ارشيف من :آراء وتحليلات
الحريرية السياسية: ضرب المقاومة أولاً وأخيراً
مصطفى الحاج علي
المشهد اللبناني خليط مركّب وغير منتظم من السجالات الحادة التي تتغذى على ما توفره لها المحكمة الدولية وكل ما يدور في فلكها من وقود تكفل لها الاستمرار وفق ايقاع زمني مدروس سياسياً، ومن المواقف التي تبدو سابقة لوقتها، يضاف اليها تطور أمني هنا، وتطور آخر هناك، وكل ذلك وسط تسجيل المزيد من التطورات الاقليمية التي من شأنها ان تعيد تشكيل النظام الاقليمي وفق صورة مغايرة تماماً، والتي بدورها تحفز على الرهان، وعلى الانتظار معاً، وفي هذا الإطار الشامل ليس بين يدي الحريرية السياسية ومن يدور في فلكها من تجمع الرابع عشر من آذار سوى لعبة المحكمة، والرهان على سقوط النظام في سوريا، واللعبة هنا تأخذ أشكالاً مختلفة من اعلامية وفضائية، كما تتوخى انجاز مجموعة من الأهداف المترابطة، أبرزها:
أ - الإمعان في ضرب مصداقية المقاومة، والنيل منها معنوياً، وذلك في سياق اسقاط هذا الخيار في نظر اللبنانيين والعرب أيضاً، فالمطلوب اسقاط صفة المقاومة عن حزب الله وإلصاق صفة الارهاب به، الذي لا يحبذ الا أعمال القتل والتصفيات السياسية.
ب ـ تحويل حزب الله الى عبء على الحكومة، والعمل على احراجه بين خيارين لا ثالث لهما: تسليم من افتري عليهم من المقاومين للمحكمة الدولية اذا شاء ان يفصل بينه وبينهم، وإلا فهو متهم معهم، وبالتالي، تمديد الاتهام ليشمل الحزب كله وليس فقط هؤلاء المقاومين الأربعة، وأما الخيار الثاني فيتمثل بدفعه الى تقديم استقالته من الحكومة.
ج ـ احراج رئيس الحكومة تحديداً في بيئته المذهبية والمناطقية واحراجه أيضاً في الخارج، من خلال تصويره بأنه يحتضن "القتلة"، ولا يبذل الجهد المطلوب لتسليمهم الى القضاء الدولي، وكل ذلك لدفعه الى أحد خيارين:
إما أن يقدم على الاستقالة، وإما أن يقدم على اقالة وزراء الحزب، ما يعني عملياً فرط عقد الحكومة أيضاً.
د ـ شراء المزيد من الوقت للمحكمة حتى لا تذهب الى المحاكمة الغيابية من خلال الادعاء بأنه يمكن القاء القبض على المفترى عليهم، والمطلوب لانجاز ذلك بذل أعلى درجات الضغط على الحكومة من خلال الرجوع مجدداً الى مجلس الأمن، ولا سيما ان عناوين هؤلاء الاخوة معروفة بحسب دعوى هذا الفريق.
هـ ـ تطوير الموقف الاتهامي، فبعد أن عمل بداية على الفصل بين المفترى عليهم، وحزب الله، شرع هذا الفريق بإلصاق التهمة في الحزب نفسه، ملمحاً الى احتمال أن يتم استدعاء مسؤولين كبار منه الى المحاكمة بمن فيهم سماحة الامين العام السيد حسن نصر الله، بذريعة اعلانه الصريح حمايته لهؤلاء المقاومين، وان لا نية للحزب بتسليمهم ولو بعد 300 عام.
و ـ تطوير الموقف الاتهامي ليشمل ايران وسوريا خصوصاً بعد التسريب الجديد لمجلة دير شبيغل التي أكدت ان النسخة الاضافية من القرار الاتهامي ستصل الى دمشق وطهران، وهذا ما أخذ يسوّق له أركان في الحريرية السياسية، وكذلك سمير جعجع، بذريعة ان المنطق يقول بذلك، حيث إنه لا يمكن اعتبار ما قام به هؤلاء المقاومون قد تم بقرار فردي، وانما بقرار من اعلى المستويات نظراً للعلاقة الايديولوجية والسياسية التي تربط كلاً منهم بالآخر.
ز ـ استغلال أي حادث مهما كان معزولاً وله سياقه الخاص في سياق الحملة المركزة على حزب الله لتشويه صورته حتى مع ادراك هؤلاء ان لا صلة له على الأقل ببعضها، في هذا الإطار، يمكن ادراج الاستغلال الرئيس من قبل هذا الفريق لملف الخلاف العقاري في منطقة لاسا في بلاد جبيل، وهو استغلال بلغ حد تجاوز منطق البطريركية المارونية نفسها، وحرصها على معالجة الملف بهدوء، وبعيداً عن أي ممارسات استفزازية.
الأهداف هنا واضحة أيضاً، وهي تتمثل في تعكير العلاقة بين البطريركية وحزب الله، وهي علاقة تشهد انطلاقة جيدة، اضافة الى الاساءة الى صورة حزب الله في الساحة المسيحية، وبما يضغط على علاقة عون مع حزب الله أيضاً، وسيسيء اليه مسيحياً.
خ ـ خلاصة الكلام هنا، ان الحريرية السياسية وكإحدى أدوات المشروع الاميركي في المنطقة، لا هم لها الا محاصرة المقاومة بالضغوط لتثقيل حركتها، ولافقادها زمام المبادرة، ولوضعها في حالة اشغال متواصلة بما يستنزفها سياسياً ومعنوياً.
والأخطر هنا، يبقى متمثلاً بتوسل الحريرية السياسية للتحريض المذهبي في حربها الشاملة هذه ضد المقاومة، وبما يؤدي الى تفسيخ النسيج الوطني الداخلي، ويشكل رافداً لمشروع الفتنة الاميركي والبعض عربي في المنطقة، وفي مطلق الأحوال، تبدو فاقدة لتوازنها السياسي، خصوصاً بعيد خروجها من السلطة، وهي لا تكاد تلوي على شيء، ولا هم لها إلا العودة الى هذه السلطة حتى لو تطلب الأمر حرق البلد، هذا الى جانب الأزمات البنيوية التي تعاني منها، ما يجعلها تفتقد الى أي مشروع وطني حقيقي، وما يجعلها تعيش فقط على خبز المحكمة الدولية، وعلى رهانها المستمر على سقوط النظام في سوريا.