ارشيف من :ترجمات ودراسات
ما هو البديل الأميركي بعد فشل الخيار الأمني ضد نظام الأسد؟
عبد الحسين شبيب
لا يُفهم من تكثيف الضغوط الخارجية على
القيادة السورية برئاسة بشار الاسد سوى أمرين: إما أن الرجل بات قاب قوسين أو أدنى
من وضع حد شبه نهائي لما يجري من أعمال عنف في مناطق سورية مختلفة، أو أن نظامه بدأ
يترنح ويحتاج الى جرعة ضغط كبيرة عليه تدفعه الى لفظ انفاسه.
لا يحتاج الامر سوى الى تحليلِ محايدٍ لكي يعتنق الفرضية الاولى، وهي ان الجيش السوري الذي انيطت به مهمة وضع حد للجماعات المسلحة التي تنشر الفوضى والتخريب قد انجز مهمته، وآخرها ما نقلته وكالة الأنباء السورية "سانا" عن مصدر عسكري سوري مسؤول تأكيده أن "وحدات الجيش السوري التي كلفت إعادة الأمن والاستقرار إلى مدينة حماة بدأت بالخروج منها بعد إنجاز مهمة نوعية تجسدت في حماية حياة المواطنين المدنيين وملاحقة فلول عناصر التنظيمات الإرهابية المسلّحة التي عاثت فساداً وتخريباً وقطّعت أوصال المدينة وعطّلت دورة الحياة فيها إلى أن تدخلت وحدات الجيش وتصدت بدقة ومهنية عالية لأولئك الإرهابيين وألقت القبض على عدد منهم لتقديمهم إلى العدالة، وأن الحياة الطبيعية بدأت تعود بشكل تدريجي إلى ربوع المدينة".
وقد كانت حماة بما ارادها السفيران الاميركي والفرنسي مكاناً للمنازلة الاخيرة مع نظام الاسد عندما قصداها شخصياً لتوفير حصانة خارجية لتحركات جزء من المعارضين. لكن يبدو ان المدينة التي اريد الاستثمار الخارجي على جرحها القديم مع النظام السوري خيبت آمال الاميركيين والفرنسيين وادواتهم العربية والتركية الاخرى.
على ان المعضلة الابرز لهذا الفريق تمثلت في نقل المشهد السوري الاعتراضي من نطاق التظاهرات الشعبية السلمية على غرار ما حصل في جل الثورات العربية الأخيرة، وتحولها بارادة خارجية الى العمل الامني المسلح الذي احتلت صوره ومظاهره واخبار الجرائم المرتكبة بوحشية الشاشات التلفزيونية، ما دفع بكثر من المعارضين السوريين الى النأي بانفسهم عما يجري بعدما انحصرت المواجهة بالسلاح والعنف. وقد تجلى ذلك بوضوح مؤخراً في تمكن وحدات الجيش السوري من ضبط كميات من الأسلحة والذخائر في مدينة حماة مع "المجموعات الإجرامية المسلّحة" بحسب تصريح مصدر أمني سوري، وايضاً ضبط عمليات تهريب عديدة لكميات كبيرة من السلاح عبر المنافذ اللبنانية البرية والبحرية كان يديرها اشخاص من "تيار المستقبل" وفق تصريح اكثر من سياسي لبناني. وابرز ما سجل في هذا السياق تمكن مخابرات الجيش اللبناني والجمارك السورية من ضبط عمليتي تهريب سلاح كبيرتين الى سوريا: واحدة عبر مرفأ "سوليدير" واخرى عبر معبر الدبوسية الحدودي.
هذا الاخفاق الامني يفسر تصرف الاميركيين ومعهم الفرنسيون وغيرهم بطريقة هيستيرية واضطرارهم الى استدعاء ما امكنهم من وسائل ضغط جديدة تمثلت ببيانات تحمل توقيع جهات عربية عدة بينها بيان الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، وبيان مجلس التعاون الخليجي، وبيان آخر اقل حدة للامين العام للجامعة العربية نبيل العربي، فضلاً عن استدعاءات السعودية والكويت والبحرين لسفرائهم من دمشق للتشاور في ضوء التطورات الاخيرة و"تعرض المتظاهرين للقمع وآلة القتل" وفق بيانات الدول الثلاث الاخيرة، من دون اي اشارة الى العدد الكبير من القتلى في صفوف ضباط وعناصر الجيش والقوى الامنية ممن يسقطون برصاص المجموعات المسلحة، مع ملاحظة تقتضي الاشارة اليها دائما وهي عدم وجود اي احصائيات دقيقة عن عدد الضحايا من المدنيين السوريين، بل ان الفضائيات العربية والغربية والاسرائيلية التي تتولى ادارة المعركة الاعلامية ضد دمشق تكتفي بنقل أرقام عن مصادر وشهود عيان ثبت في كثير من المواضع عدم صحتها بل فبركتها، من دون ان يعني ذلك انه لا يسقط ضحايا.
وبمعزل عن صحة ما يقال فإن متطلبات ما تعتبره القيادة السورية حرباً خارجيةً تشن عليها يفترض ان يقود الى مرحلة جديدة من المواجهة وبأشكال قديمة واخرى جديدة، من اجل عدم اراحة نظام الاسد وعدم اشعاره بالانتصار. ومن الاشكال القديمة التي يفهم من موجة الهجوم العربي الخليجي الرسمي الاخير انهم بصدد استحضارها اعادة العمل بنظام العزلة الذي طبق بعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري واتهام سوريا بالوقوف وراء الجريمة، قبل ان تُبرَّأ ساحتها من قبل سعد الحريري رئيس الحكومة اللبنانية السابق. وهذه العزلة الاقليمية هي البديل عن الفشل المستمر في استصدار قرارات واجراءات قاسية في مجلس الامن بفعل الفيتو الروسي الذي لا يزال ساري المفعول حتى الآن.
ورغم شهية بعضهم لتكرار السيناريو الليبي فإن الحماسة الاميركية فضلاً عن الحماسة الاوروبية المنعدمتين لا تشجع على احتمال تكراره، ليس بسبب عدم توفر غطاء دولي في مجلس الامن، بل بسبب اخفاق التجربة الليبية التي يحاول الاوروبيون الهرب منها بأي وسيلة، ولانعدام الامكانية العملية على المسرح السوري لعملية كهذه يمكن التحكم باطلاقها، لكن يستحيل التحكم بعواقبها ونهايتها. ذلك ان عملاً عسكرياً اطلسياً او غير اطلسي ضد سوريا يمكن ان يفتح المنطقة على ابواب جهنم امنية غير مسبوقة نظراً لتشابك الساحات وتعدد اللاعبين وما بأيديهم من امكانيات رد. وعلى سبيل المثال من غير المعروف ما اذا كان الرئيس الاميركي باراك اوباما ومؤسستاه العسكرية والاستخبارية مقتنعين بأن اسقاط مروحية عسكرية اميركية في ولاية "وردك" الافغانية ومصرع ثلاثين جندياً اميركيا في اقسى ضربة تتلقاها قوات الولايات المتحدة في هذا البلد منذ غزوه هي فعلاً من صنع حركة طالبان، وانها حصراً تتعلق بالساحة الافغانية والصراع مع بقايا تنظيم القاعدة، ام انها رسائل من طرف ما له علاقة بحدث خارج الحدود الافغانية، مع التفات الاميركيين الى انهم ارغموا من العراق على الضغط على نظام البحرين الحليف لهم لكي يعود الى رشده ويخفض من سقف المواجهة مع المعارضة.
وعليه وفي ظل عدم وجود رغبة خارجية وازنة بعمل عسكري فإن الفكرة المتداولة حالياً والتي يبدو ان واشنطن تعمل عليها هي "إنشاء مجلس انتقالي في سوريا على غرار المجلس الانتقالي في ليبيا" وفق ما كشفته مصادر ديبلوماسية أوروبية لـقناة"otv" التلفزيونية اللبنانية قائلة لها ان "دبلوماسيين أميركيين أجروا مفاوضات مع معارضين سوريين لهذه الغاية، إلا أن الأمور لا تشجع على المضي بهذه الخطة نتيجة الخلافات بين المعارضة السورية". ومن شأن هذه الخطوة وفق تفكير اصحابها ان يبقى السيف مصلتاً على نظام الرئيس الاسد وتبقى قضية المعارضة في دائرة الضوء والتغطية الاعلامية مع اعمال امنية متفرقة ينفذها ما تبقى من المجموعات المسلحة، ما يؤدي الى اشعار القيادة السورية في دمشق بعدم الاستقرار.
ما تقدم يعني ان نجاح الرئيس الاسد في استيعاب العمل الامني الداخلي المدار والممول خارجياً سيتم استبداله بعمل سياسي خارجي وظيفته الاساس التحريض ضده والمحاولة الدائمة لنزع الشرعية عنه. وهذا في مجمله يعني انهزاماً وتراجعاً لخطة الانقلاب التي تم افشالها، وصرفاً للمعارضة السورية عن مشروع الاصلاح الحقيقي الذي بادر الرئيس الاسد الى الاستجابة له، وهو اصلاح ليس له مكان في قاموس واشنطن التي تبحث دائما عن صفقات في امكنة اخرى تقايض عليها كل شعارات حقوق الانسان والحرية والديمقراطية، وهذا البازار مفتوح مع من يرغب ومع من يحتاجه الاميركيون. ويعرف المعارضون السوريون ان الرئيس الاسد لو اراد الاستجابة للمطالب الاميركية بشأن علاقته بإيران وبقوى المقاومة لطُوّب رئيساً ديمقراطياً لا نظير له من قبل البيت الابيض، ولا يزال الباب مفتوحاً لذلك.
لا يحتاج الامر سوى الى تحليلِ محايدٍ لكي يعتنق الفرضية الاولى، وهي ان الجيش السوري الذي انيطت به مهمة وضع حد للجماعات المسلحة التي تنشر الفوضى والتخريب قد انجز مهمته، وآخرها ما نقلته وكالة الأنباء السورية "سانا" عن مصدر عسكري سوري مسؤول تأكيده أن "وحدات الجيش السوري التي كلفت إعادة الأمن والاستقرار إلى مدينة حماة بدأت بالخروج منها بعد إنجاز مهمة نوعية تجسدت في حماية حياة المواطنين المدنيين وملاحقة فلول عناصر التنظيمات الإرهابية المسلّحة التي عاثت فساداً وتخريباً وقطّعت أوصال المدينة وعطّلت دورة الحياة فيها إلى أن تدخلت وحدات الجيش وتصدت بدقة ومهنية عالية لأولئك الإرهابيين وألقت القبض على عدد منهم لتقديمهم إلى العدالة، وأن الحياة الطبيعية بدأت تعود بشكل تدريجي إلى ربوع المدينة".
وقد كانت حماة بما ارادها السفيران الاميركي والفرنسي مكاناً للمنازلة الاخيرة مع نظام الاسد عندما قصداها شخصياً لتوفير حصانة خارجية لتحركات جزء من المعارضين. لكن يبدو ان المدينة التي اريد الاستثمار الخارجي على جرحها القديم مع النظام السوري خيبت آمال الاميركيين والفرنسيين وادواتهم العربية والتركية الاخرى.
على ان المعضلة الابرز لهذا الفريق تمثلت في نقل المشهد السوري الاعتراضي من نطاق التظاهرات الشعبية السلمية على غرار ما حصل في جل الثورات العربية الأخيرة، وتحولها بارادة خارجية الى العمل الامني المسلح الذي احتلت صوره ومظاهره واخبار الجرائم المرتكبة بوحشية الشاشات التلفزيونية، ما دفع بكثر من المعارضين السوريين الى النأي بانفسهم عما يجري بعدما انحصرت المواجهة بالسلاح والعنف. وقد تجلى ذلك بوضوح مؤخراً في تمكن وحدات الجيش السوري من ضبط كميات من الأسلحة والذخائر في مدينة حماة مع "المجموعات الإجرامية المسلّحة" بحسب تصريح مصدر أمني سوري، وايضاً ضبط عمليات تهريب عديدة لكميات كبيرة من السلاح عبر المنافذ اللبنانية البرية والبحرية كان يديرها اشخاص من "تيار المستقبل" وفق تصريح اكثر من سياسي لبناني. وابرز ما سجل في هذا السياق تمكن مخابرات الجيش اللبناني والجمارك السورية من ضبط عمليتي تهريب سلاح كبيرتين الى سوريا: واحدة عبر مرفأ "سوليدير" واخرى عبر معبر الدبوسية الحدودي.
هذا الاخفاق الامني يفسر تصرف الاميركيين ومعهم الفرنسيون وغيرهم بطريقة هيستيرية واضطرارهم الى استدعاء ما امكنهم من وسائل ضغط جديدة تمثلت ببيانات تحمل توقيع جهات عربية عدة بينها بيان الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، وبيان مجلس التعاون الخليجي، وبيان آخر اقل حدة للامين العام للجامعة العربية نبيل العربي، فضلاً عن استدعاءات السعودية والكويت والبحرين لسفرائهم من دمشق للتشاور في ضوء التطورات الاخيرة و"تعرض المتظاهرين للقمع وآلة القتل" وفق بيانات الدول الثلاث الاخيرة، من دون اي اشارة الى العدد الكبير من القتلى في صفوف ضباط وعناصر الجيش والقوى الامنية ممن يسقطون برصاص المجموعات المسلحة، مع ملاحظة تقتضي الاشارة اليها دائما وهي عدم وجود اي احصائيات دقيقة عن عدد الضحايا من المدنيين السوريين، بل ان الفضائيات العربية والغربية والاسرائيلية التي تتولى ادارة المعركة الاعلامية ضد دمشق تكتفي بنقل أرقام عن مصادر وشهود عيان ثبت في كثير من المواضع عدم صحتها بل فبركتها، من دون ان يعني ذلك انه لا يسقط ضحايا.
وبمعزل عن صحة ما يقال فإن متطلبات ما تعتبره القيادة السورية حرباً خارجيةً تشن عليها يفترض ان يقود الى مرحلة جديدة من المواجهة وبأشكال قديمة واخرى جديدة، من اجل عدم اراحة نظام الاسد وعدم اشعاره بالانتصار. ومن الاشكال القديمة التي يفهم من موجة الهجوم العربي الخليجي الرسمي الاخير انهم بصدد استحضارها اعادة العمل بنظام العزلة الذي طبق بعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري واتهام سوريا بالوقوف وراء الجريمة، قبل ان تُبرَّأ ساحتها من قبل سعد الحريري رئيس الحكومة اللبنانية السابق. وهذه العزلة الاقليمية هي البديل عن الفشل المستمر في استصدار قرارات واجراءات قاسية في مجلس الامن بفعل الفيتو الروسي الذي لا يزال ساري المفعول حتى الآن.
ورغم شهية بعضهم لتكرار السيناريو الليبي فإن الحماسة الاميركية فضلاً عن الحماسة الاوروبية المنعدمتين لا تشجع على احتمال تكراره، ليس بسبب عدم توفر غطاء دولي في مجلس الامن، بل بسبب اخفاق التجربة الليبية التي يحاول الاوروبيون الهرب منها بأي وسيلة، ولانعدام الامكانية العملية على المسرح السوري لعملية كهذه يمكن التحكم باطلاقها، لكن يستحيل التحكم بعواقبها ونهايتها. ذلك ان عملاً عسكرياً اطلسياً او غير اطلسي ضد سوريا يمكن ان يفتح المنطقة على ابواب جهنم امنية غير مسبوقة نظراً لتشابك الساحات وتعدد اللاعبين وما بأيديهم من امكانيات رد. وعلى سبيل المثال من غير المعروف ما اذا كان الرئيس الاميركي باراك اوباما ومؤسستاه العسكرية والاستخبارية مقتنعين بأن اسقاط مروحية عسكرية اميركية في ولاية "وردك" الافغانية ومصرع ثلاثين جندياً اميركيا في اقسى ضربة تتلقاها قوات الولايات المتحدة في هذا البلد منذ غزوه هي فعلاً من صنع حركة طالبان، وانها حصراً تتعلق بالساحة الافغانية والصراع مع بقايا تنظيم القاعدة، ام انها رسائل من طرف ما له علاقة بحدث خارج الحدود الافغانية، مع التفات الاميركيين الى انهم ارغموا من العراق على الضغط على نظام البحرين الحليف لهم لكي يعود الى رشده ويخفض من سقف المواجهة مع المعارضة.
وعليه وفي ظل عدم وجود رغبة خارجية وازنة بعمل عسكري فإن الفكرة المتداولة حالياً والتي يبدو ان واشنطن تعمل عليها هي "إنشاء مجلس انتقالي في سوريا على غرار المجلس الانتقالي في ليبيا" وفق ما كشفته مصادر ديبلوماسية أوروبية لـقناة"otv" التلفزيونية اللبنانية قائلة لها ان "دبلوماسيين أميركيين أجروا مفاوضات مع معارضين سوريين لهذه الغاية، إلا أن الأمور لا تشجع على المضي بهذه الخطة نتيجة الخلافات بين المعارضة السورية". ومن شأن هذه الخطوة وفق تفكير اصحابها ان يبقى السيف مصلتاً على نظام الرئيس الاسد وتبقى قضية المعارضة في دائرة الضوء والتغطية الاعلامية مع اعمال امنية متفرقة ينفذها ما تبقى من المجموعات المسلحة، ما يؤدي الى اشعار القيادة السورية في دمشق بعدم الاستقرار.
ما تقدم يعني ان نجاح الرئيس الاسد في استيعاب العمل الامني الداخلي المدار والممول خارجياً سيتم استبداله بعمل سياسي خارجي وظيفته الاساس التحريض ضده والمحاولة الدائمة لنزع الشرعية عنه. وهذا في مجمله يعني انهزاماً وتراجعاً لخطة الانقلاب التي تم افشالها، وصرفاً للمعارضة السورية عن مشروع الاصلاح الحقيقي الذي بادر الرئيس الاسد الى الاستجابة له، وهو اصلاح ليس له مكان في قاموس واشنطن التي تبحث دائما عن صفقات في امكنة اخرى تقايض عليها كل شعارات حقوق الانسان والحرية والديمقراطية، وهذا البازار مفتوح مع من يرغب ومع من يحتاجه الاميركيون. ويعرف المعارضون السوريون ان الرئيس الاسد لو اراد الاستجابة للمطالب الاميركية بشأن علاقته بإيران وبقوى المقاومة لطُوّب رئيساً ديمقراطياً لا نظير له من قبل البيت الابيض، ولا يزال الباب مفتوحاً لذلك.