ارشيف من :آراء وتحليلات

الإرهاب في مواجهة ثقافة الدين

الإرهاب في مواجهة ثقافة الدين
نبيل المقدم

تشهد سورية منذ أشهر عدة أزمة داخلية تكاد تكون الأخطر في تاريخها الحديث. وهذه الأزمة لا تقتصر في مكوناتها على أسباب اجتماعية واقتصادية أو على اختلاف بين النظام ومعارضيه او حول مبادئ الحرية والديموقراطية وتوسيع قاعدة المشاركة الحزبية والشعبية في الحياة السياسية السورية واحترام حق التعبير عن الرأي، بل انها تؤكد بعد الرسالة التي وجهها زعيم القاعدة الجديد الى الجماعات التي تقاتل النظام في سوريا، وجود سعي محموم من جهات خارجية تكفيرية لضرب كل فكر أو معتقد يرفض ان يتحول الى عامل تحجر.

ترفض هذه الجماعات الارهابية في عقلها الداخلي كل شروط المرونة والتكيف مع الحقائق المتجددة في علم السياسة والاجتماع. وترفض الاعتراف بأن التعصب أيا كان مصدره وستاره هو مخالف لجوهر كل الاديان، وهو من مظاهر صهينة التيارات الفكرية والسياسية، وسبب ذلك يكون في افتقار هذه الافكار الى نماذج سياسية واجتماعية جامعة تحولها الى عامل توحيد بدل ان تكون عامل انقسام. وخاصة عندما تبدأ هذه الجماعات في البحث عن هويات خاصة بها وتحاول ان تتناسى دورها في انماء المجتمع وتعزيز حضارته، وبالتالي تصبح ذات توجهات فئوية تحت ستار الشمولية.

وعندما تجد هذه المجموعات ان توسيع نطاقها الفكري والسياسي يصطدم بممانعة السواد الأعظم من المجتمع الأمين على تراثه الفكري والحضاري والديني، تبدأ بمحاولة فرض الاندماج القسري على شرائح هذا المجتمع في افكارها ومعتقداتها، ومن هنا يكون توسل العنف والارهاب عند هذه الجماعات طريقة من طرق فرض هذا الاندماج القسري، فالارهاب هو جريمة منظمة يستعمل فيها العنف بشكل قاس جداً بهدف اثارة اقصى درجات الرعب لدى الطرف المستهدف بالعمليات الارهابية، وذلك بغية اثارة الفوضى والبلبلة والانقسام في صفوفه، ودفعه للاستسلام لشروط سياسية واقتصادية او حتى لعقائد وايديولوجيات فكرية بعيدة عن تقاليده الاجتماعية والايمانية.

وغالبا ما يكون المدنيون العزل هم الضحايا الرئيسيين لتلك الموجات الارهابية وذلك لسهولة استهدافهم من جهة، ولكون الارهابيين يعتقدون ان استهداف المدنيين يمكن ان يؤدي الى ايجاد حالة من الشرخ بين الجهات الحكومية من ناحية، وفئات المجتمع الاهلي من ناحية اخرى، تراهن عليها الجهات الارهابية في تهديد المناعة الداخلية للدولة ما يسمح لهم مستقبلا وانطلاقا من استغلال هواجس الامن الذاتي للمواطنين بطرح مشروعهم كمشروع بديل عن الدولة المركزية وشرعنة عصبياتهم المكبوتة والمتحجرة.

تؤكد رسالة الظواهري ان الجماعات الارهابية التي تقاتل النظام في سورية والتي تعمل الاجهزة الامنية على اجتثاثها من جذورها ليست حالة داخلية منفصلة عن السياق العام للفكر التكفيري الذي ضرب المنطقة والعالم العربي والعالم منذ اواخر السبعينيات واستمر في موجة تصاعدية بلغت ذروتها في احداث الحادي عشر من ايلول/سبتمبر في الولايات المتحدة، هذا الفكر الذي يعمل على مصادرة كل خطاب حر ومعتدل يؤمن بأن الاسلام هو بيئة منفتحة ومنطقية.

بعد انسحاب القوات الروسية من افغانستان وجد الذين قاتلوا الجيش الروسي انفسهم وسط مجموعة من المدارس الدينية السلفية والحركات السياسية المتطرفة في باكستان وافغانستان والشيشان، فانغمسوا في ايدولوجيات تقوم على مبدأ ان هناك عدوا في كل الظروف والأحوال، ولذلك يجب الاستمرار في الحذر واليقظة والتدريب. وعندما عاد البعض من هؤلاء الى بلدانهم بقوا على افكارهم السلفية والانعزالية، كما ظلوا على تواصل مع رفاق لهم في افغانستان، كما راحوا يرسمون لأنفسهم ايدلوجيات وأحلاما كبرى. وقسّموا الأمر او المهمة فيما بينهم الى ثلاثة اقسام :

اولا: تقوية تنظيم (حركة طالبان) وتأسيس خط فكري وسياسي وأيديولوجي لها، ومن ثم إدخالها في القاموس السياسي العالمي، وابقاء تنظيم القاعدة ظهيرا لها، وتوزعت المهام أن يكون لطالبان الساحة الأفغانية والباكستانية.

ثانيا: خط تنظيم القاعدة الذي كانت مهمته ضرب المصالح الأمريكية في المملكة العربية السعودية، والدول المجاورة مثل اليمن والكويت والأردن، ومعظم أعضاء هذا الخط هم من حملة الشهادات الأولية والذين درسوا في حلقات دينية ومذهبية ومن الاميين.

الثالث: تنظيم القاعدة الآخر، الذي كانت مهمتة ضرب المصالح الأمريكية داخل أمريكا، وفي العالم أجمع، ومعظم هؤلاء من حملة الشهادات العليا، والذين يتكلمون اللغات الأجنبية، ولديهم قابليات جسمانية جيدة، وثقافة جيدة.

ويرى بعض المحللين أن تأخر السلطات السورية في اكتشاف أمر هذه المجموعات داخل سورية بعد تغلغلها في العراق او على الأقل في تقدير حجم الخطر الذي يحمله هؤلاء في معتقداتهم، ساهم في تكوين بؤر داخل المجتمع السوري وحولهم مع الوقت الى حاملات صواريخ راحت تنفجر بوجه كل من يخالفهم الرأي!

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل هؤلاء المحرضون عبر بعض «الفتاوى وعبر نشر ثقافة التكفير وتزيين بعض الاعمال الإرهابية التي تؤدي إلى وقوع مثل هؤلاء الشباب في الضلال، مقتنعون بما يقومون به، أم أنهم مجرد أداة فاعلة لقوى خارجية؟

إن توجه هولاء لمحاولة ضرب مرافق حياتية اساسية تشكل شريان حياة للمواطن السوري، يؤكد وبلا شك ارتباطهم بحوافز خارجية قد تكون خيوطها متجمعة في مكان ما قريب او بعيد يمكن ان نكتشفه عندما نراجع مواقف سورية الرافضة لضرب المقاومة في لبنان والتواطؤ على المقاومة في غزة ورفض الاستسلام للشروط الأميركية بعد احتلال العراق، او رفض السلام بالشروط الاسرائيلية.

2011-08-02