ارشيف من :خاص
واشنطن وتل أبيب تستعدان تركياً... للأسوأ في المنطقة!!
محمد الحسيني
تتزايد المقالات والتحليلات الداخلية والعربية، وتضج وسائل الإعلام على اختلافها بالتقارير المنسوبة إلى مراكز أبحاث ودراسات غربية، مشفوعة بمعلومات وتقديرات باحثين ومصادر استراتيجية، وكلّها تتحدث عن ترابط عضوي ومسار حتمي بين سوريا وإيران وحزب الله، وترسم سيناريوهات فسيفسائية عن مرحلة ما بعد حكم الرئيس بشار الأسد وكأنها قدرٌ محتوم، وتضخّم الرهانات المصيرية على الحراك الإعلامي ـ الدعائي الذي تتولى تظهيره فضائيات وصحف ومواقع الكترونية لبنانية وعربية في خطة مبرمجة وممنهجة ضمن مسار محدّد.
وما يدفع للاستغراب والتوقف عنده هو الحملات الدعائية المنسّقة، على الرغم من تبيان زيفها، وتحوّلات الأقلام الصحافية تحت وطأة الدفق المالي غير المسبوق، حتى إن البعض من الإعلاميين الذين كانوا، حتى الأمس القريب، معروفين بمقالاتهم الموزونة، ركب موجة التحريض والتحوير إلى درجة أنهم انساقوا وراء مقولات داخلية وخارجية باتت مستهلكة وأكل عليها الدهر وشرب، وبان سخفها وجهلها أمام الوقائع وحقائق التاريخ. كما بدأ بعض السياسيين الذين احترفوا التنبؤات بتوجيه النصائح "النصوحة" لإيران وحزب الله وحلفائهما بترتيب أوراقهم قبل انقلاب الطاولة وانفضاض اللاعبين وانتهاء اللعبة.
يُحكى اليوم أن نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا بات في مرحلة حرجة، وأن هذا الحرج بدأ ينعكس على إيران التي ما زالت تناور وتحاول اللعب بما تبقّى لديها من أوراق، وأنها في النهاية لن تنساق إلى الانتحار وراء سوريا وعاجلاً أم آجلاً سترى نفسها، مدفوعة ببراغماتية منطقية، مضطرة إلى الجلوس إلى طاولة التسوية، فهي غير مستعدة اليوم لحرب عالمية ذات طابع إقليمي تدمّر كل ثرواتها ومقدّراتها، بل هي بحاجة إلى المزيد من الوقت لاستكمال مشاريعها العسكرية والاقتصادية ولا سيما في مجال تخصيب اليورانيوم.
كما بدأ حرج نظام الأسد ينعكس على حزب الله الذي سيفقد حليفاً استراتيجياً كان إلى أمد قريب يكفل له الغلبة على كافة الأطراف في الساحة الداخلية اللبنانية، وبالتالي سيخسر عضداً أساسياً كان يساهم في جعله رقماً في المعادلة الإقليمية والدولية، ولذلك فالأفضل لحزب الله استباق هذا المصير والبدء منذ الآن بالتفكير في الانكفاء إلى الداخل وترك سلاحه وتفكيك شبكاته الأمنية وتسليم مقدّراته إلى الدولة اللبنانية والتحوّل إلى حزب محلي مع ضمان حفاظه على تمثيله السياسي ونشاطه الاجتماعي ضمن شعبيته وطائفته.
في المقابل، يبرز العامل التركي بقوة في دخوله الملتبس على ساحة التطوّرات، في ظل تواطؤ عربي مشهود وانشغال ميداني بتثمير نتائج الثورات العربية على مستوى إنشاء أنظمة حكم جديدة، لتمارس أنقرة، على وقع تكتيك أميركي واضح، دوراً محورياً في تشكيل صورة المرحلة المقبلة، ويمكن رصد مجموعة معطيات حدّدت الحضور التركي في لبنان والمنطقة منذ ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 وحتى اليوم وأهمها:
• الاتجاه لفرض تركيا مرجعية إسلامية قوية في المنطقة، في ظل انكفاء الحضور المصري وعدم قدرة السعودية على تثبيت دورها كقوة قادرة على أن تفرض قرارها على الدول العربية والإسلامية.
• الاتجاه لتكريس تركيا كمارد سني في مواجهة إيران كمارد شيعي في المنطقة لإحداث توازن قوى، في ظل عدم قدرة الكيانات العربية المحيطة على لعب هذا الدور.
• فرض تركيا كياناً سياسياً واقتصادياً قوياً في قلب أوروبا ولاعباً أساسياً في منطقة الشرق الأوسط في مقابل تسوية شاملة في المنطقة تكفل المصالح الأميركية والإسرائيلية، وتعوّض عن الإخفاق الأميركي في كل من العراق وأفغانستان ولبنان.
ويبدو أن رئيس الحكومة التركي رجب طيب أردوغان الذي يعلم جيداً لعبة التوزانات الدولية، استطاع أن يرسم صورة ناصعة لنفسه من خلال مواقفه المناصرة للقدس والقضية الفلسطينية، التي لا تزال محور القضايا العربية والإسلامية، ولم تحتوِ أدبياته السياسية على أي إشارة تقود إلى فرض نفسه كلاعب بديل أو مواجه للدول العربية الكبرى، ولم يصل إلى حد معاداة خط "التطرف الإسلامي" كما يسمّيه الغرب، وهادن إيران من دون أن يصل إلى حد الاصطدام معها.
ولعل أردوغان بتصعيده للمواقف مع "إسرائيل" لم يصل بعد إلى حد "كسر الجرّة"، بل ما زال دون الحدّ المطلوب منه على مستوى القرار التركي الرسمي، وهو بذلك لا يريد القطيعة مع "إسرائيل" بقدر ما يريد استكمال تبييض صورته بهدف تبرير مواقفه الأخرى التي قد يطلقها دون أن تُحتسب هذه المواقف على أنها تصب في خدمة "إسرائيل". وعليه من الواضح أن تركيا تلعب في هذه المرحلة دور "حصان طروادة" في تشتيت الصورة في لعبة محسوبة ستقبض فيها الثمن عاجلاً أم آجلاً، حتى لو استلزم الأمر أن تتورّط بشكل مباشر، بعكس ما حدث خلال الحرب الأميركية على العراق حيث اقتصر الدور التركي آنذاك على تأمين قواعد الانطلاق والمدد اللوجستي لقوات الاحتلال الأميركي مقابل مليارات من الدولارات جاءته من الخزائن العربية.
وإن كان الحراك التركي محدّداً في هذا الجانب، يبقى الجانب الآخر الذي تسوّق له الأبواق بشأن مستقبل حزب الله بعد مرحلة الأسد، وهو جانب ملتبس في أصل منطلقاته وخلاصاته، لأنه بنى فرضياتٍ مبتنية على توقّعات، من دون الأخذ بعين الاعتبار تجارب الماضي القريب، وأنشأ افتراضاتٍ حتمية على ظواهر إعلامية مضخّمة تعكس تحرّك مجموعات قليلة في أحياء متفرقة، وأصدر أحكاماً مبرمة تصبّ أولاً وآخراً في سياق التشويش الإعلامي، مع أن هذه الأبواق تعلم تماماً أن ما يحدث في شوارع سوريا لا يمكن أن يصل بتأثيراته إلى حد إسقاط نظام.
وعلى الرغم من التسليم بسلبية الحالة التي تعيشها سوريا في هذه المرحلة من جرّاء حراك العصابات المسلّحة المدعومة مالياً وعسكرياً بشكل مباشر من دول غربية وعربية، وعلى الرغم من الاعتراف بضرورة الإصلاح والتغيير في النظام المؤسساتي في سوريا، إلا أن إسقاط النظام في دمشق لا يمكن أن يأتي إلا بفعل خارجي لا تكفي معه الضغوط الاقتصادية، نظراً لقوة وتماسك المقوّمات والموارد الحياتية في الداخل السوري، لا بل إن أي عقوبات أوروبية كانت أم أميركية سترتد سلباً على منفّذيها، فضلاً عن فقدان الإجماع الدولي ضد الرئيس بشار الأسد ووقوف كل من روسيا والصين في مواجهة الولايات المتحدة وأوروبا، وعليه فإن الخيار الوحيد المتبقي أمام واشنطن وتل أبيب هو الدخول في مغامرة عسكرية غير محسوبة العواقب للتخلص من نظام الأسد، والاتجاه نحو إقحام تركيا في هذا الخيار اليائس.
أما على مستوى حزب الله، فمن السذاجة الحديث عن تأثّره بما يجري أو سيجري، هذا إذا سلّمنا بأن نظام الأسد سيسقط، كما السذاجة في الحديث عن استقدام عناصر عراقية وإيرانية وأخرى من حزب الله للدفاع عن النظام السوري، وكأن الدولة السورية، في ذهن هؤلاء، تماثل في كينونتها أو جغرافيتها إحدى الجزر أو إحدى الإمارات أو كأنها مجموعة مسلّحة تحصّنت يوماً ما داخل مخيّم وكانت تنعم بخيرات دولة عربية وتقبض أموالها من معتمد قبض تنشر فروع مصارفه في المناطق اللبنانية.
منذ أن انطلق حزب الله في أوائل الثمانينيات مروراً بالإنجازات العسكرية والأمنية خلال سنيّ المقاومة وصولاً إلى التحرير عام 2000 وانتهاءً بالانتصار الالهي في تموز 2006 وحتى اليوم، كان يعتبر نظام الأسد في سوريا حليفاً استراتيجياً في خط الممانعة والمقاومة بمواجهة السياسات الأميركية والإسرائيلية. وكانت المقاومة الإسلامية في كل محطاتها الناصعة تعتمد على حكمة قيادتها وبسالة مجاهديها ودماء شهدائها وجرحاها في صياغة المرحلة وتنتقل منها إلى مرحلة أخرى للحفاظ على سيادة الوطن.
لا يمكن أبداً إنكار أو إغفال الدورين الإيراني والسوري في دعم هذه المسيرة، ولكن إنجازات المقاومة لم تكن في يوم من الأيام مرتبطةً ببقاء نظام أو رحيل آخر، لا بل وجدت نفسها في وقت من الأوقات عند مفترق طرق احتدمت فيه الرهانات على رأسها، وواجهت اختبارات مصيرية من قبل أعداء الداخل والخارج، وبقيت بندقيتها مصوّبة نحو العدو الإسرائيلي، واستطاعت أن تخرج منتصرة وتفرض نفسها على الصديق حليفاً وخياراً وعلى العدو عدواً وخصماً، وإن كانت واشنطن وتل أبيب تستعدان تركياً للأسوأ في المنطقة فإن إيران وسوريا وحزب الله هم حتماً خارج هذه المعادلة لأنها خاسرة سلفاً.
تتزايد المقالات والتحليلات الداخلية والعربية، وتضج وسائل الإعلام على اختلافها بالتقارير المنسوبة إلى مراكز أبحاث ودراسات غربية، مشفوعة بمعلومات وتقديرات باحثين ومصادر استراتيجية، وكلّها تتحدث عن ترابط عضوي ومسار حتمي بين سوريا وإيران وحزب الله، وترسم سيناريوهات فسيفسائية عن مرحلة ما بعد حكم الرئيس بشار الأسد وكأنها قدرٌ محتوم، وتضخّم الرهانات المصيرية على الحراك الإعلامي ـ الدعائي الذي تتولى تظهيره فضائيات وصحف ومواقع الكترونية لبنانية وعربية في خطة مبرمجة وممنهجة ضمن مسار محدّد.
وما يدفع للاستغراب والتوقف عنده هو الحملات الدعائية المنسّقة، على الرغم من تبيان زيفها، وتحوّلات الأقلام الصحافية تحت وطأة الدفق المالي غير المسبوق، حتى إن البعض من الإعلاميين الذين كانوا، حتى الأمس القريب، معروفين بمقالاتهم الموزونة، ركب موجة التحريض والتحوير إلى درجة أنهم انساقوا وراء مقولات داخلية وخارجية باتت مستهلكة وأكل عليها الدهر وشرب، وبان سخفها وجهلها أمام الوقائع وحقائق التاريخ. كما بدأ بعض السياسيين الذين احترفوا التنبؤات بتوجيه النصائح "النصوحة" لإيران وحزب الله وحلفائهما بترتيب أوراقهم قبل انقلاب الطاولة وانفضاض اللاعبين وانتهاء اللعبة.
يُحكى اليوم أن نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا بات في مرحلة حرجة، وأن هذا الحرج بدأ ينعكس على إيران التي ما زالت تناور وتحاول اللعب بما تبقّى لديها من أوراق، وأنها في النهاية لن تنساق إلى الانتحار وراء سوريا وعاجلاً أم آجلاً سترى نفسها، مدفوعة ببراغماتية منطقية، مضطرة إلى الجلوس إلى طاولة التسوية، فهي غير مستعدة اليوم لحرب عالمية ذات طابع إقليمي تدمّر كل ثرواتها ومقدّراتها، بل هي بحاجة إلى المزيد من الوقت لاستكمال مشاريعها العسكرية والاقتصادية ولا سيما في مجال تخصيب اليورانيوم.
كما بدأ حرج نظام الأسد ينعكس على حزب الله الذي سيفقد حليفاً استراتيجياً كان إلى أمد قريب يكفل له الغلبة على كافة الأطراف في الساحة الداخلية اللبنانية، وبالتالي سيخسر عضداً أساسياً كان يساهم في جعله رقماً في المعادلة الإقليمية والدولية، ولذلك فالأفضل لحزب الله استباق هذا المصير والبدء منذ الآن بالتفكير في الانكفاء إلى الداخل وترك سلاحه وتفكيك شبكاته الأمنية وتسليم مقدّراته إلى الدولة اللبنانية والتحوّل إلى حزب محلي مع ضمان حفاظه على تمثيله السياسي ونشاطه الاجتماعي ضمن شعبيته وطائفته.
في المقابل، يبرز العامل التركي بقوة في دخوله الملتبس على ساحة التطوّرات، في ظل تواطؤ عربي مشهود وانشغال ميداني بتثمير نتائج الثورات العربية على مستوى إنشاء أنظمة حكم جديدة، لتمارس أنقرة، على وقع تكتيك أميركي واضح، دوراً محورياً في تشكيل صورة المرحلة المقبلة، ويمكن رصد مجموعة معطيات حدّدت الحضور التركي في لبنان والمنطقة منذ ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 وحتى اليوم وأهمها:
• الاتجاه لفرض تركيا مرجعية إسلامية قوية في المنطقة، في ظل انكفاء الحضور المصري وعدم قدرة السعودية على تثبيت دورها كقوة قادرة على أن تفرض قرارها على الدول العربية والإسلامية.
• الاتجاه لتكريس تركيا كمارد سني في مواجهة إيران كمارد شيعي في المنطقة لإحداث توازن قوى، في ظل عدم قدرة الكيانات العربية المحيطة على لعب هذا الدور.
• فرض تركيا كياناً سياسياً واقتصادياً قوياً في قلب أوروبا ولاعباً أساسياً في منطقة الشرق الأوسط في مقابل تسوية شاملة في المنطقة تكفل المصالح الأميركية والإسرائيلية، وتعوّض عن الإخفاق الأميركي في كل من العراق وأفغانستان ولبنان.
ويبدو أن رئيس الحكومة التركي رجب طيب أردوغان الذي يعلم جيداً لعبة التوزانات الدولية، استطاع أن يرسم صورة ناصعة لنفسه من خلال مواقفه المناصرة للقدس والقضية الفلسطينية، التي لا تزال محور القضايا العربية والإسلامية، ولم تحتوِ أدبياته السياسية على أي إشارة تقود إلى فرض نفسه كلاعب بديل أو مواجه للدول العربية الكبرى، ولم يصل إلى حد معاداة خط "التطرف الإسلامي" كما يسمّيه الغرب، وهادن إيران من دون أن يصل إلى حد الاصطدام معها.
ولعل أردوغان بتصعيده للمواقف مع "إسرائيل" لم يصل بعد إلى حد "كسر الجرّة"، بل ما زال دون الحدّ المطلوب منه على مستوى القرار التركي الرسمي، وهو بذلك لا يريد القطيعة مع "إسرائيل" بقدر ما يريد استكمال تبييض صورته بهدف تبرير مواقفه الأخرى التي قد يطلقها دون أن تُحتسب هذه المواقف على أنها تصب في خدمة "إسرائيل". وعليه من الواضح أن تركيا تلعب في هذه المرحلة دور "حصان طروادة" في تشتيت الصورة في لعبة محسوبة ستقبض فيها الثمن عاجلاً أم آجلاً، حتى لو استلزم الأمر أن تتورّط بشكل مباشر، بعكس ما حدث خلال الحرب الأميركية على العراق حيث اقتصر الدور التركي آنذاك على تأمين قواعد الانطلاق والمدد اللوجستي لقوات الاحتلال الأميركي مقابل مليارات من الدولارات جاءته من الخزائن العربية.
وإن كان الحراك التركي محدّداً في هذا الجانب، يبقى الجانب الآخر الذي تسوّق له الأبواق بشأن مستقبل حزب الله بعد مرحلة الأسد، وهو جانب ملتبس في أصل منطلقاته وخلاصاته، لأنه بنى فرضياتٍ مبتنية على توقّعات، من دون الأخذ بعين الاعتبار تجارب الماضي القريب، وأنشأ افتراضاتٍ حتمية على ظواهر إعلامية مضخّمة تعكس تحرّك مجموعات قليلة في أحياء متفرقة، وأصدر أحكاماً مبرمة تصبّ أولاً وآخراً في سياق التشويش الإعلامي، مع أن هذه الأبواق تعلم تماماً أن ما يحدث في شوارع سوريا لا يمكن أن يصل بتأثيراته إلى حد إسقاط نظام.
وعلى الرغم من التسليم بسلبية الحالة التي تعيشها سوريا في هذه المرحلة من جرّاء حراك العصابات المسلّحة المدعومة مالياً وعسكرياً بشكل مباشر من دول غربية وعربية، وعلى الرغم من الاعتراف بضرورة الإصلاح والتغيير في النظام المؤسساتي في سوريا، إلا أن إسقاط النظام في دمشق لا يمكن أن يأتي إلا بفعل خارجي لا تكفي معه الضغوط الاقتصادية، نظراً لقوة وتماسك المقوّمات والموارد الحياتية في الداخل السوري، لا بل إن أي عقوبات أوروبية كانت أم أميركية سترتد سلباً على منفّذيها، فضلاً عن فقدان الإجماع الدولي ضد الرئيس بشار الأسد ووقوف كل من روسيا والصين في مواجهة الولايات المتحدة وأوروبا، وعليه فإن الخيار الوحيد المتبقي أمام واشنطن وتل أبيب هو الدخول في مغامرة عسكرية غير محسوبة العواقب للتخلص من نظام الأسد، والاتجاه نحو إقحام تركيا في هذا الخيار اليائس.
أما على مستوى حزب الله، فمن السذاجة الحديث عن تأثّره بما يجري أو سيجري، هذا إذا سلّمنا بأن نظام الأسد سيسقط، كما السذاجة في الحديث عن استقدام عناصر عراقية وإيرانية وأخرى من حزب الله للدفاع عن النظام السوري، وكأن الدولة السورية، في ذهن هؤلاء، تماثل في كينونتها أو جغرافيتها إحدى الجزر أو إحدى الإمارات أو كأنها مجموعة مسلّحة تحصّنت يوماً ما داخل مخيّم وكانت تنعم بخيرات دولة عربية وتقبض أموالها من معتمد قبض تنشر فروع مصارفه في المناطق اللبنانية.
منذ أن انطلق حزب الله في أوائل الثمانينيات مروراً بالإنجازات العسكرية والأمنية خلال سنيّ المقاومة وصولاً إلى التحرير عام 2000 وانتهاءً بالانتصار الالهي في تموز 2006 وحتى اليوم، كان يعتبر نظام الأسد في سوريا حليفاً استراتيجياً في خط الممانعة والمقاومة بمواجهة السياسات الأميركية والإسرائيلية. وكانت المقاومة الإسلامية في كل محطاتها الناصعة تعتمد على حكمة قيادتها وبسالة مجاهديها ودماء شهدائها وجرحاها في صياغة المرحلة وتنتقل منها إلى مرحلة أخرى للحفاظ على سيادة الوطن.
لا يمكن أبداً إنكار أو إغفال الدورين الإيراني والسوري في دعم هذه المسيرة، ولكن إنجازات المقاومة لم تكن في يوم من الأيام مرتبطةً ببقاء نظام أو رحيل آخر، لا بل وجدت نفسها في وقت من الأوقات عند مفترق طرق احتدمت فيه الرهانات على رأسها، وواجهت اختبارات مصيرية من قبل أعداء الداخل والخارج، وبقيت بندقيتها مصوّبة نحو العدو الإسرائيلي، واستطاعت أن تخرج منتصرة وتفرض نفسها على الصديق حليفاً وخياراً وعلى العدو عدواً وخصماً، وإن كانت واشنطن وتل أبيب تستعدان تركياً للأسوأ في المنطقة فإن إيران وسوريا وحزب الله هم حتماً خارج هذه المعادلة لأنها خاسرة سلفاً.