ارشيف من :ترجمات ودراسات

صدمة لبنان غيرت من أنماط التفكير لدى المستويين السياسي والعسكري في "اسرائيل"

صدمة لبنان غيرت من أنماط التفكير لدى المستويين السياسي والعسكري في "اسرائيل"
المصدر: "موقع NFC الاخباري ـ يوسي شاحر"

"ما هو أساس الإدارة الحكومية المخجلة، القليلة الاعتبار، المخزية، القاحلة، التي تشكّل خطرا على حياة مليون مواطن في جنوب البلاد وتشوّه سنواتهم؟ هل عدم سقوط الغراد حتى الآن على تل أبيب له علاقة بذلك؟.

حقيقة أن دولة سيادية تسلّم على مدى سنوات باعتداء مستمر على سيادتها وتمتص على مدى سنوات الآلاف من الاعتداءات من شتى أنواع الأسلحة على مستوطناتها ومدنها وعلى سكانها المدنيين، هي ظاهرة فريدة من نوعها. ليس لها أخ ولا صديق في العلاقات بين الدول، وبالتأكيد ليس في دولة قوتها العسكرية أفضل بأضعاف من قوة هؤلاء الذين يطلقون النيران عليها. غير معقول أنه من بعد خراب غوش قطيف والترحيل الحكومي الذي حصل قبل ست سنوات، والذي كان هدفه فصل مخرّب غزة وإبطال حجة النزاع في غزة، فالأمر الذي حصلنا عليه كتعويض منذ ذلك الوقت على ضوء إنهاء الاحتلال هو دم ونيران وأعمدة من الدخان.

أنتقل هنا إلى الاستنتاجات المطلوبة من التجربة في غزة إزاء يهودا والسامرة، ماذا بعد أن تعتقد فئات محددة أن التجربة، التي هي عامل أساسي في كل مجال، ليست عاملا ضروريا لنأخذه في الحسبان في علاقاتنا الخاصة والاستثنائية مع جيراننا وزملائنا. فداخل العائلة الأمر مغاير. لذلك، نكرر ونركّز على الشذوذ الذي يحصل في غزة. ما هو أصل الإدارة الحكومية المخجلة، القليلة الاعتبار، المخزية، القاحلة، التي تشوّه وتعرّض حياة مواطنيها للخطر؟ والذي حتى اليوم عددهم مليون شخص تقريبا.

السبب الرئيسي ـ قلب الأدوار: تحويل المواطنين إلى سور واقٍ للشباب ـ الجنود لكي لا يتعرضون للخطر في النشاطات التي قد تقودهم لخسائر عديدة. بذور الظاهرة قد زرعت في بداية ثمانينيات القرن الماضي في حرب لبنان الأولى، في الانسحاب ـ الأصح في الهرب ـ من لبنان وسط الليل، من خلال ترك مواقع عسكرية كاملة، أسلحة، دبابات، عتاد ثقيل ووثائق سرية، والأخطر من كل ذلك ـ التخلي عن مقاتلي جيش لبنان الجنوبي (تسادل)، الذين قاتلوا جنبا إلى جنب مع جنود الجيش الإسرائيلي 15 سنة في الحزام الأمني وتُركوا هم وعائلاتهم تحت رحمة حزب الله.

الهروب وترك الحزام الأمني هو نتيجة حرب عصابات لحزب الله ضد قوات الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي، الحرب التي دفعت ثمن دماء مستمرا، حيث ذروة الصدمة كانت ثلاثة أحداث: سقوط جنود الشييطت بكمين مخربين، كارثة المروحيات ومقتل العميد أيرز غرشتاين. أثّر مجموع هذه الأحداث تأثيرا ساحقا على الضغط الشعبي للخروج، حيث كانت منظمة باسم "الأمهات الأربع" من حمل راية الخروج، والتي دُعمت من قبل الوسائل الإعلامية، بما في ذلك إحصاء عدد القتلى المتغير (ما يدل على أن إحصاء أيام أسر شاليط هو ليس اكتشافا جديدا).

من دون التطرق إلى تداعيات الإجراء حينها على الوضع الاستراتيجي لدولة إسرائيل على حدودها الشمالية اليوم، واضح من دون أدنى شك أن صدمة لبنان غيّرت أنماط التفكير والعمل سواء على المستوى السياسي أو العسكري. منذ ذلك الحين، الوسائل القتالية الأساسية هي التحصّن، الحماية، الباطون، الجدار والقبة الحديدية. من جيش يبادر، يقدّم العلاج قبل الضربة، يطبّق الفرضية بأن الدفاع الأفضل هو الهجوم، أصبح جيشا ينسحب، يرد ويدافع بقدر محدّد، كي لا تزداد لا سمح الله ألسنة النيران وتهدأ.

هكذا فإنّ الثّمن المتوقّع هو المؤشر الأساسي للاستعداد ولطبيعة العمل. الثمن الذي يمكن أن يدفعوه في المستقبل والذي من يدفعه اليوم دُفع إلى الهوامش، وماذا بعد أن تبيّن بأن تكهنات الخبراء حول ارتفاع الثمن الإنساني في عمليات الجيش الإسرائيلي المدروسة أنها غير صحيحة ومبالغ فيها جدا. نعم، أعرف أن الجيش الإسرائيلي خاضع للمستوى السياسي وهكذا يجب أن يكون. أنا أنظر إلى الواقع، ليس إلى نسب الاتهام والمسؤولية إنما للنتائج. بالطبع إن تبديل قيم ولهجات المجتمع الإسرائيلي لها تأثير واضح على هذه المعادلة. إحداها ـ أن صاروخ الغراد حتى الآن لم يسقط على تل أبيب.

لهذا الوضع اللامعقول هناك سبب آخر سياسي، خاطئ أو مقصود: التعاطي مع منظمة حماس. فحماس هي حكومة مهيمنة منتخبة. محاولة إبقائها في موقع المنظمة الإرهابية معناه أنه لا يوجد سلطة مسؤولة في غزة إنما جماعات ومنظمات وفوضى حكومية. والعالم منذ زمن لم ينظر هكذا للحكومة في غزة. هي المنتخبة، هي السيد. الإمكانية غير المحسوسة التي تسمح لها بدحرجة المسؤولية والتنصل منها، بمعنى هذا ليس أنا ـ بل هو، تلعب لمصلحتها. هناك حكومة واحدة في غزة ـ حماس ونحن علينا حرمانها من هذا الترف. لكل رصاصة، ولكل قذيفة هاون هناك عنوان واحد المسؤول حصريا: حماس، هي المسؤولة. ذنبها على جنبها".
2011-08-29