ارشيف من :آراء وتحليلات

ليبيا : حل تفاوضي على حساب الثوار !

ليبيا : حل تفاوضي على حساب الثوار !
عقيل الشيخ حسين

رفع السقوف ليس فيما يبدو أمر تفرضه أزمة الديون الأميركية وحدها. فهو أيضاً أمر يفرضه تدخل قوات الحلف الأطلسي في الحرب الليبية، وهو التدخل الذي يبدو أن طول مدته قد بدأ بخرق جميع السقوف.

اعترف بذلك مؤخراً قائد القوات الأميركية المشتركة، الأميرال مايكل مولن عندما قال بهذا المعنى كلاماً أقر فيه بأن حرب الحلف الأطلسي على ليبيا قد وصلت إلى الباب المسدود، مؤكداً في الوقت نفسه أن استراتيجية الحلف سنتهي إلى النجاح، ولكن على الأمد البعيد! واعترف بهذا الواقع أيضاً وزير الدفاع الفرنسي، جيرار لونغيه، الذي رهن التدخل العسكري الفرنسي في ليبيا بمستجدات الزمن.

المسافة ليست قليلة إذن بين هذه المواعيد المغرقة في "المستقبلية" وبين "الأسابيع الثلاثة" الشهيرة التي كان من المفترض أن تستغرقها العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات التحالف الأطلسي ـ العربي بالتعاون مع قوات المجلس الانتقالي الليبي، أي تلك العمليات التي كان من المفترض فيها أن تفضي إلى إسقاط النظام الليبي.

من جهته، وبحكم كونه أكثر استعجالاً من حلفائه الأطلسيين في سعيه إلى تحقيق النصر، كان المجلس الانتقالي قد وعد مؤخراً بإسقاط القذافي قبل نهاية شهر شعبان. لكن شهر رمضان قد بدأ وسط المفاوضات التي يقوم بها المجلس من أجل الاستحصال على شرعية تجعل منه الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي.

وبالفعل، اعترف حتى الآن بشرعية المجلس أكثر من ثلاثين بلداً منها ما هو عضو في الحلف المتورط في الحرب الليبية ومنها ما هو قريب منه، ومن هذه البلدان فرنسا التي يلتمس منها المجلس الانتقالي حالياً أن تتوسط له عند بعض الدول العربية بهدف إقناعها بأن تقدم إلى الثوار من يلزمهم من مساعدات ضرورية من أجل الصمود في وجه هجمات كتائب القذافي.

ألا يكشف ذلك عن وضع حرج يجبر الثورة الليبية المدعومة من قبل أقوى الجيوش في العالم على استجداء المساعدة من دول عربية هي أحوج منها للمساعدة في ظل الثورات التي تحاصرها من كل صوب ؟

ألا يدل ذلك، فيما يتجاوز الوضع الصعب الذي يعيشه المجلس الانتقالي، على ما كان يسمى قديماً بالخيانة العظمى حيث نرى ممثلي الثورة الليبية يقرعون ـ بين أبواب أخرى ـ  أبواب الإليزيه خلف صهيوني فرنسي من طراز هنري برنار ليفي الذي تكفل أيضاً بتنظيم ما يجريه ممثلو الثورة السورية المزعومة من لقاءات وما يعقدونه من ندوات في الخارج ؟

باختصار، وبغض النظر عن الخطابات الانتصارية اللاهبة، فإن الحلفاء الذين أوكلوا إلى روسيا منذ عدة أشهر مهمة البحث عن حل سلمي، لا هم لهم اليوم غير رؤية هذا الحل في الأفق.

ومن أجل حفظ ماء الوجه، يصرون على رحيل القذافي. لكنهم، ووفقاً لاقتراح قدمه مؤخراً وزير الخارجية البريطاني، يعطون القذافي باليد اليسرى ما يأخذونه منه باليد اليمنى. فذلك الاقتراح الذي لم يعد يطلب رحيل القذافي عن ليبيا مكتفياً بتنازله عن السلطة، يعطيه الحق حتى بتسمية من سيخلفه في السلطة ! إنها طريق مواربة تقود بشكل مستقيم إلى الاعتراف به كزعيم شرعي وحيد في ليبيا!

صيغة أخرى للحل تنطلق من اقتراح حمله مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة : يقضي ذلك الاقتراح بتشكيل مجلس انتقالي مكون من خمسة أعضاء (إثنان يمثلان المجلس الانتقالي، واثنان يمثلان القذافي) وواحد ينتخبه الممثلون الأربعة المذكورون، وتكون مهمته قيادة البلاد خلال مرحلة انتقالية من ثمانية عشر شهراً.

وبذلك يصبح العقيد القذافي شخصاً لا يمكن تجاوزه في أي حل تفاوضي. وهذا أمر يؤكده الخوف من الانتقال إلى هجوم بري تقوم به قوات الحلف الأطلسي، في وقت يؤكد فيه الناطقون باسم الحلف أن القصف الجوي نفسه قد أصبح بلا جدوى بسبب قدرة كتائب القذافي على الحركة التي تجعل من الصعب تحديد مواقعها.

فوق ذلك، هنالك خشية من أن تلجأ القوات الموالية للقذافي إلى استخدام أسلحة لم تستخدم بعد في الحرب الليبية. فقد ذكرت صحيفة الازفستيا عن لسان ميخائيل مارغيلوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي ديمتري مدفيديف أن القذافي"لم يستخدم بعد أياً من صواريخ أرض ـ أرض التي يمتلك الكثير منها".

ذلك يضع الثوار الليبيين في وضع أكثر حرجاً بعد مقتل قائدهم العسكري في ظروف غامضة تثير شكوكاً كثيرة حول مدى تماسك تنظيمهم الداخلي.

إن إحالة إسقاط النظام الليبي على المستقبل البعيد ليس غير لعبة ألفاظ يمارسها الحلف الأطلسي أثناء تخبطه أمام الطريق المسدود الذي لا مخرج منه غير موافقة القذافي على التفاوض، فيما لو كان يريد التفاوض حقاً.

أما الثوار الليبيون الذين يواصلون رفض كل حل لا يستند إلى رحيل القذافي، فإنهم لا يفعلون غير إطلاق الصراخ في الفراغ. تجربتهم المرة حتى الآن مع الحلف الأطلسي ستصبح أكثر مرارة بكثير عندما يكتشفون بأنه سيتخلى عنهم في إطار الهزيمة التي تطارده في حربه على ليبيا. 
2011-08-02