ارشيف من :خاص

الجامعة العربية... عندما تنضم إلى جوقة العداء للعروبة الحقة!

الجامعة العربية... عندما تنضم إلى جوقة العداء للعروبة الحقة!

عقيل الشيخ حسين

عندما كانت قضايا الصراع العربي ـ الإسرائيلي تتطلب من الجامعة العربية اتخاذ مواقف حازمة في الدفاع عن تلك القضايا، كانت هذه الأخيرة تتقهقر إلى آخر المسرح حتى وصلت، في ظل طغيان النزعة الاستسلامية على معظم الأنظمة العربية، إلى حالة انعدام الوزن الكاملة، والعجز عن جمع أعضائها حتى في دوراتها العادية. وقد حدث أكثر من مرة أن تعطلت تلك الدورات لعدم اكتمال النصاب لا لشيء إلى لأن الدول النافذة فيها كانت تستخدم قدراتها المالية الضخمة في إغراء هذه الدولة أو تلك في تعطيل نشاط الجامعة.

لكنها استعادت حيويتها سريعأاً وصارت تعقد بمنتهى السهولة اجتماعات غير عادية عندما صار المطلوب منها أن تكون صدى لإرادة الغرب وحلفائه العرب.

ففي جلسة مجلس الجامعة التي وصفتها بعض أجهزة الإعلام بـ "التاريخية"، والتي انعقدت مؤخراً بشكل طارئ، توجه رئيس الجلسة إلى الشعب الليبي بالتهنئة من دون أن يذكر الإنجاز الذي يهنئه عليه، في وقت يقول فيه السفير الأميركي لدى المجلس الانتقالي بأن الساحة الليبية ستشهد المزيد من الدماء! وفي وقت يؤكد فيه الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، وهو أشد المتحمسين بين الزعماء الغربيين لنصرة الشعب الليبي، بأن الجزائر ستشهد العام القادم ما تشهده ليبيا اليوم!

وفي السياق نفسه، وعلى خطى ساركوزي الذي برر التدخل العسكري من قبل الحلف الأطلسي وحلفائه العرب في ليبيا بأكذوبته الشهيرة حول هذا التدخل الذي حال دون إزهاق أرواح آلاف الليبيين، وفي معرض إشادته بما أسماه القرار التاريخي الذي اتخذته الجامعة العربية ودولها بفرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا (؟؟!!)، أشاد الدكتور محمود جبريل، رئيس المكتب التنفيذي للمجلس الانتقالي الليبي، بذلك التدخل الذي أدى إلى إنقاذ الآلاف من الأبرياء الليبيين، علماً بأن عشرات الآلاف من الليبيين قد سقطوا حتى الآن، ومنهم من سقط بنيران حماتهم الأطلسيين، ناهيكم عن المزيد من الدماء التي ستشهدها الساحة الليبية، وفق تصريح السفير الأميركي.

وبعد المجاملات المتبادلة حول ليبيا الذبيحة والمدمرة والتي يسيل لعاب الغرب وسماسرته على ثرواتها النفطية وعائدات إعادة إعمارها (وزير الخارجية الفرنسي كان صريحاً إلى حد السماجة عندما وصف تدخل بلاده في ليبيا بأنه "استثمار للمستقبل") تركز اهتمام مجلس الجامعة العربية على سوريا.

اهتمام هو سليل الاهتمام الغربي بسوريا: بعد الفشل في استصدار قرارات بإدانة النظام السوري في مجلس الأمن، تم الإيعاز إلى دول عربية وإقليمية باتخاذ تدابير عدائية بحق سوريا. واتخذت تلك التدابير من دون أن تؤتي ثمارها المطلوبة من قبل أميركا و"إسرائيل" وامتداداتهما في المنطقة. وبقيت ورقة الضغط الأخيرة المتمثلة بالجامعة العربية التي سارعت إلى عقد اجتماعها الطارئ على مستوى وزراء الخارجية الذي لم يوفق إلى أكثر من إصدار بيان ختامي دُبر بليل وبغياب العديد من ممثلي الدول الأعضاء.

ربما لأن من عملوا على إمرار ذلك البيان الذي جاء متعارضاً مع التوجه العام الذي ساد الاجتماع هم من المعتادين، في مشيخاتهم وإماراتهم وممالكهم وجمهورياتهم العسكرية والاستخباراتية، على عدم اعتراض رعاياهم على رغباتهم السامية.

المهم أن البيان المذكور جاء مستنسخاً عن لغة التحريض الإعلامي المعروفة، وهو الأمر الذي اختصره الأمين العام للجامعة، نبيل العربي، بـ "عدم جدوى المنحى الأمني واستعمال العنف ضد الثورات والانتفاضات... التي يرفع لواءها الشباب العربي الواعد... والمواكب لعصره"، إضافة إلى مطلب الإصلاح.

بالنسبة للمنحى الأمني، يفهم من هذا الكلام أن على النظام السوري أن يفتح صدره لرصاص آلاف المسلحين، الوافدين والمقيمين، العاملين وفقاً لأجندات المؤامرة الكبرى على سوريا ودورها وموقعها في عملية التحرر العربي. وأن يقف مكتوف اليدين أمام مقتل المئات من عناصر الجيش العربي السوري، وأمام أعمال التخريب التي تستهدف البنى التحتية والمرافق الاقتصادية والمواطنين السوريين.

أما بالنسبة للشباب العربي الواعد والمواكب لعصره، فلا بد من تحرير هذه العبارة مما يكتنفها من غموض. فالشباب العربي واعد حقاً لأنه يعي أن قضيته هي قضية تحرر من نير تلك القوى المشهود لها في الماضي والحاضر بالعداء لقضايا العرب.

تلك القوى هي التي قَتلت، بين أسماء كبيرة أخرى، أمثال عمر المختار ويوسف العظمة. وهي التي زرعت الكيان الصهيوني في قلب المنطقة، وهي المسؤولة عن قتل مليوني جزائري، ومئات الألوف من الفلسطينيين، وأكثر من مليوني عراقي. فكيف تصبح هذه القوى حريصة على نصرة الشباب العربي الواعد في ليبيا وسوريا وبقية البلدان العربية؟

الشباب العربي الواعد هو الذي يحرص على عدم الوقوف في خندق واحد مع تلك القوى الاستعمارية والمجرمة بحق الشعوب العربية وبقية الشعوب المغلوبة على أمرها.

لم يبق "صحفجي" أو محلل لم يغمس كفيه في دماء العقل العربي طيلة حقبة الاستسلام العربي التي ولت إلى غير رجعة مع إصرار الشباب العربي في فلسطين ولبنان والعراق على إنزال الهزائم الكبرى بالجيوش التي لا تقهر. وهم الآن يستخفّون بذلك العقل عندما يحاولون إقناعه بأن بلداناً كأميركا، أو كبعض البلدان العربية التي تفتقر إلى دساتير وبرلمانات وتحرم الشعب من حق التظاهر، قد تحولت بسحر ساحر إلى نصرة قضايا الحرية والعدالة في سوريا وغير سوريا.

2011-09-01