ارشيف من :ترجمات ودراسات

سوريا: إنقاذ الحراك من لوثة الاستتباع

سوريا: إنقاذ الحراك من لوثة الاستتباع
سوريا: إنقاذ الحراك من لوثة الاستتباعسوريا: إنقاذ الحراك من لوثة الاستتباع
لؤي توفيق حسن(*)
"إن الحرية تستلزم الاختيار والمشيئة" ـ ميرابو

إن "النظام السوري آيل الى السقوط لا محال"!!.

بهذه الثقة المبالغ بها يجهر معظم (المعارضين)، حتى بات شغلهم الشاغل الآن ليس الحوار بقدر ما هو البحث في ضبابية: "سوريا بعد سقوط الأسد"!!.

وبصرف النظر عن مدى الخرافة في هذه (الثقة) فإن الثابت اننا على مستوى المصطلح أمام حالتين من المعارضة: إحداهما معارضة للنظام، والثانية معارضة في المعارضات أي فيما بينها!. حيث الخلاف يدور على عناوين كثيرة من اسم سوريا "الجمهورية السورية"، او "العربية السورية"!. وصولاً الى شكل الدولة "فيدرالية" كما تطرحها التنظيمات الكردية!، او علمانية، مدنية، مرجعية اسلامية... الخ.

وبالنظر لعمق التباينات فيما بين هذه الأطياف من المعارضة فإنها تلجأ للهروب منها بتأجيل البحث في جملة المسائل الإشكالية بانتظار "سقوط النظام"!!. ما يعني أن افقهم لا يمتد إلى اليوم الثاني!!!.

ولعل هذه العورة كشفها احد مثقفي المعارضة ـ ميشال كيلو ـ الذي لم يخفِ في مقالته ـ (في السفير) ـ احتمالات "تحول الطور الراهن من التمرد الى اقتتال تقوده جهات مذهبية" يأتي هذا في سياق مفارقة يستدل عليها من العنوان: "عن ضرورة الحوار".

اما الضرورة، فهي بنظر الكاتب ان تتحاور المعارضة فيما بينها. ما يعكس حدود المأزق الذي وصلت إليه حتى نستطيع ان نلمسه من توصيفه للحوار وحجمه: "هو حوار المعارضة بعضها مع بعض، ومع الشارع. وحوار المثقفين بعضهم مع بعض، ومع الساسة، والشباب. وحوار الشباب بعضهم مع بعض، ومع الآخرين. وحوار هؤلاء جميعاً مع المجتمع الأهلي"!!!. وهذا يعني بكلام آخر اننا امام حالة قطيعة بين جزرٍ من المعارضات لا تجتمع إلا في الشارع! وعلى الحداء: "الشعب يريد اسقاط النظام"!!.

أكثر ما يلفتنا في هذا البوح استشهاد ميشال كيلو بقول للينين: "ان السياسة احتمالات. وان من يغلق باب الاحتمالات.. كمن يسد باب نجاحه في المستقبل...". وانطلاقاً مما سبق فإن من الإنصاف ان نطرح سؤالاً ليكون هو الآخر موضوعاً حوارياً للمعارضة فيما بينها:

ترى ماذا لو لم يسقط النظام؟... ونحن هنا لا ننطلق من فرضية غير مدعمة بقرائن هي ذاتها التي دعت "بروس ريل" أحد المعادين لدمشق من المحافظين الجدد للقول في ورقة بحثية: "ان رهان المعارضة على كسب الداخل انتهى". وهو يقصد بذلك امكانية اسقاط النظام من الداخل انطلاقاً من الرهان على "انشقاق المؤسسة العسكرية الأمنية". وبالفعل فإن هذه الأخيرة خيبت آمال كل المراهنين عليها. لتظل متماسكة. وهذا بالذات هو ما استفز الغرب حتى صعّد من ضغطه على سوريا بوتيرة عالية مؤخراً.

وبذا فإن الوضع بدأ يأخذ منحىً تتجاوز فيه الاحداث السورية طابعها الداخلي لتصبح قضية خارجية بامتياز. لا سيما بعد انضمام أطراف عربية وإقليمية إليه.

امام هذا التشابك بين الداخل والخارج نجد من حقنا ان نسأل القوى اليسارية، والقومية، والليبرالية من ( المعارضات) السورية عن فرصتها في التحكم بمسار الأحداث وبالأخص فك الارتباط بين الداخل والخارج. او بتعبير أكثر تحديداً تحييد شارع المعارضة عن لعبة الأمم كي لا يصبح من أدوات الخارج.

إنه لمن المقلق جداً ما نسمعه من اطياف (المعارضات) وهم يقرأون من الكتاب الامريكي مستهدفين المقاومة. والتقريع في نظرية الممانعة حتى باتوا صدىً لجماعة 14 آذار في لبنان.

ليس المطلوب من القوى او الشخصيات اليسارية، والقومية، والليبرالية ان تعتزل دورها المعارض. وليس المطلوب منها ان تتخلى او تتنازل عن قناعاتها في الإصلاح، والتغيير، والى آخر ما هنالك. ولكن المنتظر منها وبعد ان (تبلور) مشروعاً متكاملاً للإصلاح تخاطب فيه، او تساجل، ان تستعيد المبادرة وتنخرط في الحراك بوصفها ضميره، وبوصلته. وليس كما يريدهم الغرب و(أصدقاؤه!) طبقة (الكريما) على قالب (الكيك) المسموم.

ان المأمول من القوى المذكورة ان ترسم خطاً لها ينقذ الحراك من لوثة الاستتباع. او بمعنىً آخر لا يمس بسوريا الدور، مع الإصرار على سوريا الإصلاح.

(*) كاتب من لبنان
2011-08-09