ارشيف من :آراء وتحليلات

هل يمكننا أخيراً أن نتكلم عن ثورات عربية؟

هل يمكننا أخيراً أن نتكلم عن ثورات عربية؟
عقيل الشيخ حسين

الإصرار على النظر إلى الثورات العربية على أنها ثورات فواكه وأزهار، أو على أنها ربيع عربي، يؤدي حتماً إلى الاعتراف بفشلها الذريع.

فقد كان كافياً لرجل واحد أن يتسلق جدار برلين وأن يلوّح يثمرة أناناس لينهار النظام الشيوعي كقصر من ورق، مفتتحاً بذلك الانتقال الخاطف للبلدان الشيوعية سابقاً إلى الحرية والديموقراطية والازدهار، على ما تروجه الدعاية في بلدان الغرب.

لكن، وبخلاف الأنظمة الشيوعية التي شيطنتها الدعاية الغربية بشكل منهجي، فإن معظم الأنظمة العربية كانت تنفذ الإملاءات الأميركية حرفياً على جميع الصعد في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها. وبالتالي، فإنها كانت تعيش في ربيع ثوري دائم!!!

ينبغي إذاً، ومن أجل الخروج من هذا الخلط المشبوه، أن ننظر إلى الثورات العربية من زاوية أخرى، واقعية، في ظل الحرص على تقدمها في الاتجاه الأكثر انسجاماً مع ظروف وحاجات وطموحات المجتمعات العربية.

ومن هذه الزاوية، لا يمكننا إلا أن نلاحظ أن ما يسمى بالربيع العربي يتطاول ليغطي فصول السنة الأربعة، أو حتى يتراجع ليخرج من جميع المناخات الثورية المتعارفة.

أولاً في سوريا. ثورة مضادة لا أكثر ولا أقل. تشهد على ذلك المحاولات المحمومة من قبل القوى الإمبريالية العظمى والحركة الصهيونية وامتداداتهما الإقليمية والمحليةمن أجل إسقاط نظام هو من الأنظمة القليلة التي ـ على المستوى العالمي ـ تعتمد سياسات يمليها عليها وفاؤها لقضايا الأمة العربية، وفي طليعتها القضية الفلسطينية.

في اليمن، تراوح الثورة في مكانها وتأخذ شكلاً مفتوحاً على الحرب الأهلية: علي عبد الله صالح يؤكد أنه سيعود وشيكاً إلى صنعاء بعد أن أمضى أسابيع للاستشفاء في السعودية التي يطلق منها يومياً تهديداته بصوملة اليمن.

في البحرين، نظام آل خليفة لا يتزحزح بفضل التدخل العسكري من قبل جيوش السعودية وبلدان مجلس التعاون الخليجي، ويُخضع لصنوف القمع الدموي وغير الدموي حركة الاحتجاج التي تضم الغالبية الساحقة من الشعب البحريني.

في ليبيا، ينفتح المشهد، سواء رحل القذافي أم لم يرحل، على مستنقع آسن يصعب الخروج منه. فكل الطرق تبدو متجهة بالثورة نحو الفوضى المدمرة. فالمعارضة غير متجانسة، والأكيد أنها تشهد صراعات داخلية تجعل من الصعب عليها إثبات مشروعيتها واستقلاليتها بسبب حضور الحلف الأطلسي الذي تدين له بنصر تصفه الصحافة الغربية/ منذ الآن، بالـ "كارثي": يشتبهون بأنها تضم في صفوفها أعداداً فوق اللزوم من العناصر المتطرفة، ما يعني أن الحل السعيد ليس على الأبواب.

في تونس ومصر، صحيح، هذا أمر مهم جداً من الناحية الرمزية، أن رمزين كبيرين من رموز الاستبداد والفساد قد طردا من السلطة. لكن النظامين اللذين وطدا أركانهما خلال عقود مديدة لا يزالان، بوجه عام، في عافية رغم بعض الإصلاحات التي تحتاج إلى المزيد من العمق.

أما في المغرب والجزائر والأردن والسعودية وغيرها، فالأمر لا يزال مقتصراً على تظاهرات خجولة.

على العموم، وفيما لو كان هنالك إصرار على هذه التسمية التي تشبه أحداث العالم العربي بتلك التي أدت إلى انضمام معظم بلدان المعسكر الشيوعي إلى الغرب، فإننا نجد أنفسنا أمام مشهد شديد التنافر مع الآمال المعقودة على ما يسمى بالربيع العربي.

لكن هذا المشهد يصبح أكثر تعرضاً لدفء الشمس ونورها عندما نأخذ في الحساب هذا الواقع العربي المشحون، منذ مئات السنين، بالويلات والمصائب. يكفي أن نلقي نظرة سريعة على الشعوب العربية وتاريخها المأساوي الممتد بين تسلط الحكام وآلام الناس والتدمير الاستعماري...

ولكي يكون من الممكن أن نتكلم عن ثورات عربية، مع الاقتصار على تعبيراتها ذات الصلة بالغدة السرطانية الإسرائيلية، ليس من الممكن إلا أن نتوقف طويلاً أمام ظاهرة المقاومة في فلسطين ولبنان. إذ ليس أمراً تفصيلياً أن نرى الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر وهو يتعثر في سرابيل الخيبة أمام أبواب كيانين صغيرين هما غزة ولبنان، في حين لا تفعل الأنظمة العربية الاستسلامية غير التآمر عليهما بقصد اجتثاثهما من الوجود.

وليس تفصيلاً أن نرى لبنان الرسمي، الوحيد بين الدول العربية التي أنجزت، في ظل ظروف غاية في الصعوبة، ثورة كبرى تمثلت بتشكيل الحكومة الحالية، وهو يعطل، قبل أيام، قراراً في مجلس الأمن يلصق تهمة الإرهاب بالعملية التي استهدفت مستوطنين وعسكريين إسرائيليين في النقب.

مع التجمعات الشعبية في المدن المصرية للمطالبة بإغلاق وكر الجواسيس الإسرائيلي في القاهرة وبإلغاء معاهدة كامب دافيد والاتفاقيات الملحقة مع الكيان الصهيوني، وهي التجمعات المدعوة لأن تكون أكثر مليونية من تجمعات ساحة التحرير، يمكن القول بأن فجر الثورات العربية قد بزغ بالفعل.
2011-08-22