ارشيف من :آراء وتحليلات
الحرب على سوريا... نقطة النهاية في تاريخ الهيمنة الإمبرياليةَ

عقيل الشيخ حسين
الحرب على سوريا بدأت بالفعل: إذا كانت وسائل الإعلام والمسؤولون السياسيون في الغرب وفي بعض البلدان العربية لا يتكلمون إلا عن تظاهرات سلمية يقمعها النظام، فإن الحقيقة قد بدأت تتكشف لجهة وجود مجموعات مسلحة، وتهريب كثيف للأسلحة، وعمليات تفجير تستهدف البنى التحتية الاقتصادية والادارية، واغتيالات، ومدنيين وعسكريين يقتلون ويجري تقطيع أوصالهم ويتم تصويرهم أثناء إلقائهم في الأنهار والمقابر الجماعية، ومعارك حقيقية بين قوى الأمن والجماعات المسلحة.
بهذا المعنى، فإن ما كشف عنه ديمتري روغوزين، ممثل روسيا الدائم في الحلف الأطلسي، بخصوص خطة أعدها الحلف بهدف إطلاق عملية عسكرية ضد سوريا، وبعدها ضد إيران، إنما يشير إلى مرحلة جديدة من مراحل هذه الحرب التي أشعلتها الجماعات المسلحة في الداخل السوري.
فالمنطقة، وبغض النظر عن هذا الكشف، تعيش منذ 11 أيلول/ سبتمبر 2001 ـ إذا ما تجاوزنا السوابق التي تمتد عميقاً في التاريخين القديم والحديث ـ داخل منطق الحرب العالمية الشهيرة التي أعلنها على الإرهاب المحافظون الجدد، وتابعَهم عليها بمزيد من الإصرار الديموقراطي باراك أوباما.
ذلك الإرهاب ليس غير غطاء رقيق يطل من ورائه، في ظروف "صدام الحضارات"، المستهدف الحقيقي المتمثل بالإسلام والعالم الإسلامي ممثلاً، في مرحلة أولى، بإيران وسوريا، وكذلك بفصائل المقاومة في لبنان وفلسطين.
وبفضل الدعم الإيراني والسوري، تمكنت قوى المقاومة، من مواصلة خوض غمار المعركة ضد الاحتلال الإسرائيلي، في حين استطاعت بالتآزر مع سوريا تعطيل جميع المساعي المبذولة من أجل إحلال سلام غير عادل وظيفته تحويل المنطقة بكاملها إلى منطقة نفوذ إسرائيلية أميركية.
من هنا، ارتدت مسألة تفكيك الارتباط بين الدول والحركات التي تقاوم المشاريع الصهيونية والأميركية أهمية كبرى في استراتيجيات الهيمنة الأميركية منذ ما قبل تفجيرات 11 أيلول/ سبتمبر 2001.
وحتى احتلال افغانستان والعراق بذرائع كاذبة ومصطنعة، وهما بلدان اكتويا بنيران الحروب المتواصلة، إضافة إلى ظروفهما الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الصعبة، لم يكن هدفاً بحد ذاته.
فالهدف الحقيقي لم يكن غير تطويق سوريا وإيران. ألم تكن الاستراتيجيات الأميركية الهادفة إلى تصفية ما يسمى بـ "محور الشر" و"الدول المارقة"، وخصوصاً سوريا وإيران، قد أعلنت قبل 11/9؟ ألم يعرب بعض الاستراتيجيين الأميركيين عن اعتقادهم بأن إنزال أنظمة "ديموقراطية" على أفغانستان والعراق سيؤدي حتماً إلى انهيار النظامين الإيراني والسوري وإلى القضاء على كل من حماس وحزب الله؟
لكن الإخفاق الأميركي في كل من العراق وأفغانستان أدى إلى تغير في الاستراتيجية، ودفع باتجاه صرف النظر عن إيران للتحول نحو الحلقات المنظور إليها على أنها أكثر ضعفاً. فلبنان بلد صغير ويعيش حالة اهتزاز كبرى بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق، رفيق الحريري، ويمكنه خصوصاً في ظل الانسحاب السوري، أن يمنح قوى الهيمنة فرصة لا يستهان بها من أجل التخلص من حزب الله.
وجاء فشل جميع المحاولات التي بذلت من أجل إشعال الفتنة وتصفية حزب الله بأيد لبنانية لينقل المهمة إلى الأيدي الإسرائيلية وعدوان العام 2006، وهو العدوان الذي جاءت نتائجه أشد إيلاماً لمشروع الهيمنة من الإخفاق في أفغانستان والعراق.
وتكررت المحاولة مع الحلقة المنظور إليها على أنها الأشد ضعفاً في قطاع غزة. وجاءت النتيجة مشابهة لتثبت هنا أيضاً، وفي ما يتجاوز أسطورة الجيش الذي لا يقهر، عجز معسكر الهيمنة عن تدمير محور المقاومة بدءاً بالحلقة الأضعف.
من هنا عاد الاهتمام ليتركز مرة أخرى على إيران. فأُثير الضجيج حول ملفها النووي السلمي، وفرضت عليها العقوبات تلو العقوبات، ولم يمر يوم من دون أن نسمع بضربات وشيكة توجه إلى إيران من قبل الإسرائيليين و/أو الأميركيين. لكن المغامرة هنا تأخذ شكل المجازفة الكبرى بسبب القدرات العسكرية التي تمتلكها الجمهورية الإسلامية. ففيما يتجاوز الخليج ومضيق هرمز، تشكل هذه القدرات تهديداً جدياً للكيان الصهيوني وللقواعد العسكرية والوجود الأميركي براً وبحراً وجواً في المنطقة، وفي ما يتعدى حدود المنطقة.
والأمر ينطوي أيضاً على مجازفة كبرى بخصوص الهجوم على حزب الله الذي أثبت أنه قادر على توجيه الضربات إلى كل مكان في الأرض الفلسطينية المحتلة، وإلى كامل منطقة النقل البحري التي تشكل، بالنسبة للكيان الصهيوني، عصب الاتصال بالعالم الخارجي. إضافة إلى ذلك، أثار حزب الله، وللمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي، إمكانية أن يُصدر التوجيهات بالسيطرة على منطقة الجليل.
وبين هذه الحلقات، يبدو أن معسكر الهيمنة يعتقد الآن بأن سوريا هي الحلقة الأضعف، ويجري إعداد الخطط لغزوها... والحقيقة أن لا شيء أسهل من إعداد الخطط.
لكن امتلاك الجرأة على الانتقال إلى التنفيذ سيفجر فوق حطام الإمبريالية الأميركية وملحقاتها ملحمة البداية الجديدة ليس فقط لتاريخ المنطقة، بل أيضاً لتاريخ العالم، عالم جديد تحت رايات العدالة والحرية المسؤولة والكرامة.
الحرب على سوريا بدأت بالفعل: إذا كانت وسائل الإعلام والمسؤولون السياسيون في الغرب وفي بعض البلدان العربية لا يتكلمون إلا عن تظاهرات سلمية يقمعها النظام، فإن الحقيقة قد بدأت تتكشف لجهة وجود مجموعات مسلحة، وتهريب كثيف للأسلحة، وعمليات تفجير تستهدف البنى التحتية الاقتصادية والادارية، واغتيالات، ومدنيين وعسكريين يقتلون ويجري تقطيع أوصالهم ويتم تصويرهم أثناء إلقائهم في الأنهار والمقابر الجماعية، ومعارك حقيقية بين قوى الأمن والجماعات المسلحة.
بهذا المعنى، فإن ما كشف عنه ديمتري روغوزين، ممثل روسيا الدائم في الحلف الأطلسي، بخصوص خطة أعدها الحلف بهدف إطلاق عملية عسكرية ضد سوريا، وبعدها ضد إيران، إنما يشير إلى مرحلة جديدة من مراحل هذه الحرب التي أشعلتها الجماعات المسلحة في الداخل السوري.
فالمنطقة، وبغض النظر عن هذا الكشف، تعيش منذ 11 أيلول/ سبتمبر 2001 ـ إذا ما تجاوزنا السوابق التي تمتد عميقاً في التاريخين القديم والحديث ـ داخل منطق الحرب العالمية الشهيرة التي أعلنها على الإرهاب المحافظون الجدد، وتابعَهم عليها بمزيد من الإصرار الديموقراطي باراك أوباما.
ذلك الإرهاب ليس غير غطاء رقيق يطل من ورائه، في ظروف "صدام الحضارات"، المستهدف الحقيقي المتمثل بالإسلام والعالم الإسلامي ممثلاً، في مرحلة أولى، بإيران وسوريا، وكذلك بفصائل المقاومة في لبنان وفلسطين.
وبفضل الدعم الإيراني والسوري، تمكنت قوى المقاومة، من مواصلة خوض غمار المعركة ضد الاحتلال الإسرائيلي، في حين استطاعت بالتآزر مع سوريا تعطيل جميع المساعي المبذولة من أجل إحلال سلام غير عادل وظيفته تحويل المنطقة بكاملها إلى منطقة نفوذ إسرائيلية أميركية.
من هنا، ارتدت مسألة تفكيك الارتباط بين الدول والحركات التي تقاوم المشاريع الصهيونية والأميركية أهمية كبرى في استراتيجيات الهيمنة الأميركية منذ ما قبل تفجيرات 11 أيلول/ سبتمبر 2001.
وحتى احتلال افغانستان والعراق بذرائع كاذبة ومصطنعة، وهما بلدان اكتويا بنيران الحروب المتواصلة، إضافة إلى ظروفهما الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الصعبة، لم يكن هدفاً بحد ذاته.
فالهدف الحقيقي لم يكن غير تطويق سوريا وإيران. ألم تكن الاستراتيجيات الأميركية الهادفة إلى تصفية ما يسمى بـ "محور الشر" و"الدول المارقة"، وخصوصاً سوريا وإيران، قد أعلنت قبل 11/9؟ ألم يعرب بعض الاستراتيجيين الأميركيين عن اعتقادهم بأن إنزال أنظمة "ديموقراطية" على أفغانستان والعراق سيؤدي حتماً إلى انهيار النظامين الإيراني والسوري وإلى القضاء على كل من حماس وحزب الله؟
لكن الإخفاق الأميركي في كل من العراق وأفغانستان أدى إلى تغير في الاستراتيجية، ودفع باتجاه صرف النظر عن إيران للتحول نحو الحلقات المنظور إليها على أنها أكثر ضعفاً. فلبنان بلد صغير ويعيش حالة اهتزاز كبرى بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق، رفيق الحريري، ويمكنه خصوصاً في ظل الانسحاب السوري، أن يمنح قوى الهيمنة فرصة لا يستهان بها من أجل التخلص من حزب الله.
وجاء فشل جميع المحاولات التي بذلت من أجل إشعال الفتنة وتصفية حزب الله بأيد لبنانية لينقل المهمة إلى الأيدي الإسرائيلية وعدوان العام 2006، وهو العدوان الذي جاءت نتائجه أشد إيلاماً لمشروع الهيمنة من الإخفاق في أفغانستان والعراق.
وتكررت المحاولة مع الحلقة المنظور إليها على أنها الأشد ضعفاً في قطاع غزة. وجاءت النتيجة مشابهة لتثبت هنا أيضاً، وفي ما يتجاوز أسطورة الجيش الذي لا يقهر، عجز معسكر الهيمنة عن تدمير محور المقاومة بدءاً بالحلقة الأضعف.
من هنا عاد الاهتمام ليتركز مرة أخرى على إيران. فأُثير الضجيج حول ملفها النووي السلمي، وفرضت عليها العقوبات تلو العقوبات، ولم يمر يوم من دون أن نسمع بضربات وشيكة توجه إلى إيران من قبل الإسرائيليين و/أو الأميركيين. لكن المغامرة هنا تأخذ شكل المجازفة الكبرى بسبب القدرات العسكرية التي تمتلكها الجمهورية الإسلامية. ففيما يتجاوز الخليج ومضيق هرمز، تشكل هذه القدرات تهديداً جدياً للكيان الصهيوني وللقواعد العسكرية والوجود الأميركي براً وبحراً وجواً في المنطقة، وفي ما يتعدى حدود المنطقة.
والأمر ينطوي أيضاً على مجازفة كبرى بخصوص الهجوم على حزب الله الذي أثبت أنه قادر على توجيه الضربات إلى كل مكان في الأرض الفلسطينية المحتلة، وإلى كامل منطقة النقل البحري التي تشكل، بالنسبة للكيان الصهيوني، عصب الاتصال بالعالم الخارجي. إضافة إلى ذلك، أثار حزب الله، وللمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي، إمكانية أن يُصدر التوجيهات بالسيطرة على منطقة الجليل.
وبين هذه الحلقات، يبدو أن معسكر الهيمنة يعتقد الآن بأن سوريا هي الحلقة الأضعف، ويجري إعداد الخطط لغزوها... والحقيقة أن لا شيء أسهل من إعداد الخطط.
لكن امتلاك الجرأة على الانتقال إلى التنفيذ سيفجر فوق حطام الإمبريالية الأميركية وملحقاتها ملحمة البداية الجديدة ليس فقط لتاريخ المنطقة، بل أيضاً لتاريخ العالم، عالم جديد تحت رايات العدالة والحرية المسؤولة والكرامة.