ارشيف من :آراء وتحليلات
مثقفو المعارضة السورية: تخاذل، أم تواطؤ؟!
"ليست الشجاعة
أن تقول كل ما تعتقد، وإنما الشجاعة أن تعتقد كل ما تقول" ـ (أرسطو)
لؤي توفيق حسن (*)
لأكثر من مرة أكدنا على أهمية أن يكون مثقفو المعارضة في سوريا بوصلة الحراك المتصاعد على مدى ستة أشهر. هذا بعد أن اختلط فيه ما هو دخيل على اسبابه الموضوعية التي أطلقته وعبرت عنها المطالبات بالحرية، والإصلاح، وتناوب السلطة.
أن يكون المثقفون ضميراً، فهذا يعني فيما يعني ضرورة ارتقائهم الى مستوىً يتخطى الحدث ذاته ليصل الى محيطه الإقليمي والدولي. كما وان الحدث نفسه وهو يكبر مثل كرة الثلج يملي على كل المثقفين واجب البحث عن جواب للسؤال الإشكالي: إلى أين؟!... إشكالية أملتها هذه الذروة، حيث المعارضة تخوض بحسب وصفها معركةً باتجاهٍ واحد؛ وظهرها الى الهاوية. والنظام يخوضها بوصفها أيضاً معركة بقاء أو فناء أملتها الشروط المتصاعدة عليه. وهذا لا نقوله تبريراً لردها العنيف، وانما توصيفاً لحالةٍ تبدو بهذه المعطيات كالدوران في حلقة مفرغة من الفعل ورد الفعل؛ وبثبات غير قابل للانكسار يمليه توازن القوى بين طرفي الكباش: السلطة، والمعارضة.
نعم ان موازين القوى هي نتاج لحقائق باتت ثابتة، وستظل على هذا الحال في المدى المنظور. من أهمها:
1 ـ وجود عصب قوي حال دون انفراط عقد المؤسستين العسكرية، والأمنية.
2ـ هناك صعوبات تحول دون تدخل خارجي لكسر التعادل في ميزان القوى، لأسباب عديدة منها ما يتصل بتداعياته على الجوار بحكم موقع سوريا الجيو استراتيجي. ومنها ما يتصل يتكاليفه الباهظة؛ فكيف ودول الاطلسي وعلى رأسها الولايات المتحدة تقف على عتبة تفليسة مالية موصوفة، وغير مسبوقة.
3- المعارضة من جهتها تمتلك الإصرار، مع الإمكانية على النزول الى الشارع ودفع أثمانه؛ وفقاً لتكتيك مدروس يهدف الى تشتيت قوى السلطة بقصد استنزافها. بل كان يمكننا القول انها تتحرك وفقاً لإطار تنظيمي لولا اختراقها من جماعات مسلحة، أساءت للحراك، ونسفت إطاره السلمي المعلن!.
غير ان هذا التعادل لم يفتح المجال لبصيرة البحث عن مخرج على مائدة مستديرة!. وهذا بالأساس لكون الطرفين محاصرين في مواقفهما. فالمعارضة تعتبر أن تركها الشارع هو (تسليم رأسها الى المقصلة!). والسلطة ترى انها باتت محشورة في مواجهةٍ محكومةٍ بثنائية الموت او الحياة؛ من وجهة نظرها على الاقل.
لكن التعادل غير موجود مقارنة بالصورة هنا، وبالصورة هناك. فالسلطة تستحوذ على شرعية الموقف، ونعني عدم انجرافها في منزلق التسويات مع "اسرائيل". وهو موقف يرتقي بأسبابه من الواقع الذي أثبت بأن هذه ( التسويات) لم تقدم للشعوب (رَغَد العيش!) كما بشّر به عرّابو "الحل السلمي". كما ويستمد الموقف بعده الأخلاقي من أن (التسويات) لم تكن أكثر من فرصة جديدة لإسرائيل كي تنقضّ على ما تبقى من فلسطين. هذا غير المهانة في قضم المقدسات، او استباحتها!!.
معارضة الداخل لا تضع امام عينيها إلا "اسقاط النظام" بأي سبيل!!؛ مفسحةً بذلك لمعارضة الخارج أن تصادر حركتها الدبلوماسية لربطها بأجندات خارجية؛ وهكذا باتت ثقافة أصحاب هذه الأجندات تلقي بظلالها على حراك الداخل، وعلى حساب العناوين التي انطلق من أجلها الحراك!!!.
حيال هذه المفارقة برز طيف ثالث غير قليل من السوريين جعل من معارضة النظام قضية في المستوى الثاني. فيما الأولى هي رفض المجهول الذي تستقدمه مغامرات معارضات الخارج، بكل ما يحمله من صور بشعة وتخلٍّ عن القيم. يتجلى في القنوات المفتوحة بينها وبين تل أبيب. آخرها كان ظهور البيانوني على القناة الثانية الإسرائيلية، وهو يتغزل بـ "امكانيات السلام المتوفرة"!!. هذا من غير ان ننسى دعوة الصهيوني الليكودي برنار هنري ليفي لحضور مؤتمر باريس لـ"المعارضة السورية". وثمار التنسيق التي انتجت مؤتمراً صهيونياً دعا اليه ليفي في باريس تحت عنوان: "أنقذوا سوريا" !!، حضرته (شخصيات من المعارضة!)، على سبيل المثال ملهم الدروبي (اخوان مسلمون)، لمى الأتاسي؛ وآخرون.
لا شك بأن هذا سيشكل عبئاً معنوياً وأخلاقياً على (بعض) معارضات الداخل، وعلى مثقفيها!!!. غير ان معرفتنا بالرصيد الجماهيري للمثقفين أولئك تدعونا لكي لا نطلب منهم الكثير. لكن معرفتنا بمنبتهم الفكري، او الحزبي، تدعونا للسؤال: إن لم تستطيعوا تصويب هذا الانهيار القيمي في السياسة؛ فلماذا لم تنأوا بأنفسكم، إن لم يكن من باب التمايز فعلى الأقل طلباً لراحة الضمير. إذ بين حبر اقلامكم وتحت ظلال حضوركم الصحفي والاجتماعي قام من يسمون أنفسهم: (ثواراً!) بحرق علم ثورة الثوار ونموذجها الأخلاقي الأرفع، ونعني علم المقاومة في وجه اسرائيل. فإن كان بعض الإسلاميين بينهم ـ او مدّعي الإسلام! ـ قد حجب عقوقهم وحقدهم بصيرتهم حتى أحرقوا راية إسلامية مجاهدة تزدان بآيةٍ من الذّكر الحكيم، فماذا حجب رؤيتكم أيها المثقفون كي لا تروا رمزية العلم بما يدّخر من قيمة قومية، وتاريخ حافل بالعطاء، والشهداء، والانتصارات!!. وكيف غاب عن بصيرتكم جوهر المسألة. حيث مناصبة المقاومة العداء ـ وأية مقاومة ـ هو شلال ينسكب في طواحين أمريكا، وربيبتها اسرائيل.
إذا كان هذا التشوّه قد انبنى من خارج سيطرتكم، فلماذا لا تفصحون عنه؟!. كي لا تبدوا شهود زورٍ في حراكٍ دخل نطاق الاستثمار الخارجي!. أو تراكم أصبحتم بحق متواطئين!!.. الأيام قادمةٌ وهي خير كاشف.
(*) كاتب من لبنان
لؤي توفيق حسن (*)
لأكثر من مرة أكدنا على أهمية أن يكون مثقفو المعارضة في سوريا بوصلة الحراك المتصاعد على مدى ستة أشهر. هذا بعد أن اختلط فيه ما هو دخيل على اسبابه الموضوعية التي أطلقته وعبرت عنها المطالبات بالحرية، والإصلاح، وتناوب السلطة.
أن يكون المثقفون ضميراً، فهذا يعني فيما يعني ضرورة ارتقائهم الى مستوىً يتخطى الحدث ذاته ليصل الى محيطه الإقليمي والدولي. كما وان الحدث نفسه وهو يكبر مثل كرة الثلج يملي على كل المثقفين واجب البحث عن جواب للسؤال الإشكالي: إلى أين؟!... إشكالية أملتها هذه الذروة، حيث المعارضة تخوض بحسب وصفها معركةً باتجاهٍ واحد؛ وظهرها الى الهاوية. والنظام يخوضها بوصفها أيضاً معركة بقاء أو فناء أملتها الشروط المتصاعدة عليه. وهذا لا نقوله تبريراً لردها العنيف، وانما توصيفاً لحالةٍ تبدو بهذه المعطيات كالدوران في حلقة مفرغة من الفعل ورد الفعل؛ وبثبات غير قابل للانكسار يمليه توازن القوى بين طرفي الكباش: السلطة، والمعارضة.
نعم ان موازين القوى هي نتاج لحقائق باتت ثابتة، وستظل على هذا الحال في المدى المنظور. من أهمها:
1 ـ وجود عصب قوي حال دون انفراط عقد المؤسستين العسكرية، والأمنية.
2ـ هناك صعوبات تحول دون تدخل خارجي لكسر التعادل في ميزان القوى، لأسباب عديدة منها ما يتصل بتداعياته على الجوار بحكم موقع سوريا الجيو استراتيجي. ومنها ما يتصل يتكاليفه الباهظة؛ فكيف ودول الاطلسي وعلى رأسها الولايات المتحدة تقف على عتبة تفليسة مالية موصوفة، وغير مسبوقة.
3- المعارضة من جهتها تمتلك الإصرار، مع الإمكانية على النزول الى الشارع ودفع أثمانه؛ وفقاً لتكتيك مدروس يهدف الى تشتيت قوى السلطة بقصد استنزافها. بل كان يمكننا القول انها تتحرك وفقاً لإطار تنظيمي لولا اختراقها من جماعات مسلحة، أساءت للحراك، ونسفت إطاره السلمي المعلن!.
غير ان هذا التعادل لم يفتح المجال لبصيرة البحث عن مخرج على مائدة مستديرة!. وهذا بالأساس لكون الطرفين محاصرين في مواقفهما. فالمعارضة تعتبر أن تركها الشارع هو (تسليم رأسها الى المقصلة!). والسلطة ترى انها باتت محشورة في مواجهةٍ محكومةٍ بثنائية الموت او الحياة؛ من وجهة نظرها على الاقل.
لكن التعادل غير موجود مقارنة بالصورة هنا، وبالصورة هناك. فالسلطة تستحوذ على شرعية الموقف، ونعني عدم انجرافها في منزلق التسويات مع "اسرائيل". وهو موقف يرتقي بأسبابه من الواقع الذي أثبت بأن هذه ( التسويات) لم تقدم للشعوب (رَغَد العيش!) كما بشّر به عرّابو "الحل السلمي". كما ويستمد الموقف بعده الأخلاقي من أن (التسويات) لم تكن أكثر من فرصة جديدة لإسرائيل كي تنقضّ على ما تبقى من فلسطين. هذا غير المهانة في قضم المقدسات، او استباحتها!!.
معارضة الداخل لا تضع امام عينيها إلا "اسقاط النظام" بأي سبيل!!؛ مفسحةً بذلك لمعارضة الخارج أن تصادر حركتها الدبلوماسية لربطها بأجندات خارجية؛ وهكذا باتت ثقافة أصحاب هذه الأجندات تلقي بظلالها على حراك الداخل، وعلى حساب العناوين التي انطلق من أجلها الحراك!!!.
حيال هذه المفارقة برز طيف ثالث غير قليل من السوريين جعل من معارضة النظام قضية في المستوى الثاني. فيما الأولى هي رفض المجهول الذي تستقدمه مغامرات معارضات الخارج، بكل ما يحمله من صور بشعة وتخلٍّ عن القيم. يتجلى في القنوات المفتوحة بينها وبين تل أبيب. آخرها كان ظهور البيانوني على القناة الثانية الإسرائيلية، وهو يتغزل بـ "امكانيات السلام المتوفرة"!!. هذا من غير ان ننسى دعوة الصهيوني الليكودي برنار هنري ليفي لحضور مؤتمر باريس لـ"المعارضة السورية". وثمار التنسيق التي انتجت مؤتمراً صهيونياً دعا اليه ليفي في باريس تحت عنوان: "أنقذوا سوريا" !!، حضرته (شخصيات من المعارضة!)، على سبيل المثال ملهم الدروبي (اخوان مسلمون)، لمى الأتاسي؛ وآخرون.
لا شك بأن هذا سيشكل عبئاً معنوياً وأخلاقياً على (بعض) معارضات الداخل، وعلى مثقفيها!!!. غير ان معرفتنا بالرصيد الجماهيري للمثقفين أولئك تدعونا لكي لا نطلب منهم الكثير. لكن معرفتنا بمنبتهم الفكري، او الحزبي، تدعونا للسؤال: إن لم تستطيعوا تصويب هذا الانهيار القيمي في السياسة؛ فلماذا لم تنأوا بأنفسكم، إن لم يكن من باب التمايز فعلى الأقل طلباً لراحة الضمير. إذ بين حبر اقلامكم وتحت ظلال حضوركم الصحفي والاجتماعي قام من يسمون أنفسهم: (ثواراً!) بحرق علم ثورة الثوار ونموذجها الأخلاقي الأرفع، ونعني علم المقاومة في وجه اسرائيل. فإن كان بعض الإسلاميين بينهم ـ او مدّعي الإسلام! ـ قد حجب عقوقهم وحقدهم بصيرتهم حتى أحرقوا راية إسلامية مجاهدة تزدان بآيةٍ من الذّكر الحكيم، فماذا حجب رؤيتكم أيها المثقفون كي لا تروا رمزية العلم بما يدّخر من قيمة قومية، وتاريخ حافل بالعطاء، والشهداء، والانتصارات!!. وكيف غاب عن بصيرتكم جوهر المسألة. حيث مناصبة المقاومة العداء ـ وأية مقاومة ـ هو شلال ينسكب في طواحين أمريكا، وربيبتها اسرائيل.
إذا كان هذا التشوّه قد انبنى من خارج سيطرتكم، فلماذا لا تفصحون عنه؟!. كي لا تبدوا شهود زورٍ في حراكٍ دخل نطاق الاستثمار الخارجي!. أو تراكم أصبحتم بحق متواطئين!!.. الأيام قادمةٌ وهي خير كاشف.
(*) كاتب من لبنان