ارشيف من :آراء وتحليلات
هل سيشهد العالم نظاماً اقتصادياً جديداً
نزيهة صالح
تكثر التحليلات الاقتصادية في هذه الأيام التي تركز على الوضع الاقتصادي الأميركي والخلاف ما بين الديمقراطيين والجمهوريين حول السياسات الاقتصادية. وتظهر المسألة وكأن الأزمة حديثة وأن الحزب الديمقراطي الحاكم هو من صنعها، كون الحزب الجمهوري يركز على استغلال الأزمة ومعارضة اقتراحات الحزب الديمقراطي من أجل الربح السياسي. الا أن العودة بالتاريخ الى الحرب العالمية الثانية يمكن أن توضح لغير المتخصصين ماهية الاقتصاد الأميركي الذي كان المستفيد الأكبر من الحرب التي كانت بمثابة عملية انقاذ له بعد الركود الذي عانى منه عام 1929، فالولايات المتحدة الأميركية شاركت في الحرب من وراء البحار بشروطها هي وليس بالشروط الاوروبية، فطال الدمار أوروبا وأضعفها ولم يطل الولايات المتحدة. وكان واضحا أن الولايات المتحدة خرجت باقتصاد قوي جدا في مقابل بقية الدول التي شاركت في الحرب، من هنا كانت خطة مارشال لتعمير أوروبا التي دعت اليها الولايات المتحدة، وكانت بواقع الأمر خدمة لاقتصادها، وكان لا بد منها من أجل تثبيت قوّتها وإبعاد شبح الانكماش وتحويل الموارد المستخدمة للأغراض العسكرية الى الأغراض المدنية.
التفوق الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية أصابها بالغرور بحيث أصبحت تتفلت من القوانين المتبعة في طباعة النقد، وعدم تحديد قيمة عالمية للدولار في السوق الدولية، ومن أجل تغطية الطباعة الكثيفة للنقد كان البنك المركزي يضع سندات خزينة للتغطية، كانت وما زالت الدول العربية الخليجية من أكبر المساهمين بتغطية تلك السندات من خلال استثمار فائض الأموال من العائدات النفطية. كما إن الولايات المتحدة خلقت سياسة تعتمد على الاستهلاك كمحرّك أساسي للعجلة الاقتصادية، وأصابت العالم كله بعدوى الاستهلاك المفرط.
هذه الفوضى في السياسة الاقتصادية تَعاقَب عليها كلّ من الحزبين الوحيدين الحاكمين في الولايات المتحدة. وهما كما يصفهما المفكر نعوم تشومسكي إنهما بالكاد يُعتبران حزبين سياسيين نظرا لأن الشركات هي التي تتحكم بهما من خلال قياس الأرباح، حيث يتبنى كل حزب اثناء تسلمه السلطة في البلاد ما تتفق عليه الشركات الكبرى، وأصبحت الثروة في يد 1% من الأميركيين، بينما باقي الشعب الأميركي يدفع الضرائب ويعيش حياة اجتماعية تتراجع الى مستوى الانسان الحجري أكثر منها حياة عصرية كما هو ظاهر ومعلن.
الانكشاف الاقتصادي الأميركي وحجم الدين العام ليس وليدَي اليوم، فالدراسات كانت تكشف حقائق كثيرة حولهما، من خلال كشف التكاليف العسكرية في غزوات الولايات المتحدة للعالم، على الرغم من أن أكثر هذه الحروب كانت الدول العربية الخليجية ُتغطي تكاليفها، تارة بحجة أن الاتحاد السوفياتي هو عدو الاسلام، وطورا بأن ايران هي عدوة العرب والمسلمين السنّة في العالم.
منذ اصدار نتائج الدراسة التي قامت بها مؤسسة التصنيف المالي "ستاندارد اند بورز" ووضعت الاقتصاد الأميركي في الدرجة الثانية، يحاول البيت الابيض رمي اللوم مرة على الديمقراطيين ومرة أخرى بالضغط على "ستاندرد اند بورز" لتغيير النتائج، ما اضطر أوباما الى تصريح منه لتهدئة الأسواق المالية، الا ان ذلك أدى الى هلع أكثر حيث هبطت أكثر من 600 نقطة مع بدء تصريحه.
يسارع أوباما الى وضع اللوم على السياسة الاقتصادية في تخفيض الضرائب وخوض حربين (أفغانستان والعراق) في عهد سلفه جورج بوش كونه لم يستغل الفائض في الميزانية الفيدرالية عام 2000 لسداد الديون التي تحتل الصين المرتبة الأولى فيها. وينتقد أوباما أسلافه بالتخلف عن التزامات الولايات المتحدة بالنسبة الى الديون الخارجية بشكل عام. ويطرح بالمقابل تقليص ميزانية البنتاغون والتقشف في الرعاية الصحية وزيادة الضرائب على الأثرياء، في خطة يمكن أن تعود على الخزينة بنحو 4 تريليون دولار، أي بما يقارب حجم الدين العام. الا أنه نجح وحقق أحد مطالبه وهو رفع سقف الدين الى ما بعد الانتخابات الرئاسية عام 2012 والذي على ما يبدو لم يعارضه الحزب الجمهوري حيث تم اقراره على عجل في الكونغرس.
رفع سقف الدين العام يصفه الخبير الاقتصادي زياد حافظ بأنه "فاصلة في مسلسل الأزمة المزمنة الهيكلية والنظامية للمشهد الأميركي سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، وبالتالي تم تأجيل الأزمة وليس حلها لعدم قدرة الادارة والكونغرس على اتخاذ الاجراءات الجذرية لمعالجة الأزمة بسبب الكلفة السياسية والاجتماعية الباهظة التي سترافقها".
هذا الانكشاف الاقتصادي للولايات المتحدة أعطى الحق للمتضررين من هيمنة الدولار الأميركي في أن يقدموا أفكارا حول بدائل للاقتصاد العالمي، فاقترح الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد "اقامة نظام مالي عالمي جديد، واقامة أسواق مال موازية لتقويض هيمنة الولايات المتحدة على النظام المالي العالمي، واتخاذ تدابير مناسبة مثل إقامة بورصة للنفط منافسة للدولار لكسر هيمنته، كي لا تذهب أموال النفط الى جيوب الأميركيين، ولأن أسعار النفط لا يجري تحديدها وفقا للعرض والطلب وانما بناءً على عوامل سياسية".
توقعات صندوق النقد الدولي أن سوق الصين سيكون في المرتبة الأولى بحلول عام 2016، وسيترافق هذا التحول الاقتصادي العالمي بالطبع مع تداعيت سياسية كون الدولار سيكون في طريق زوال مجده في التداول الدولي. من هنا يرى المراقبون الاقتصاديون أنه لا بد من وضع بدائل وخطط للتعامل مع الوضع الاقتصادي العالمي الجديد بعد انهيار الدولار الأميركي، ولا بد أن تتخذ الدول المساهمة في سندات خزينة لتغطية النقد الذي تطبعه الولايات المتحدة الأميركية، اجراءات بديلة في تحويل أموالها الريعية الى أموال تخدم أمنها القومي والغذائي كون العالم سيقدم على مشكلة غذائية نتيجة التحولات المناخية في العالم وتوقعات نضوب النفط في الدول العربية الخليجية.
فهل سنشهد نظاماً اقتصادياً عالمياً جديداً؟
تكثر التحليلات الاقتصادية في هذه الأيام التي تركز على الوضع الاقتصادي الأميركي والخلاف ما بين الديمقراطيين والجمهوريين حول السياسات الاقتصادية. وتظهر المسألة وكأن الأزمة حديثة وأن الحزب الديمقراطي الحاكم هو من صنعها، كون الحزب الجمهوري يركز على استغلال الأزمة ومعارضة اقتراحات الحزب الديمقراطي من أجل الربح السياسي. الا أن العودة بالتاريخ الى الحرب العالمية الثانية يمكن أن توضح لغير المتخصصين ماهية الاقتصاد الأميركي الذي كان المستفيد الأكبر من الحرب التي كانت بمثابة عملية انقاذ له بعد الركود الذي عانى منه عام 1929، فالولايات المتحدة الأميركية شاركت في الحرب من وراء البحار بشروطها هي وليس بالشروط الاوروبية، فطال الدمار أوروبا وأضعفها ولم يطل الولايات المتحدة. وكان واضحا أن الولايات المتحدة خرجت باقتصاد قوي جدا في مقابل بقية الدول التي شاركت في الحرب، من هنا كانت خطة مارشال لتعمير أوروبا التي دعت اليها الولايات المتحدة، وكانت بواقع الأمر خدمة لاقتصادها، وكان لا بد منها من أجل تثبيت قوّتها وإبعاد شبح الانكماش وتحويل الموارد المستخدمة للأغراض العسكرية الى الأغراض المدنية.
التفوق الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية أصابها بالغرور بحيث أصبحت تتفلت من القوانين المتبعة في طباعة النقد، وعدم تحديد قيمة عالمية للدولار في السوق الدولية، ومن أجل تغطية الطباعة الكثيفة للنقد كان البنك المركزي يضع سندات خزينة للتغطية، كانت وما زالت الدول العربية الخليجية من أكبر المساهمين بتغطية تلك السندات من خلال استثمار فائض الأموال من العائدات النفطية. كما إن الولايات المتحدة خلقت سياسة تعتمد على الاستهلاك كمحرّك أساسي للعجلة الاقتصادية، وأصابت العالم كله بعدوى الاستهلاك المفرط.
هذه الفوضى في السياسة الاقتصادية تَعاقَب عليها كلّ من الحزبين الوحيدين الحاكمين في الولايات المتحدة. وهما كما يصفهما المفكر نعوم تشومسكي إنهما بالكاد يُعتبران حزبين سياسيين نظرا لأن الشركات هي التي تتحكم بهما من خلال قياس الأرباح، حيث يتبنى كل حزب اثناء تسلمه السلطة في البلاد ما تتفق عليه الشركات الكبرى، وأصبحت الثروة في يد 1% من الأميركيين، بينما باقي الشعب الأميركي يدفع الضرائب ويعيش حياة اجتماعية تتراجع الى مستوى الانسان الحجري أكثر منها حياة عصرية كما هو ظاهر ومعلن.
الانكشاف الاقتصادي الأميركي وحجم الدين العام ليس وليدَي اليوم، فالدراسات كانت تكشف حقائق كثيرة حولهما، من خلال كشف التكاليف العسكرية في غزوات الولايات المتحدة للعالم، على الرغم من أن أكثر هذه الحروب كانت الدول العربية الخليجية ُتغطي تكاليفها، تارة بحجة أن الاتحاد السوفياتي هو عدو الاسلام، وطورا بأن ايران هي عدوة العرب والمسلمين السنّة في العالم.
منذ اصدار نتائج الدراسة التي قامت بها مؤسسة التصنيف المالي "ستاندارد اند بورز" ووضعت الاقتصاد الأميركي في الدرجة الثانية، يحاول البيت الابيض رمي اللوم مرة على الديمقراطيين ومرة أخرى بالضغط على "ستاندرد اند بورز" لتغيير النتائج، ما اضطر أوباما الى تصريح منه لتهدئة الأسواق المالية، الا ان ذلك أدى الى هلع أكثر حيث هبطت أكثر من 600 نقطة مع بدء تصريحه.
يسارع أوباما الى وضع اللوم على السياسة الاقتصادية في تخفيض الضرائب وخوض حربين (أفغانستان والعراق) في عهد سلفه جورج بوش كونه لم يستغل الفائض في الميزانية الفيدرالية عام 2000 لسداد الديون التي تحتل الصين المرتبة الأولى فيها. وينتقد أوباما أسلافه بالتخلف عن التزامات الولايات المتحدة بالنسبة الى الديون الخارجية بشكل عام. ويطرح بالمقابل تقليص ميزانية البنتاغون والتقشف في الرعاية الصحية وزيادة الضرائب على الأثرياء، في خطة يمكن أن تعود على الخزينة بنحو 4 تريليون دولار، أي بما يقارب حجم الدين العام. الا أنه نجح وحقق أحد مطالبه وهو رفع سقف الدين الى ما بعد الانتخابات الرئاسية عام 2012 والذي على ما يبدو لم يعارضه الحزب الجمهوري حيث تم اقراره على عجل في الكونغرس.
رفع سقف الدين العام يصفه الخبير الاقتصادي زياد حافظ بأنه "فاصلة في مسلسل الأزمة المزمنة الهيكلية والنظامية للمشهد الأميركي سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، وبالتالي تم تأجيل الأزمة وليس حلها لعدم قدرة الادارة والكونغرس على اتخاذ الاجراءات الجذرية لمعالجة الأزمة بسبب الكلفة السياسية والاجتماعية الباهظة التي سترافقها".
هذا الانكشاف الاقتصادي للولايات المتحدة أعطى الحق للمتضررين من هيمنة الدولار الأميركي في أن يقدموا أفكارا حول بدائل للاقتصاد العالمي، فاقترح الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد "اقامة نظام مالي عالمي جديد، واقامة أسواق مال موازية لتقويض هيمنة الولايات المتحدة على النظام المالي العالمي، واتخاذ تدابير مناسبة مثل إقامة بورصة للنفط منافسة للدولار لكسر هيمنته، كي لا تذهب أموال النفط الى جيوب الأميركيين، ولأن أسعار النفط لا يجري تحديدها وفقا للعرض والطلب وانما بناءً على عوامل سياسية".
توقعات صندوق النقد الدولي أن سوق الصين سيكون في المرتبة الأولى بحلول عام 2016، وسيترافق هذا التحول الاقتصادي العالمي بالطبع مع تداعيت سياسية كون الدولار سيكون في طريق زوال مجده في التداول الدولي. من هنا يرى المراقبون الاقتصاديون أنه لا بد من وضع بدائل وخطط للتعامل مع الوضع الاقتصادي العالمي الجديد بعد انهيار الدولار الأميركي، ولا بد أن تتخذ الدول المساهمة في سندات خزينة لتغطية النقد الذي تطبعه الولايات المتحدة الأميركية، اجراءات بديلة في تحويل أموالها الريعية الى أموال تخدم أمنها القومي والغذائي كون العالم سيقدم على مشكلة غذائية نتيجة التحولات المناخية في العالم وتوقعات نضوب النفط في الدول العربية الخليجية.
فهل سنشهد نظاماً اقتصادياً عالمياً جديداً؟