ارشيف من :آراء وتحليلات
العراق والكويت... هل يسيران نحو حرب خليجية أخرى؟

بغداد ـ عادل الجبوري
تمر الذكرى السنوية الحادية والعشرون لغزو نظام صدام لدولة الكويت في ظل أجواء ومناخات متوترة بين الطرفين عمقتها ازمة ميناء مبارك الكبير.
وقلنا في وقت سابق إن ميناء مبارك الكبير هو عنوان صغير لأزمة كبيرة متعددة الأبعاد، ومتشعبة الخطوط، ومختلفة الاسباب والخلفيات، ازمة تختلط وتمتزج فيها المصالح والهواجس والمخاوف، ويحكمها ويتحكم بها ماضٍ حافل بعدم الثقة كللته أحداث الثاني من اب/اغسطس من صيف عام 1990 وما بعدها، باعتبار انه مثّل نقطة التحول الحاسمة بين مرحلة حوار الكلام ومرحلة حوار السلاح!.
وطيلة الشهور الثلاثة الماضية لم تتوقف الحملات الاعلامية والسياسية المتبادلة بين الطرفين، في ذات الوقت الذي لم تنقطع الاتصالات والتحركات والمفاوضات الرسمية ـ بشقيها السياسي والفني ـ ولكن ما كان واضحا وجليا أن ايقاع الحملات الاعلامية والسياسية طغى على ايقاع الاتصالات والتحركات والمفاوضات الرسمية، حتى وصل مؤخراً الى استخدام توصيفات من قبل البعض بدت غير لائقة، ولا تصب باتجاه التهدئة ونزع فتيل الأزمة واحتوائها، بل على العكس تماما بدت وكأنها عملية صب المزيد من الزيت على النار.
وثمة اسباب عديدة تجعل من أية محاولة لتبسيط الأزمة الراهنة بين بغداد والكويت، ضربا من العبث واللاجدوى، ومن بين تلك الاسباب:
ـ ان جذور أزمة ميناء مبارك الكبير هي ذاتها جذور الأزمات الأخرى كالتعويضات والديون والحدود وحقول النفط، وتمتد الى عقد الثلاثينيات من القرن الماضي، حينما اخذت فكرة ضم الكويت الى العراق تتبلور في أذهان بعض الساسة وفي داخل بعض الأروقة السياسية الخاصة.
ـ مثلما يرزح العراق داخليا تحت وطأة "ازمة الثقة" بين مكوناته السياسية والاجتماعية المختلفة، فإنه يرزح تحت وطأة ازمة مماثلة لها، وقد تكون متداخلة معها، على الصعيد الخارجي، وهذه الأزمة بشقيها الداخلي والخارجي هي نتاج السياسات العدوانية والتآمرية والتخريبية لنظام صدام.
ومنذ الاطاحة بالنظام قبل ثمانية أعوام ونيف فإن المشهد السياسي الداخلي لم يصل الى درجة ومستوى من الاستقرار يتيح الانطلاق بعملية تنمية شاملة ومتعددة الجوانب والابعاد يتم من خلالها استثمار الموارد والثروات والطاقات والامكانيات الهائلة التي يمتلكها العراق، فضلا عن ذلك فإن أية ازمة مع دول الجوار والمحيط الاقليمي لم تجد طريقها الى الحل، وبقيت الأمور تدور في حلقة مفرغة، وبدلا من ان تتجه نحو قدر من الانفراج، راحت تسير نحو التصعيد والاحتقان والاختناق، وما أزمة ميناء مبارك الكبير إلا مثال قريب جدا، ويمكن ان نتصور طبيعة تعقيدات المشهد السياسي الخارجي اذا أضفنا اليه أزمات تقاسم المياه مع تركيا وسوريا وترسيم الحدود مع ايران والكويت، والوجود العسكري المسلح لقوى معارضة لبعض دول الجوار مثل حزب العمال الكردستاني التركي (p.k.k) ومنظمة بيجاك الايرانية ومنظمة ما يسمى بمجاهدي خلق، وملف الارهاب، والديون والتعويضات.
ـ وجود اتجاهات متطرفة لدى كلا الطرفين، سواء تحت قبتي مجلس الامة الكويتي ومجلس النواب العراقي، او في داخل الحكومتين، او في الاوساط والمحافل الاعلامية. هذه الاتجاهات المتطرفة تغذي عبر خطاباتها المتشنجة والانفعالية الازمة، وتقلل من فرص الحلول والمعالجات الممكنة.
ـ عدم وجود جهات دولية يمكن ان تلعب دور الوسيط المحايد والموضوعي بين الطرفين، بعيداً عن الحسابات المسبقة والمصالح الخاصة والاجندات الضيقة. ولا تستبعد بعض الاوساط بأن يكون لواشنطن دور في تأزيم الامور بين بغداد والكويت، من اجل تهيئة ارضيات ومناخات مناسبة تتيح لها تمديد بقاء قواتها في العراق لما بعد عام 2011.
ـ لا تجد بعض الدعوات الايجابية صدى لها في ظل الاجواء المتشنجة والحملات الاعلامية والسياسية المستعرة بين الطرفين، لا سيما ان هذه الدعوات تأتي من باب ذر الرماد في العيون ليس الا كما يفهم من سياقات طرحها واطلاقها.
وقبل ايام قلائل قال الامين العام السابق لدول مجلس التعاون الخليجي عبد الله بشارة في مقالة له تحت عنوان (ميناء مبارك... صخور السياسة وأحراشها) في صحيفة الوطن الكويتية "(...) ومع كل هذا الجمود، أتمنى ان تبادر الكويت وبكل ديناميكية، وأن تعلن بأنها ستحول كل التعويضات الى مشروع تنموي داخل العراق، بمشاركة عراقية ـ كويتية، وأنها قادرة على التنازل عن الديون المتراكمة على العراق، مع فتح قنصليات في منطقة الأكراد وفي الجنوب، وتدشين حوارات سياسية واستثمارية مع جميع الطوائف والأطياف، من أجل تجذير التفاهم وغرس مبادئ حسن الجوار، وترك موضوع ميناء مبارك لتقرير الخبراء العالميين وحكمهم على مدى اضراره بالعراق.
ولا يجب ان تتردد حكومة الكويت في توضيح المصالح العليا للدولة وسلامتها الأمنية الى أعضاء مجلس الأمة الذين هم وطنيون موالون للوطن، حريصون على مصالحه اذا ما قدمت لهم الحكومة مشروع الانماء المستقبلي مع العراق.
وعلى العراق ان يوضح نقطة مجهولة للكويت، وأهم ما فيها هل العراق، بعد ان تتم هذه المبادرة الاستراتيجية الواسعة، قادر على الامتثال لشروط الأمم المتحدة ومبادئ الثقة المتبادلة وحسن الجوار؟".
ولعل القضية تبدو أكثر تعقيدا وتتعدى في حساسيتها وخطورتها دعوات ومطالب التهدئة والاحتكام الى لغة الحوار ومنطق التفاهم، ليس لأنها قليلة مقارنة بالخطابات المتشنجة والمأزومة، بل لأنها لا تتساوق مع حقائق ومعطيات الواقع القائم، فتعرّض السفارة الكويتية في المنطقة الخضراء لقصف بصواريخ الكاتيوشا قبل عدة اسابيع الامر الذي دفع السفير علي المؤمن الى مغادرة العراق وإغلاق أبواب السفارة، ومن ثم تعرّض الشركات العاملة في ميناء مبارك لاعتداءات مسلحة، دل بوضوح الى أن الازمة بمجملها سائرة الى التصعيد وليس الى التهدئة، او في ادنى تقدير استمرار دورانها بذات الحلقة المفرغة، هي وملفات أخرى بدلا من أن تغلق يفتح معها المزيد والمزيد.
وقد لا تكون تحذيرات ومخاوف وهواجس البعض من اندلاع حرب خليجية اخرى من ضرب الخيال والاوهام وبعيدة عن الواقع، اذ ان تراكم الاحتقانات واستفحال أزمة الثقة يمكن أن يفضي الى أسوأ وأفظع الخيارات.