ارشيف من :آراء وتحليلات

هل لا تزال الولايات المتحدة و"إسرائيل" واقعتين في حبّ فؤاد السنيورة؟

هل لا تزال الولايات المتحدة و"إسرائيل" واقعتين في حبّ فؤاد السنيورة؟
محمد الحسيني

قبل خمس سنوات من اليوم، انهمرت دموع فؤاد السنيورة أمام اجتماع العرب في بيروت، وهم الذين حطوا في مطار رفيق الحريري الدولي، بإذن خاص من الولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل"، ومنهم من حطّ في مطار تل أبيب في طريقه إلى العاصمة اللبنانية المحاصرة جواً، ويومذاك تأثر العالم كله بدموع وإجهاش عميق لم يستطع فؤاد كبته طوال ثلاثة أسابيع من الحرب الإسرائيلية الوحشية على لبنان، وبعد سيل المجازر التي ارتكبتها الطائرات الحربية ذات الصنع الأميركي والمحمّلة بأحدث أنواع القنابل المدمّرة...

 أولمرت: أنا أحبّ فؤاد السنيورة، وسأكون سعيداً بلقائه في أي وقت
ولكن فؤاد لم يكن لتهزّه هذه المجازر أو تحرّك في قلبه ذرة شعور، بل كان تهدُّجُ صوته أمام العرب يعكس حسرة انعكست في وجوه معظم المجتمعين الذين جاؤوا ليحاولوا استيعاب صدمتهم من انتصار لبناني بدأ يتعاظم مع انكسار سياسي وعسكري وأمني لأعتى قوة في المنطقة، وانهزام لأكبر وأوسع مشروع عملت لتحقيقه دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة وأوروبا و"إسرائيل" تحت مسمّى "الشرق الأوسط الجديد". ولم يجد فؤاد من " يطبطب" على ظهره مواسياً له ولدموعه سوى تصريح لتسيبي ليفني، وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك، تضمّن مزيجاً من الاستنهاض والتهكّم لتدعوه إلى "كفكفة دموعه" والتحرّك لأن "مستقبل المنطقة يعتمد في المقام الأول عليه وعلى القرارات التي سيتخذها".

قبل ذلك كان إيهود أولمرت، المهجوس بنصر يتيم حتى ولو على صفحات الجرائد أو مواقع الانترنت أو بصيص مشهد تلفزيوني، يعرب عن حبّه للصديق فؤاد باعتبار أن معركتهما ومصلحتهما مشتركة ضد حزب الله، ويصرّح من دون خجل قائلاً: "أنا أحبّ فؤاد السنيورة، وسأكون سعيداً بلقائه في أي وقت". بدوره كان رئيس أركان جيش الاحتلال غابي أشكينازي مباشراً في تظهير أهمية فؤاد بالنسبة لإسرائيل فأكد أنّ "سياسة إسرائيل هي تعزيز السنيورة وقوى 14 آذار من أجل تمكينهم من الوقوف في مواجهة حزب الله".

وقد تبدّى الحب لفؤاد في أكثر من موقع وفي أكثر من تصريح علنيّ لمسؤولين أميركيين وإسرائيليين أكد على ضرورة عدم القيام بأي شيء يؤدي إلى إضعاف فؤاد شخصياً أو يضعف موقعه وأوراقه في مواجهة حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله، وحصر التركيز على حزب الله وليس حكومة فؤاد الديمقراطية والفتيّة الواعدة، ودعم استراتيجيته "الذكية" في نزع ذريعة حزب الله في السياسة اللبنانية الداخلية وعزله سياسياً.
أشكينازي: سياسة إسرائيل تعزيز السنيورة وقوى 14 آذار لتمكينهم من مواجهة حزب الله
وليس الكلام الآن عن استذكار لمواقف فؤاد أو استرجاع لتفاصيل مرحلة مضت، عمل فيها ما جهد دون أن يفلح، ليكون نجماً يسطع في سماء الشرق الأوسط الأميركي، فالدور لم يتغيّر والموقف لم يتغيّر والجهد لم يتغيّر، ولو أن المواقع تغيّرت، فما زال فؤاد "بيضة القبان" و"حجر الرحى" في حراك لم يهدأ، منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005 مروراً بعدوان تموز 2006 وحتى ما قبل وما بعد سقوط الوصاية الحريرية على لبنان، إلى درجة أنه بات اليوم في ظل غربة "سعد" الصغير بطل 14 آذار الحقيقي، والباقون مجرد ديكورات ومجرد أبواق وإكسسوارات تتغير ألوانها حين الحاجة.
علت نبرة فؤاد بخطاباته ومواقفه التصعيدية مؤخراً ضد حزب الله وسلاحه وضد سوريا وإيران، وما زال حريصاً على التذكير بمواقفه "الحكيمة" التي كان وما زال يطلقها عن قناعة بشأن المجتمع الدولي ولا سيما العلاقة مع واشنطن، وهو ما زال يتصرّف وكأنه رئيس للحكومة، وليس نائباً ورئيس كتلة نيابية مفروضاً بضغط أميركي، وهو الضغط الذي طالما كان يشكّل لفؤاد مظلة واقية ودعماً رئيسياً يستغله سلاحاً ليفرض نفسه لاعباً قوياً في مواجهة الصديق والخصم على حد سواء.

ولا شك في أن فؤاد ينظر اليوم إلى ما يجري في سوريا والضغط الأميركي ـ الأوروبي المتنامي على نظام الرئيس بشار الأسد، ويجهّز نفسه لمعاودة لعب دوره الذي بدأه في حمأة التصعيد العسكري والسياسي الأميركي ـ الإسرائيلي على لبنان قبل خمس سنوات، حيث يظن فؤاد أن ما لم يتم تنفيذه آنذاك قد يمكن القيام به اليوم، وفق المخطط المرسوم، فإن سقوط نظام الأسد سيؤدي حكماً إلى إضعاف نفوذ إيران في لبنان، وبالتالي تحقيق الهدف الأساسي في إضعاف حزب الله ونزع سلاحه، واستتباب الوضع وتمهيد الطريق أمام استعادته رئاسة الحكومة، واستئناف مهمته في تحويل لبنان إلى واحدة من واحات الديمقراطية الأميركية.

وللتذكير فقط نستعيد شيئاً من كلام لفؤاد في خطاب ألقاه بتاريخ 20 نيسان/ أبريل 2006، في مركز "وودرو ويلسون الدولي للدراسات" في واشنطن، حيث قال حرفياً: "أما القضية الأخرى التي ستبحث في إطار الحوار الوطني بعد استئنافه فهي قضية أسلحة حزب الله ودورها في الدفاع عن لبنان.. في سياق إستراتيجية يتم التوافق عليها بين اللبنانيين على الطريقة الأفضل والأفعل للدفاع عن لبنان، وعلى ضوء بنود اتفاقية الطائف في العام 1989، وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بلبنان، والاحتلال المستمر لمزارع شبعا، إضافة إلى التاريخ الطويل من الهجمات الإسرائيلية وانتهاكها للأراضي اللبنانية، يعتبر التوفيق بين هذه الاعتبارات وواجب الدولة الطبيعي الذي يقضي بأن تؤمن وحدها الأمن لكل مواطنيها والقاطنين على أراضيها، وحق الدولة احتكار موضوع السلاح، تحدياً أساسياً يجب معالجته في الفترة القادمة". إن التحدي الأساسي بالنسبة لفؤاد منذ ذلك الحين معالجة " أسلحة حزب الله"، بينما أسلحة "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية فهي في غير حسبان.

الضغط الأميركي لطالما كان يشكّل لفؤاد دعماً رئيسياً ليفرض نفسه لاعباً قوياً
وفي مقابلة مع صحيفة "الواشنطن بوست" بتاريخ 12 تشرين الأول/ اكتوبر 2006، سئل: "كانت الولايات المتحدة تدعم إسرائيل خلال فترة الحرب (تموز 2006) بكل وضوح. ما هو برأيك وضع الولايات المتحدة وإدارة الرئيس بوش في المنطقة في الوقت الحالي؟ أجاب: "الولايات المتحدة دولة صديقة لإسرائيل ولا يمكن لأحد إنكار ذلك. والولايات المتحدة دولة صديقة للبنان كذلك. ونحن نعتبر أنها ساعدت لبنان لكن ليس بما يكفي".

سئل: "هل تشعر بالغضب والمرارة لأن هذه الإدارة دعمت الحرب على لبنان؟" أجاب: "لن أحقق شيئا لو اتخذت هذا الموقف. ما الفائدة من ذلك؟ لا شيء سوى المزيد من الاحتكاك مع الولايات المتحدة. نحن نريد تغيير النهج الذي تتبعه الولايات المتحدة، ونعبر عن آرائنا وشعورنا بالمرارة لكن ليس بطريقة تعزز هذا الشعور لدينا".

سئل: "ما الذي تغير برأيك في وضع حزب الله قبل الحرب وبعدها؟"، أجاب: "رغم أنها مسألة مثيرة للجدل، أظن أن أغلب اللبنانيين يدعمون الدولة. جرّب اللبنانيون كل أنواع الحلول للحصول على حماية المجموعات الدينية والأحزاب لكن ذلك لم يعطهم لقمة الخبز التي يحتاجونها ولم يحسّن ظروفهم أو وضعهم السياسي".

هذه هي القضية عند فؤاد... حبّ وودّ لا يستطيع إنكاره أو التخلّي عنه، حتى لو دمّرت صديقته الولايات المتحدة وصديقتها "إسرائيل" كل لبنان بمن وبما فيه... فالمهم لقمة الخبز حتى لو كانت مغمّسة بالدم، هذا إذا استطاع الناس أن يجدوا لقمة خبزهم في عهد فؤاد.
2011-08-20