ارشيف من :آراء وتحليلات

أميركا المفلسة تسرق العالم كله عبر طباعة الدولار الرخيص!

أميركا المفلسة تسرق العالم كله عبر طباعة الدولار الرخيص!

صوفيا ـ جورج حداد*

بنتيجة الازمة الخانقة التي تتعرض لها الولايات المتحدة، فإن الادارة الأميركية تقف أمام خيار إما الافلاس وإعلان العجز عن الدفع، وإما تحقيق الصدمة المالية بطباعة كميات كبرى من الدولارات الرخيصة. وبمثل هذا المخطط يمكن للولايات المتحدة أن تسوّي المتوجبات عليها نحو الدائنين الخارجيين.

فإذا ما وصل سعر صرف الدولار/ يورو الى معدل 1،5/1، فهذا يؤكد الأقاويل المتداولة منذ وقت بعيد بأن الولايات المتحدة ستحل مشكلاتها الاقتصادية على حساب الآخرين جميعاً عن طريق طباعة كميات جديدة من العملة الاميركية وتخفيض سعر صرفها. وهذا الأسلوب معروف، وقد سبق استعماله في الماضي. فأميركا تنفق الدولارات التي تستدينها من الآخرين، ثم تعمد الى تخفيض قيمتها الفعلية. ولإضفاء الطابع الاقتصادي "المشروع" على هذه اللصوصية الدولية المفضوحة، تمت مؤخراً الصفقة بين البيت الابيض ومجلسي النواب والشيوخ، وبين الحزبين الكبيرين الديمقراطي والجمهوري، على رفع سقف الدين العام المسموح به، اي المصادقة على اطلاق دفعات جديدة متتالية من سندات الخزينة والدولارات الورقية الرخيصة لتسديد اقسام من الديون القديمة بالدولارات الارفع سعراً فعلياً.

ويقول بعض الخبراء ان الخلل الاقتصادي لأميركا بلغ حداً ميؤوساً منه، وان كل الحقن المالية المصطنعة لاستعادة التوازن الاقتصادي سيكون لها نتيجة واحدة هي زيادة خلخلة الاقتصاد الرأسمالي العالمي من دون ان يساهم ذلك في انعاش الاقتصاد الاميركي الذي دخل في مرحلة "الموت الكلينيكي".

وفي السنوات الأخيرة، وبالرغم من وجود رئيس يميني على رأس السلطة، فإن الادارة الاميركية لم تفعل شيئاً لا لإعادة التوازن الى الميزان التجاري والميزانية المختلين، ولا لتخفيض النفقات الحكومية، ولا لتشجيع النمو الحقيقي. وكل ما تم القيام به، كان يجري في الاتجاه المعاكس، وكان يمكن أن يشكل كارثة تامة للولايات المتحدة الاميركية، فيما لو أن عملتها بقيت مستقرة، أو لو أن سعرها مال نحو الارتفاع.

وفي الوقت الراهن، وبحجة وجود مشاكل في سوق الرهن العقاري، فإن الفيديرال ريزرف (البنك المركزي) يعمد بشكل متواصل الى خفض الفائدة، الأمر الذي يشجع بشكل مباشر على تخفيض سعر صرف الدولار.

وبمثل هذا المخطط، فإن الولايات المتحدة الاميركية تعمد فعلاً الى تسوية متوجباتها للدائنين الخارجيين بأرخص شكل ممكن. فالقسم الأكبر من الدين العام يتشكل من دولار أغلى بكثير من سعر الدولار الحالي، أي ان قسماً من الدين العام قد تم فعلياً تسديده بفعل تخفيض سعر الدولار.

من حيث المبدأ، ان هذا النوع من السياسة يؤول الى إفقار السكان المحليين، بفعل تخفيض قيمة الأموال التي بحوزتهم. ما يعني تخفيض قيمة الأجور وتخفيض مستوى المعيشة. ومن شأن ذلك عادة إسقاط الحكومات.

ولكن هذا لم يحدث في الولايات المتحدة الاميركية لسبب بسيط، هو ان المنتج الأساسي للسلع المستوردة الى اميركا هو الصين، التي ثبـّتت عملتها فعلياً على الدولار. وهذا يعني أنه مهما انخفض سعر صرف الدولار، فإن الصينيين سيواصلون توريد سلعهم الى أميركا بالأسعار ذاتها المحددة بالدولار. وفي هذه الحالة فإن المستهلك الأميركي لن يشعر بأي فارق. ولكن في ظروف أخرى، طبيعية، فإن هذا المستهلك كان سيشعر بالفارق. ففي ظروف طبيعية كان ينبغي أن يرتفع سعر صرف العملة الصينية تجاه الدولار، وبالتالي أن ترتفع اسعار السلع الموردة الى أميركا، ومن ثم ان يرتفع حجم التضخم في أميركا، اي أن يتحمل الاميركيون على كواهلهم عبء نتائج طباعة العملة.

الا ان هذا لم يحدث، لأن الذي تلقى الضربة هو المصدرون الى الولايات المتحدة الاميركية، الذين يحصلون على دولارات ذات قيمة أرخص مقابل السلع التي يصدرونها. ومقابل هذه الأموال المتناقصة القيمة يتوجب على المصدرين الى اميركا ان يشتروا خامات اعلى سعراً، مثل النفط، الغاز، خامات الحديد وغيرها.
وهذا المخطط يقوم بمجمله على عاملين:

الاول هو وضعية الدولار بوصفه عملة دولية، وهو ما يسمح بمختلف اشكال الاستغلال والتلاعب لمصلحة الولايات المتحدة الاميركية.

والثاني هو شكل آلية تنظيم الاقتصاد العالمي، حيث يبدو السوق الأميركي وكأنه قدس الاقداس، الذي يطمح الجميع للوصول اليه. ولأجل المحافظة على هذا السوق فإن الصينيين لا يرفعون سعر صرف عملتهم؛ بل انهم ـ فوق ذلك ـ يعمدون الى شراء كميات ضخمة من السندات الاميركية، التي يعرف الجميع أن قيمتها ستسقط مع سقوط قيمة الدولار. ان جميع الدورات الاقتصادية مرتبطة بالاقتصاد الأميركي وهذا ما يجعلها جميعاً خاضعة لسيطرة الولايات المتحدة الأميركية.

وحتى الآن لا توجد أي علامات على أن الاميركيين ينوون تغيير سياستهم. توجد مشاريع لإعادة التوازن إلى الميزانية، ولكنها مصاغة بطريقة لا يمكن ان تؤدي الى نتائج في المدى القريب.

وهذا المسلك غير المسؤول من قبل الولايات المتحدة الأميركية يمكن أن يؤدي الى أزمة اقتصادية عالمية. وإمكانيات الصين لتخفيض أرباحها بسبب تخفيض قيمة مداخيلها وزيادة نفقاتها، هي إمكانيات ذات حدود في الحساب الأخير. وفي لحظة معينة يمكن حصول ما لا يجري تصوره الآن، وهو ان تبدأ أسعار السلع الصينية بالارتفاع، ما سيقطع الطريق على النمو الاقتصادي في الصين، ويشكل ضربة كبيرة للاقتصاد العالمي.

إن الاقتصاد العالمي يتجه نحو العولمة. ويوجد في العالم الآن عدة محاور اقتصادية أهمها: الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي واليابان. والدولار كان هو العملة العالمية الرئيسية، وكان من أعلاها سعراً. ولكن بعد أزمة 2008 بدأ سعر صرف الدولار ينخفض. وتشير الدلائل إلى ان الولايات المتحدة تسير إما نحو التعرض لصدمة مالية تدفعها نحو تخفيض جدي للنفقات الحكومية، وإما نحو إعلان الافلاس والعجز عن الدفع. وفي الوقت الراهن فإن مداخيل الضرائب بالكاد تغطي 60% من ميزانية الدولة، وهذا يعني أن احتمال تخفيض النفقات الحكومية يمكن ان يؤدي الى إغراق الاقتصاد الأميركي في بضعة أشهر فقط.

وفي حال اللجوء الى الصدمة المالية (عن طريق طباعة كميات كبرى من الدولارات الرخيصة) أو إعلان العجز عن الدفع، فإن علاقات الولايات المتحدة بالدائنين الخارجيين سوف تتعرض للانهيار، أما الدولار فإنه سيصاب بضربة لن يستطيع أن يتعافى منها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

* كاتب لبناني مستقل

2011-09-08