ارشيف من :خاص

الحرب النفسية تسابق العمليات العسكرية في انتصار تموز 2006

الحرب النفسية تسابق العمليات العسكرية في انتصار تموز 2006
منذ نشوء كيان العدو عام 1948 واسرائيل تمارس الحرب النفسية على الشعوب والحكومات العربية، وهي من خلال هذه الوسيلة تمكنت ولفترة طويلة من الزمن من وضعهم في اعتقاد شبه دائم ابأن إلحاق الهزيمة بالجيش الصهيوني هي اضغاث احلام، وان لاحل الا بالمفاوضات المؤدية الى التسليم بالشروط الاسرائيلية للسلام.
لكن المشهد ما لبث ان بدأ يتغير مع انطلاق عمليات المقاومة ضد الغزاة عام 1982. ومع تصاعد وتيرة العمليات وتطور اساليب المواجهة بدأت المقاومة تدخل اساليب جديدة في برنامج عملياتها. فهي ادركت اهمية الحرب النفسية في كسب المواجهة الميدانية على الارض. من خلال التأثير على سلوكيات العدو ومعنوياته وهذا الهدف الاساسي الذي قامت لاجله ما يعرف بالحرب النفسية.

فأنشأت لنفسها جهازا من خبراء واختصاصيين في الحرب والعمليات النفسية اثبت قدرات عالية على ادارة هذا الجزء الهام من المعركة وفي إلحاق الهزيمة بالعدو خاصة خلال حرب تموز 2006.

"الانتقاد" جالت في دور الحرب النفسية خلال حرب تموز 2006 في النصر الذي تحقق وسألت عن هذا الموضوع العميد المتقاعد هشام جابر المتخصص في الحرب النفسية والباحث في العلوم النفسية د.احمد عياش.

يرى الدكتور عياش ان السلاح الرئيس للمقاومة في معركتها عام 2006 كان هو سلاح الصدق، وهو سلاح نفسي بالغ الاهمية ولم تتعوده اسرائيل من قبل، وهو جعل العدو يصاب بالانسلاب الفكري ويضع تقويمه لذاته على المحك وخاصة ان ما قيل دائما ان العرب كثيرون ومهزومون انعكس على اسرائيل في الحرب، فالمقاومون هذه المرّة كانوا قلة وجنود العدو ودباباته وطائراته ومراكبه العسكرية كانوا الكثرة، ورغم ذلك انهزموا.

من خلال ذلك يرى عياش ان بداية هزيمة اسرائيل في عام 2006 كانت في العقل الاسرائيلي نفسه الذي خاض المعركة باستخفاف واضح بالعقل اللبناني عامة والعقل المقاوم خاصة.

وذلك تجلى في سياسة رمي "المناشير" من الطائرات، وهي سياسة اصبحت عديمة الفاعلية في ظل وجود وسائل التكنولوجيا الحديثة التي اصبحت في كل في بيت لبناني تقريبا. فالعدو اغفل حقيقة اساسية يقول " عياش" وهي ان اللبنانيين باتوا يمتلكون صحونا لاقطة يستطيعون من خلالها الاطلاع على معظم الاقنية العالمية وهواتف جوالة يستطيعون الاتصال بها الى اي مكان والاطلاع على حقيقة الاوضاع.

كما ان العقل الاسرائيلي المخطط لحرب تموز اغفل ايضا حقيقة اساسية وهي الايمان النفسي العميق لمقاتلي المقاومة بالاستشهاد، اضافة الى قوة الادلجة الاسلامية التي زرعها حزب الله في نفوس مقاتليه وعمادها الثقة المطلقة عن وعي وادراك بقيادتهم وحسن ادارتها للمعركة، وهذا الذي جعل مقاتلي المقاومة اولا وجماهيرها ثانيا واثقون بما تبثه وسائل اعلام المقاومة، ولا يستجيبون الا لخطابات السيد حسن نصر الله، وهذا كان له كان له دور اساسي في احباط الحرب النفسية التي شنتها اسرائيل على المقاومة وجماهيرها. كما ان وسائل الاعلام الوطنية الاخرى أدّت دورا اساسيا في احباط مخططات العدو من خلال ضخ روح الحماسة والشعور بالافتخار بانتصارات المقاومة . عياش يشرح ايضا اهمية اللحظات التي اعلن فيها قائد المقاومة عن ضرب المدمرة البحرية ساعر في تحويل الانسلاب الفكري عند رؤية المجازر التي ارتكبها العدو ضد المدنيين، وهي كانت جزءا من حربه النفسية لتوليد شعور بالاحباط عند المقاومين الى شعور ابتهاج وافتخار وثقة بالمقاومين، ما رفع الثقة بقوة المقاومة وقدرتها، وأفقد العدو واحدة من اهم اوراقه في الحرب النفسية التي كان يخوضها.

يشير عياش ايضا الى مفصل اساسي في هذا الموضوع فيقول: ان المقاومة التي استعملت الحرب النفسية في سياق عملياتها ضد العدو، ايضا كانت العمليات النفسية لتوليد مساحة من الثقة والاطمئنان لدى جماهيرها، وهي لهذه الغاية اختارت في بياناتها ووسائل اعلامها عبارات منتقاة بدقة مثل"زخات الكاتيوشا". "وما بعد بعد حيفا". " وإن ينصركم الله فلا غالب لكم".

اضافة لاستخدام بعض الافكار الغيبية من وحي الدين والايمان لما لها من تأثير بالغ في رفع المعنويات عند الناس. ويضيف: انه كان لاطلاق المقاومة لجهازها الاجتماعي بين النازحين لتأمين احتياجتهم وطمأنتهم الى وقوف المقاومة بجانبهم اثر كبير في تخفيف حدة الحرب النفسية التي كانت تشنها اسرائيل ودعم العمليات النفسية المضادة التي كانت تقوم بها المقاومة. عياش يقول ايضا ان المقاومة في هذا السياق ابتكرت حكايا البطولة لافراد ومجموعات مقاتلة منها، ما اثبت ان العقل المقاوم الذي كان يخوض الحرب النفسية هو عقل شاب ومبدع فيما العقل الاسرائيلي كان عقلا هرما يعيد انتاج نفسه وأدواته النفسية التي لم تعد تنطلي على احد.

عياش يشرح ايضا ان الحرب النفسية التي خاضتها المقاومة ضد العدو اخذت شكل التصدي اثناء الحرب وشكل الهجوم المعاكس بعدها، وتجلى ذلك في خطاب الانتصار الذي ألقاه "السيد نصر الله". والذي حطم فيه معنويات العدو عندما اثبت ان قائد المقاومة لا يكذب، وان الوعد الصادق صدق بالفعل. عياش يضيف انه يكفي للتدليل على ذلك انعكاس الهزيمة على الداخل الاسرائيلي والاتهامات المتبادلة بين قادة العدو عن المسؤولية بالهزيمة.

من جهته يقول العميد هشام جابر "ان طرفي الصراع مارسا الحرب النفسية في حرب 2006 لإدراكهما لأهميتها. فالفريقان استعملا في حربهما النفسية وسائل الاعلام المرئية والمسموعة، اضافة الى الاعلام الالكتروني. وان المقاومة اظهرت قدرات عالية في هذا النوع من الحروب، وتجلى ذلك ببقاء تلفزيون المنار ـ الوسيلة الاساسية التي استخدمتها المقاومة في حربها النفسية ضد العدو ـ في بث دائم طوال فترة الحرب بالرغم من قصف مقراته عدة مرات. لكن العميد جابر يرى ان السلاح النفسي الاول الذي استعملته المقاومة في هذه الحرب كان انتصارها الكبير في ايار عام 2000 . فهي استثمرت هذا الانتصار لتحطيم معنويات العدو ولتذكيره بما ينتظره من هزائم في حال قرر اعادة الكرّة. والسلاح الثاني كان مجريات حرب تموز نفسها، فالعدو الذي دخل الحرب عازما على محو اثار هزيمة حرب 2000 فوجئ بعدة عوامل جعلت معنويات جيشه تزاداد تقهقرا وتصل الى ادنى مستوى لها منذ قيام دولة " اسرائيل" عام 1948. فهو بنى نظريته في القتال على ان مقاتلي حرب العصابات يستطيعون عرقلة تقدم الجيوش ولكن لايستطيعون وقف تقدمها، لكنه فوجئ بمقاتلي المقاومة يسيطرون على الميدان طيلة ثلاثة وثلاثين يوما ويمنعون جيشه من التقدم . كما ان فشل المخابرات الصهيونية في جمع المعلومات عن سلاح المقاومة وشبكة اتصالاته زاد في تحطم معنويات هذا الجيش وبعثرتها.

العميد جابر يشير الى ان الحرب التي خاضها العدو على محور الغندورية واستطاع من خلالها تحقيق الاختراق الوحيد له طيلة فترة المعارك، كان هدفها الاساس نفسيا بحتا. فهو أراد من خلال احرازه هذه النتيجة ان يرفع معنويات جنوده المنهارة من جهة، وبث الرعب في صفوف المقاومين ودفعهم للفرار الى خارج المنطقة حتى تسهل سيطرته عليها من جهة أخرى. لكن هذه النتيجة ما لبثت ان انقلبت عليه عندما وجد جنوده أنفسهم في كمين محكم دمر فيه عدد كبير من دبابات الميركافا.

جابر يشير الى دور الاعلام الحربي للمقاومة في الحرب النفسية على العدو، فهو من خلال تصويره هذه الدبابات المحترقة وبث صورها على وسائل الاعلام المحلية والعالمية اسهم في سقوط رمز من رموز الامان عند الصهاينة وهو هذه الدبابة المتطورة جدا، وانهيار اسطورتها يعني فقدان الثقة بالجيش والحكومة الاسرائيلية. وانه بالتالي لم يعد امام المستوطنين الا الرحيل عن فلسطين المحتلة.

جابر يرى ايضا ان المقاومة من خلال حربها النفسية المنظمة استطاعت الوصول الى زرع البلبلة والشك في نفوس الصهاينة ازاء قيادتهم من خلال امرين اثنين، هما الاسلوب في المخاطبة والمصداقية في بث الوقائع والمعلومات. فهم سمعوا من جهة قياداتهم تقول لهم ان امر المقاومة سينتهي خلال ايام من بدء المعركة، في حين سمعوا من جهة اخرى المقاومة تؤكد لهم ان المعركة ستنقشع على هزيمة ساحقة للجيش الصهيوني، وهذا ما تحقق. وهي بذلك أقنعت الجيش الاسرائيلي والشعب الاسرائيلي ان الحرب لم تعد نزهة. وان خوف الاسرائيلي لم يعد مقتصرا بعد هذه الحرب من صواريخ المقاومة التي يمكن ان تطاله في اي بقعة في فلسطين المحتلة، بل هو بات يعيش في رعب دائم من انتقال المعركة الى داخل فلسطين المحتلة من خلال دخول مجموعات من المقاومة واحتلالها للمستوطنات على الحدود الشمالية. وهذا ما يدفعه الى الرحيل بعد ان فقد الامن الذي وُعد به.
نبيل المقدم
2011-08-12