او على الجبهة الجنوبية مع غزة. والذي غذى القلق الاسرائيلي ورفع هذه الفرضية الى مرتبة التهديد النوعي هو خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن احتمال طلبه من مجاهدي المقاومة الاسلامية ان يقتحموا المناطق الحدودية الفلسطينية في الجليل ويقوموا بتحريرها من الاحتلال الاسرائيلي. وهنا اصبح لدى "اسرائيل" دليل حسي ملموس عن كيفية تفكير خصمها اللدود حزب الله.
ثانية الانتكاسات/ التراجعات المتوقعة هي فقدان سيطرة "اسرائيل" على البحر. تجربة حرب تموز 2006 واخراج حزب الله سلاح ارض ـ بحر متطور الى ميدان المواجهة قرع جرس الانذار الاسرائيلي الذي سرعان ما رفعه السيد نصر الله عندما انهى رسميا مقولة الهيمنة الاسرائيلية على البحر المتوسط، وتوعد بفرض حصار بحري على " اسرائيل" وضرب اي سفينة عسكرية او تجارية واي مرفأ ومنشأة بحرية في حال فعلت "اسرائيل" ذلك مع لبنان. ومؤخرا زاد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد مدينة "ايلات" في اقصى جنوب فلسطين الى لائحة الاهداف التي تطالها صواريخ المقاومة. والان "اسرائيل" امام اختبار جدي يتعلق بالنزاع المفتعل مع لبنان حول حدوده المائية ومنطقته الاقتصادية، وهناك تضافر بين الحكومة اللبنانية وحزب الله لوضع حد لأي محاولة اسرائيلية للاستيلاء على حقوق لبنان في حقوله النفطية والغازية البحرية او محاولة منعه من استثمارها. ويمكن القول ان هذا سيكون الاختبار الميداني لمعادلة البحر والاعلان رسميا ـ بحرب ومن دون حرب ـ عن نهاية زمن القرصنة البحرية الاسرائيلية.
اما ثالثة الانتكاسات/ التراجعات الاسرائيلية فهي كلام ظهر في ثنايا تحليلات وتصريحات اسرائيلية تفيد بشبه نعي لمقولة تفوق سلاح الجو الاسرائيلي ومظلة الامان التي تخيم على الاجواء الاسرائيلية. ليس الخطر المقصود محصورا بتساقط زخات مطرية كثيفة من الصواريخ من كل الجهات على الاهداف الاسرائيلية، بل يذهب التفكير الاسرائيلي الى احتمال ان تصبح سماء فلسطين مسرحا لموجهات قتالية بين الطائرات الاسرائيلية وطائرات الخصوم. من الناحية العملية هناك شك اسرائيلي كبير في فعالية سلاح الجو الهجومي في ضوء توافر مضادات ارضية دفاعية لدى خصومه شديدة التطور. رئيس اركان سلاح الجو الاسرائيلي العميد "نمرود شفر" قدم خلاصة تقديراته في عرض نشرته مجلة "بمحنيه" العسكرية يوم الثلاثاء (19 تموز 2011) تحدث فيه عن "عملية مطوَّلة من استخلاص العبر بدءاً من مستوى الأسراب وحتى الوحدات"، وخلص العميد شفر الى وجود "تهديد بتلقي ضربة، حيث أصبح التهديد الجوي أكبر للطرف الثاني"، وقال "إنَّ الصواريخ المضادة للطائرات المتقدمة الموجودة اليوم في حوزة حزب الله، والتي وُجدت هناك أيضاً عام 2006، تطلَّبت من سلاح الجو تنفيذ عمليات ملاءمة في العقيدة القتالية وفي وسائله الدفاعية من أجل مواجهتها. مكيدة، مغافلة، ومخادعة، هي فقط جزء من تشديدات العقيدة القتالية المستحدثة، التي تهدف إلى تقليل خطر الإصابة قدر الإمكان".
وينهي العميد "شفر" تحليلاته بالقول: "لدينا قاعدة راسخة لافتراض أن حزب الله تعاظم في هذا المجال".
تقديرات العميد شفر تتعلق حصرا بالمخاطر التي تتهدد المفهوم الهجومي الردعي لسلاح الجو، اي عمله في " سماء العدو"، خارج الاجواء الفلسطينية، لكن مقابلة اجرتها اذاعة الجيش الاسرائيلي مع رئيس برنامج أبحاث الجبهة المدنية في" معهد أبحاث الامن القومي في اسرائيل" العميد في الاحتياط مئير الران، ركزت على ما اسماه "الخطة القومية الاسرائيلية لحماية الاجواء الإسرائيلية"، وبعد ان استفاض في شرح مخاطر الصواريخ انتقل الى " المسألة المبدئيّة التي توجد حولها أخطر الخلافات" وهي التحول من المفهوم الهجومي الى المفهوم الدفاعي، حيث انه "حتى الآن وبشكل تقليدي، اتّخذت دولة إسرائيل مفهوما هجوميا ردعيا بكل ما يتعلق بمسألة التهديدات كما نعرفها، لكن مع كل الاحترام والأهميّة الكبرى للبعد الهجومي والردعي، فانه في هذه اللحظة هناك بعد إضافي مهم تم تجاهله على مدى سنوات طويلة وهو البعد الدفاعي"، وذلك "نتيجة الوعي المتطوّر والضغط الشعبي غير الضئيل على الحكومة وصنّاع السياسات في السنوات الاخيرة الماضية".
ويلفت العميد "الران" النظر الى "أن سلاح الجو يتحفّظ وبشكل تقليدي على عنصر الدفاع بشكل عام"، ولكن "لدى سلاح الجو بدايات بالغة الأهمّية من التغيير والتكيّف مع الواقع المتغير ومع التهديدات المتطوّرة، ولسلاح الجو نفسه مصلحة دفاعية واضحة، إذ لديه قواعد يجب أن يدافع عنها إضافة إلى منشآت"، ويشير الران الى مؤشرات التغيير في سلاح الجو حيث "أقاموا منظومة جديدة أو تشكيلا جديدا في سلاح الجو يدعى تشكيل الدفاع المدني، ويُدخل إلى هناك كل العناصر المناسب إدخالها في هذا، بما فيها الاستثمارات والتنظيم والتجهيزات وتطوير نظرية".
طبعاً وظيفة هذه النظرية هي مواكبة التغيير في وظائف هذا السلاح الذي كان يعد ابرز مؤشرات القوة الاسرائيلية المطلقة، ولا يزال يتخطى كل المعايير العسكرية ويخترق اجواء اي دولة عربية يرى له مصلحة في ذلك، حتى ان اي اجراء ردعي دولي من خلال قرارات الامم المتحدة لم تثنه عن بعث اسرابه الجوية وطائراته التجسسية فوق اقليم الشرق الاوسط. لكن يبدو ان "اسرائيل" باتت تتحضر ليوم يصبح فيه مجالها الجوي عرضة للاخطار من ضمنها احتمال ان يخوض اعداؤها معاركهم الجوية معها بالطائرات في المجال الجوي الفلسطيني، وهذا ان حصل فانه سيكون المؤشر الحاسم على نهاية القوة الاسرائيلية وفقدانها كل الامتيازات التي تتكئ عليها في تسويق ما تبقّى لها من "هيبة" ردع وليس هجوم فحسب، وكل هذه التحولات كانت بفعل الانجاز النوعي للمقاومة في حرب تموز 2006 والذي اسماه السيد نصر الله "انتصاراً الهياً".
تفصح "اسرائيل" تدريجياً عن التداعيات السلبية الجوهرية على قوتها العسكرية بفعل حرب تموز/ يوليو 2006، وتقدم ذلك على شكل تحولات في "العقيدة القتالية" و"النظرية الامنية" و"الاستراتيجية العسكرية"، وهي مصطلحات ثلاثة لكل منها مجال محدد وفيها قواسم مشتركة بحكم طبيعتها الحربية.
باختصار يتم التداول بثلاثة تغييرات اساسية في منظومة القوة الاسرائيلية عكست تراجعها ومست بمقولة تفوقها العسكري في الشرق الاوسط، مع الاشارة الى ان مفهوم التفوق هذا لا يُعرَف فقط بعناصر كمية ونوعية تتعلق بعديد الجيش وعتاده ونوعية الاسلحة ومداها ودقتها وفعاليتها وكميتها وما تحتويه الترسانة العسكرية الاسرائيلية من طرازات وادوات قتالية برية وبحرية وجوية غير متوافرة عندى اي من الخصوم في الشرق الاوسط، بل ان مفهوم التفوق الاسرائيلي يتعلق ايضا بكيفية ادارته للحروب والقواعد التي يعمل بموجبها الجيش والاستخبارات وكافة الاذرع القتالية. ومن المفاهيم التي وضعتها القيادة الاسرائيلية لقياس مؤشر تفوقها القواعد التالية: أولاً، تخوض " اسرائيل" حروبها في ارض "العدو"، وثانياً تخوضها بكلفة بشرية ومادية اسرائيلية محدودة وقليلة جداً قياساً الى اكلاف العدو، وثالثاً تنجز المهمة في مدى زمني قصير جداً، وهو ما يسمى بالحسم السريع، ورابعاً، تحظى الجبهة الداخلية الاسرائيلية بأمان كبير جداً نسبة الى طبيعة الحرب وحجم النار المستخدمة فيها.
تطبيقا لنظرية التراجع العكسي (البدء من رابعاً)، فان "اسرائيل" اعلنت بوضوح ان الجبهة الداخلية اصبحت بُعيد حرب تموز 2006 في قلب اي حرب تعتزم خوضها لاحقاً، اي اصبحت خط تماس وليس منطقة امان لا تحتاج الى الا مجهود عادي. وقد ترجمت ذلك بخماسية مناورات التحول التي شاركت فيها كل "اسرائيل" من دون استثناء، وهذه المناورات في طبيعتها والموارد المستخدمة فيها لم يحصل ان تدربت عليها الدولة العبرية ولا مرة منذ انشاء نفسها عام 1948.
مقولة الحسم السريع ايضاً طارت باعتراف قادة العدو وخبرائه، والدليل المستحكم على سقوط هذه القدرة التي توافرت لـ"اسرائيل" منذ العام 1948 وماتت عام 2006، هو ذلك الجدل المستمر عن الحرب المقبلة والوقت الذي تحتاجه (ثلاثة اشهر حسب اقل التقديرات)، وبنتائج لا تتعدى في افضل التقديرات الاسرائيلية الخمسين في المئة من الاهداف المحددة، وهذا هو المعطى الاساسي الذي يؤخر قرار "اسرائيل" باستنناف القتال مع حزب الله وانهاء مفعول القرار الدولي 1701 الذي اوقف العمليات العسكرية ولم ينه الحرب بحسب نصه وبحسب الفهم الاسرائيلي له.
اما الكلفة البشرية والمادية اسرائيليا في اي حرب مقبلة فانها لم تعد زهيدة، وهناك تقديرات وارقام لم يحصل أن دونت في اي مذكرة او تقرير استخبارتي او دراسات لمراكز الابحاث التي تزود بها مراكز صنع القرار لترشيدها، وخلاصة التوقعات المتداولة تنعى نظرية "الحرب النظيفة والمعقمة".
هذه التراجعات/ الانتكاسات الاسرائيلية الثلاثة باتت محسومة، وهناك مقابلها ثلاثة تحولات/ انتكاسات قيد الاختبار حاليا وفي المستقبل، وبعضها جرى التنبؤ به، وبعضه يجري مقاربته بحذر شديد وقلق كامن لانه يعني دق مسمار في آخر حصون القوة الاسرائيلية.
اولى هذه الانتكاسات/ التراجعات هي خوض الحرب في ارض العدو. اصبح الامر متعذرا على النحو الذي كان يسمح لـ"اسرائيل" بأن تتباهى وتستخف وتقول ان فرقتها الموسيقية قادرة على احتلال لبنان. الاساليب القتالية التي ابدعها حزب الله والوسائل القتالية للتعامل مع سلاح البر الاسرائيلي كانت كافية لان تقنع "اسرائيل" نفسها ان خوض حروبها على اراضي اعدائها لم تعد متوافرة بالسهولة التي كانت لها سابقاً. لكن مصدر القلق الاسرائيلي ليس هنا فحسب، بل في بدء قيادة العدو بحث امكانية ان ينقل اعداؤها الحرب الى اراضي فلسطين المحتلة، وقد جرى كلام على مستوى عال وسربت تحليلات وفحوصات ميدانية أجريت لاحتمال كهذا، سواء على الجبهة الشمالية مع لبنان او على الجبهة الجنوبية مع غزة. والذي غذى القلق الاسرائيلي ورفع هذه الفرضية الى مرتبة التهديد النوعي هو خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن احتمال طلبه من مجاهدي المقاومة الاسلامية ان يقتحموا المناطق الحدودية الفلسطينية في الجليل ويقوموا بتحريرها من الاحتلال الاسرائيلي. وهنا اصبح لدى "اسرائيل" دليل حسي ملموس عن كيفية تفكير خصمها اللدود حزب الله.
ثانية الانتكاسات/ التراجعات المتوقعة هي فقدان سيطرة "اسرائيل" على البحر. تجربة حرب تموز 2006 واخراج حزب الله سلاح ارض ـ بحر متطور الى ميدان المواجهة قرع جرس الانذار الاسرائيلي الذي سرعان ما رفعه السيد نصر الله عندما انهى رسميا مقولة الهيمنة الاسرائيلية على البحر المتوسط، وتوعد بفرض حصار بحري على " اسرائيل" وضرب اي سفينة عسكرية او تجارية واي مرفأ ومنشأة بحرية في حال فعلت "اسرائيل" ذلك مع لبنان. ومؤخرا زاد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد مدينة "ايلات" في اقصى جنوب فلسطين الى لائحة الاهداف التي تطالها صواريخ المقاومة. والان "اسرائيل" امام اختبار جدي يتعلق بالنزاع المفتعل مع لبنان حول حدوده المائية ومنطقته الاقتصادية، وهناك تضافر بين الحكومة اللبنانية وحزب الله لوضع حد لأي محاولة اسرائيلية للاستيلاء على حقوق لبنان في حقوله النفطية والغازية البحرية او محاولة منعه من استثمارها. ويمكن القول ان هذا سيكون الاختبار الميداني لمعادلة البحر والاعلان رسميا ـ بحرب ومن دون حرب ـ عن نهاية زمن القرصنة البحرية الاسرائيلية.
اما ثالثة الانتكاسات/ التراجعات الاسرائيلية فهي كلام ظهر في ثنايا تحليلات وتصريحات اسرائيلية تفيد بشبه نعي لمقولة تفوق سلاح الجو الاسرائيلي ومظلة الامان التي تخيم على الاجواء الاسرائيلية. ليس الخطر المقصود محصورا بتساقط زخات مطرية كثيفة من الصواريخ من كل الجهات على الاهداف الاسرائيلية، بل يذهب التفكير الاسرائيلي الى احتمال ان تصبح سماء فلسطين مسرحا لموجهات قتالية بين الطائرات الاسرائيلية وطائرات الخصوم. من الناحية العملية هناك شك اسرائيلي كبير في فعالية سلاح الجو الهجومي في ضوء توافر مضادات ارضية دفاعية لدى خصومه شديدة التطور. رئيس اركان سلاح الجو الاسرائيلي العميد "نمرود شفر" قدم خلاصة تقديراته في عرض نشرته مجلة "بمحنيه" العسكرية يوم الثلاثاء (19 تموز 2011) تحدث فيه عن "عملية مطوَّلة من استخلاص العبر بدءاً من مستوى الأسراب وحتى الوحدات"، وخلص العميد شفر الى وجود "تهديد بتلقي ضربة، حيث أصبح التهديد الجوي أكبر للطرف الثاني"، وقال "إنَّ الصواريخ المضادة للطائرات المتقدمة الموجودة اليوم في حوزة حزب الله، والتي وُجدت هناك أيضاً عام 2006، تطلَّبت من سلاح الجو تنفيذ عمليات ملاءمة في العقيدة القتالية وفي وسائله الدفاعية من أجل مواجهتها. مكيدة، مغافلة، ومخادعة، هي فقط جزء من تشديدات العقيدة القتالية المستحدثة، التي تهدف إلى تقليل خطر الإصابة قدر الإمكان".
وينهي العميد "شفر" تحليلاته بالقول: "لدينا قاعدة راسخة لافتراض أن حزب الله تعاظم في هذا المجال".
تقديرات العميد شفر تتعلق حصرا بالمخاطر التي تتهدد المفهوم الهجومي الردعي لسلاح الجو، اي عمله في " سماء العدو"، خارج الاجواء الفلسطينية، لكن مقابلة اجرتها اذاعة الجيش الاسرائيلي مع رئيس برنامج أبحاث الجبهة المدنية في" معهد أبحاث الامن القومي في اسرائيل" العميد في الاحتياط مئير الران، ركزت على ما اسماه "الخطة القومية الاسرائيلية لحماية الاجواء الإسرائيلية"، وبعد ان استفاض في شرح مخاطر الصواريخ انتقل الى " المسألة المبدئيّة التي توجد حولها أخطر الخلافات" وهي التحول من المفهوم الهجومي الى المفهوم الدفاعي، حيث انه "حتى الآن وبشكل تقليدي، اتّخذت دولة إسرائيل مفهوما هجوميا ردعيا بكل ما يتعلق بمسألة التهديدات كما نعرفها، لكن مع كل الاحترام والأهميّة الكبرى للبعد الهجومي والردعي، فانه في هذه اللحظة هناك بعد إضافي مهم تم تجاهله على مدى سنوات طويلة وهو البعد الدفاعي"، وذلك "نتيجة الوعي المتطوّر والضغط الشعبي غير الضئيل على الحكومة وصنّاع السياسات في السنوات الاخيرة الماضية".
ويلفت العميد "الران" النظر الى "أن سلاح الجو يتحفّظ وبشكل تقليدي على عنصر الدفاع بشكل عام"، ولكن "لدى سلاح الجو بدايات بالغة الأهمّية من التغيير والتكيّف مع الواقع المتغير ومع التهديدات المتطوّرة، ولسلاح الجو نفسه مصلحة دفاعية واضحة، إذ لديه قواعد يجب أن يدافع عنها إضافة إلى منشآت"، ويشير الران الى مؤشرات التغيير في سلاح الجو حيث "أقاموا منظومة جديدة أو تشكيلا جديدا في سلاح الجو يدعى تشكيل الدفاع المدني، ويُدخل إلى هناك كل العناصر المناسب إدخالها في هذا، بما فيها الاستثمارات والتنظيم والتجهيزات وتطوير نظرية".
طبعاً وظيفة هذه النظرية هي مواكبة التغيير في وظائف هذا السلاح الذي كان يعد ابرز مؤشرات القوة الاسرائيلية المطلقة، ولا يزال يتخطى كل المعايير العسكرية ويخترق اجواء اي دولة عربية يرى له مصلحة في ذلك، حتى ان اي اجراء ردعي دولي من خلال قرارات الامم المتحدة لم تثنه عن بعث اسرابه الجوية وطائراته التجسسية فوق اقليم الشرق الاوسط. لكن يبدو ان "اسرائيل" باتت تتحضر ليوم يصبح فيه مجالها الجوي عرضة للاخطار من ضمنها احتمال ان يخوض اعداؤها معاركهم الجوية معها بالطائرات في المجال الجوي الفلسطيني، وهذا ان حصل فانه سيكون المؤشر الحاسم على نهاية القوة الاسرائيلية وفقدانها كل الامتيازات التي تتكئ عليها في تسويق ما تبقّى لها من "هيبة" ردع وليس هجوم فحسب، وكل هذه التحولات كانت بفعل الانجاز النوعي للمقاومة في حرب تموز 2006 والذي اسماه السيد نصر الله "انتصاراً الهياً".