ارشيف من :ترجمات ودراسات
الانهيار الاقتصادي... عندما يجبر بريطانيا وبقية المحور المعادي لسوريا على التزام الصمت !
عقيل الشيخ حسين
لم يسمع صوت لدافيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، في الموجة الراهنة من التهجمات على النظام السوري، من قبل الجوقة الدولية الإقليمية الممتدة من بان كيمون إلى أصغر شاهد عيان وناشط حقوقي، مروراً بأوباما وكلينتون وساركوزي وبرلسكوني وأردوغان وملوك وأمراء التعاون الخليجي وغيرهم.
ذلك أنه كان بصدد تبادل الهموم والهواجس بخصوص الإفلاسات التي تضرب بلدان الغرب مع المسؤولين الإيطاليين السائرة بلادهم بخطى حثيثة على سكة اليونان التي تنافسها الولايات المتحدة في احتلال موقع الطليعة بين البلدان الغربية المنهارة اقتصادياً.
لكنه اضطر إلى قطع زيارته لإيطاليا والعودة سريعاً إلى بلاده بعدما وردته الأنباء المفجعة عن احتراق لندن. وبادر فور وصوله إلى رفع عدد رجال الشرطة العاملين في العاصمة البريطانية من 6000 إلى 16000 رجل، مع الوعد بالمزيد والمزيد... حتى استئصال شأفة ما اعتبره "عمليات إجرامية لا أكثر ولا أقل تنبغي مواجهتها وإلحاق الهزيمة بها".
وفي هذه الأثناء، كانت الإضطرابات التي عمت أحياء العاصمة البريطانية تنتقل إلى المدن الرئيسية الأخرى، برمنغهام، في وسط البلاد، بريستول، في الجنوب الغربي، ليفربول، في الشمال الغربي... وصار على كاميرون أن يضيف: "لا يشكنّ أحد في أننا سنفعل كل ما هو ممكن من أجل إعادة النظام إلى شوارع بريطانيا العظمى".
كل شيء بدأ بمظاهرة سلمية احتجاجاً على مقتل مارك دوغان خلال اشتباك جرح فيه أحد رجال الشرطة بـ "نيران صديقة"، على ما تقوله إحدى الروايات، علماً بأن دوغان نفسه لم يشارك في الاشتباك، على ما تقوله جميع الروايات، مع أن سلاحاً وجد بحوزته بعد مقتله.
كون صاحب العلاقة من المهاجرين، وأسود البشرة، وكون التظاهرة قد خرجت عن إطارها السلمي واتجهت نحو الشغب، هي العناصر التي تضافرت لتجعل من القضية قضية صراع، منهم من اعتبره نتيجة لتكاثر أعداد المهاجرين الذين "يأكلون خبز الشعب البريطاني". ومنهم من رأى فيه تعبيراً عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الأحياء الفقيرة، وبالتالي مظهراً من مظاهر الصراع الطبقي الذي تخوضه البروليتاريا ضد الرأسمالية المتوحشة، خصوصاً في وقت يشهد صعوداً ملحوظاً في أرقام البطالة وتردياً للأوضاع المعيشية على مستوى الشرائح الاجتماعية في ظل تقليص الإنفاق الحكومي وإجراءات التقشف.
المهم، بعيداً عن الغوص في تحليل أسباب الظاهرة، أن شوارع بريطانيا أصبحت ابتداءً من مساء السبت مسرحاً للشغب. عمليات سلب ونهب واسعة النطاق طالت متاجر الألبسة والمجوهرات والأجهزة الالكترونية. إحراق سيارات وحافلات ومحال تجارية وأبنية لا فرق بين صغيرها وكبيرها. أشخاص يلقون بأنفسهم من نوافذ الأبنية المحترقة، ومشاغبون؟ مجرمون، محتجون، يائسون؟ (من المبكر الاتفاق على تسمية مناسبة تنطبق عليهم) يطلقون صيحات الابتهاج أمام ما أسماه بعض المراقبين بحفلة "الألعاب النارية".
واعتراف أجهزة الإطفاء بالعجز عن احتواء الحرائق، واشتباكات سقط فيها العديد من الجرحى بينهم رجال شرطة، واعتقالات شملت المئات، مع وعود رسمية بالمزيد والمزيد من الاعتقالات.
وعلى غير عادة وسائل الإعلام المردوخية والشبيهة بالمردوخية التي تركز على كل ما من شأنه إثارة المشاعر وإلهاب الغرائز، وعلى كثرة المصورين والتصوير بوسائل أدناها الويبكام والهواتف النقالة وأقصاها الأقمار الصناعية، جرى تسليط العدسات على الحرائق وآثار النهب والسلب والتدمير، مع حرص يبدو منهجياً على عدم تصوير المشاغبين أو المحتجين.
لماذا؟ لكي لا يظهر في الصور أشخاص من ذوي الشعر الأشقر والعيون الزرقاء، ولكي تستقر في الأذهان، بعد كل التصريح والتلميح، فكرة "مسؤولية البعبع الخارجي": السود، الأجانب، المهاجرون من إفريقيا والقارة الهندية والشرق الأوسط، وصولاً إلى الإسلام وحتى إلى تنظيم القاعدة، وهو الأمر الذي انعكس بشكل فاضح في التعليقات على الشبكة العنكبوتية.
وبذلك، بات من الممكن لبريطانيا ولبقية أوروبا أن تعود إلى سياق النغمة المعروفة بعد أن عكرتها في النروج جريمة بيرنغ بريفيك، الأوروبي الأصيل، التي ألقت الضوء على الصعود الذي تشهده أوروبا حالياً على مستوى الحركات الفاشية والنازية، وهو الصعود الذي يتزامن تاريخياً مع تفجر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
وأياً يكن الأمر، فإن بريطانيا قد انضمت إلى فرنسا التي سبق وتفجرت فيها حروب الضواحي، وإلى كل من اليونان وإسبانيا اللتين تشهدان منذ أشهر تحركات احتجاجية على صلة بتدهور الأوضاع المعيشية.
ومن المنتظر لأعمال الشغب أن تتجاوز الحدود البريطانية إلى بقية البلدان الأوروبية التي تعاني كلها من مشكلات مشابهة. كما إن هذه الظاهرة لن تتأخر في قرع أبواب أميركا التي تشهد كل يوم مزيداً من التوترات الناجمة عن عمق أزمتها المالية، ومنها إلى بلدان آسيوية وخليجية يبدو أنها الأكثر تضرراً لكثرة ما توظفه من ترليونات في السندات الحكومية الأميركية، أو لكثرة مدخراتها بالدولار المشرف على نهايته الكارثية مع كل ما سيجره ذلك من كوارث على البلدان ذات الاقتصادات المدولرة.
إذاً، بعد صمت كاميرون، لن يمر الكثير من الوقت قبل أن تجبر الكوارث الاقتصادية بقية الجوقة الدولية والإقليمية على الاهتمام بكوارثها والدخول في الصمت المطبق بدلاً من التجييش والتهويش على سوريا.
لم يسمع صوت لدافيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، في الموجة الراهنة من التهجمات على النظام السوري، من قبل الجوقة الدولية الإقليمية الممتدة من بان كيمون إلى أصغر شاهد عيان وناشط حقوقي، مروراً بأوباما وكلينتون وساركوزي وبرلسكوني وأردوغان وملوك وأمراء التعاون الخليجي وغيرهم.
ذلك أنه كان بصدد تبادل الهموم والهواجس بخصوص الإفلاسات التي تضرب بلدان الغرب مع المسؤولين الإيطاليين السائرة بلادهم بخطى حثيثة على سكة اليونان التي تنافسها الولايات المتحدة في احتلال موقع الطليعة بين البلدان الغربية المنهارة اقتصادياً.
لكنه اضطر إلى قطع زيارته لإيطاليا والعودة سريعاً إلى بلاده بعدما وردته الأنباء المفجعة عن احتراق لندن. وبادر فور وصوله إلى رفع عدد رجال الشرطة العاملين في العاصمة البريطانية من 6000 إلى 16000 رجل، مع الوعد بالمزيد والمزيد... حتى استئصال شأفة ما اعتبره "عمليات إجرامية لا أكثر ولا أقل تنبغي مواجهتها وإلحاق الهزيمة بها".
وفي هذه الأثناء، كانت الإضطرابات التي عمت أحياء العاصمة البريطانية تنتقل إلى المدن الرئيسية الأخرى، برمنغهام، في وسط البلاد، بريستول، في الجنوب الغربي، ليفربول، في الشمال الغربي... وصار على كاميرون أن يضيف: "لا يشكنّ أحد في أننا سنفعل كل ما هو ممكن من أجل إعادة النظام إلى شوارع بريطانيا العظمى".
كل شيء بدأ بمظاهرة سلمية احتجاجاً على مقتل مارك دوغان خلال اشتباك جرح فيه أحد رجال الشرطة بـ "نيران صديقة"، على ما تقوله إحدى الروايات، علماً بأن دوغان نفسه لم يشارك في الاشتباك، على ما تقوله جميع الروايات، مع أن سلاحاً وجد بحوزته بعد مقتله.
كون صاحب العلاقة من المهاجرين، وأسود البشرة، وكون التظاهرة قد خرجت عن إطارها السلمي واتجهت نحو الشغب، هي العناصر التي تضافرت لتجعل من القضية قضية صراع، منهم من اعتبره نتيجة لتكاثر أعداد المهاجرين الذين "يأكلون خبز الشعب البريطاني". ومنهم من رأى فيه تعبيراً عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الأحياء الفقيرة، وبالتالي مظهراً من مظاهر الصراع الطبقي الذي تخوضه البروليتاريا ضد الرأسمالية المتوحشة، خصوصاً في وقت يشهد صعوداً ملحوظاً في أرقام البطالة وتردياً للأوضاع المعيشية على مستوى الشرائح الاجتماعية في ظل تقليص الإنفاق الحكومي وإجراءات التقشف.
المهم، بعيداً عن الغوص في تحليل أسباب الظاهرة، أن شوارع بريطانيا أصبحت ابتداءً من مساء السبت مسرحاً للشغب. عمليات سلب ونهب واسعة النطاق طالت متاجر الألبسة والمجوهرات والأجهزة الالكترونية. إحراق سيارات وحافلات ومحال تجارية وأبنية لا فرق بين صغيرها وكبيرها. أشخاص يلقون بأنفسهم من نوافذ الأبنية المحترقة، ومشاغبون؟ مجرمون، محتجون، يائسون؟ (من المبكر الاتفاق على تسمية مناسبة تنطبق عليهم) يطلقون صيحات الابتهاج أمام ما أسماه بعض المراقبين بحفلة "الألعاب النارية".
واعتراف أجهزة الإطفاء بالعجز عن احتواء الحرائق، واشتباكات سقط فيها العديد من الجرحى بينهم رجال شرطة، واعتقالات شملت المئات، مع وعود رسمية بالمزيد والمزيد من الاعتقالات.
وعلى غير عادة وسائل الإعلام المردوخية والشبيهة بالمردوخية التي تركز على كل ما من شأنه إثارة المشاعر وإلهاب الغرائز، وعلى كثرة المصورين والتصوير بوسائل أدناها الويبكام والهواتف النقالة وأقصاها الأقمار الصناعية، جرى تسليط العدسات على الحرائق وآثار النهب والسلب والتدمير، مع حرص يبدو منهجياً على عدم تصوير المشاغبين أو المحتجين.
لماذا؟ لكي لا يظهر في الصور أشخاص من ذوي الشعر الأشقر والعيون الزرقاء، ولكي تستقر في الأذهان، بعد كل التصريح والتلميح، فكرة "مسؤولية البعبع الخارجي": السود، الأجانب، المهاجرون من إفريقيا والقارة الهندية والشرق الأوسط، وصولاً إلى الإسلام وحتى إلى تنظيم القاعدة، وهو الأمر الذي انعكس بشكل فاضح في التعليقات على الشبكة العنكبوتية.
وبذلك، بات من الممكن لبريطانيا ولبقية أوروبا أن تعود إلى سياق النغمة المعروفة بعد أن عكرتها في النروج جريمة بيرنغ بريفيك، الأوروبي الأصيل، التي ألقت الضوء على الصعود الذي تشهده أوروبا حالياً على مستوى الحركات الفاشية والنازية، وهو الصعود الذي يتزامن تاريخياً مع تفجر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
وأياً يكن الأمر، فإن بريطانيا قد انضمت إلى فرنسا التي سبق وتفجرت فيها حروب الضواحي، وإلى كل من اليونان وإسبانيا اللتين تشهدان منذ أشهر تحركات احتجاجية على صلة بتدهور الأوضاع المعيشية.
ومن المنتظر لأعمال الشغب أن تتجاوز الحدود البريطانية إلى بقية البلدان الأوروبية التي تعاني كلها من مشكلات مشابهة. كما إن هذه الظاهرة لن تتأخر في قرع أبواب أميركا التي تشهد كل يوم مزيداً من التوترات الناجمة عن عمق أزمتها المالية، ومنها إلى بلدان آسيوية وخليجية يبدو أنها الأكثر تضرراً لكثرة ما توظفه من ترليونات في السندات الحكومية الأميركية، أو لكثرة مدخراتها بالدولار المشرف على نهايته الكارثية مع كل ما سيجره ذلك من كوارث على البلدان ذات الاقتصادات المدولرة.
إذاً، بعد صمت كاميرون، لن يمر الكثير من الوقت قبل أن تجبر الكوارث الاقتصادية بقية الجوقة الدولية والإقليمية على الاهتمام بكوارثها والدخول في الصمت المطبق بدلاً من التجييش والتهويش على سوريا.