ارشيف من :آراء وتحليلات

ثلاثة أسباب وراء تهديدات ساركوزي بسحب قواته العاملة في جنوب لبنان

ثلاثة أسباب وراء تهديدات ساركوزي بسحب قواته العاملة في جنوب لبنان

باريس ـ نضال حمادة

تعيش الدبلوماسية الفرنسية هذه الفترة حالة من عدم الاستقرار ووضوح الرؤية، مع ارتجالية في التفاعل مع الأحداث لا تأخذ بالحسبان المصالح سواء على المدى القريب أو البعيد. فالرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي الذي قرر فجأة ركوب موجات الثورات العربية بعد سقوط نظامي زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر، اعتقد أن أي بلد عربي سوف يشهد تحركات شعبية سيكون مصير النظام فيه السقوط على غرار تونس ومصر متجاهلا الاختلاف في الأوضاع وطبيعة التركيبات العشائرية والطائفية والعرقية والاجتماعية بين البلدان العربية. فما إن لاحت الفرصة في ليبيا حتى تزعم ساركوزي حرباً أطلسية ضد نظام معمر القذافي لم تنته بعد ولا تعرف نتيجتها ولا حتى البدائل لنظام القذافي هذا في حال سقط مع صعوبة تحقيق هذا الهدف في الأمد القريب رغم الضجة الإعلامية حول تقدم للمعارضة الليبية المدعومة أطلسياً.

وفي سوريا ركب ساركوزي الموجة أيضاً من خلال تحالف هزيل مع دولة هزيلة مثل قطر في حجمها السياسي أو الديمغرافي أو العسكري، فأتت نتائج هذا التحالف هزيلة بالنسبة لفرنسا التي اعتقدت أن العسكر التركي سوف يجبر الرئيس السوري وأركان نظامه على الرحيل فيما سيعمل المال القطري على تمويل معارضة عسكرية لنظام الأسد في دمشق على غرار ما حدث في ليبيا، فإذا بالجيش السوري يدخل القرى السورية على الحدود مع تركيا ويسحق بوادر التمرد هناك.
في هذا السياق أتى التراجع التركي بعد حملة التهديدات ضد سوريا والموقف السوري القوي المدعوم دولياً من روسيا والصين وإقليمياً من إيران، ليصيب المحور الساعي لإسقاط النظام في دمشق بنكسة كبيرة جعلت دول هذا المحور الغربي ـ العربي ـ التركي تلقي بأوراقها كلها دفعة واحدة في وجه دمشق ما أفقدها أي تأثير على مسرح الأحداث. ولم يكن الرفض التركي ـ السعودي الامتثال للطلب الأميركي بدعوة الرئيس السوري للتنحي إلا بداية إرهاصات هذا التراجع في مواجهة سوريا فقد شعرت فرنسا بالخسارة تقترب مع اقتراب أيلول حيث مواعيد استحقاقات كثيرة تواجهها الدبلوماسية الفرنسية، أولها الوعد الذي قطعته فرنسا للثورات العربية بالاعتراف بدولة فلسطينية في أيلول المقبل، وهذا ما أصبح في حكم الملغى حيث تسعى فرنسا للالتفاف على هذا الوعد عبر الدعوة لمؤتمر سلام في الشرق الأوسط أو مؤتمر للدول المانحة للسلطة الفلسطينية.

في سياق هذا الفشل في سوريا وعدم القدرة على تنفيذ الوعد والاعتراف بدولة فلسطينية في أيلول المقبل، أتى تصريح الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي الذي قال فيه "إن تعرض الجنود الفرنسيين لعملية في جنوب لبنان على غرار ما حصل مؤخراً قد يضطر فرنسا لسحب جنودها في لبنان"، في رسالة واضحة أراد ساركوزي إيصالها إلى ثلاثة أطراف هي أميركا، "إسرائيل"، وتركيا، ولكل جهة رسالة خاصة يسعى ساركوزي من خلالها الى إيصال امتعاضه من تجاهل هذه الأطراف لمصالحه بعد ان اندفع بعيداً فى مغامراته العسكرية والسياسية من ليبيا إلى سوريا، وهذه الرسائل الساركوزية هي التالية:

ـ رسالة برسم الولايات المتحدة أن فرنسا سوف تسحب يدها من جنوب لبنان ما يخلق فراغاً أمنياً في هذه المنطقة قد يؤدي إلى حرب طاحنة لا تصب في مصلحة أميركا وحلفائها العرب والإسرائيليين. ورسالة ساركوزي الأميركية هذه تريد التذكير بمصالح فرنسا في المنطقة بعد موقفها من سوريا الذي ينذر بفقدانها الكثير من نفوذها فيها.

ـ رسالة لنتنياهو أن عليه النظر بجدية للموقف الفرنسي الصعب من قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث إن مصداقية فرنسا في العالم العربي سوف تنهار كلياً في حال استمر التعنت الإسرائيلي الرافض لمبدأ الاعتراف بدولة فلسطينية، فالنموذج الليبي يترسخ في الوعي العربي كلما ورد ذكر فرنسا وسياستها.

ـ الرسالة الثالثة هي لتركيا التي لديها جنود ضمن قوات اليونيفل في جنوب لبنان، ومطالب ساركوزي هنا واضحة وهي تتعلق بتراجع الموقف التركي من سوريا حيث وضع الرئيس الفرنسي التصعيد ضد سوريا مقابل بقاء الجنود الفرنسيين في لبنان، وإلا فإن انسحاب فرنسا سوف يؤدي إلى انسحاب الأوروبيين، وبالتالي سوف تسحب تركيا جنودها من لبنان وهي التي رأت في وجودها في بلاد الأرز حلماً بعودة نفوذ وسيطرة كانا في الماضي القريب...
2011-08-23