ارشيف من :خاص

الربيع العربي المتوقف

الربيع العربي المتوقف

بقلم ديليب هيرو ـ YaleGlobal
4 آب / أغسطس، 2011
ترجمة: إيمان سويد/  خاص لموقع الانتقاد الالكتروني

نادراً ما تكون الثورات شؤوناً سلسة بدون ارتجاجات. لذا يمتد الربيع العربي ليدخل حرارة الصيف اللاهبة. فتأمين التغيير الدائم يتطلب أكثر مما قد يكون توقعه عدد من المحللين في الغرب والمتظاهرون الشباب في شوارع القاهرة، اليمن، سوريا، ليبيا وتونس، بحسب ما يفسر الكاتب ديليب هيرو.

فالخروج السريع لرئيسَي تونس ومصر عزز الآمال على امتداد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن مع ذلك لا يزال مواطنو الدولتين يتخبطون في وحل توطيد دعائم السلطة السياسية.

ففي سوريا واليمن، حيث لم يتخلّ الجنرالات عن النظامين، لا يزال المتظاهرون يستخدمون يوم الجمعة لحشد أعداد ضخمة ومقاومة لعمليات السيطرة عليهم. وحتى المتمردون في ليبيا، المدعومون من قبل قوات الناتو، يكافحون للفوز بالأرض وبثقة المواطنين. ان اقناع الديكتاتوريين بالتخلي عن مناصبهم قد يكون هو الجزء الأسهل، بحسب ما يكتب هيرو، الا أن استبدال أعضاء في مؤسسات القانون والنظام والدفاع والتعليم وفي مؤسسات أخرى دعمت لعقود طويلة الأنظمة سيستلزم سنوات من العمل. مع ذلك لقد فُقد الشعور بالخوف من القوى الأمنية لدى المواطنين، وأخذت الأنظمة والدول القمعية التي قد تعيرهم الدعم علماً بذلك.

في الوقت الذي يجفف فيه الصيف الحارق منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، يذبل وعد الربيع العربي ويذوي. وفي حين تستمر تظاهرات الشوارع والمعارك في ثلاث جبهات عنيفة في ليبيا، لا يُظهر النظام القديم الا تصدعات وانشقاقات يمكن تحملها. فالأمل باكتساح نظيف لثورة ديمقراطية تطيح بالأنظمة الاستبدادية ينحسر ويتراجع، في الوقت الذي تتساءل فيه أعداد متزايدة من المتظاهرين المصريين عما اذا كانوا مجرد رهائن وبيادق سيّئي الحظ في لعبة الشطرنج في انقلاب ناعم نفذه المجلس الأعلى للقوات المسلحة ضد الرئيس حسني مبارك.

وتظهر الأشهر الستة الماضية بأن تغيير النظام لا يعني ثورة.

لتغيير الشرق الأوسط، ينبغي لجماعات المتظاهرين المتباينين
تماماً الاتحاد حول رؤية مشتركة
 
ان تغيير النظام ما هو الا خطوة أولى نحو استبدال المؤسسات التي دعمت النظام السابق. أما متى وكيفية استبدال هذه المؤسسات فيعتمد على قوة ووضوح قادة الحركة الثورية، المؤلفة غالباً من عناصر متباينة تتوحد لتحقيق الهدف المشترك بتغيير الوضع القائم.

عندما أشعل سفر الرئيس التونسي الاستبدادي زين العابدين بن علي، بعد أربعة أسابيع فقط من التظاهرات السلمية، ثورة ضخمة ضد نظيره المصري حسني مبارك، تكهرب العالم بأسره. اذ ارتفعت الآمال في العواصم الغربية باكتساح المنطقة موجة المطالبة الشعبية بالديمقراطية. مع ذلك، وفي الوقت الذي تظل فيه المكاسب التي تمت في تونس ومصر مدعومة، فقد اصطدمت موجة الديمقراطية بعوائق في سوريا واليمن؛ ولا تزال الحرب الأهلية في ليبيا تراوح مكانها.

ان ما يشكل اختراقاً جذرياً في تاريخ المنطقة حديثاً هو فقدان الخوف من القوى الأمنية لدى المواطنين، والذي تحقق بتجمع أعداد كبيرة في ميادين واسعة. اذ تستمر صلاة الجمعة بتوفير الفرصة لتنظيم تظاهرات ضخمة. ولا تجرؤ أية حكومة عربية على حظر صلاة الجمعة كفريضة لدى المسلمين.

ان التضحية الابداعية بالنفس التي أقدم عليها محمد بوعزيزي، خريج الـ computer science والعاطل عن العمل في البلدة التونسية سيدي بو زيد، والتي حدثت يوم الجمعة في 17 كانون الأول/اوكتوبر، 2010، لفتت الانتباه الى أن ذلك كان يمكن أن يحدث في أي يوم آخر من الأسبوع. ففي يوم الجمعة، وبعد أربعة أسابيع، أصبحت المناوشات الحاصلة بين القوى الأمنية والمتظاهرين، المتدفقين من المساجد بعد صلاة الجمعة الاسبوعية، دموية للغاية بحيث أُجبر بن علي على الفرار.

أما في مصر، فقد تزايدت الجماهير المتظاهرة، وهذا مفسر، بـ 28 كانون الثاني/يناير، وكان يوم جمعة أيضاً، مع اعلان قادة المعارضة يوم الجمعة التالي "يوم الرحيل" بالنسبة لمبارك. وقد تنحى مبارك بعد اسبوع من ذلك.

وأشعلت خطبة نارية من قبل شيخ المسجد الرئيس في مدينة درعا السورية تظاهرات في الشارع هناك، والتي انتشرت بعدها في كل مكان من سوريا.

وبواسطة أحدث وسائل النشر، الفايسبوك والتويتر، أصبح بامكان المعارضة المتباينة الضئيلة تنظيم تظاهرات كبيرة مناهضة للنظام. ولا يزال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي جارياً على مختلف الصعد في اليمن، مصر وسوريا.

الانترنت الآن جزء لا يتجزأ من الأعمال التجارية والصناعة في المنطقة بحيث لا يمكن لحكومة أن تتحمل اغلاقه لفترة طويلة جداً.

الا أن هذه الوسيلة تثبت بأنها سيف ذو حدين. اشهدوا، على سبيل المثال، بروز الجيش الالكتروني السوري، الذي يعطل المواقع الالكترونية للمعارضة ويشق طريقه الى داخل صفحات الفايسبوك التابعة للمعارضة. فبعد زيارة السفير الأميركي في سوريا روبرت فورد الى مدينة حماه والتي أخذت ضجة كبيرة، دخل الجيش الالكتروني الى صفحة الفايسبوك التابعة للسفارة الأميركية ووضع عليها شعارات مؤيدة للحكومة.

ارتداد كبار الجنرالات في تونس ومصر أدى الى سقوط رؤسائهم

هذا هو أحد أسباب صمود نظام الرئيس بشار الأسد مدة 4 أشهر أمام ضغط الشارع. في كل الأحوال، ان السبب الرئيس هو أن الولاء المستمر للقيادة العسكرية العليا للأسد مبني على الانتماء المشترك للجانبين. فبرفع قانون الطوارئ والسماح للتظاهرات المطهرة سلفاً من قبل السلطات، مكَّن النظام مؤيديه من المحاججة والقول بأن الأسد شخص اصلاحي. كما يتخوف عدد من السوريين أيضاً من أنه اذا ما تبنت بلادهم ذلك النوع من الديمقراطية التي جلبتها الولايات المتحدة الى العراق، فان سوريا ستنزلق في حرب أهلية مذهبية موهنة.

لقد أدى ارتداد كبار جنرالات تونس ومصر الى سقوط رؤسائهم. أما حيثما القيادة العليا للقوات المسلحة منقسمة، كما هو الحال في اليمن، فقد انتهى المأزق بوجود معسكرين، أحدهما يفضل الرئيس علي عبدالله صالح، الذي يقضي فترة نقاهة في مستشفى سعودي من جروح أصيب بها من جراء هجوم على قصره في صنعاء، والآخر يعارضه.

برغم أن حرية التجمع مسألة ربحتها المعارضة بسبب التضحيات التي قدمتها، فانها خسرت الاحتكار الذي تمتعت به البداية. فالداعمون للنظام في سوريا واليمن، وتشبهاً بأخصامهم، نزلوا أيضاً الى الشوارع.

حتى في مصر، حيث من المفترض أن تكون الثورة منتصرة، يدرك الناشطون المؤيدون للديمقراطية الآن بأنه كان من السذاجة بمكان أنهم قبلوا بالقيمة السطحية لقضايا الالتزام بالعدالة الاجتماعية، الحريات المدنية والديمقراطية من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع لدى مبارك مدة 20 عاماً.

لقد بدا اعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأنه كان موجهاً نحو استرضاء الولايات المتحدة الأميركية، المصدر السنوي لأكثر من مليارَي دولار والأسلحة المتطورة، بالقدر الذي كان موجهاً فيه الى المتظاهرين في ميدان التحرير في القاهرة. وقد هدأ الاعلان أيضاً من شعور الأقلية المتنامية في صفوفه التي كانت منتقدة لخطة حسني مبارك بخصوص إمرار السلطة الى ابنه.

ويتساءل قلة حول المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومقاومته محاكمة أولئك المسؤولين المدنيين والعسكريين لدى نظام مبارك المتهمين بالفساد وقتل المتظاهرين السلميين.

تكتشف الثورات بأن الاطاحة بالديكتاتوريين قد تكون الجزء الأسهل من نضال طويل بعد مضي خمسة أشهر مليئة بالأحداث، يبزغ أمام قادة ميدان التحرير رؤية تقول بأن لدى المجلس الأعلى للقوات المسلحة مصلحة كبيرة في الحفاظ على أكبر قدر ممكن من البنية السياسية ـ الاقتصادية لمبارك. فبظل المشيرَيْن أنور السادات وحسني مبارك، حصل الجيش على شركات، مصانع وفنادق. تقدر قيمة أصولها ما بين 10 الى 30 بالمئة من الاقتصاد المصري.

ان الحرية الفعلية للاتحادات والجمعيات في مصر قادت الى تكاثر الفئات السياسية كالفطر، ما أدى الى تكبير منطقة المناورة للمجلس الأعلى للقوات الممسلحة. فلدى المجلس السلطة بوضع أجندة واللعب بجماعة من السياسيين ضد أخرى.

يدرك البادئون بتظاهرات الشوارع من الشباب العلماني الآن الهوة الواسعة الموجودة بين نجاحهم في تجميع الحشود وتأسيس أحزاب سياسية، على أساس ايديولوجية عملانية، ذات شبكة على امتداد البلاد. لقد وجدوا، ويا للرعب، بأنه لا يمكنهم أن يكونوا نداً للاخوان المسلمين. فبتأسسهم في العام 1928، استمر الاخوان المسلمون بالمحافظة على جذور عميقة في المجتمع بالرغم من فترات القمع والاضطهاد الطويلة.

ان أولئك الذين يرفعون احتمال وجود فرصة لتحالف بين الاخوان المسلمين والمجلس الأعلى للقوات المسلحة يتغاضون عن الحقيقة بأن الجيش في الجزائر هو من سحق بوحشية "جبهة الانقاذ الاسلامي" بعدما فازت بأربعة من أصل 5 مقاعد في البرلمان في الدورة الأولى من الانتخابات في كانون الأول 1991. ان قادة الاخوان المسلمين، وحذراً منهم من فصل دموي لاحق كالذي دام عقداً من الزمن في تاريخ الجزائر، قرروا المنافسة بأقل من 50 بالمئة من المقاعد البرلمانية اذا ما جرت الانتخابات أو متى ما جرت. ان الاختبار الأخير لنظام ديمقراطي هو تبعية الجيش للسلطة المدنية المنتخبة. فالسياسيون من كل لون يواجهون نضالاً طويلاً أمامهم لتحقيق ذلك الهدف. تكتشف الثورات الآن بأن الاطاحة بالديكتاتوريين ربما تكون الجزء الأسهل من نضال طويل الأمد.

2011-08-12