ارشيف من :آراء وتحليلات

الناصريون في مصر: بين التحديات والإمكانيات

الناصريون في مصر: بين التحديات والإمكانيات
"المتفائل يرى فرصة في كل مصيبة. المتشائم يرى مصيبة في كل فرصة" ـ ونستون تشرشل

لؤي توفيق حسن(*)

لم يكن عبد الناصر جزءًا من حالة سياسية. انما كان هو الحالة بذاتها. لذلك فإن الناصرية التي تجسدت بشخصه ظلت تستمد زخمها منه.

لقد كانت شخصية الرجل ـ (الكاريزماتية، والمناقبية) ـ كفيلة بجذب الناس إليه. عن قناعة تامة بأهليته، ويقين بإخلاصه، وصدقه. هذا بحكم حسِّ الجماهير الذي استولده تراكم الخبرات والتجارب على مدى عقود طويلة من الزمن. ولا سيما ان إنجازات عبد الناصر ضربت عميقاً في الأرض، وتكلمت عن نفسها بعالي الصوت.

لا شك بأن هذا التكوين قد طبع الناصريين بخصائص تكاد تكون مشتركة على مساحة الوطن العربي. ما يهمنا منها الآن وفي هذه القراءة النقدية، الجانب التنظيمي تحديداً.

كما ذكرنا فإن سمعة عبد الناصر، ومكانته وشعبيته الجارفة، قد أعفت الكوادر الناصرية ـ أو هم ـعفوا انفسهم! ـ من المهمات التي يطلبها العمل الحزبي الحقيقي، وبالتالي بات هذا الأخير اسير طابع اداري ـ مكتبي على حساب متطلبات العمل الميداني، بكل ما ينطوي عليه من اساليب، ويستلزم من مهارات، وقدرات على التنظيم والمبادرة. هذه سمة كل التنظيمات الناصرية على المستوى العربي، والمصري بشكل أخص.

لعل من تداعيات ما سبق ان جيلاً بأكمله من القيادات الناصرية بات اسير رتابة في العمل السياسي الذي اصبح افقه لا يتسع لأكثر من تجربة عبد الناصر السياسية. وقد بدا هذا واضحاً في مصر عندما بلغ الصراع مع السادات ذروته في ايار/ مايو 1971. فاختاروا لمواجهة هذا الأخير ذات الأسلوب في عزل محمد نجيب!. تقديم استقالات جماعية!، على غرار ما فعله مجلس قيادة الثورة عام 1954. ذلك اعتقاداً بـأن رد فعل السادات سيكون هو ذاته كما كان عند نجيب: الاستقالة! فيما لم يدركوا تغيّر الظروف، الزمن، الأشخاص... فكانوا بفعلتهم يقدّمون الدولة على طبق من فضة، حتى اغتنمها السادات فرصة آخذاً المبادرة ـ وهو الاكثر خبرة منهم ـ للانقضاض عليهم في حركة انقلابية سريعة ادت الى هذه الردّة التي ما زلنا جميعاً عرباً ومصريين نحصد اشواكها!.

ولعل آخر الأمثلة على رتابة التفكير هو مشروع "مبادرة الميثاق" التي تقدم بها السيد سامي شرف، وهو مجرد عناوين مستنسخة من رؤية عبد الناصر أوائل الستينيات، والمعروف بـ "ميثاق العمل القومي".

عندما نستعرض ما سبق، او غيره يتراءى لنا القول الشهير لكارل ماركس: "إذا أعاد التاريخ نفسه يكون في المرة الأولى دراما مؤثرة. وفي المرة الثانية يصبح ملهاة مضحكة".

إن أية محاولة لوصفات مثالية تُخرج الناصريين من انقساماتهم هي محاولة عبثية وخارج امكانياتهم، او قدرات الواقع. هذا على الرغم من التحدي المطروح امامهم الناتج عن تفككهم بالدرجة الأولى، وقد تجلى بوضوح في حشدهم الضعيف في ميدان التحرير. 22 تموز/ يوليو هذا إذا ما قارناه بالحشد الكبير نسبياً، والمنظم الذي اقامه الأخوان المسلمون في ذات الميدان الجمعة 29 تموز/ يوليو.

ان المفترض ان تتحلى القيادات الناصرية في مصر بقدر من المسؤولية للسعي نحو تأسيس "جبهة"، او "تحالف" بين تشكيلاتها الحزبية التي بلغت حوالى الخمسة!. ونحن في هذا لا نطلب مستحيلاً... تآلفٌ ينتظم في امانة عامة يجتمع على مشروع الحد الأدنى. وبحيث تبقى المفاصل الحساسة هي صاحبة الأولية في "ميثاق شرف" يحكم علاقتهم. فلا يغرد أي أحد في تحالفات بمعزل عن الآخرين، ولكي يبقى (البلوك) الناصري احتياطياً يصوّب مسارات الثورة، ويساعدها كي تتجنب الشرك المحظور: الفوضى!. بينما تنتصب امام مصر تحديات في غاية الخطورة تستهدف تفتيت خصائصها النوعية.

يجري ذلك على قدم وساق عبر تحويلها الى مجرد لاهثٍ يطلب لقمة العيش، والكفاف. وبحيث تبقى يدها مغلولة عن أي دور. فما يجري في الجنوب السوداني هو الأخطر ويستدعي رؤية مصرية بأولويات جديدة للأمن القومي تستعيد فيه مصر ذراعها الطويلة في أفريقيا، من دون إسقاط امكنة أخرى من جدول الأولويات ليست أقل أهمية وحيث يجري منها إحكام الطوق على مصر. شرقاً ليبيا حيث الحلف الأطلسي. غرباً "اسرائيل ربيبته". بلاد الشام شمالاً وتحديداً سوريا ـ المتنفس العربي لمصر ـ جاريةٌ على قدم وساق محاولات إغراقها بالفوضى، وبالتالي حرمان مصر من جناحها الشرقي. كما حرمان سوريا والمقاومات العربية من استثمار عودة مصر الى ساحة العمل العربي، وتأثيرها في ميزان القوى. هذا من غير ان ننسى قوى اقليمية ذات مصلحة. وتعمل (بالإنابة!) لملء الفراغ الذي خلفه غياب الدور المصري على مدى أربعة عقود.

بين هذه التحديات، وامكانيات الناصريين. فإن السؤال الأكثر واقعية، وربما الأكثر اهمية. ليس السبيل الى تكبير حصة الناصريين في كعكة الحكم، بما فيها رئاسة الجمهورية!. انما السبيل ليكونوا طرفاً فاعلاً. ومرجحاً في تآلف وطني واسع يقود السفينة المصرية الى شاطىء الأمان حتى لو أدى هذا الى تحالفهم مع القوى الإسلامية الوطنية... نعم. هكذا وبدون اية حساسيات. هو ذا الممكن بقدر ما هو المطلوب.

(*) كاتب من لبنان

2011-08-01