ارشيف من :آراء وتحليلات
المحتجون في سوريا والصمت الذي يقتلهم
عقيل الشيخ حسين
"صمتكم يقتلنا" هو شعار مظاهرات الاحتجاج في سوريا للجمعة الأخيرة من شهر شعبان السابق لشهر رمضان الذي يقدمه شهود العيان والناشطون الحقوقيون وغيرهم من الناطقين على الفضائيات، باسم المحتجين، على أنه الشهر الذي سيشهد سقوط النظام السوري.
الذين صمموا هذا الشعار الذي يعترف، فيما يتجاوز الأفراد المحتجين، بـ "مقتل" حركة الاحتجاج، يسعى إلى استدرار العطف للضحية المفترضة في تناقض صارخ بين استدرار العطف والانتصارية الموعودة في غضون شهر من الزمن.
وهذا التناقض يكشف عن خلل في التفكير لا يمكن تفسيره بغير غياب الاهتمام الجدي والمسؤول بتحرك يفترض أنهم يقودونه نحو الحرية والديموقراطية... لشدة حضور ذلك النوع من "المهنية" التي تميز نشاط أشخاص ينفذون مهمات موكولة إليهم على طريقة السماسرة الذين لا يعنيهم نجاح المهمة بقدر ما يعنيهم تحويل العمولات إلى حساباتهم المصرفية.
على "كلام" من كان يراهن أولئك الذين يريدون إسقاط النظام في سوريا والذين فاجأهم هذا "الصمت" القاتل؟ المحللون على القنوات الفضائية المؤيدة لحركة الاحتجاج في سوريا اعتبروا أن ذلك الصمت هو صمت من يسمونه بـ "أكثرية صامتة" لم تنزل بعد إلى الشارع خوفاً من سطوة النظام... بما في كل هذا الاعتبار من انتقاص مقصود لعظمة أكثرية الشعب السوري الذي طالما أثبت قدرته على الصمود دون وجل أمام أعتى الأعاصير المحكمة التدبير، على الأقل، منذ كامب دايفد إلى اليوم، في وقت انبطح فيه الجميع أمام الحلول الاستسلامية.
وبما في كل هذا الاعتبار من تعسف طالما أنهم يشاهدون، إضافة إلى الاعتراف بوجود أكثرية لم تنزل إلى الشارع، مظاهرات احتجاج ضد النظام يشارك فيها ألوف الأشخاص، ومظاهرات تأييد للنظام يشارك فيها ملايين الأشخاص.
واعتبروا أن ذلك الصمت هو صمت الجامعة العربية لأن أمينها العام زار سوريا ولم يقل عن نظامها ورئيسها كلاماً من نوع الكلام الذي نسمعه من الأمين العام للأمم المتحدة والزعماء الغربيين والإسرائيليين وملحقاتهم.
واعتبروا أنه صمت الأنظمة والشعوب العربية. الأنظمة لأنها تخاف من انتقال عدوى الثورة إلى بلدانها. والمقصود بالطبع هو ليس الأنظمة في مصر وتونس واليمن، بل أنظمة أخرى أهم ما يميزها أنها لا تزال تقف على قدميها وأنها، بعيداً جداً عن الصمت، تجند القنوات الفضائية الكبرى والصحف وشهود العيان والناشطين الحقوقيين، وتبذل الغالي والرخيص، سراً وعلانية، من أجل إسقاط سوريا والنظام السوري.
والشعوب العربية لأنها لا تنزل إلى الشارع لنصرة المحتجين في سوريا! هل يريدون ذلك من الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ نيف وستين عاماً، أم من الشعب العراقي الخارج حديثاً من حروب مدمرة شغلته طيلة ثلاثين عاماً في ظل الطاغية البائد والاحتلال الدولي والذي لا يزال يعاني من الاحتلال والإجرام التكفيري؟ أم من الشعب السوداني المبتلى بمؤامرات غربية وصهيونية لا تنتهي بهدف تقطيع أوصاله واستنزافه؟ أم ـ فيما يتجاوز الشعوب المشغولة بثوراتها الخاصة ـ من شعوب الخليج التي نرى نموذجاً عما تعانيه في البحرين وغيرها من مناطق الجزيرة العربية.
واعتبروا أيضاً أن الصمت الذي يقتل المحتجين السوريين هو صمت الغرب! نعم بكل ما في هذا الاعتبار من غباء أو سذاجة لا تدانيهما غير تجربة الثورة الليبية التي انطلقت بهدف إسقاط القذافي وتحقيق الحرية لتجد نفسها ساقطة في أحضان الحلف الأطلسي.
وبكل ما في هذا الاعتبار من استهتار بعقول الناس: لم يسبق لتحرك في العالم أن حظي بكل هذا التأييد والتحشيد الذي يحظى به المحتجون في سوريا، وبكل هذا التهويش والضغوطات والعقوبات والتهديدات التي تنهال على النظام السوري من قبل الإعلام الغربي والمسؤولين الغربيين.
غير أن الصمت المحلي والعربي والدولي ليس مطبقاً إلى هذا الحد. ففي الداخل السوري، هنالك، بعيداً عن الصمت، من يتكلم، نصرة للمحتجين، بلغة الرصاص والقنابل، يطلقون النار على المتظاهرين لتوجيه التهمة إلى القوى الأمنية. ويطلقون النار على القوى الأمنية بهدف دفعها إلى اللجوء إلى القمع تغذية للفتنة. ويفجرون سكك القطارات لإيقاع مئات القتلى بضربة واحدة في صفوف المواطنين السوريين. ويفجرون أنابيب النفط بهدف تدمير الاقتصاد السوري.
وفي الخارج، إضافة إلى الجوقة الإقليمية والدولية وكل ما تثيره من صخب، برز التأييد أخيراً للمحتجين من قبل زعيم القاعدة، أيمن الظواهري، الذي ضم صوته في الهجوم على النظام السوري، إلى صوت من يسميهم بالصهاينة والصليبيين، في دلالة متجددة على مشبوهية المشاريع التي يبدو أنها هي هي منذ التحالف القديم بين القاعدة والاستخبارات الأميركية والقوى الإقليمية بهدف طرد السوفيات من أفغانستان.
ما يقتل المتجين في سوريا ليس الصمت. إنه الإصغاء للضجيج الصهيو ـ أميركي الذي لا هدف له غير استخدامهم في تدمير سوريا بما هي سند للمقاومة ومنصة للممانعة التي أفشلت مشاريع الاستسلام العربي للكيان الصهيوني وحماته الغربيين. استخدامهم ثم رميهم كسائر الأدوات التي ترمى بعد الاستعمال بالضبط كما جرى مع نظامي مبارك وبن علي وغيرهما كثير، وبالضبط كما سيجري مع غيرهم من المبتلين بعمى البصر والبصيرة.
"صمتكم يقتلنا" هو شعار مظاهرات الاحتجاج في سوريا للجمعة الأخيرة من شهر شعبان السابق لشهر رمضان الذي يقدمه شهود العيان والناشطون الحقوقيون وغيرهم من الناطقين على الفضائيات، باسم المحتجين، على أنه الشهر الذي سيشهد سقوط النظام السوري.
الذين صمموا هذا الشعار الذي يعترف، فيما يتجاوز الأفراد المحتجين، بـ "مقتل" حركة الاحتجاج، يسعى إلى استدرار العطف للضحية المفترضة في تناقض صارخ بين استدرار العطف والانتصارية الموعودة في غضون شهر من الزمن.
وهذا التناقض يكشف عن خلل في التفكير لا يمكن تفسيره بغير غياب الاهتمام الجدي والمسؤول بتحرك يفترض أنهم يقودونه نحو الحرية والديموقراطية... لشدة حضور ذلك النوع من "المهنية" التي تميز نشاط أشخاص ينفذون مهمات موكولة إليهم على طريقة السماسرة الذين لا يعنيهم نجاح المهمة بقدر ما يعنيهم تحويل العمولات إلى حساباتهم المصرفية.
على "كلام" من كان يراهن أولئك الذين يريدون إسقاط النظام في سوريا والذين فاجأهم هذا "الصمت" القاتل؟ المحللون على القنوات الفضائية المؤيدة لحركة الاحتجاج في سوريا اعتبروا أن ذلك الصمت هو صمت من يسمونه بـ "أكثرية صامتة" لم تنزل بعد إلى الشارع خوفاً من سطوة النظام... بما في كل هذا الاعتبار من انتقاص مقصود لعظمة أكثرية الشعب السوري الذي طالما أثبت قدرته على الصمود دون وجل أمام أعتى الأعاصير المحكمة التدبير، على الأقل، منذ كامب دايفد إلى اليوم، في وقت انبطح فيه الجميع أمام الحلول الاستسلامية.
وبما في كل هذا الاعتبار من تعسف طالما أنهم يشاهدون، إضافة إلى الاعتراف بوجود أكثرية لم تنزل إلى الشارع، مظاهرات احتجاج ضد النظام يشارك فيها ألوف الأشخاص، ومظاهرات تأييد للنظام يشارك فيها ملايين الأشخاص.
واعتبروا أن ذلك الصمت هو صمت الجامعة العربية لأن أمينها العام زار سوريا ولم يقل عن نظامها ورئيسها كلاماً من نوع الكلام الذي نسمعه من الأمين العام للأمم المتحدة والزعماء الغربيين والإسرائيليين وملحقاتهم.
واعتبروا أنه صمت الأنظمة والشعوب العربية. الأنظمة لأنها تخاف من انتقال عدوى الثورة إلى بلدانها. والمقصود بالطبع هو ليس الأنظمة في مصر وتونس واليمن، بل أنظمة أخرى أهم ما يميزها أنها لا تزال تقف على قدميها وأنها، بعيداً جداً عن الصمت، تجند القنوات الفضائية الكبرى والصحف وشهود العيان والناشطين الحقوقيين، وتبذل الغالي والرخيص، سراً وعلانية، من أجل إسقاط سوريا والنظام السوري.
والشعوب العربية لأنها لا تنزل إلى الشارع لنصرة المحتجين في سوريا! هل يريدون ذلك من الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ نيف وستين عاماً، أم من الشعب العراقي الخارج حديثاً من حروب مدمرة شغلته طيلة ثلاثين عاماً في ظل الطاغية البائد والاحتلال الدولي والذي لا يزال يعاني من الاحتلال والإجرام التكفيري؟ أم من الشعب السوداني المبتلى بمؤامرات غربية وصهيونية لا تنتهي بهدف تقطيع أوصاله واستنزافه؟ أم ـ فيما يتجاوز الشعوب المشغولة بثوراتها الخاصة ـ من شعوب الخليج التي نرى نموذجاً عما تعانيه في البحرين وغيرها من مناطق الجزيرة العربية.
واعتبروا أيضاً أن الصمت الذي يقتل المحتجين السوريين هو صمت الغرب! نعم بكل ما في هذا الاعتبار من غباء أو سذاجة لا تدانيهما غير تجربة الثورة الليبية التي انطلقت بهدف إسقاط القذافي وتحقيق الحرية لتجد نفسها ساقطة في أحضان الحلف الأطلسي.
وبكل ما في هذا الاعتبار من استهتار بعقول الناس: لم يسبق لتحرك في العالم أن حظي بكل هذا التأييد والتحشيد الذي يحظى به المحتجون في سوريا، وبكل هذا التهويش والضغوطات والعقوبات والتهديدات التي تنهال على النظام السوري من قبل الإعلام الغربي والمسؤولين الغربيين.
غير أن الصمت المحلي والعربي والدولي ليس مطبقاً إلى هذا الحد. ففي الداخل السوري، هنالك، بعيداً عن الصمت، من يتكلم، نصرة للمحتجين، بلغة الرصاص والقنابل، يطلقون النار على المتظاهرين لتوجيه التهمة إلى القوى الأمنية. ويطلقون النار على القوى الأمنية بهدف دفعها إلى اللجوء إلى القمع تغذية للفتنة. ويفجرون سكك القطارات لإيقاع مئات القتلى بضربة واحدة في صفوف المواطنين السوريين. ويفجرون أنابيب النفط بهدف تدمير الاقتصاد السوري.
وفي الخارج، إضافة إلى الجوقة الإقليمية والدولية وكل ما تثيره من صخب، برز التأييد أخيراً للمحتجين من قبل زعيم القاعدة، أيمن الظواهري، الذي ضم صوته في الهجوم على النظام السوري، إلى صوت من يسميهم بالصهاينة والصليبيين، في دلالة متجددة على مشبوهية المشاريع التي يبدو أنها هي هي منذ التحالف القديم بين القاعدة والاستخبارات الأميركية والقوى الإقليمية بهدف طرد السوفيات من أفغانستان.
ما يقتل المتجين في سوريا ليس الصمت. إنه الإصغاء للضجيج الصهيو ـ أميركي الذي لا هدف له غير استخدامهم في تدمير سوريا بما هي سند للمقاومة ومنصة للممانعة التي أفشلت مشاريع الاستسلام العربي للكيان الصهيوني وحماته الغربيين. استخدامهم ثم رميهم كسائر الأدوات التي ترمى بعد الاستعمال بالضبط كما جرى مع نظامي مبارك وبن علي وغيرهما كثير، وبالضبط كما سيجري مع غيرهم من المبتلين بعمى البصر والبصيرة.