ارشيف من :آراء وتحليلات
وراء التشنج الظاهري... الدرع الصاروخية الأطلسية في تركيا... لحماية "إسرائيل"!
عقيل الشيخ حسين
حتى ما قبل أشهر قليلة، كان من الممكن القول بكل ثقة بأن أبشع أشكال الإذلال والامتهان هي تلك التي حاول الصهاينة ممارستها منذ أكثر من ستين عاماً، وما زالوا يحاولون، بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المغلوبة على أمرها تحت نير أنظمة الاستسلام التي تفترس شعوبها ولا تتردد في وضع التصدي للعدوان الإسرائيلي تحت عناوين المغامرة وانعدام الحكمة وإلقاء النفس في التهلكة.
وما زال قول ذلك ممكناً اليوم، ولكن مع تعديل مهم: أنظمة الاستسلام وجدت ـ في تركيا الرسمية التي يفترض أنها لم تعد تركيا الجنرالات ـ من ينازعها التواطؤ مع محاولات إخضاع الشعوب العربية والإسلامية للإذلال والامتهان.
لقد استبشرت الشعوب العربية والإسلامية بالتحولات التي طرأت على السياسة الخارجية التركية منذ المشادة الشهيرة التي وقعت قبل عامين بين شيمون بيريز ورجب طيب أردوغان بعد انتقادات وجهها هذا الأخير للإسرائيليين بخصوص ممارساتهم العدوانية بحق الفلسطينيين.
واستبشرت أكثر عندما أدانت تركيا العدوان الإسرائيلي على غزة وشاركت بقوة في جهود رفع الحصار عنها من خلال الإسهام اللافت في تشكيل أسطول الحرية.
وعندما بطش الجيش الإسرائيلي بناشطي أسطول كسر الحصار وقتل تسعة من الناشطين الأتراك، ظن كثيرون أن ما كسر لم يعد ممكنا جبره بين تركيا والكيان الصهيوني. وخصوصاً أن هذا الحدث جاء متزامناً تقريباً مع الاستياء التركي إزاء تعمد الولايات المتحدة و"إسرائيل" إخفاء معلومات هامة من النوع الذي توفره المراقبة عبر الأقمار الصناعية عن عمليات تسلل يقوم بها مسلحو حزب العمال الكردستاني إلى تركيا العضو الأساسي في الحلف الأطلسي (رقم 2 من حيث تعداد القوات المسلحة)، والحليف الرئيسي للكيان الصهيوني في المنطقة.
وخصوصاً أيضاً أن ذلك الاستياء قد ترافق مع قفزات نوعية في مجال الارتقاء بالعلاقات على اختلافها بين تركيا وكل من سوريا وإيران، مع بروز توجهات نحو تشكيل جبهة عالمية تضم دولاً كبرى في آسيا وأوروبا وإفريقيا وأميركا اللاتينية بهدف كسر هيمنة القطبية الأميركية الأحادية.
لكن كل ذلك لم يحل دون ارتفاع الكثير من أصوات التشكيك بصدقية تركيا. صحيح أنها سحبت بعد مجزرة أسطول الحرية سفيرها من "إسرائيل"، لكنها لم تقم يومها بطرد السفير الإسرائيلي في أنقرة، واكتفت بتقديم شكوى إلى الأمم المتحدة تطالب باعتذار رسمي وبتعويضات مالية لضحايا سفينة مرمرة.
وهي ما تزال متمسكة بعضويتها في الحلف الأطلسي، وباتفاقياتها الاقتصادية والعسكرية مع الكيان الصهيوني، ومساعيها الهادفة إلى استيراد أسلحة إسرائيلية متطورة، وتصديها رغم علاقاتها التجارية المتميزة مع إيران لتطبيق العقوبات الدولية عليها بشكل صارم.
ثم رجح ميزان التشكيك بشكل واضح مع التزام تركيا بأطلسيتها في الحرب على ليبيا، ثم بشكل أكثر وضوحاً في الموقف التركي من الأحداث في سوريا، وهو الموقف الذي التقت فيه بشكل كامل مع الغربيين حيث أثبتت استعدادها للقيام بدور جسر للتدخل الأطلسي العسكري في سوريا.
ويبدو أن تزامن إخفاق المؤامرة على سوريا وظهور قابلية تركيا بأكثر من شكل للتراجع عن موقفها العدائي تجاهها مع صدور تقرير الأمم المتحدة حول مجزرة سفينة مرمرة، وهو التقرير الذي لم يخذل الباطل ولم ينصر الحق، قد أدخل تركيا في حالة تخبط واضحة حيث قامت في وقت واحد بطرد السفير الإسرائيلي وبتعليق العلاقات العسكرية والتجارية مع الكيان الصهيوني، من جهة، وبالموافقة على إقامة درع صاروخية أطلسية فوق أراضيها، من جهة أخرى.
حشود كبيرة من المحللين الغربيين وجدوا في الأمرين مفارقة غريبة. فالغرب نصب دروعاً صاروخية في بولندا وتشيكيا وغيرهما تكفي لصد أي هجوم صاروخي قد تقوم به إيران (على ما يقولونه للتخفيف من غضب روسيا التي تدرك أنها المستهدف الوحيد من وراء هذا الإجراء).
إذاً، وهذا ما يقوله محللون غربيون، ليست حماية أوروبا من هجوم صاروخي إيراني هي ما يهدف إليه نصب الدرع الصاروخية الأطلسية في تركيا. ويصلون إلى نتيجة حاسمة مفادها أن الهدف هو حماية "إسرائيل" لا غيرها.
وعليه يكون الموقف التركي المتشدد إزاء "إسرائيل" مجرد غطاء لرضوخها للضغوط الغربية الهادفة إلى استخدامها في لعبة الدفاع عن الكيان الصهيوني.
فالسفير الإسرائيلي المطرود يمكنه دائماً أن يعود إلى أنقرة. والعلاقات المجمدة يمكن أن يتكسر من حولها الجليد، وقد تظهر صيغة اعتذار مقبولة، وقد يدفع الإسرائيليون من جيوبهم، أو على الأرجح، من جيوب أصدقائهم المعروفين في المنطقة، تعويضات مالية للضحايا الأتراك.
لكن إقامة درع صاروخية أطلسية في تركيا بهدف حماية الكيان الصهيوني تظل، حتى ولو قامت تركيا بإزالتها ذات يوم في سياق تأرجحاتها السريعة والمتواترة، أمراً من الأمور التي تنشب أظافرها عميقاً في ذاكرة المنطقة.
حتى ما قبل أشهر قليلة، كان من الممكن القول بكل ثقة بأن أبشع أشكال الإذلال والامتهان هي تلك التي حاول الصهاينة ممارستها منذ أكثر من ستين عاماً، وما زالوا يحاولون، بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المغلوبة على أمرها تحت نير أنظمة الاستسلام التي تفترس شعوبها ولا تتردد في وضع التصدي للعدوان الإسرائيلي تحت عناوين المغامرة وانعدام الحكمة وإلقاء النفس في التهلكة.
وما زال قول ذلك ممكناً اليوم، ولكن مع تعديل مهم: أنظمة الاستسلام وجدت ـ في تركيا الرسمية التي يفترض أنها لم تعد تركيا الجنرالات ـ من ينازعها التواطؤ مع محاولات إخضاع الشعوب العربية والإسلامية للإذلال والامتهان.
لقد استبشرت الشعوب العربية والإسلامية بالتحولات التي طرأت على السياسة الخارجية التركية منذ المشادة الشهيرة التي وقعت قبل عامين بين شيمون بيريز ورجب طيب أردوغان بعد انتقادات وجهها هذا الأخير للإسرائيليين بخصوص ممارساتهم العدوانية بحق الفلسطينيين.
واستبشرت أكثر عندما أدانت تركيا العدوان الإسرائيلي على غزة وشاركت بقوة في جهود رفع الحصار عنها من خلال الإسهام اللافت في تشكيل أسطول الحرية.
وعندما بطش الجيش الإسرائيلي بناشطي أسطول كسر الحصار وقتل تسعة من الناشطين الأتراك، ظن كثيرون أن ما كسر لم يعد ممكنا جبره بين تركيا والكيان الصهيوني. وخصوصاً أن هذا الحدث جاء متزامناً تقريباً مع الاستياء التركي إزاء تعمد الولايات المتحدة و"إسرائيل" إخفاء معلومات هامة من النوع الذي توفره المراقبة عبر الأقمار الصناعية عن عمليات تسلل يقوم بها مسلحو حزب العمال الكردستاني إلى تركيا العضو الأساسي في الحلف الأطلسي (رقم 2 من حيث تعداد القوات المسلحة)، والحليف الرئيسي للكيان الصهيوني في المنطقة.
وخصوصاً أيضاً أن ذلك الاستياء قد ترافق مع قفزات نوعية في مجال الارتقاء بالعلاقات على اختلافها بين تركيا وكل من سوريا وإيران، مع بروز توجهات نحو تشكيل جبهة عالمية تضم دولاً كبرى في آسيا وأوروبا وإفريقيا وأميركا اللاتينية بهدف كسر هيمنة القطبية الأميركية الأحادية.
لكن كل ذلك لم يحل دون ارتفاع الكثير من أصوات التشكيك بصدقية تركيا. صحيح أنها سحبت بعد مجزرة أسطول الحرية سفيرها من "إسرائيل"، لكنها لم تقم يومها بطرد السفير الإسرائيلي في أنقرة، واكتفت بتقديم شكوى إلى الأمم المتحدة تطالب باعتذار رسمي وبتعويضات مالية لضحايا سفينة مرمرة.
وهي ما تزال متمسكة بعضويتها في الحلف الأطلسي، وباتفاقياتها الاقتصادية والعسكرية مع الكيان الصهيوني، ومساعيها الهادفة إلى استيراد أسلحة إسرائيلية متطورة، وتصديها رغم علاقاتها التجارية المتميزة مع إيران لتطبيق العقوبات الدولية عليها بشكل صارم.
ثم رجح ميزان التشكيك بشكل واضح مع التزام تركيا بأطلسيتها في الحرب على ليبيا، ثم بشكل أكثر وضوحاً في الموقف التركي من الأحداث في سوريا، وهو الموقف الذي التقت فيه بشكل كامل مع الغربيين حيث أثبتت استعدادها للقيام بدور جسر للتدخل الأطلسي العسكري في سوريا.
ويبدو أن تزامن إخفاق المؤامرة على سوريا وظهور قابلية تركيا بأكثر من شكل للتراجع عن موقفها العدائي تجاهها مع صدور تقرير الأمم المتحدة حول مجزرة سفينة مرمرة، وهو التقرير الذي لم يخذل الباطل ولم ينصر الحق، قد أدخل تركيا في حالة تخبط واضحة حيث قامت في وقت واحد بطرد السفير الإسرائيلي وبتعليق العلاقات العسكرية والتجارية مع الكيان الصهيوني، من جهة، وبالموافقة على إقامة درع صاروخية أطلسية فوق أراضيها، من جهة أخرى.
حشود كبيرة من المحللين الغربيين وجدوا في الأمرين مفارقة غريبة. فالغرب نصب دروعاً صاروخية في بولندا وتشيكيا وغيرهما تكفي لصد أي هجوم صاروخي قد تقوم به إيران (على ما يقولونه للتخفيف من غضب روسيا التي تدرك أنها المستهدف الوحيد من وراء هذا الإجراء).
إذاً، وهذا ما يقوله محللون غربيون، ليست حماية أوروبا من هجوم صاروخي إيراني هي ما يهدف إليه نصب الدرع الصاروخية الأطلسية في تركيا. ويصلون إلى نتيجة حاسمة مفادها أن الهدف هو حماية "إسرائيل" لا غيرها.
وعليه يكون الموقف التركي المتشدد إزاء "إسرائيل" مجرد غطاء لرضوخها للضغوط الغربية الهادفة إلى استخدامها في لعبة الدفاع عن الكيان الصهيوني.
فالسفير الإسرائيلي المطرود يمكنه دائماً أن يعود إلى أنقرة. والعلاقات المجمدة يمكن أن يتكسر من حولها الجليد، وقد تظهر صيغة اعتذار مقبولة، وقد يدفع الإسرائيليون من جيوبهم، أو على الأرجح، من جيوب أصدقائهم المعروفين في المنطقة، تعويضات مالية للضحايا الأتراك.
لكن إقامة درع صاروخية أطلسية في تركيا بهدف حماية الكيان الصهيوني تظل، حتى ولو قامت تركيا بإزالتها ذات يوم في سياق تأرجحاتها السريعة والمتواترة، أمراً من الأمور التي تنشب أظافرها عميقاً في ذاكرة المنطقة.