ارشيف من :آراء وتحليلات

لبنان: رهانات المعارضة الجديدة وزمن الانتظار الصعب

لبنان: رهانات المعارضة الجديدة وزمن الانتظار الصعب
مصطفى الحاج علي

هل يكون ما بعد شهر رمضان هو غير ما قبله داخلياً وخارجياً؟
لقد سبق للمعارضة الجديدة أن رفعت سقف أهدافها عالياً: العمل بشتى الوسائل لإسقاط الحكومة الحالية، وهي لم تتورع بلغة صريحة عن الاستنجاد بالتدخلات الدولية مساعدةً لها لإنجاز هذا الهدف، كما إنها أعلنت في أكثر من مناسبة عن أنها ستكمن للحكومة الجديدة عند كل مفرق، بل عند كل فاصلة ونقطة من قراراتها وتوجهاتها، وأنها لن تتورع عن استخدام الشارع، والذهاب الى النهاية في توتير الشارع ليس بالمعنى السياسي فحسب، وإنما بالمعنى الطائفي والمذهبي أيضاً.
وبالرغم من هذا كله، فإن المتابع لمسار مواقف المعارضة الجديدة منذ نيل الحكومة الثقة وحتى الآن، لا يجد تناسباً بين مستوى التحدي الذي رفعته في وجه الحكومة، ومستوى ومنسوب وحجم المواقف المعلنة لها، فهل هذا ينبئ عن تراجع، أم أنه يشير الى أمرٍ آخر؟
التدقيق في المشروع الأصلي لهذه المعارضة الجديدة، والتدقيق في مسار مواقفها منذ إخراج الحريري من رئاسة الحكومة، يفضي الى مجموعة ملاحظات رئيسية، أبرزها:
ـ ان واقع هذه المعارضة صعب للغاية جراء مسلسل الهزائم الذي منيت به على أكثر من صعيد، وهي بالتالي تحتاج الى مزيد من الوقت حتى تستطيع ترميم هيكلها العام، إعادة شحذ معنوياتها، وشد عصبها، بما يؤهلها لخوض معارك جديدة في الوقت المناسب، أو غب الطلب.
ـ لا شك أن غياب الحريري وبمعزل عن مبرراته الحقيقية او المضللة، فهو ترك فراغاً معنوياً وسياسياً لا يسهل ملئُه حتى من قبل السنيورة نفسه. فالحريري اليوم بات يمثل ولو رمزياً أحد البيوتات السنية السياسية الرئيسية، وغيابه يعني عملياً نوعاً من التعليق القسري لهذا البيت، الذي لا يستطيع تعويضه حتى التمثيل الحزبي، أي تيار المستقبل، بما أن هذا التيار يبقى مختصراً بشخص زعيمه أكثر من أي شيء آخر.
وعودة الحريري هنا تبدو مرهونة بأمور كثيرة، بل قد يجدون متغيرات رئيسية يريدها ان تشكل تتويجاً لها.
ـ لقد بنت هذه المعارضة استراتيجيتها على مجموعة عناصر، هي:
أ ـ المسار الخاص بالمحكمة الدولية، وحركة تطور قراراتها الاتهامية، والمواقيت المطروحة هنا تتراوح ما بين منتصف هذا الشهر، وشهري أيلول وتشرين المقبلين، المسألة الجوهرية هنا تتمثل بما ستشير اليه طريقة تعاطي المحكمة مع الجواب اللبناني الرسمي على طلبها باعتقال المفترى عليهم من المجاهدين الأربعة في المقاومة، حيث اذا تعاملت المحكمة ايجاباً معتبرة الجواب الرسمي مقبولاً، وذهبت الى المحاكمة الغيابية سيعد ذلك مؤشراً على عدم رغبة بالتصعيد على الأقل في هذه المرحلة.
واذا ما اعتبرت المحكمة الجواب اللبناني نوعاً من التمنع وارتأت رفع الأمر مجدداً الى مجلس الأمن، فسيكون ذلك رسالة واضحة بالتصعيد، وإشارة عملية لفريق المعارضة الحالية بالشروع في شن هجومه السياسي في لبنان.
كما تتمثل بما سيشير اليه مضمون القرار الاتهامي من افتراءات جديدة تنال من أسماء جديدة في لبنان وخارجه، ما سيعني بدوره العودة مجدداً الى توسعة استخدام المحكمة ليس فقط كسلاح داخلي، وانما كسلاح اقليمي.
ب ـ مسار الأوضاع في سوريا، حيث تقول كل مواقف هذه المعارضة خصوصاً زعيمها الحريري، بأن هناك رهانا كبيرا بأن يؤدي تسارع التطورات خلال شهر رمضان الى أحد أمرين: إما الى تقديم النظام تنازلات كبيرة في بنود رئيسية مطلوبة منه، وإما الى سقوطه، وفي كلتا الحالتين ستكون حصيلة انعكاسات هذه التطورات كبيرة على لبنان، لجهة خلط التوازنات فيه مجدداً، وهنا يكمن الرهان مجدداً على عودة جنبلاط الى موقعه السابق، وهذا ما يفسر حرص الحريري على عدم التعرض له، وإبقاء الصلات معه قائمة، وذلك بمعزل عما اذا كان هذا الرهان في محله، أم لا.
ج ـ تركيز الهجوم على هدفين أساسيين، وإهمال باقي الأهداف: الأول، حزب الله، والثاني رئيس الحكومة، اما ساحة المعركة مع الاثنين فهي الساحة السنية، لإدراك هذه المعارضة ان معركتها مع حزب الله في الساحة الشيعية لن تفيدها كثيراً، كما ان معركتها ضمن الساحة المسيحية ليست بالمسألة السهلة، ولذا المطلوب النيل من حزب الله ورئيس الحكومة في الساحة السنية من خلال الدمج بين الهدفين وتقديمهما كهدف واحد، ولذا، يعمل على تكرار مقولة إن هذه الحكومة هي حكومة حزب الله، وإن الكلمة الفصل ليست لميقاتي وانما لحزب الله، وهذا طبعاً خلاف الواقع والحقيقة معاً.
ان معركة المستقبل الأساسية هي ميقاتي، وهي معركة شمالية بالدرجة الأولى، وهي معركة على السنة، وفي هذا الإطار ليست مواقف الحريري من الاحداث في سوريا الا محاولة لاستمالة السنة في الشمال مجدداً انطلاقاً من هذه المواقف، وهو بالتالي يحرص وتياره على مقاربة ما يجري هناك من زاوية مذهبية، وليس استحضار حزب الله هنا، إلا لخدمة هذه اللعبة المذهبية المقيتة، فما يهم الحريري هو العودة الى السلطة ولو على حساب تعميق الانقسام الاسلامي ـ الاسلامي وتفجيره مذهبياً.
د ـ تصيّد اخطاء او ثغرات الحكومة مهما كانت صغيرة، والعمل على تكبيرها، وأكثر من ذلك العمل على شل عملها من خلال محاصرتها بتهمة الكيدية والثأرية... الخ.
من الواضح، أن هذه الاسترايتجية تحتاج الى المواءمة بين مساراتها من جهة، والى مهلة من الوقت من جهة أخرى، سواء لاستكشاف وجهة تطورات الأمور، أم لاستكشاف وجهة الموقف الدولي في الآتي من الأيام، وبناءً عليه فإن ما بعد شهر رمضان سيكون غير ما قبله في ضوء ما ستكون عليه الصورة الخاصة بأكثر من استحقاق داخلي وإقليمي، خصوصاً صورة ما ستؤول اليه الأمور في سوريا.
انه شهر الانتظار الصعب والثقيل لا شك في ذلك.
2011-08-05