ارشيف من :آراء وتحليلات
أميركا تتخبط في مستنقع الأزمة
صوفيا ـ جورج حداد
ينكشف يوما بعد يوم مدى تخبط الولايات المتحدة في الأزمة المالية ـ الاقتصادية وعدم قدرتها على الخروج من مستنقع هذه الأزمة. ويعجز الحزبان الاميركيان التقليديان اللذان يتداولان السلطة عن ايجاد مخارج للازمة، ويتسابقان لإلقاء المسؤولية كل منهما على الآخر.
وقد شجب الرئيس الاميركي باراك اوباما البرنامج الذي اقترحه الجمهوريون من أجل تجنب اعلان العجز عن الدفع من قبل الدولة الاميركية، واعلن أنه يتوجب على الحزبين في الكونغرس أن يتوصلا الى صيغة تسوية ترسل الى مكتبه قبل الموعد النهائي وهو 2 اب/اغسطس.
واذا لم يتم حتى ذلك التاريخ التوصل الى تفاهم في الكونغرس حول رفع سقف الدين الداخلي للدولة، فإن الولايات المتحدة الاميركية تغامر في الوقوع في حالة العجز عن الدفع تقنيا. وقد حذر اوباما في مقابلة تلفزيونية من انه اذا استمر عجز الميزانية في التنامي، وبالسرعة ذاتها التي هي عليه الان، فهذا سيؤدي الى خسارة وظائف العمل وسوف يتسبب بالاضرار بالاقتصاد. واتهم الجمهوريين بأن طريقتهم في المناقشات البرلمانية اوصلت الى المأزق الخطير، وانه مقتنع بأن التسوية هي ممكنة، ودعا الناخبين الى ممارسة الضغط على الكونغرس من اجل التوصل الى تسوية.
وقال موجها كلامه الى الناخبين: اذا اردتم خطة متوازنة لتخفيض عجز الميزانية، فقولوا ذلك لمندوبيكم في الكونغرس.
وقد وقف اوباما عدة ساعات امام كاميرات التلفزيونات، بعد ان قام الجمهوريون اولا، ثم الدمقراطيون، باقتراح مختلف البرامج. واعلن اوباما ان الاقتراح المقدم من قبل رئيس مجلس النواب جون باينر سوف يرفع سقف الدين ويؤجل خطر التوقف عن الدفع فقط لمدة ستة اشهر (حتى اذار/مارس القادم) اي "انه بكلمات اخرى لا يحل المشكلة" بل يؤجل الانهيار الكبير.
وعرض أوباما الاضرار الاقتصادية الجدية للعجز التقني عن الدفع، وخطر تقليص الرصيد الائتماني، اذا لم يتم التوصل الى تسوية حول رفع سقف الدين العام اكثر من 14،3 تريليون دولار كما هو الان وتخفيض عجز الميزانية. وقال: "ان التخلف عن دفع التزاماتنا هو مخرج غير حكيم وغير مسؤول". واضاف: "اننا نخاطر باستثارة ازمة اقتصادية، تتسبب بها بالكامل واشنطن".
وحذر اوباما من ان العجز عن الدفع الذي سيكون الاول في تاريخ الولايات المتحدة سوف يطال مباشرة حياة الاميركيين العاديين، لأن الحكومة لن تستطيع ان تدفع المستحقات عليها، مثل الشيكات الشهرية للمساعدات الاجتماعية، والمساعدات للمحاربين القدماء والطلبيات الحكومية لدى ألوف الشركات.
واضاف: لقد قلت لممثلي الحزبين انه ينبغي عليهم التوصل الى تسوية عادلة في الأيام القليلة المقبلة ـ تسوية يمكنها ان تقبل في مجلسي النواب والشيوخ، ويمكن ان أوقعها أنا. واتهم الجمهوريين بأنهم يلحون فقط على تخفيض عجز الميزانية بواسطة تخفيض النفقات ويرفضون دعوات البيت الابيض بأن يتم في الوقت ذاته زيادة الضرائب على الشركات والأشخاص الأكثر غنى. واعرب عن ثقته بأنه "يمكن التوصل الى مثل هذه التسوية"، مشيراً إلى أنه وبالرغم من الاختلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين، فقد تم التوصل في السابق الى التفاهم مع قادة الحزب الجمهوري. وانا واثق انه بعدد كاف من اعضاء الكونغرس من كلا الحزبين سوف نحقق تقدما.
الجمهوريون لا يتراجعون
ولم يكد أوباما ينهي كلامه، حتى تقدم باينر باعتراض غير اعتيادي، تم بثه مباشرة على جميع القنوات التلفزيونية.
وجاء في الاعتراض: ان الرئيس يتحدث غالبا عن "النهج المتوازن" وهذا يعني في واشنطن: "نحن ننفق اكثر، وانتم تدفعون اكثر". والكلام موجه الى دافعي الضرائب. ووجه تحديا لاوباما بقوله، انه لا يوجد مأزق في الكونغرس. ان اقتراح الجمهوريين سيمر في مجلس النواب، ويمكن ان يمر في مجلس الشيوخ، وان يذهب للتوقيع عليه من قبل الرئيس، فاذا وقعه فإن الازمة التي اوجدها الرئيس بذاته سوف تختفي من ذاتها.
واتهم الرئيس بالمعاندة حيال اقتراحات الحزب الجمهوري. وقال: ان المحزن بالحقيقة ان الرئيس سبق وطلب شيكا على بياض قبل ستة اشهر، والان يطلب مرة اخرى شيكا على بياض. وهذا ما لن يحدث، حسب قول باينر. ان اكثر من ثلث الاميركيين يعتبرون ان سياسة الرئيس اوباما هي السبب في تدهور الاقتصاد الاميركي. والنسبة ذاتها من الاميركيين تحمل المسؤولية في ذلك للجمهوريين. وهذا ما تشير اليه استطلاعاعات الرأي التي اجرتها جريدة " واشنطن بوست" والقناة التلفزيونية ABC News.
وتبين هذه الاستطاعات انه منذ شهر تشرين الاول/ اوكتوبر الماضي الى اليوم ازدادت نسبة الذين يحمّلون المسؤولية للديمقراطي باراك اوباما 6% وبلغت 37%. وفي الوقت ذاته فإن الكثير من الاميركيين يتهمون الجمهوريين في الكونغرس بالتسبب بالمصاعب الاقتصادية للولايات المتحدة الاميركية، حسبما جاء في استطلاع الرأي لـ1000 شخص اجرته وكالة رويترز.
واشارت نسبة 65% من المستطلعين الى عدم رضاهم عن سياسة الجمهوريين الخاصة بسوق العمل، في حين ان 52% اعطوا تقويما ضعيفا لجهود اوباما في هذا القطاع.
وقال 90% من المستطلعين ان الاقتصاد الأميركي لا يسير بشكل جيد، وقال 85% منهم انهم بالكاد يؤمّنون متطلباتهم المعيشية او انهم يعجزون عن ذلك، وقال 80% منهم انه من الصعوبة بمكان ايجاد عمل.
ان حظوظ اوباما لاعادة انتخابه في 2012 ترتبط بشدة بقدرته على السيطرة على البطالة في الولايات المتحدة، التي تبلغ الان 9،2%.
ان الناخبين المستقلين يقوّمون عمل اوباما، اعلى من تقويمهم للجمهوريين، فيما يتعلق بايجاد الوظائف، الا ان انصاره داخل حزبه بالذات فقد انخفضت حماستهم. وهذا يشكل تحديا كبيرا له. وبحسب استطلاع الرأي فإن نسبة الديمقراطيين الذين يؤيدون بشدة اوباما في جهوده لاجل زيادة وظائف العمل قد انخفضت من 53% الى 31% فقط.
اما لجهة الديون الخارجية، فيقول بعض الخبراء ان سعر صرف الدولار/ يورو بمعدل 1،50/1 يؤكد الاقاويل المنتشرة منذ زمن بعيد بأن الولايات المتحدة ستعمد الى حل مشاكلها الاقتصادية على حساب الاخرين جميعا وعن طريق طباعة العملة. وهذا الاسلوب هو معروف وقد جرى استخدامه في الماضي: تنفق اميركا الدولارات التي تقترضها من الاخرين، ثم تقوم بتخفيض قيمة الدولار. اي انها تخفض القيمة الفعلية لديونها الاسمية.
في السنوات الاخيرة، قبل اوباما ومعه، فإن اميركا لم تفعل شيئا من اجل سد العجز وتحقيق التوازن في ميزانها التجاري، ولتخفيض النفقات الحكومية وتشجيع النمو الاقتصادي الواقعي. بل ان كل شيء كان يجري بالاتجاه العكسي، وكان من الممكن ان تحل الكارثة بالولايات المتحدة لو ان عملتها حافظت على قيمتها، او زاد سعر صرفها.
وفي الوقت الراهن، وبحجة وجود مشكلات في سوق الرهنيات، فإن الفيديرال ريزيرف (البنك المركزي) لا يني يخفض سعر الفائدة، الامر الذي يدفع بشكل مباشر نحو تخفيض سعر صرف الدولار.
وبمثل هذا المخطط فإن الولايات المتحدة سوف تقوم بإيفاء ديونها للمقرضين الخارجيين بأدنى كلفة ممكنة. والقسم الاكبر من دين الدولة قد تراكم بسعر دولار اعلى بكثير من سعره الحالي، وبالتالي فإن قسما كبيرا من هذا الدين قد تم تسديده في الواقع فقط بفعل تخفيض سعر صرف الدولار.
ومن حيث المبدأ، فإن هذا النمط من السياسة الاقتصادية يقود الى إفقار السكان المحليين، لانهم اصبحوا يملكون عملة رخيصة السعر. وهذا يعني تخفيض القيمة الحقيقية للاجور، وتخفيض مستوى المعيشة. وعادة يؤدي ذلك الى اسقاط الحكومة، كما يجري في كل انحاء العالم.
طوق النجاة... الصيني!
ولكن هذا لم يحدث في الولايات المتحدة، لسبب "بسيط" وهو ان المصدّر الرئيسي للسلع الى اميركا هو الصين، التي ثبـّـتت عملتها على الدولار. اي انه مهما انخفض سعر صرف الدولار، فإن الصين سوف تواصل تصدير السلع الى اميركا بالاسعار ذاتها بالدولار. وفي هذه الحالة فإن المستهلك الاميركي لن يشعر بأي فرق. ولو لم تكن هذه العلاقة غير الطبيعية بين الصين (الشيوعية!!!) واميركا، فإن المستهلك الاميركي كان سيصاب بالصدمة. ذلك انه كان من المفروض، وعلى غرار جميع العملات الاخرى، ان يرتفع سعر صرف اليوان الصيني تجاه الدولار، وترتفع بالتالي اسعار السلع الصينية المصدرة الى اميركا، الامر الذي يؤدي اوتوماتيكيا الى زيادة التضخم في اميركا. اي أن يتحمل الاميركيون الاعباء الناتجة عن طباعة كميات اضافية من الدولارات الرخيصة.
ولكن هذا لم يحدث. بل بالعكس فإن الصدمة تقع على كاهل المصدّرين "الدولاريين" الى الولايات المتحدة، فهم الذين يحصلون على عملة متناقصة السعر مقابل سلعهم. وبهذه العملة المتزايدة الرخص عليهم ان يشتروا بأسعار مرتفعة حاجاتهم من المواد الاولية، كالنفط والغاز وخامات الحديد، وكذلك من المنتجات التكنولوجية والزراعية وغيرها.
ويتم تنفيذ هذا المخطط الاقتصادي الاميركي بفعل عاملين:
الاول هو وضع الدولار بوصفه عملة دولية، الامر الذي يسمح بكل انواع التلاعب والمضاربات لمصلحة الولايات المتحدة.
والعامل الثاني هو طبيعة تنظيم الاقتصاد المعولم، الذي يتمحور حول السوق الاميركي كقدس الاقداس، الذي يطمح اليه الجميع. ولاجل الاحتفاظ بعلاقتهم بهذا السوق، فإن الصينيين يمتنعون عن رفع سعر صرف اليوان، وفوق ذلك يعمدون الى شراء كميات كبرى من الاوراق المالية الاميركية، التي من الواضح انها ستفقد من قيمتها الفعلية طردا مع انخفاض سعر صرف الدولار. وهذا يدل على ان كل الدورات الاقتصادية المرتبطة بأميركا تصبح مستعبدة لها.
وحتى الان لا توجد اي دلائل بأن الاميركيين سوف يغيرون سياستهم هذه. يوجد مشاريع لادخال التوازن الى الميزانية. ولكن هذه المشاريع موضوعة بطريقة، لا يمكن معها ان تحقق نتائج الا بعد اجراء الانتخابات الرئاسية القادمة. واذا اخذنا بالاعتبار ان المشاريع المشابهة السابقة، كانت موضوعة كي تتحقق في عهد الرئيس الحالي، فيمكن ان نستنتج ان المشاريع الحالية ايضا لن تتحقق حتى بعد اجراء الانتخابات الرئاسية القادمة.
ان السلوك غير المسؤول للولايات المتحدة يمكن ان يجر الى ازمة اقتصادية عالمية مستعصية. وامكانيات الصين لتخفيض ارباحها بفعل تخفيض قيمة مداخيلها وزيادة نفقاتها، ـ هذه الامكانيات لها حدود تقف عندها. وفي لحظة معينة يمكن ان تبدأ اسعار السلع الصينية بالارتفاع، ما سيؤدي الى اعاقة النمو الاقتصادي في الصين ايضا. وسيشكل ذلك كله ضربة كبيرة للاقتصاد العالمي بأسره.
كما ان ضربة اخرى يمكن ان تنجم، فيما اذا بدأت دول جديدة في اتباع مثال ايران، واخذت تتاجر بالنفط والمواد الخام باليورو وليس بالدولار. وهذا لن يؤدي فقط الى الضغط على الدولار، بل ومن الممكن ان يؤدي الى ان تعمد دول كثيرة الى ان تطرح في السوق احتياطاتها من الدولار، ما سيؤول الى تخفيض سعره اكثر فأكثر. واذا ظهرت عملة دولية جديدة، متناسبة في التطبيق مع الدولار، فهذا سيؤدي الى فوضى مالية عالمية.
ولكن اكبر ضربة ستأتي في اللحظة التي يرجع فيها رقاص الساعة ويلزم الولايات المتحدة بتقديم كشف حساب عن طباعة العملة. وفي حال فقدان الثقة والتخلي عن الدولار عالميا، فإن جميع الدولارات سوف تعود الى بلادها. وحينذاك ستتجمع في اميركا كميات ضخمة من اوراق العملة الدولارية المتزايدة الرخص، في الوقت الذي تكون فيه ملزمة بأن تشتري بأسعار مرتفعة الخامات المسعّرة بعملات اخرى. وفي مثل هذه اللحظة ستقع اميركا في الانهيار، وبمقدار ما ان المواطنين الاميركيين هم غير مستعدين لأن يخسروا بسرعة مستوى معيشتهم، فمن المؤكد ان تبدأ مرحلة الازمات السياسية الحادة داخل اميركا.
والقرار "الحكيم" الوحيد الذي تستعد الادارة الاميركية لاتخاذه هو انتهاج سياسة تقشفية يمينية صارمة، يمكن بواسطتها استعادة الدولارات المنتشرة في الاسواق المالية العالمية، وتحقيق الاستقرار المالي. وهو ما يتعذر على الاحزاب والرؤساء ومرشحي الرئاسة الاميركيين القيام به. وهذا يعني ان "صندوق الفرجة" الخاص بالدولار الاميركي سينفتح على الآخر.
ــــ
* كاتب لبناني مستقل
ينكشف يوما بعد يوم مدى تخبط الولايات المتحدة في الأزمة المالية ـ الاقتصادية وعدم قدرتها على الخروج من مستنقع هذه الأزمة. ويعجز الحزبان الاميركيان التقليديان اللذان يتداولان السلطة عن ايجاد مخارج للازمة، ويتسابقان لإلقاء المسؤولية كل منهما على الآخر.
وقد شجب الرئيس الاميركي باراك اوباما البرنامج الذي اقترحه الجمهوريون من أجل تجنب اعلان العجز عن الدفع من قبل الدولة الاميركية، واعلن أنه يتوجب على الحزبين في الكونغرس أن يتوصلا الى صيغة تسوية ترسل الى مكتبه قبل الموعد النهائي وهو 2 اب/اغسطس.
واذا لم يتم حتى ذلك التاريخ التوصل الى تفاهم في الكونغرس حول رفع سقف الدين الداخلي للدولة، فإن الولايات المتحدة الاميركية تغامر في الوقوع في حالة العجز عن الدفع تقنيا. وقد حذر اوباما في مقابلة تلفزيونية من انه اذا استمر عجز الميزانية في التنامي، وبالسرعة ذاتها التي هي عليه الان، فهذا سيؤدي الى خسارة وظائف العمل وسوف يتسبب بالاضرار بالاقتصاد. واتهم الجمهوريين بأن طريقتهم في المناقشات البرلمانية اوصلت الى المأزق الخطير، وانه مقتنع بأن التسوية هي ممكنة، ودعا الناخبين الى ممارسة الضغط على الكونغرس من اجل التوصل الى تسوية.
وقال موجها كلامه الى الناخبين: اذا اردتم خطة متوازنة لتخفيض عجز الميزانية، فقولوا ذلك لمندوبيكم في الكونغرس.
وقد وقف اوباما عدة ساعات امام كاميرات التلفزيونات، بعد ان قام الجمهوريون اولا، ثم الدمقراطيون، باقتراح مختلف البرامج. واعلن اوباما ان الاقتراح المقدم من قبل رئيس مجلس النواب جون باينر سوف يرفع سقف الدين ويؤجل خطر التوقف عن الدفع فقط لمدة ستة اشهر (حتى اذار/مارس القادم) اي "انه بكلمات اخرى لا يحل المشكلة" بل يؤجل الانهيار الكبير.
وعرض أوباما الاضرار الاقتصادية الجدية للعجز التقني عن الدفع، وخطر تقليص الرصيد الائتماني، اذا لم يتم التوصل الى تسوية حول رفع سقف الدين العام اكثر من 14،3 تريليون دولار كما هو الان وتخفيض عجز الميزانية. وقال: "ان التخلف عن دفع التزاماتنا هو مخرج غير حكيم وغير مسؤول". واضاف: "اننا نخاطر باستثارة ازمة اقتصادية، تتسبب بها بالكامل واشنطن".
وحذر اوباما من ان العجز عن الدفع الذي سيكون الاول في تاريخ الولايات المتحدة سوف يطال مباشرة حياة الاميركيين العاديين، لأن الحكومة لن تستطيع ان تدفع المستحقات عليها، مثل الشيكات الشهرية للمساعدات الاجتماعية، والمساعدات للمحاربين القدماء والطلبيات الحكومية لدى ألوف الشركات.
واضاف: لقد قلت لممثلي الحزبين انه ينبغي عليهم التوصل الى تسوية عادلة في الأيام القليلة المقبلة ـ تسوية يمكنها ان تقبل في مجلسي النواب والشيوخ، ويمكن ان أوقعها أنا. واتهم الجمهوريين بأنهم يلحون فقط على تخفيض عجز الميزانية بواسطة تخفيض النفقات ويرفضون دعوات البيت الابيض بأن يتم في الوقت ذاته زيادة الضرائب على الشركات والأشخاص الأكثر غنى. واعرب عن ثقته بأنه "يمكن التوصل الى مثل هذه التسوية"، مشيراً إلى أنه وبالرغم من الاختلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين، فقد تم التوصل في السابق الى التفاهم مع قادة الحزب الجمهوري. وانا واثق انه بعدد كاف من اعضاء الكونغرس من كلا الحزبين سوف نحقق تقدما.
الجمهوريون لا يتراجعون
ولم يكد أوباما ينهي كلامه، حتى تقدم باينر باعتراض غير اعتيادي، تم بثه مباشرة على جميع القنوات التلفزيونية.
وجاء في الاعتراض: ان الرئيس يتحدث غالبا عن "النهج المتوازن" وهذا يعني في واشنطن: "نحن ننفق اكثر، وانتم تدفعون اكثر". والكلام موجه الى دافعي الضرائب. ووجه تحديا لاوباما بقوله، انه لا يوجد مأزق في الكونغرس. ان اقتراح الجمهوريين سيمر في مجلس النواب، ويمكن ان يمر في مجلس الشيوخ، وان يذهب للتوقيع عليه من قبل الرئيس، فاذا وقعه فإن الازمة التي اوجدها الرئيس بذاته سوف تختفي من ذاتها.
واتهم الرئيس بالمعاندة حيال اقتراحات الحزب الجمهوري. وقال: ان المحزن بالحقيقة ان الرئيس سبق وطلب شيكا على بياض قبل ستة اشهر، والان يطلب مرة اخرى شيكا على بياض. وهذا ما لن يحدث، حسب قول باينر. ان اكثر من ثلث الاميركيين يعتبرون ان سياسة الرئيس اوباما هي السبب في تدهور الاقتصاد الاميركي. والنسبة ذاتها من الاميركيين تحمل المسؤولية في ذلك للجمهوريين. وهذا ما تشير اليه استطلاعاعات الرأي التي اجرتها جريدة " واشنطن بوست" والقناة التلفزيونية ABC News.
وتبين هذه الاستطاعات انه منذ شهر تشرين الاول/ اوكتوبر الماضي الى اليوم ازدادت نسبة الذين يحمّلون المسؤولية للديمقراطي باراك اوباما 6% وبلغت 37%. وفي الوقت ذاته فإن الكثير من الاميركيين يتهمون الجمهوريين في الكونغرس بالتسبب بالمصاعب الاقتصادية للولايات المتحدة الاميركية، حسبما جاء في استطلاع الرأي لـ1000 شخص اجرته وكالة رويترز.
واشارت نسبة 65% من المستطلعين الى عدم رضاهم عن سياسة الجمهوريين الخاصة بسوق العمل، في حين ان 52% اعطوا تقويما ضعيفا لجهود اوباما في هذا القطاع.
وقال 90% من المستطلعين ان الاقتصاد الأميركي لا يسير بشكل جيد، وقال 85% منهم انهم بالكاد يؤمّنون متطلباتهم المعيشية او انهم يعجزون عن ذلك، وقال 80% منهم انه من الصعوبة بمكان ايجاد عمل.
ان حظوظ اوباما لاعادة انتخابه في 2012 ترتبط بشدة بقدرته على السيطرة على البطالة في الولايات المتحدة، التي تبلغ الان 9،2%.
ان الناخبين المستقلين يقوّمون عمل اوباما، اعلى من تقويمهم للجمهوريين، فيما يتعلق بايجاد الوظائف، الا ان انصاره داخل حزبه بالذات فقد انخفضت حماستهم. وهذا يشكل تحديا كبيرا له. وبحسب استطلاع الرأي فإن نسبة الديمقراطيين الذين يؤيدون بشدة اوباما في جهوده لاجل زيادة وظائف العمل قد انخفضت من 53% الى 31% فقط.
اما لجهة الديون الخارجية، فيقول بعض الخبراء ان سعر صرف الدولار/ يورو بمعدل 1،50/1 يؤكد الاقاويل المنتشرة منذ زمن بعيد بأن الولايات المتحدة ستعمد الى حل مشاكلها الاقتصادية على حساب الاخرين جميعا وعن طريق طباعة العملة. وهذا الاسلوب هو معروف وقد جرى استخدامه في الماضي: تنفق اميركا الدولارات التي تقترضها من الاخرين، ثم تقوم بتخفيض قيمة الدولار. اي انها تخفض القيمة الفعلية لديونها الاسمية.
في السنوات الاخيرة، قبل اوباما ومعه، فإن اميركا لم تفعل شيئا من اجل سد العجز وتحقيق التوازن في ميزانها التجاري، ولتخفيض النفقات الحكومية وتشجيع النمو الاقتصادي الواقعي. بل ان كل شيء كان يجري بالاتجاه العكسي، وكان من الممكن ان تحل الكارثة بالولايات المتحدة لو ان عملتها حافظت على قيمتها، او زاد سعر صرفها.
وفي الوقت الراهن، وبحجة وجود مشكلات في سوق الرهنيات، فإن الفيديرال ريزيرف (البنك المركزي) لا يني يخفض سعر الفائدة، الامر الذي يدفع بشكل مباشر نحو تخفيض سعر صرف الدولار.
وبمثل هذا المخطط فإن الولايات المتحدة سوف تقوم بإيفاء ديونها للمقرضين الخارجيين بأدنى كلفة ممكنة. والقسم الاكبر من دين الدولة قد تراكم بسعر دولار اعلى بكثير من سعره الحالي، وبالتالي فإن قسما كبيرا من هذا الدين قد تم تسديده في الواقع فقط بفعل تخفيض سعر صرف الدولار.
ومن حيث المبدأ، فإن هذا النمط من السياسة الاقتصادية يقود الى إفقار السكان المحليين، لانهم اصبحوا يملكون عملة رخيصة السعر. وهذا يعني تخفيض القيمة الحقيقية للاجور، وتخفيض مستوى المعيشة. وعادة يؤدي ذلك الى اسقاط الحكومة، كما يجري في كل انحاء العالم.
طوق النجاة... الصيني!
ولكن هذا لم يحدث في الولايات المتحدة، لسبب "بسيط" وهو ان المصدّر الرئيسي للسلع الى اميركا هو الصين، التي ثبـّـتت عملتها على الدولار. اي انه مهما انخفض سعر صرف الدولار، فإن الصين سوف تواصل تصدير السلع الى اميركا بالاسعار ذاتها بالدولار. وفي هذه الحالة فإن المستهلك الاميركي لن يشعر بأي فرق. ولو لم تكن هذه العلاقة غير الطبيعية بين الصين (الشيوعية!!!) واميركا، فإن المستهلك الاميركي كان سيصاب بالصدمة. ذلك انه كان من المفروض، وعلى غرار جميع العملات الاخرى، ان يرتفع سعر صرف اليوان الصيني تجاه الدولار، وترتفع بالتالي اسعار السلع الصينية المصدرة الى اميركا، الامر الذي يؤدي اوتوماتيكيا الى زيادة التضخم في اميركا. اي أن يتحمل الاميركيون الاعباء الناتجة عن طباعة كميات اضافية من الدولارات الرخيصة.
ولكن هذا لم يحدث. بل بالعكس فإن الصدمة تقع على كاهل المصدّرين "الدولاريين" الى الولايات المتحدة، فهم الذين يحصلون على عملة متناقصة السعر مقابل سلعهم. وبهذه العملة المتزايدة الرخص عليهم ان يشتروا بأسعار مرتفعة حاجاتهم من المواد الاولية، كالنفط والغاز وخامات الحديد، وكذلك من المنتجات التكنولوجية والزراعية وغيرها.
ويتم تنفيذ هذا المخطط الاقتصادي الاميركي بفعل عاملين:
الاول هو وضع الدولار بوصفه عملة دولية، الامر الذي يسمح بكل انواع التلاعب والمضاربات لمصلحة الولايات المتحدة.
والعامل الثاني هو طبيعة تنظيم الاقتصاد المعولم، الذي يتمحور حول السوق الاميركي كقدس الاقداس، الذي يطمح اليه الجميع. ولاجل الاحتفاظ بعلاقتهم بهذا السوق، فإن الصينيين يمتنعون عن رفع سعر صرف اليوان، وفوق ذلك يعمدون الى شراء كميات كبرى من الاوراق المالية الاميركية، التي من الواضح انها ستفقد من قيمتها الفعلية طردا مع انخفاض سعر صرف الدولار. وهذا يدل على ان كل الدورات الاقتصادية المرتبطة بأميركا تصبح مستعبدة لها.
وحتى الان لا توجد اي دلائل بأن الاميركيين سوف يغيرون سياستهم هذه. يوجد مشاريع لادخال التوازن الى الميزانية. ولكن هذه المشاريع موضوعة بطريقة، لا يمكن معها ان تحقق نتائج الا بعد اجراء الانتخابات الرئاسية القادمة. واذا اخذنا بالاعتبار ان المشاريع المشابهة السابقة، كانت موضوعة كي تتحقق في عهد الرئيس الحالي، فيمكن ان نستنتج ان المشاريع الحالية ايضا لن تتحقق حتى بعد اجراء الانتخابات الرئاسية القادمة.
ان السلوك غير المسؤول للولايات المتحدة يمكن ان يجر الى ازمة اقتصادية عالمية مستعصية. وامكانيات الصين لتخفيض ارباحها بفعل تخفيض قيمة مداخيلها وزيادة نفقاتها، ـ هذه الامكانيات لها حدود تقف عندها. وفي لحظة معينة يمكن ان تبدأ اسعار السلع الصينية بالارتفاع، ما سيؤدي الى اعاقة النمو الاقتصادي في الصين ايضا. وسيشكل ذلك كله ضربة كبيرة للاقتصاد العالمي بأسره.
كما ان ضربة اخرى يمكن ان تنجم، فيما اذا بدأت دول جديدة في اتباع مثال ايران، واخذت تتاجر بالنفط والمواد الخام باليورو وليس بالدولار. وهذا لن يؤدي فقط الى الضغط على الدولار، بل ومن الممكن ان يؤدي الى ان تعمد دول كثيرة الى ان تطرح في السوق احتياطاتها من الدولار، ما سيؤول الى تخفيض سعره اكثر فأكثر. واذا ظهرت عملة دولية جديدة، متناسبة في التطبيق مع الدولار، فهذا سيؤدي الى فوضى مالية عالمية.
ولكن اكبر ضربة ستأتي في اللحظة التي يرجع فيها رقاص الساعة ويلزم الولايات المتحدة بتقديم كشف حساب عن طباعة العملة. وفي حال فقدان الثقة والتخلي عن الدولار عالميا، فإن جميع الدولارات سوف تعود الى بلادها. وحينذاك ستتجمع في اميركا كميات ضخمة من اوراق العملة الدولارية المتزايدة الرخص، في الوقت الذي تكون فيه ملزمة بأن تشتري بأسعار مرتفعة الخامات المسعّرة بعملات اخرى. وفي مثل هذه اللحظة ستقع اميركا في الانهيار، وبمقدار ما ان المواطنين الاميركيين هم غير مستعدين لأن يخسروا بسرعة مستوى معيشتهم، فمن المؤكد ان تبدأ مرحلة الازمات السياسية الحادة داخل اميركا.
والقرار "الحكيم" الوحيد الذي تستعد الادارة الاميركية لاتخاذه هو انتهاج سياسة تقشفية يمينية صارمة، يمكن بواسطتها استعادة الدولارات المنتشرة في الاسواق المالية العالمية، وتحقيق الاستقرار المالي. وهو ما يتعذر على الاحزاب والرؤساء ومرشحي الرئاسة الاميركيين القيام به. وهذا يعني ان "صندوق الفرجة" الخاص بالدولار الاميركي سينفتح على الآخر.
ــــ
* كاتب لبناني مستقل