ارشيف من :آراء وتحليلات
في لبنان.. المؤامرة تتكثف
معهد أكسفورد ـ شارمين نارواني ـ ترجمة خاص الانتقاد/ مريم علي
"يؤكد حزب الله أن المحكمة الخاصة بلبنان هي جزء من مؤامرة تهدف إلى استهداف المقاومة"
"كشفت المحكمة الخاصة بلبنان (STL) ولجنة التحقيق الدولية التي أنشئت بمبادرة من مجلس الأمن للكشف عن حقيقة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط/ فبراير 2005 النقاب رسميا عن لائحة الاتهام لأربعة أنصار مزعومين من حزب الله الأسبوع الماضي.
لم تأت هذه الوثيقة بشيء جديد. فقد تسربت تقريبا كل التفاصيل لوسائل الإعلام المختلفة على فترات منفصلة منذ عام 2009.
وإنما هي خاضعة للقراءة رغم ذلك. فلم يعد هناك أي حاجة للافتراض، التخمين أو الشك... فمضمون القضية ضد المتهمين مكتوب ومنشور بالأسود والأبيض.
قضية مبنية بالكامل على بيانات الاتصالات السلكية واللاسلكية
يبدو أن قضية المحكمة بنيت على فرضية بسيطة: "التزامن المكاني" للهواتف الخلوية التي يمكن عزوها إلى المتهمين الأربعة.. والتي تتطابق بشكل كبير مع مكان الحريري وأجزاء مهمة من مؤامرة اغتياله قبل ستة أسابيع من وفاته.
باستخدام بيانات تسجيلات الاتصالات ـ والتي تتبع المكالمات الواردة والصادرة، والوقت والتاريخ والمدة، والأهم من ذلك الموقع الذي يتم منه إجراء المكالمات (والذي يتم تحديده من قبل "أبراج الهاتف" القريبة والتي تحمل مكالمة الهاتف المحمول).. قامت المحكمة الخاصة بلبنان بالتعرف الى شبكة سرية من الهواتف النقالة "شبكة حمراء" والتي استخدمت في التخطيط للاغتيال.
تكشف المحكمة أن تحليل البيانات يظهر صلة الشبكة الحمراء بأربعة شبكات هاتف خلوي أخرى مرمّزة وملونة وبعضها غير خفي وهي الأجهزة الشخصية الخلوية للمتهمين. وباختصار، فإن ما يعنيه ذلك هو أن شبكات الهاتف السرية (الحمراء والزرقاء والخضراء) عمدت إلى إجراء مكالمات من المناطق ذاتها التي استخدمت فيها الهواتف الخلوية للرجال الأربعة المتهمين.
في الواقع، إن التفاصيل المعقدة وتواتر المكالمات الهاتفية بين مختلف الشبكات تتشابك بين تعقب الشبكات للحريري السرية والهواتف الشخصية للمتهمين ما يجعل هذه القضية تبدو محسومة. كيف يمكن أن يكون أي من هذا مجرد صدفة؟ خلال الساعتين اللتين سبقتا عملية الاغتيال، كانت هناك على طول الطريق التي سلكها الحريري 33 مكالمة ضمن الشبكة الحمراء وحدها، وجميعها تتشارك في الموقع مع الهواتف الشخصية المحمولة للمشتبه بهم.
ليس بهذه السرعة
ولكن ليس هناك أحد مطلع في لبنان يجهل حقيقة أن شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية في البلاد مخترقة إلى حد كبير.. سواء بواسطة جهات سياسية محلية متنافسة أو من خلال كيانات أجنبية.
من جانبها، فإن المقاومة اللبنانية، حزب الله.. والتي من المفترض انتماء المتهمين إليه ـ أمضت جزءا كبيرا من العام الماضي في عملية التوضيح التفصيلي للمخاطر الجمة الناجمة عن الاعتماد على بيانات الاتصالات التي يتم اختراقها بسهولة من قبل أعداء الدولة.
وقد أيد هذه الرواية كل من المسؤولين اللبنانيين والجواسيس المدانين وموظفي شركات الاتصالات.
لكن كيف يؤثر هذا على الأدلة الظرفية الدقيقة التي قدمتها المحكمة الدولية؟
فمن ناحية، يمتلك أنصار حزب الله القدرة الجيدة على اغتيال رفيق الحريري ـ سواء من خلال أوامر مباشرة من قيادات المقاومة أو بالاشتراك مع غيرهم من الأفراد أو الحكومات.
ومن ناحية أخرى، يمكن لتحليل الاتصالات السلكية واللاسلكية التي تقدمها المحكمة أن تمثل بدلا من ذلك جهدا ومخططا معقدا لتأطير حزب الله.
يمكن أن يكون شيء من هذا القبيل:
لنفترض للحظة أن هناك في الواقع جهاز مراقبة حقيقيا تابعا لحزب الله يعمل على تتبع مكان وجود الحريري.
هذا في حد ذاته، ليس مألوفا في المعايير اللبنانية.. ويفترض على نطاق واسع في الشرق الأوسط أن المعسكرات السياسية المشاركة في هذا النوع من أنشطة الرصد هي تابعة لشخصيات رئيسية.
قدم زعيم حزب الله (الأمين العام السيد) حسن نصر الله في الصيف الماضي لقطات متلفزة لفيديو "إسرائيلي" يقوم بتتبع مسارات مختلفة للحريري من وإلى بيروت في الفترة الزمنية التي سبقت وفاته.
أليس كذلك؟
تحذير: في هذا السيناريو، استخدم عناصر حزب الله هواتفهم النقالة الشخصية أثناء عملية المراقبة. هم لا يملكون هواتف سرية كما تقترح نظرية المحكمة حول الشبكات المرمزة. في الواقع إن الشبكات المرمزة الألوان وتاريخ إجراء المكالمات الهاتفية ليست موجودة حقا.. إنها كانت وبذكاء تام ملفقة تماما مع أماكن تواجد هواتف عناصر حزب الله من قبل كيان مجهول اخترق بيانات السجلات في برج الهاتف.
أو بدلا من ذلك دعنا نفترض أن مؤامرة الإغتيال هي دقيقة تماما كما تفترض المحكمة الخاصة بلبنان. هناك بالفعل شبكات سرية بقيادة فريق شبكة حمراء لتنفيذ الفعل القذر ـ إلا أن أيا من عناصر حزب الله لم يكن متورطا بهذه القضية.
تحذير: في هذا السيناريو ، هناك كيان أو جهة غير معروفة قامت ببساطة بخلق تزامن وتواجد مكاني بين الهواتف الشخصية للعناصر المستهدفين من مؤيدي حزب الله والشبكات المرمزة ما جعل الأمر يبدو وكأن هناك اتصالا بين هؤلاء الأفراد والشبكات المذكورة.
نظرية المؤامرة المجنونة؟
الآن لماذا نقوم بإمداد الأشياء المحتملة عندما تكون الحقيقة هي الأرجح والأكثر سهولة للوصول إليها من جميع السيناريوهات المحتملة.
حزب الله قام بذلك. الأمر بالنسبة لهم سهل وبسيط.
إن الإشارة إلى خلاف ذلك يعني أن "كيانا" متآمرا سيتمكن من الوصول واختراق عمق شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية اللبنانية في واحدة أو .. على الأرجح ـ أكثر من النقاط على طول درب تسجيل بيانات مكالمات الهاتف المحمول.
وسيكون لدى هؤلاء القدرة على اعتراض البيانات وتغييرها أو تزويرها، ومن ثم ـ الأهم من ذلك كله، إزالة كل آثار التدخل.
ولكن هنا حيث "من المستبعد" تصطدم "بالغريب من الأشياء".
جرى في العام الماضي اعتقال عدد من موظفي الدولة اللبنانية في شبكة الاتصالات السلكية واللاسلكية المملوكة من قبل شركة ألفا للسماح لكيانات أجنبية باختراق الشبكة.
ويخضع المدير في شركة ألفا شربل قزي للتحقيق بتهمة تزويده العملاء "الإسرائيليين" كلمات السر للوصول إلى شبكات وأبراج خلية الشركة من خارج لبنان.
هذا في وقت، اعترف المهندس في شركة ألفا طارق رابعة بتوفيره لعملاء الاستخبارات الأجنبية خرائط لشبكات الاتصالات اللبنانية، وإعدادات الشبكة وتفاصيل مكونات المنتجات المستخدمة في أبراج الخلوي ـ وهي معلومات ذات صلة أيضا بشركة الهاتف الخلوي الثانية العاملة في لبنان "MTC".
الأهم من ذلك، هو اعتراف رابعة بوقف عملية شراء معدات هواوي الصينية الصنع الأكثر أمنا وسلامة من الاختراق لصالح توصيته بشراء منتجات ذات سهولة أخطر للاختراق.
وفقا للصحيفة اللبنانية الرائدة "الاخبار"، فهي قامت بنشر لائحة اتهام منقحة للأرقام المذكورة في قرار المحكمة الاتهامي. فجميع الهواتف الخلوية في الشبكات السرية الحمراء والخضراء هي أرقام "ألفا" بينما غيرها من الشبكات هي مزيج من "Alfa" و "MTC".
ويكشف تقرير "راند" الصادر عام 2011 عن سلاح الجو الأميركي أنه في السنوات الست التي تلت انسحابها عام 2000 من لبنان، عملت "اسرائيل" بقوة على تتبع نشاط حزب الله الخلوي: "فمن بين الأشياء الأخرى عمدت تلك المنظمات "كالموساد" و"أمان" بعناية على تتبع مختلف قادة حزب الله بأسمائهم الحقيقية أو تلك المستعارة حركيا إضافة إلى عناوينهم وأرقام هواتفهم الخلوية وإشارات النداء اللاسلكية.
ولكن هنا تكمن المفاجأة بالنسبة للمراقبين في قطاع الاتصالات. ففي أكتوبر الماضي، أصدرت الجمعية العامة الرائدة في وضع المعايير التنظيمية، الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) المكون من 124 دولة، مشروع قرار يدين أفعال "التدخل، والقرصنة، وانقطاع وإعاقة شبكات الهاتف الثابت والخلوي اللبنانية من قبل "إسرائيل"".
ال ـ د ـ ا ـ ف ـ ع
في العام الماضي، أدلى الأمين العام لحزب الله (السيد) حسن نصر الله بتصريح واضح جدا ـ ردا على تسريبات من المحكمة الدولية حول تورط عناصر مشتبه بهم من حزب الله ـ بأنه "ليس هناك عناصر مارقة داخل الحزب". ما يوحي بأنه إذا كان هناك أي رابط بين حزب الله وعملية اغتيال الحريري، فيجب أن تأتي الأوامر من القيادة العليا.
السؤال هو: لماذا تريد قيادة حزب الله قتل الحريري؟
عند التحقيق في جرائم من هذا النوع، يتعين على المرء النظر إلى تحديد المشتبه فيهم من خلال دراسة أسلوب العمل والدافع وكذلك عدد كبير من الأمثلة ونماذج من عمل هؤلاء. وبالتأكيد، فإن هذا النوع من الإفراط في استخدام كمية هائلة من المتفجرات في هجوم انتحاري في مكان مزدحم بالمدنيين هي ببساطة ليس نمط حزب الله، مهما كان زعم وسائل إعلامنا حول هذه المنظمة ـ حتى إن الدبلوماسيين الغربيين في بيروت يتفقون مع هذا.
حول قضية "الدافع" الحاسمة، هناك أكثر من تفكير يحك الرأس هنا.
فرواية الدافع وراء جريمة حزب الله تذهب في مثل هذا الاتجاه: الرئيس السوري بشار الأسد، وهو حليف مقرب من حزب الله، كان على خلاف مع الحريري، وهدده عدة مرات، ويقال انه كان غاضبا من الأخير بسبب سعيه لاستصدار قرار مجلس الأمن الدولي 1559 الذي مهد لسحب القوات السورية من الأراضي اللبنانية.
إلا أن هذا السرد يتجاهل حقيقة أن حزب الله لا يخضع في أوامره لأحد على الرغم من أن وسائل إعلامنا مضللة التخمين في هذا الجانب.. فالحزب أثبت أنه يمتلك جدول أعمال لبنانياً منفصلاً تماماً عن خطط الأسد الكبرى لسوريا.
إن الفكرة المثيرة جدا للاهتمام والتي برزت بهدوء في السنوات التي تلت اغتيال الحريري تكشف أنه وعلى الرغم من الخصومة في الجداول والعناوين العامة فإن صداقة متنامية أينعت بين نصرالله ورئيس الوزراء اللبناني السابق في الأشهر الستة قبل وفاته المفاجئة.
خلال هذه المحادثات، كان الرجل وصل على ما يبدو إلى تفاهم يقضي باحتفاظ حزب الله بترسانة أسلحته ما يزيل المزيد من الدوافع للقتل.
في شريط فيديو مفاجئ لمقابلة لجنة التحقيق الدولية مع نجل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، سعد، يلقي الأخير عقبات في وجه شريط "الدوافع" المزعوم عبر كشفه للمحققين أن والده ونصر الله عملا على "فتح باب" بينهما: "والدي كان يثق به (السيد حسن نصر الله) كثيرا وكان يعتقد أنه يمكن العمل معه... إنه يعتقد أن حسن نصر الله كان رجلا يلتزم بكلمته وأقواله".
اتخذت اللقاءات السرية الأسبوعية بين الرجلين مكاناً في الضاحية الجنوبية لبيروت، المعقل الشيعي، حيث تولى حزب الله المسؤولية الوحيدة عن سلامة الحريري خلال هذه الزيارات السرية.
كانت هذه قفزة كبيرة في إيمان واطمئنان شخص يمتلك الحس الأمني الكبير كالحريري ـ والذي يتنقل محاطا بعدد كبير من الحراس الشخصيين في سيارة مصفحة مزودة بأجهزة تشويش ـ بهذه الجهة.
وإذا ما أراد حزب الله فإنه كان يمتلك فرصة وافرة للتخلص من الحريري بطريقة أقل استفزازا.
الدافع؟
إن طريقة أخرى للنظر في هذا العنوان تتجسد بالتساؤل عن أولئك الذين يخشون من التنامي السريع للصداقة بين القيادة الشيعية الأكثر شعبية والزعامة السنية؟
إن تحليل كل الاتصالات السلكية واللاسلكية في العالم، لن يستطيع إقناع جزء كبير من الشعب اللبناني أن البيانات "نظيفة".
ربما كان من المؤسف أن قضية المحكمة الخاصة بلبنان بنيت على أساس ما ينظر إليه باعتباره قطاعا عالي الخطورة، وكما تقرأ لائحة الاتهام "بنيت في جزء كبير منها على أدلة ظرفية".
في التحليل النهائي، بعد الاحتلالات والغزوات والحروب الأهلية البائسة، فان لبنان يتأرجح لمقاوَمَة التمزق مرة أخرى بسبب أدلة واهية".
"يؤكد حزب الله أن المحكمة الخاصة بلبنان هي جزء من مؤامرة تهدف إلى استهداف المقاومة"
"كشفت المحكمة الخاصة بلبنان (STL) ولجنة التحقيق الدولية التي أنشئت بمبادرة من مجلس الأمن للكشف عن حقيقة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط/ فبراير 2005 النقاب رسميا عن لائحة الاتهام لأربعة أنصار مزعومين من حزب الله الأسبوع الماضي.
لم تأت هذه الوثيقة بشيء جديد. فقد تسربت تقريبا كل التفاصيل لوسائل الإعلام المختلفة على فترات منفصلة منذ عام 2009.
وإنما هي خاضعة للقراءة رغم ذلك. فلم يعد هناك أي حاجة للافتراض، التخمين أو الشك... فمضمون القضية ضد المتهمين مكتوب ومنشور بالأسود والأبيض.
قضية مبنية بالكامل على بيانات الاتصالات السلكية واللاسلكية
يبدو أن قضية المحكمة بنيت على فرضية بسيطة: "التزامن المكاني" للهواتف الخلوية التي يمكن عزوها إلى المتهمين الأربعة.. والتي تتطابق بشكل كبير مع مكان الحريري وأجزاء مهمة من مؤامرة اغتياله قبل ستة أسابيع من وفاته.
باستخدام بيانات تسجيلات الاتصالات ـ والتي تتبع المكالمات الواردة والصادرة، والوقت والتاريخ والمدة، والأهم من ذلك الموقع الذي يتم منه إجراء المكالمات (والذي يتم تحديده من قبل "أبراج الهاتف" القريبة والتي تحمل مكالمة الهاتف المحمول).. قامت المحكمة الخاصة بلبنان بالتعرف الى شبكة سرية من الهواتف النقالة "شبكة حمراء" والتي استخدمت في التخطيط للاغتيال.
تكشف المحكمة أن تحليل البيانات يظهر صلة الشبكة الحمراء بأربعة شبكات هاتف خلوي أخرى مرمّزة وملونة وبعضها غير خفي وهي الأجهزة الشخصية الخلوية للمتهمين. وباختصار، فإن ما يعنيه ذلك هو أن شبكات الهاتف السرية (الحمراء والزرقاء والخضراء) عمدت إلى إجراء مكالمات من المناطق ذاتها التي استخدمت فيها الهواتف الخلوية للرجال الأربعة المتهمين.
في الواقع، إن التفاصيل المعقدة وتواتر المكالمات الهاتفية بين مختلف الشبكات تتشابك بين تعقب الشبكات للحريري السرية والهواتف الشخصية للمتهمين ما يجعل هذه القضية تبدو محسومة. كيف يمكن أن يكون أي من هذا مجرد صدفة؟ خلال الساعتين اللتين سبقتا عملية الاغتيال، كانت هناك على طول الطريق التي سلكها الحريري 33 مكالمة ضمن الشبكة الحمراء وحدها، وجميعها تتشارك في الموقع مع الهواتف الشخصية المحمولة للمشتبه بهم.
ليس بهذه السرعة
ولكن ليس هناك أحد مطلع في لبنان يجهل حقيقة أن شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية في البلاد مخترقة إلى حد كبير.. سواء بواسطة جهات سياسية محلية متنافسة أو من خلال كيانات أجنبية.
من جانبها، فإن المقاومة اللبنانية، حزب الله.. والتي من المفترض انتماء المتهمين إليه ـ أمضت جزءا كبيرا من العام الماضي في عملية التوضيح التفصيلي للمخاطر الجمة الناجمة عن الاعتماد على بيانات الاتصالات التي يتم اختراقها بسهولة من قبل أعداء الدولة.
وقد أيد هذه الرواية كل من المسؤولين اللبنانيين والجواسيس المدانين وموظفي شركات الاتصالات.
لكن كيف يؤثر هذا على الأدلة الظرفية الدقيقة التي قدمتها المحكمة الدولية؟
فمن ناحية، يمتلك أنصار حزب الله القدرة الجيدة على اغتيال رفيق الحريري ـ سواء من خلال أوامر مباشرة من قيادات المقاومة أو بالاشتراك مع غيرهم من الأفراد أو الحكومات.
ومن ناحية أخرى، يمكن لتحليل الاتصالات السلكية واللاسلكية التي تقدمها المحكمة أن تمثل بدلا من ذلك جهدا ومخططا معقدا لتأطير حزب الله.
يمكن أن يكون شيء من هذا القبيل:
لنفترض للحظة أن هناك في الواقع جهاز مراقبة حقيقيا تابعا لحزب الله يعمل على تتبع مكان وجود الحريري.
هذا في حد ذاته، ليس مألوفا في المعايير اللبنانية.. ويفترض على نطاق واسع في الشرق الأوسط أن المعسكرات السياسية المشاركة في هذا النوع من أنشطة الرصد هي تابعة لشخصيات رئيسية.
قدم زعيم حزب الله (الأمين العام السيد) حسن نصر الله في الصيف الماضي لقطات متلفزة لفيديو "إسرائيلي" يقوم بتتبع مسارات مختلفة للحريري من وإلى بيروت في الفترة الزمنية التي سبقت وفاته.
أليس كذلك؟
تحذير: في هذا السيناريو، استخدم عناصر حزب الله هواتفهم النقالة الشخصية أثناء عملية المراقبة. هم لا يملكون هواتف سرية كما تقترح نظرية المحكمة حول الشبكات المرمزة. في الواقع إن الشبكات المرمزة الألوان وتاريخ إجراء المكالمات الهاتفية ليست موجودة حقا.. إنها كانت وبذكاء تام ملفقة تماما مع أماكن تواجد هواتف عناصر حزب الله من قبل كيان مجهول اخترق بيانات السجلات في برج الهاتف.
أو بدلا من ذلك دعنا نفترض أن مؤامرة الإغتيال هي دقيقة تماما كما تفترض المحكمة الخاصة بلبنان. هناك بالفعل شبكات سرية بقيادة فريق شبكة حمراء لتنفيذ الفعل القذر ـ إلا أن أيا من عناصر حزب الله لم يكن متورطا بهذه القضية.
تحذير: في هذا السيناريو ، هناك كيان أو جهة غير معروفة قامت ببساطة بخلق تزامن وتواجد مكاني بين الهواتف الشخصية للعناصر المستهدفين من مؤيدي حزب الله والشبكات المرمزة ما جعل الأمر يبدو وكأن هناك اتصالا بين هؤلاء الأفراد والشبكات المذكورة.
نظرية المؤامرة المجنونة؟
الآن لماذا نقوم بإمداد الأشياء المحتملة عندما تكون الحقيقة هي الأرجح والأكثر سهولة للوصول إليها من جميع السيناريوهات المحتملة.
حزب الله قام بذلك. الأمر بالنسبة لهم سهل وبسيط.
إن الإشارة إلى خلاف ذلك يعني أن "كيانا" متآمرا سيتمكن من الوصول واختراق عمق شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية اللبنانية في واحدة أو .. على الأرجح ـ أكثر من النقاط على طول درب تسجيل بيانات مكالمات الهاتف المحمول.
وسيكون لدى هؤلاء القدرة على اعتراض البيانات وتغييرها أو تزويرها، ومن ثم ـ الأهم من ذلك كله، إزالة كل آثار التدخل.
ولكن هنا حيث "من المستبعد" تصطدم "بالغريب من الأشياء".
جرى في العام الماضي اعتقال عدد من موظفي الدولة اللبنانية في شبكة الاتصالات السلكية واللاسلكية المملوكة من قبل شركة ألفا للسماح لكيانات أجنبية باختراق الشبكة.
ويخضع المدير في شركة ألفا شربل قزي للتحقيق بتهمة تزويده العملاء "الإسرائيليين" كلمات السر للوصول إلى شبكات وأبراج خلية الشركة من خارج لبنان.
هذا في وقت، اعترف المهندس في شركة ألفا طارق رابعة بتوفيره لعملاء الاستخبارات الأجنبية خرائط لشبكات الاتصالات اللبنانية، وإعدادات الشبكة وتفاصيل مكونات المنتجات المستخدمة في أبراج الخلوي ـ وهي معلومات ذات صلة أيضا بشركة الهاتف الخلوي الثانية العاملة في لبنان "MTC".
الأهم من ذلك، هو اعتراف رابعة بوقف عملية شراء معدات هواوي الصينية الصنع الأكثر أمنا وسلامة من الاختراق لصالح توصيته بشراء منتجات ذات سهولة أخطر للاختراق.
وفقا للصحيفة اللبنانية الرائدة "الاخبار"، فهي قامت بنشر لائحة اتهام منقحة للأرقام المذكورة في قرار المحكمة الاتهامي. فجميع الهواتف الخلوية في الشبكات السرية الحمراء والخضراء هي أرقام "ألفا" بينما غيرها من الشبكات هي مزيج من "Alfa" و "MTC".
ويكشف تقرير "راند" الصادر عام 2011 عن سلاح الجو الأميركي أنه في السنوات الست التي تلت انسحابها عام 2000 من لبنان، عملت "اسرائيل" بقوة على تتبع نشاط حزب الله الخلوي: "فمن بين الأشياء الأخرى عمدت تلك المنظمات "كالموساد" و"أمان" بعناية على تتبع مختلف قادة حزب الله بأسمائهم الحقيقية أو تلك المستعارة حركيا إضافة إلى عناوينهم وأرقام هواتفهم الخلوية وإشارات النداء اللاسلكية.
ولكن هنا تكمن المفاجأة بالنسبة للمراقبين في قطاع الاتصالات. ففي أكتوبر الماضي، أصدرت الجمعية العامة الرائدة في وضع المعايير التنظيمية، الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) المكون من 124 دولة، مشروع قرار يدين أفعال "التدخل، والقرصنة، وانقطاع وإعاقة شبكات الهاتف الثابت والخلوي اللبنانية من قبل "إسرائيل"".
ال ـ د ـ ا ـ ف ـ ع
في العام الماضي، أدلى الأمين العام لحزب الله (السيد) حسن نصر الله بتصريح واضح جدا ـ ردا على تسريبات من المحكمة الدولية حول تورط عناصر مشتبه بهم من حزب الله ـ بأنه "ليس هناك عناصر مارقة داخل الحزب". ما يوحي بأنه إذا كان هناك أي رابط بين حزب الله وعملية اغتيال الحريري، فيجب أن تأتي الأوامر من القيادة العليا.
السؤال هو: لماذا تريد قيادة حزب الله قتل الحريري؟
عند التحقيق في جرائم من هذا النوع، يتعين على المرء النظر إلى تحديد المشتبه فيهم من خلال دراسة أسلوب العمل والدافع وكذلك عدد كبير من الأمثلة ونماذج من عمل هؤلاء. وبالتأكيد، فإن هذا النوع من الإفراط في استخدام كمية هائلة من المتفجرات في هجوم انتحاري في مكان مزدحم بالمدنيين هي ببساطة ليس نمط حزب الله، مهما كان زعم وسائل إعلامنا حول هذه المنظمة ـ حتى إن الدبلوماسيين الغربيين في بيروت يتفقون مع هذا.
حول قضية "الدافع" الحاسمة، هناك أكثر من تفكير يحك الرأس هنا.
فرواية الدافع وراء جريمة حزب الله تذهب في مثل هذا الاتجاه: الرئيس السوري بشار الأسد، وهو حليف مقرب من حزب الله، كان على خلاف مع الحريري، وهدده عدة مرات، ويقال انه كان غاضبا من الأخير بسبب سعيه لاستصدار قرار مجلس الأمن الدولي 1559 الذي مهد لسحب القوات السورية من الأراضي اللبنانية.
إلا أن هذا السرد يتجاهل حقيقة أن حزب الله لا يخضع في أوامره لأحد على الرغم من أن وسائل إعلامنا مضللة التخمين في هذا الجانب.. فالحزب أثبت أنه يمتلك جدول أعمال لبنانياً منفصلاً تماماً عن خطط الأسد الكبرى لسوريا.
إن الفكرة المثيرة جدا للاهتمام والتي برزت بهدوء في السنوات التي تلت اغتيال الحريري تكشف أنه وعلى الرغم من الخصومة في الجداول والعناوين العامة فإن صداقة متنامية أينعت بين نصرالله ورئيس الوزراء اللبناني السابق في الأشهر الستة قبل وفاته المفاجئة.
خلال هذه المحادثات، كان الرجل وصل على ما يبدو إلى تفاهم يقضي باحتفاظ حزب الله بترسانة أسلحته ما يزيل المزيد من الدوافع للقتل.
في شريط فيديو مفاجئ لمقابلة لجنة التحقيق الدولية مع نجل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، سعد، يلقي الأخير عقبات في وجه شريط "الدوافع" المزعوم عبر كشفه للمحققين أن والده ونصر الله عملا على "فتح باب" بينهما: "والدي كان يثق به (السيد حسن نصر الله) كثيرا وكان يعتقد أنه يمكن العمل معه... إنه يعتقد أن حسن نصر الله كان رجلا يلتزم بكلمته وأقواله".
اتخذت اللقاءات السرية الأسبوعية بين الرجلين مكاناً في الضاحية الجنوبية لبيروت، المعقل الشيعي، حيث تولى حزب الله المسؤولية الوحيدة عن سلامة الحريري خلال هذه الزيارات السرية.
كانت هذه قفزة كبيرة في إيمان واطمئنان شخص يمتلك الحس الأمني الكبير كالحريري ـ والذي يتنقل محاطا بعدد كبير من الحراس الشخصيين في سيارة مصفحة مزودة بأجهزة تشويش ـ بهذه الجهة.
وإذا ما أراد حزب الله فإنه كان يمتلك فرصة وافرة للتخلص من الحريري بطريقة أقل استفزازا.
الدافع؟
إن طريقة أخرى للنظر في هذا العنوان تتجسد بالتساؤل عن أولئك الذين يخشون من التنامي السريع للصداقة بين القيادة الشيعية الأكثر شعبية والزعامة السنية؟
إن تحليل كل الاتصالات السلكية واللاسلكية في العالم، لن يستطيع إقناع جزء كبير من الشعب اللبناني أن البيانات "نظيفة".
ربما كان من المؤسف أن قضية المحكمة الخاصة بلبنان بنيت على أساس ما ينظر إليه باعتباره قطاعا عالي الخطورة، وكما تقرأ لائحة الاتهام "بنيت في جزء كبير منها على أدلة ظرفية".
في التحليل النهائي، بعد الاحتلالات والغزوات والحروب الأهلية البائسة، فان لبنان يتأرجح لمقاوَمَة التمزق مرة أخرى بسبب أدلة واهية".