ارشيف من :ترجمات ودراسات

معركة وادي الحجير... "ذي قار" هذا الزمن

معركة وادي الحجير... "ذي قار" هذا الزمن
لؤي توفيق حسن (*)

 


"إنها الحرب الكبرى في الحرب الكبرى" ـ أحد ضباط العدو الناجين من المعركة

"معركة وادي الحجير" دخلت التاريخ من أوسع أبوابه. ولعل من أطلق عليها "ذي قار القرن الواحد والعشرين" قد أصاب من الحقيقة الكثير. إذ بين هاتين الواقعتين أكثر من قاسم مشترك. أبرزها الفارق الكبير في ميزان القوى بين طرفي القتال. لكن يظل اللافت أن المقاومين في لبنان، وأصحاب ذلك اليوم من "ذي قار" قد خاضوا حربهم والعديد جداً من العرب بين خاذل لهم أو متواطئ عليهم. حتى قال الأعشى بعدها:

لو أن كـل مِعدٍّ كـان شاركنا            في يوم ذي قار ما أخطاهم الشرف


أما الأهم فهو في أن كلا الواقعتين شغلتا في مسيرة التاريخ، وتطور الأمم محطتين مفصليتين. فقد أشارت "ذي قار" إلى أن في العرب مارداً كامناً قادراً على غلبة أعتى امبراطوريات زمانها ـ (فارس) ـ. كذلك كشفت معركة وادي الحجير أن تحرير فلسطين ليس وهماً أو أمنيّة بعيدة المنال متى عقدت الأمة العزم. كما فعلتها تلك العصبة من المقاومين التي واجهت أعتى الأسلحة وفرق النخبة من جيش العدو.

وكما أظهرت "ذي قار" مدى الوهم والترهل الذي أخذ يدب في "امبراطورية فارس" آنذاك فإن معركة وادي الحجير أثبتت بحق ما قاله سيد المقاومة: "إن اسرائيل أوهن من بيت العنكبوت".

أواخر تموز/يوليو 2006 بدأ التوجه بوقف إطلاق النار يأخذ طريقه بتأثيرٍ من الزخم الدبلوماسي الذي جاء انعكاساً لمعطيات الميدان. فقد اكتشفت "اسرائيل" مدى الصعوبات التي تحول دون سيطرتها على مسرح العمليات. غير أنه وتحت ضغط أمريكا ـ وإلحاح بعض العرب والداخل اللبناني! ـ على "حسم المعركة مع حزب الله" تابعت "اسرائيل" عملياتها العسكرية وأخذت تخطط لاختراق نوعيّ كبير يوصل قواتها إلى ضفة الليطاني ولو على مجالٍ محدود.
حتى يمكنها من ذلك المحافظة على هيبتها. وأن (تترسمل) عليه لتصل منه إلى أفضل الشروط عند البحث في وقف إطلاق النار.

هذا في الخلفية السياسية. أما الجانب العسكري فكانت العبرة فيه أن "اسرائيل" دفعت إلى وادي الحجير بأقصى ما يمكنها فعله. حتى لم يعد بوسعها أن تفعل المزيد: جيشٌ مزود بأحدث الأسلحة وبغطاء جوي غير مسبوق. مع كم غير قليل كفيل بهزيمة جيشٍ بكامله هذا قياساً بتاريخها العسكري.

وهنا نترك للأرقام أن تتكلم... فبحسب مصادر العدو نفسه تشكلت القوى المهاجمة من فرقة مؤللة من اللواء المدرع الثاني. لواء المشاة الخاص (ناحال). لواء المشاة الأول. كتيبة (غولاني). كتيبة المظليين. كتيبة من " جفعاتي". كتيبة هندسة، وكتيبة استخبارات. وقد عرفت هذه المجموعة بـ"الفرقة 162 الفولاذية".

لم تكن "اسرائيل" تبالغ في توقعاتها عندما تصورت بأنها قادرة بهذا الحشد على أن تحقق إنجازاً ملموساً. لكن السيد حسن نصر الله كان أكثر واقعية ودقة عندما وعدهم بالهزيمة وقبل بدئهم بالعمليات العسكرية. جاء ذلك بالتحديد في مؤتمره الصحافي أعقاب أسر الجنديين الصهيونيين.

وبقدر ما زخرت هذه المواجهة مع العدو بمشاهد البطولاتإ فإنها أظهرت بالآن عينه القدرة العالية للمقاومين كفاءةً قتالية، وبراعةً في استخدام السلاح. كما بينت ما يكمن خلفها من اقتدار في القيادة، والسيطرة، والتوجيه، وإلى آخر ما هنالك. إنها وكما كانت منازلةً بين النار والنار فقد كانت أيضاً مواجهةً بين العقل هنا، والعقل هناك.

لقد هُزمت (الميركافا ـ4) المصنفة بأقوى دبابة في العالم بالرغم من الغطاء الجوي والقصف المدفعي الكثيف. قام العدو لإنقاذ مدرعاته بإنزال جوي على المحور الغربي في الغندورية. وعندها وقع المظليون في المصيدة بحيث بات على المدرعات أن تنقذهم!!. وهكذا انفرج غبار المعركة عن هزيمة اسرائيلية صريحة. فضلا عن حجم في الخسائر بلغ خمسين دبابة (مبركافا ـ 4) غير العشرات من الآليات والمعدات إلى جانب أعدادٍ من القتلى والجرحى في صفوف الجنود الصهاينة.

وضعت "اسرائيل" لعمليتها ستين ساعة لكي تحقق منها الأهداف المطلوبة، أما بعد ذلك فنترك وصفه للصحافة الإسرائيلية ناقلةً شهادة الناجين.

أحد جنود طواقم الدبابات: "جهنم، الجحيم ولا شيء آخر، أنا لم أصدّق أنني سأخرج من هناك... كانت هذه نار الجحيم ولا تعرف متى ستطالك".

جندي ثانٍ: "ينبغي التحقيق في ما شهدناه... فبعد أن خلنا أننا نوشك على العودة مبتهلين ومبتسمين، ورافعين الرايات، عدنا بدون زملائنا".

جندي ثالث: "أرسلونا كي نجلب صور مخربين قتلى، أو رافعينَ الأيادي. وبدلاً من إحراز انتصارٍ نفسيّ، واحتلال وعي الآخر تلقينا العكس. كيداً مرتداً، وقاتلاً".

جندي رابع: "سرعان ما اكتشفنا أننا دخلنا إلى الجحيم حيث بلغتنا الصواريخ من كافة الجهات من دون أن يتوقع أحد منّا أن نقع في مثل هذه المصيدة. هذا فشلٌ ذريع".

لكن تظل أبلغ الشهادات ما جاء على لسان الجندي الخامس: "إذا كان لدينا شيءٌ لنتعلمه من الجانب الآخر فهو الصبر الذي لديهم".

لقد أنهت هذه الحرب آمال "اسرائيل" ليس وحسب في تحقيق انتصارات سريعة كما اعتادت، وإنما تحقيق أي انتصار وبأي ثمن، وخلال أي وقت. هذا ما قصده أحد أبرز المحللين العسكريين في قوله: "ان هذه المعركة هي إحدى أهم المواجهات التي قام بها الجيش الإسرائيلي خلال العشرين عاماً الأخيرة، والعشرين عاماً القادمة"!!.

(*) كاتب من لبنان

 

2011-08-14