ارشيف من :آراء وتحليلات

سوريا: عندما يصبح الاحتجاج مطية لمشاريع الهيمنة!

سوريا: عندما يصبح الاحتجاج مطية لمشاريع الهيمنة!
عقيل الشيخ حسين

في معرض كلامه عن القصف الذي تقوم به قوات الأطلسي للأراضي الليبية، كتب أحد المراقبين الغربيين ما معناه أن الفرنسي أو الأميركي الذي يطلق صاروخاً أو قنبلة على أحد المواقع في ليبيا، لا يهمه الفرق بين أن يكون أولئك الذين تسقط القذيفة فوق رؤوسهم من أنصار القذافي أم من الثائرين عليه.

فكلا الفريقين بنظره هما من العرب، أو من المسلمين، وصورة العربي والمسلم في ذهنه هي تلك الصورة غير المشرقة التي تنقلها إليه وسائل الإعلام الغربية غير المعروفة بموضوعيتها وحياديتها.

وفي السياق ذاته، ولكن في إطار الحملة الإعلامية التي تشنها دول الغرب غير المعروفة، بشكل أساسي، إلا من خلال تاريخها الاستعماري الذي اكتوت به الشعوب العربية خصوصاً أكثر من غيرها وما تزال، يشهد مجلس الأمن الدولي حالياً مسعى جديداً يهدف إلى استصدار قرار دولي بإدانة ما يسمى بالعنف الذي يمارسه النظام السوري بحق المتظاهرين.

وكانت دول أوروبية هي فرنسا وبريطانيا وإيطاليا والبرتغال قد تقدمت بمشروع قرار مماثل، لكن هذه المشروع مُني بالفشل بسبب الرفض الروسي والصيني.

أما المشروع الجديد فقد تقدمت به ألمانيا في ما يبدو أنه عملية يراد لها أن تتواصل بين الفينة والفينة عبر تناوب بعض الدول الغربية أو غير الغربية على التقدم إلى مجلس الأمن بمشروعات مشابهة.

وشأن المشروع السابق، يتعرض المشروع الحالي للرفض من قبل روسيا والصين، لكنه رفض يعتوره هذه المرة شيء من الليونة بسبب ما اعتبره بعض المراقبين استعداداً روسياً لإدانة العنف في سوريا. ولم يتضح حتى الآن، رغم انعقاد العديد من الجلسات، ما إذا كانت كلمة عنف تشتمل أم لا على ذاك الذي تمارسه جماعات المسلحين التي رأينا نماذج من أنشطتها في تفجير أنابيب النفط وسكك القطارات وقتل المدنيين ورجال الأمن والإلقاء بجثثهم في مياه العاصي.

ودون البحث في خلفيات الموقف النهائي الذي قد تتخذه روسيا، فإن موافقتها الممكنة في هذا الشأن على ما يدعو إليه الغربيون، لا تعني، في ما يتجاوز العقوبات التي يمكن فرضها على سوريا من قبل هذه الدول أو تلك عبر أو بدون اللجوء إلى مجلس الأمن... لا تعني أن هذه الموافقة تقود بشكل حتمي ـ على ما ترجوه القوى الدولية والإقليمية والمحلية ـ إلى تدخل في سوريا على غرار التدخل الأطلسي في ليبيا.

فقد عبرت روسيا على الدوام عن رفضها لمثل هذا الإجراء، وحذرت من أن فرض منطقة حظر جوي فوق سوريا يمكنه أن يؤدي إلى حرب شاملة، وهذا أمر يعلمه الأميركيون وحلفاؤهم وخشيتهم من تفاقم الأوضاع على هذا المستوى هي ما يفسر تصريحات رئيس أركان الجيش الأميركي التي صرح فيها بأنه لا يتوقع شن حرب عسكرية على سوريا من قبل الحلف الأطلسي وحلفائه.

كل ما في الأمر أن هذه التحركات التي تجري على المستوى الدولي، منذ اندلاع الأحداث الحالية في سوريا، والتي تأخذ، إضافة إلى العمل التآمري في الخفاء، شكل الحملات الإعلامية وتصريحات المسؤولين السياسيين وتنقلاتهم غير المشروعة ـ كما في عملية التحريض التي مارسها السفيران الأميركي والفرنسي في حماه ـ والتي تضاف إليها العقوبات والدعوات إلى سحب السفراء... لا تهدف إلى أكثر من تغذية الفتنة وصب الزيت على النار على أمل استنقاذ ما يمكن استنقاذه من الكستناء بعد أن تكون أصابع اللاعبين السوريين، موالين ومعارضين، قد احترقت في اللهيب.

فكلا الفريقين، كما هو الشأن بالنسبة للتدخل الأطلسي في ليبيا، هما من العرب، أو من المسلمين، ولا فرق بنظر الحلف الصهيو ـ أميركي بين أن يموت معارضو النظام أو الموالون إليه طالما أن الهدف هو ضرب سوريا عقاباً لها على مواقفها في احتضان القضايا العربية وغير العربية المحقة في فلسطين والعراق ولبنان.

عندما يقوم هذا الزعيم الغربي أو ذاك بالتهجم على النظام السوري، وعندما يبدي شيمون بيريز إعجابه بمن يسميهم بـ "الشجعان السوريين"، فإن ذلك لا يندرج في سياق المودة التي تكنها أميركا والكيان الصهيوني للشعب السوري ولحقّه في الحرية والديموقراطية.

ففي النهاية، وهذا أمر يعرفه العرب والسوريون أكثر من غيرهم، أن الأميركيين وأتباعهم لا يحرصون على شيء حرصهم على تجريد الشعوب العربية من أبسط مقومات الحرية والديموقراطية والكرامة.

والسؤال برسم ذلك القسم من المحتجين السوريين الذين يعمل ممثلوهم علناً في غرف عمليات تمتد من تل أبيب إلى واشنطن مروراً بعواصم عربية وأوروبية عديدة: أليس الشعب الفلسطيني، مثلاً، أحق منكم بالنصرة، فيما لو كان الدعاة إلى الحرية والديموقراطية والحقوق صادقين في ما يدعون إليه؟

أليس من واجب ذلك القسم من المحتجين أن يعمل، إذا كان صادقاً في وفائه للحرية والديموقراطية والحقوق، من أجل تجنيب سوريا مصيراً شبيها بمصير فلسطين، بدلاً من دفع سوريا إلى أتون الفتنة التي ستأتي عليهم قبل غيرهم لا لشيء إلا لأنهم يطلقون العنان لأحقاد عمياء ويقبلون لأنفسهم أن يكونوا مطية لمشاريع التخريب والهيمنة؟

أما عن التدخل العسكري المزعوم، فإن القوى الاستعمارية باتت ـ في ظل أزماتها الكبرى على جميع المستويات، وفي ظل ما أحاق بها من هزائم كبرى في المنطقة والعالم ـ أعجز عن تقديم العون لنفسها... لكن لا يضيرها أن يقدم البعض أنفسهم وقوداً لحروب لم تعد قادرة على خوضها. مع استعدادها التقليدي للتخلي عنهم في أية لحظة.
2011-08-03