ارشيف من :آراء وتحليلات
الدولة الفلسطينية في عين القانون الدولي
وقوع فلسطين في قبضة الاحتلال الاسرائيلي منذ العام 1948، لم يغيّر من الوضع القانوني الدولي للدولة الفلسطينية المُعترف بها من عصبة الأمم عام 1924، حيث كانت خاضعة للانتداب البريطاني وبتصنيف عصبة الأمم من نوع (درجة أ) أي إنها من الدول التي كانت جاهزة بعد فترة قصيرة للاستقلال.
ويؤكد الخبير القانوني الأميركي جون كويغلي في كتابه "دولانية فلسطين" بأنها كانت دولة منذ البدء حتى أثناء الانتداب حيث كانت تتمتع بالشروط المطلوبة لبناء دولة، وان اعلان "اسرائيل" قيام دولة على جزء من أراضي فلسطين لم يغير من الوضع القانوني الأساسي للدولة الفلسطينية، بل إن التغيير كان في السياسة الدولية في الاعتراف بدولة تسمى "اسرائيل" حصل عليها اليهود بالتحايل على منطق حق الشعب الفلسطيني العربي من خلال وعد بلفور. وبسبب هذا التحايل على القانون الدولي كانت فلسطين هي الدولة الوحيدة من (الفئة أ) التي لم تحصل على استقلالها بعد الغاء عصبة الأمم وقيام هيئة الأمم المتحدة كبديل.
اعتراف الأمم المتحدة بالكيان الصهيوني كدولة وصدور قرار التقسيم (181) لاحقا كان مشروطا بقرار حق عودة اللاجئين الفلسطينيين والتعويض (194) كشرط لازم لقبول الكيان الصهيوني كعضو جديد في الأمم المتحدة، وكما ضيعت بريطانيا ووعد بلفور حق الشعب الفلسطيني بدولته، فقد ساهمت باقي الدول وخاصة الولايات المتحدة الاميركية وريثة بريطانيا في الاستمرار في تمييع القرار (194) وبذلك لم تنفذه اسرائيل.
واستمر التمييع القانوني للحق الفلسطيني من خلال تدليل "اسرائيل" وعدم تطبيق القرارات الى أن حصلت الحرب التي خاضها العرب معها عام 1967 واحتلالها لأراضٍ عربية جديدة غير فلسطين. ثم حرب 1973 ودخول معادلة أممية جديدة وهي "الأرض مقابل السلام"، أرض تم حصرها في حدود 1967 وغياب أي ذكر لفلسطين التاريخية بمساحتها كشرط رُفع في وجه العرب من أجل انسحاب "اسرائيل" من الأرض التي احتلتها فقط عام 1967.
يعلق بعض الباحثين القانونيين على مسألة تأخر الفلسطينيين في الحصول على دولتهم بالقول: إن الفلسطينيين لم يتابعوا مسألة حصولهم على الدولة بعد قرار التقسيم، وإنهم خسروا بذلك مبادرة دولية كان من الممكن أن يستفيدوا منها بتحريكها قانونيا للتسريع بقيام الدولة التي أقرت لهم فيها الأمم المتحدة أن تكون لهم بعد تقسيم فلسطين، كما تقول استاذة العلوم السياسية في جامعة بوسطن الاميركية "د. سوزان أكرم"، وتقارن المسألة الفلسطينية بالمسألة الناميبية، حيث قام مجلس الأمن بفرض عقوبات دولية على جنوب أفريقيا لاجبارها على منح الاستقلال لناميبيا، وكان من الممكن أن يكون الأمر نفسه بالنسبة للدولة الفلسطينية، ولكنها تعود وتعترف بأن مجلس الأمن قد تجاهل حتى الأطر القانونية الملزمة بفرض عقوبات على "اسرائيل" باعلانها استقلالها عام 1949 من دون أن تلتزم بموجباب القرارات الدولية وخاصة القرار (194). فهل هو كما يقول المحللون القانونيون فشلت القيادة الفلسطينية في تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في اعتماد استراتيجية قانونية للحصول على دولة؟.
على ما يبدو أن التجارب القانونية مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن ليست مشجعة للفسطينيين لوضع كل بيضهم في السلة الدولية، وخاصة أنهم جرّبوها مرة في رأي استشاري حول عدم شرعية جدار الفصل في الضفة الغربية الذي أنشأه الكيان الصهيوني في العام 2004 في محكمة العدل الدولية، ولم يحصلوا على ايه نتيجة في منع " اسرائيل" من بناء الجدار.
مع غياب الاجماع الفلسطيني على تعريف الدولة الفلسطينية، هل هي كل فلسطين التاريخية كدولة مستقلة ذات سيادة، أم أنها دويلة بحدود 1967، سيذهب أنصار الفريق الثاني الى الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر المقبل حاملاً معه طلب الاعتراف بدويلته، ليحصل على عضوية كاملة بدلا من العضوية المراقبة فقط، بعد ان تأكد من حصوله على أكثر من 150 صوتا كشرط أممي، مع علمه بأن فيتو الولايات المتحدة الاميركية التي وعدت به سيكون حاضرا. فهل الاعتراف هو الاستقلال، ففلسطين بحسب الخبير القانوني الاميركي جون كويغلي هي من الناحية القانونية مستقلة منذ الانتداب البريطاني، والاعتراف الجديد الذي يسعى اليه جزء من الفلسطينيين لا يعني الاستقلال الفعلي للدولة المنشودة والتي تنطبق عليها كافة الشروط من حيث وجود (الأرض، والشعب، والعلاقات).
قُبلت فلسطين كدولة منذ العشرينيات، لكن القانون الدولي بدد كيان هذه الدولة وبدلها بكيان آخر هو الكيان الصهيوني. فهل ستكون الدويلة التي سيطالب بها الفلسطينون في أيلول/سبتمبر هي بمثابة الفدية التي تضطر فلسطين لدفعها لـ"اسرائيل" وللولايات المتحدة مقابل تنازلات بشأن الأرض والأمن واللاجئين. والخسارة ليست فقط أرض فلسطين كل فلسطين، بل أيضا الخاسر هو القانون الدولي من خلال مواقفه المزدوجة المعايير.