ارشيف من :آراء وتحليلات

بعد الانتصار... جاء وقت الإجهاز على ليبيا!

بعد الانتصار... جاء وقت الإجهاز على ليبيا!

عقيل الشيخ حسين

إذا اعتبرنا اتخاذ قرار الحرب والتهيؤ لخوضها جزءاً من الحرب، فإن أحداً من البشر (من خارج الدائرة الخفية لأصحاب القرار) لا يعرف متى بدأت الحرب على ليبيا. ذلك ما تشي به السرعة التي تم فيها التوصل إلى اتخاذ مجلس الأمن قراره رقم 1973، كما تشي به السرعة التي بدأت فيها قوات التحالف بقصف ليبيا بشكل يكاد يكون فورياً بعد صدور القرار.

ولا يعرف أحد من البشر (بمن فيهم أصحاب القرار) متى تنتهي الحرب في ليبيا. تشهد على ذلك تصريحات المسؤولين الغربيين عن المزيد من الدماء التي ستهرق في ليبيا... وعن النية بمواصلة العمليات العسكرية ما ظل التهديد الذي قد يتعرض له المدنيون من قبل القذافي قائماً.

والحقيقة أن التهديد الذي يمثله، أو قد يمثله القذافي، يظل رهناً بحاجة الحلفاء إلى ابتزاز المجلس الانتقالي بهدف إجباره على تقديم الحد الأقصى من التنازلات أمام الإملاءات الغربية، وخصوصاً أنهم لجأوا إلى الكثير من أشكال الابتزاز حتى عندما كانت موازين القوى في غير مصلحة المجلس.

فرغم الاحتفالات بالانتصار، ما زال القذافي يمتلك العديد من نقاط القوة في مدن سرت وبني وليد وسبها وغيرها من المدن إضافة إلى خلايا نائمة، وقدرات عسكرية، وربما نفوذاً داخل المجلس الانتقالي نفسه، وكل ذلك قد يمكّنه من تنفيذ تهديداته التي دعا فيها إلى خوض حرب عصابات لتحرير ليبيا من المستعمرين ومن أسماهم بـ "الجرذان".

كما يمكن للقذافي، وهذا رهن بتطور الأوضاع في البلدان المجاورة، وخصوصاً في الجزائر التي توعدها الرئيس الفرنسي قبل أيام بمصير مشابه لمصير ليبيا بدءاً من العام القادم، يمكنه أن يراهن على دعم الجيران المستائين من عودة الاستعمار إلى شمال القارة الإفريقية من الباب الليبي، بعد نصف قرن من تحررها من الاحتلال الفرنسي.

ولو فرضنا أن ضرورات معينة دفعت الحلفاء إلى زيادة الضغط العسكري على القذافي ومكنتهم من إزاحته بشكل نهائي، فإن ضرورات أخرى قد تدفعهم إلى تغذية بذور الشقاق في صفوف الثوار.

فقد بات معروفاً أن بين الثوار أعداداً كبيرة من الإسلاميين المتشددين، ومنهم قياديون سبق وأسرتهم القوات الأميركية في أفغانستان، قبل أن تفتح لهم سبل الانتقال إلى بلدان المغرب واليمن، هم من يضطلعون بدور أساس في قيادة العمليات التي ينفذها الثوار.

وإذا كان رئيسٌ غربي كنيكولا ساركوزي يجد الآن أن "التحالف مع المجاهدين أمر مربح"، فإن ذلك يكشف ضخامة الكذب والانتهازية اللذين يستثمر فيهما الغربيون من خلال حربهم التي يشنونها على ما يسمونه بالإرهاب منذ العام 2001. كما يكشف عن استعدادهم لطعن الثورة الليبية من خلال المساعدة مثلاً في إقامة إمارات ودويلات متناحرة في ليبيا بقدر ما ينسجم ذلك مع نياتهم التفتيتية وأطماعهم الاستعمارية القابلة للتدحرج إلى البلدان المجاورة.

ثم إن تغذية بذور الشقاق تظل أمراً ميسوراً في ظل افتقار الثوار الليبيين إلى التجانس الضروري ووحدة الأهداف، وتعددية الانتماءات العقائدية والقبلية والمناطقية، والعلاقات التي بدأ بعض الأطراف بإقامتها مع الكيان الصهيوني، إضافة إلى التنافس على السلطة وأجواء التآمر الذي وصل إلى حد اغتيال القائد العسكري للثوار في وضع ما زال يكتنفه الغموض إلى اليوم.

وسواء تعلق الأمر بتهديدات القذافي، أم بضرورات "الدفاع" عن الليبيين في وجه المتشددين الذين يرعاهم الأطلسي وحلفاؤه العرب بمقتضى التحالف الذي بات معلناً، أو بهدف الاستثمار في محاربتهم لاحقاً، فإن الأطلسي يعمل باتجاه تعزيز مواقعه العسكرية على الأرض الليبية، بعد أن ثبتت مشاركة قوات خاصة بريطانية وأردنية وقطرية وإماراتية في العمليات العسكرية.

كما ثبتت مشاركة خبراء عسكريين أميركيين وفرنسيين في عمليات عديدة منها تدمير أو مراقبة أسلحة متطورة في حوزة كتائب القذافي، والمشاركة في اقتحام طرابلس وتعقب القذافي وأفراد أسرته ورموز نظامه، وكل ذلك في انتهاك صارخ لقرار مجلس الأمن.

أما تعزيز الوجود العسكري للتحالف في ليبيا فيشتمل، وفقاً لتصريحات العديد من المسؤولين الغربيين، على إنشاء قوة للتدخل السريع في ليبيا... وتأمين طائرات وحاملات طائرات في حال الضرورة.

على ذلك، تكون سياسات القذافي المشبوهة، واختطاف الثورة الليبية من قبل جهات مشبوهة بدورها، قد أعادت ليبيا إلى حقبة الاحتلال العسكري المباشر من قبل المستعمرين الجدد المنشغلين الآن بتقاسم ثروات ليبيا، وبالإعداد لتصعيد استنزاف الشعب الليبي الذي فقد حتى الآن ما لا يقل عن نصف مليون من أبنائه بين قتيل وجريح ومشرد، إضافة إلى الدمار الشامل الذي حل بليبيا مع ما ستؤدي إليه إعادة الإعمار من الإجهاز على ما تبقى من أرصدة ليبيا المالية المجمدة في مصارف الغرب.

2011-09-05