ارشيف من :آراء وتحليلات

عولمة التعليم كأداة أميركية للسيطرة على "الربيع العربي"

عولمة التعليم كأداة أميركية للسيطرة على "الربيع العربي"
علي شهاب
لم يخرج الخبراء بنتيجة حاسمة في بحثهم عن أسباب الثورات التي حدثت مؤخرا في العالم العربي، ذلك ان عوامل عديدة تداخلت من دون أن يكون لعامل واحد الأسبقية في دفع التحركات، الى حد تسقط معه المقاربات التقليدية عند تحليل ما جرى ويجري، خاصة بعد أن ثبت أن الولايات المتحدة الأميركية تحديدا تسارع متأخرة لركوب موجات الثورات في العديد من الدول بعد ان فشلت اجهزتها الاستخبارية في استشراف مدى وتوقيت اي حراك في اي من الدول العربية.
في هذا السياق، وضعت ريبيكا وينثروب مديرة "مركز التعليم العالمي" التابع لمؤسسة "بروكينغز" دراسة اشارت فيها الى بُعد التعليم في الدول العربية ودور هذا القطاع في الثورات استهلتها بالقول إن "الأسباب التي أدت إلى الثورات التي حدثت مؤخرا في العالم العربي كثيرة ومعقدة، وبالتأكيد لا يمكن أن نَعزو ذلك إلى عامل واحد. فقد تحدث العديد من الخبراء حول الدور الكبير الذي لعبته وسائل الإعلام الاجتماعية؛ وتحدث البعض الآخر عن الإحباطات العميقة بجانب الفساد والشرعية الدولية والسياسات الخارجية".
وتتابع ونثروب إنه "بالرغم من ذلك، إلا أن الخبراء قد ركزوا على نقطة تحول واحدة ألا وهي التركيبة السكانية ـ لا سيما مع تضخم أعداد الشباب ـ. إن نحو ما يقرب من نصف سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحت سن الـ 20، كما لا تزال تشكل نسبة ارتفاع معدلات البطالة (التي تقدر بنحو 25 %) من بين أعمار 15 إلى 24 خطراً كبيراً في المنطقة. في الوقت الذي يعد فيه إتمام التعليم بمثابة الطريق الأساسي للخروج من تحت خط الفقر في العديد من البلدان، تتوافر لخريجي الجامعات، في المغرب والجزائر، فرص عمل أقل من أقرانهم الذين أتموا المدارس الابتدائية أو الثانوية. في مصر والبحرين، ترتفع نسبة البطالة في هؤلاء الذين أتموا التعليم الثانوي عن أقرانهم الذين حصلوا على المدرسة الابتدائية فقط.
وقد لعب التعليم دوراً بارزاً في الانتفاضات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع اتفاق الكثيرمن المعلقين على أن تكامل الشباب المتعلم قد تمخض عنه ما يسمى بـ "الانطلاقة العربية". وبالرغم من ذلك إلا أنهم فاتهم أن قضاء سنوات عديدة في المدرسة لم ينتج عنه عدد كبير من الشباب العربي الحاصل على التعليم الجيد.

لم يكن يُروج لهذه الثورات شباب على قدر عال من التعليم؛ بل كان الدافع لهذه الانتفاضات هو احتياجات ومتطلبات شباب لم يحظوا بقدر عالٍ من التعليم، والذين لا تتوافق معارفهم ومهارتهم مع مطالب تتقدم بشكل سريع. لقد خصصت الحكومات العربية بشكل عام جزءاً كبيراً من دخلها القومي على التعليم؛ حيث تنفق كل من جيبوتي، وتونس، والمغرب، والمملكة العربية السعودية، واليمن أكثر من 5 % من إجمالي ناتجها المحلي على التعليم. وقد أدى ذلك إلى إحراز تقدم كبير نحو وصول أكبر عدد ممكن إلى المدرسة؛ ووصلت نسبة الالتحاق الإجمالية في التعليم الابتدائي في المناطق الإقليمية في عام 2008 إلى 96 % (بالرغم من التفاوت الجدير بالذكر بين الجنسين، مع نسبة أولاد بلغت 100 % من معدل الالتحاق الإجمالي، إلى نسبة 91 % من إجمالي الفتيات). تُنهي نسبة 97 % منهم الصف الأخير في التعليم الابتدائي ومن ثم تبلغ نسبة 95 % من تلك المرحلة الانتقالية إلى المدرسة الثانوية. وإلى الآن، ما يزال عائد الاستثمار المتعلق بالنتائج التعليمية منخفضا للغاية. إن النظم التعليمية في المنطقة معاقة بانخفاض الجودة وعدم الموضوعية واللامساواة.

انخفاض جودة التعليم
إن نتائج اختبار القراءة الدولية المماثلة في الصف الرابع توضح أنه، في الكويت وقطر والمغرب، أكثر من 90 % من الطلاب قد حصلوا على أقل من الحد الأدنى للدرجات، والتي تشير إلى أن هؤلاء الطلاب لم يحصلوا على فهم أساسي لما يقرأونه بعد أربع سنوات على الأقل من التعليم المدرسي. كما إن النتائج لم تتحسن مع مرور الوقت أيضاً. تُظهر درجات الرياضيات والعلوم للصف الثامن أن غالبية الطلاب في الجزائر ومصر والسعودية وسوريا وقطر هي أقل من الحد الأدنى. يفتقد هؤلاء الطلاب للفهم المبدئي للأعداد الصحيحة والكسور العشرية والرسوم البيانية البسيطة. ووفقاً لما قاله كيفن واتكينز، بأن الأنظمة التعليمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سقيمة، نظراً لأن مدرسيها لم يحصلوا على تدريب مناسب، فضلاً عن النظرة المتدنية من جانب المجتمع لهم؛ وكذلك التركيز على التلقين أكثر من التفكير البناء؛ وكذلك في المنهج الذي يسعى إلى تدريب الطلاب إما على العمل في القطاع العام ـ الذي تتضاءل عدد فرص العمل فيه بسرعة ـ أو على مواصلة التعليم بعد المرحلة الثانوية، والذي يعجز عنه معظم الطلاب لأسباب لا تُحصى.

أسواق العمل
وقد أدى ذلك التفاوت في المهارات المكتسبة من المدرسة وتلك المطلوبة في مكان العمل إلى انتشار "قائمة الانتظار"، والتي تشير إلى تلك الفترة المعروفة والمتزايدة التي ينتظرها الشباب العربي بعد التخرج وحتى الحصول على أول وظيفة له. إن الدعم هو جزء من مشكلة البطالة نظراً لأن هذه الدول لا تُولّد ما يكفي من الوظائف المهارية لاستيعاب الزيادة في القوة العاملة المُعلّمة. لكن النصف الآخر من المشكلة يتمثل في تزويد الشباب بالمهارات اللازمة لفرص العمل المتاحة. وهذا يتوقف على نوعية ومدى ملاءمة التعليم الذي يتم توفيره، وبخاصة في سنوات ما بعد المرحلة الابتدائية. تُبين الأبحاث المرتبطة بتعليم وتوظيف الشباب العربي أن ثلثهم لا يجيد القيام بالعمليات الحسابية الأساسية، في حين لا تتوفر لدى الثلثين الآخرين المهارات اللازمة للحصول على وظيفة جيدة. تعمل النظم التعليمية إلى حد كبير على إعداد الطلاب للعمل في البيروقراطيات الحكومية التي لا يتوافر بها سوى عدد محدود من فرص العمل، بدلاً من إعداده لمجالات العمل المتاحة في القطاع الخاص.

الحرمان من التعليم
بالرغم من تركز الاهتمام في الشهور الأخيرة على الشباب في العالم العربي، فلا يزال هناك الملايين من أطفال العائلات الفقيرة خارج نطاق التعليم الدراسي. ولا يمكن تجاهل حقوقهم واحتياجاتهم التعليمية. توجد بهذه المنطقة أيضاً بعض الفجوات الكبيرة بين الجنسين حيث تتجاوز نسبة التحاق الأولاد بالمدارس وإتمامهم للتعليم إلى حد كبير نسبة الفتيات. في مصر، تحتاج فتيات الأسر الضعيفة، التي تعيش في منطقة صعيد مصر الريفية إلى رعاية مضاعفة؛ حيث إن نصفهم يتلقى أقل من أربع سنوات من الدراسة وربعهم يحصل على أقل من عامين دراسيين.

إن العالم العربي والمجتمع الدولي بشكل عام بحاجة ماسة إلى التركيز على الجودة والموضوعية والمساواة في فرص التعليم، ولا سيما أثناء فترة المراهقة. وقد تبين ذلك كثيراً في التقرير الجديد لمركز التعليم العالمي بعنوان "الاتفاقية العالمية بشأن التعلم: اتخاذ إجراءات بشأن التعليم في البلدان النامية". يتطلب تحسين نتائج التعلم وجودة التعليم عملاً جماعياً مُركّزاً.
أولاً، يجب أن يحظى الأطفال بفرصة التعلم المبكر مع برامج مميزة لتنمية الطفولة المبكرة.
ثانياً، يجب أن يتعلم الأطفال مهارات القراءة والكتابة والحساب في الصفوف الابتدائية الأولى من أجل الاستمرار والنجاح في المدرسة.
ثالثاً، يجب أن يُتم الأولاد الصغار المدرسة الابتدائية ويحصلوا على فرص تعليمية تمدهم بالمعارف والمهارات اللازمة للعيش في حياة آمنة وصحية ومنتجة.
إن ظهور أزمة التعلم العالمية وتراجع الدعم الدولي للتعليم يقودنا إلى الدعوة إلى اتفاق عالمي جديد بشأن التعلم والذي من شأنه أن يوفر إطاراً عريضاً وسلسلة من الإجراءات الهادفة لتحسين فرص ونتائج التعلم لجميع الأطفال والشباب، ولا سيما الأكثر تهميشاً. تسعى الاتفاقية العالمية إلى تعبئة المجتمع الدولي، بما في ذلك حكومات البلدان النامية والمتقدمة، والجهات الفعّالة المتعددة الأطراف، ومؤسسات من القطاع الخاص والشركات، والمجتمع المدني المحلي والدولي ـ من أجل وضع التعليم في جدول أعمال التعليم العالمي ـ. توجد حاجة ماسة إلى اتخاذ إجراءات جريئة والتزام جدّي من جميع مجموعات العمل معاً بتبني المبادئ الستة التالية:
• يجب أن تعمل قيادات البلدان النامية والمتقدمة، وكذلك رؤساء الشركات والمؤسسات والمنظمات غير الحكومية، على تقديم رسالة واحدة واضحة ومتناسقة: وهي الاهتمام بتعليم جميع الأطفال والشباب، وحتى من توجد صعوبة في الوصول إليهم.
• يجب تضافر جهود الشراكة بين الجهات الفعّالة الملتزمة بتحسين التعلم في العالم النامي من أجل تحقيق أقصى قدر من التأثير وضمان سير الجميع في نفس الاتجاه.
• توجد حاجة ماسة إلى التمويل من أجل توفير التعليم للجميع، وهذا يعني أنه يجب تخصيص المزيد من الموارد في الوقت الذي يتم فيه استخدام الموارد المتاحة على نحو أكثر فعالية.
• إن قياس التقدم التعليمي بطريقة يمكن معها تتبع التقدم المحرز ضد التباينات القائمة وتوفير نظرة متعمقة مفيدة وفي حينها للتطبيقات القياسية للحجرة الدراسية، يعد أمراً ضرورياً من أجل تحقيق هذه الأهداف.
• الحصول على التأييد الذي يعمل على تعبئة الرأي العام لإرسال إشارات قوية إلى الحكومات بشأن أهمية التعلم للجميع، وتتولى بعد ذلك هذه الحكومات ـ النامية والمتقدمة ـ المساءلة عن النتائج.
• بناء الدليل الذي من شأنه الإجابة على الأسئلة المتبقية حول كيفية تحسين التعليم ومن ثم استخدام هذه المعلومات في توسيع نطاق الحلول المضمونة من أجل مواجهة أزمات التعلم.
إن جودة التعليم والتعلم وحدها لن تقضي على جميع مخاوف الشباب المتظاهرين في الشرق الأوسط. ولكن بدون مزيد من الاهتمام بالقضايا الحقيقية المتعلقة بالجودة والموضوعية والمساواة في النظم التعليمية لهذه البلدان، فإن تضخم أعداد الشباب، والتي من المقدر لها أن تصل إلى 100 مليون بحلول عام 2035، سوف يمثل تحدياً لهذه المنطقة، بدلاً من أن يوفر لها مستقبلاً مزدهراً.
2011-08-26