ارشيف من :آراء وتحليلات

سوريا بين شغب الخلايا المسلحة... وحرب الدعاية "البروباغندا"

سوريا بين شغب الخلايا المسلحة... وحرب الدعاية "البروباغندا"
لؤي توفيق حسن *
لا يستطيع أحد ركوب ظهرك إلا إذا كنت منحنياً ـ "مثل صيني"
شيئاً فشيئاً أخذ الحراك المعارض في سوريا يفقد مبرراته الأخلاقية التي ارتكز عليها في البداية ليصبح الآن نوعاً من الفوضى غير المتبصرة أفرزت هذه الهستيريا من حمل السلاح. وأخيراً وليس آخراً طلب التدخل الأجنبي تحت اسم "الحماية الدولية" التي عرّت أصحابها.
لقد أدى هذا إلى انفضاض شرائح من المجتمع المدني السوري ممن تعاطفت مع الحراك في بداياته، فضلاً عن ابتعاد بعض مكوّنات المعارضة ممن أخذت تتمايز بمواقفها لتضع مسافةً بينها وبين آخرين من غُلاة المعارضة تلك التي ذهبت بعيداً في لعبة الدم، والأمم!... دونما إدراكٍ لعواقبها.

وبالمقابل أخذت الميديا الإعلامية تتصاعد أكثر فأكثر ذلك من باب التعويض عن هذا التراجع النوعي. وهي بالحقيقة ميديا غير مسبوقة من حيث الزخم والكثافة؛ وقد تمكنت في مراحل سابقة من أن تؤدي أغراضها واختراقاتها، إلا أن البعض ممن كان مأخوذاً بها أخذ يشكك الآن في مصداقيتها وهو يرى التناقض بين الواقع كما يراه، وبين ما يسمعه من بعض الفضائيات.

والحقيقة أن ذلك التناقض يستشعره أيضاً أي زائر، وقد كنا ممن لمسه لمس اليد في تجوالنا مقارنين بين ما تذيعه تلك الفضائيات عن أحداث في الزمان والمكان وقد تصادف وجودنا فيها؛ ما يسمح لنا بالقول إن ما يذاع هو: كذبٌ موصوف!

غير أن تلك المحطات وفي معرض سعيها لتبديد هذه الشكوك انتقلت من حيلة ما يسمى: "شاهد عيان" إلى (فبركة) الصورة. لكن هذه بالذات ليست محصّنة من اكتشاف زورها لمن له إلمامٌ بإمكانيات الكمبيوتر في تركيب الصور. ومنها تمويه هذا التركيب بتشويش مظهر الصور لتبدو ضبابية ـ (Blur أو Flou) ـ أو منها تقنيات الخداع البصري بتكرار لقطة لجمعٍ صغير عدة مرّات لتغطية مساحة كبيرة!. وعندها سيلاحظ المشاهد أن الجموع تتحرك وفق إيقاع واحد! ـ كفرق الاستعراضات المدربة على الحركات الإيقاعية!!! ـ لكن الذي لا يحتاج إلى الإلمام بتقنيات الخداع البصري بل إلى شيء من المناقشة العقلية كيما يكتشف زيفها؛ هي تلك "الافلام" التي يظهر فيها جنودٌ، أو أمنيون سوريون يقومون بتعذيب معتقلين، أو شيءٌ من هذا القبيل، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا وأن يكون المصور مطمئناً بالقدر الكافي الذي يسمح له بالاقتراب ليلتقط الصورة والصوت بآن، وكأنه محصّنٌ (بطاقية الإخفاء!!) فلا يراه أحدٌ من الناس!!. ثم لو جاز الأمر هذا ـ على سبيل الجدل ـ أن يحدث لمرة واحدة خلسة فهو سيدعو للاستنفار، والحرص كي لا يتكرر بهذا الكم الذي يتم عرضه من هذه الأفلام بغزارة!!!.
لعل هذا يتقاطع مع المعلومات التي تتحدث عن وجود مراكز خاصة لإعداد وإنتاج هذه الأفلام تحدد بعضها خارج سوريا. في شمال لبنان، وأخرى في انطاكيا كما يتردد.
عَوداً على بدء، فإن تراجع الحراك كشفته "جمعة طلب الحماية الدولية!" كما أطلقوا عليها عندما أظهرت مدى ابتعاد أطياف من المعارضة عن الشارع، وعن الإنسياق في مغامرة طلب التدخل الغربي.

لقد استنفر هذا الطرح الوطنية السورية. وهي لمن لا يعرف تستمد كبرياءها من جذور التاريخ البعيد، والقريب؛ وفي هذا الأخير تماهت هذه الوطنية بما هو عربي عندما أصبحت سوريا ركن الحلم العربي بُعيد "الثورة العربية الكبرى"، ودمشق عاصمة الملك فيصل بن حُسين الهاشمي ملكاً للعرب آنذاك.
ثم تعمدت بالدم مع "الثورة السورية الكبرى" التي أدمت كبرياء فرنسا مُخلفة فوق جبينها ندوباً عميقة. كما وتحت نصال سيوف ثوارها سقطت مشاريع فرنسا لتقسيم سوريا إلى دويلات طائفية.

لا شك بأن طلب الحماية الدولية إستفز هذه المناعة السورية المتأصلة حتى يمكننا القول بأننا على ابواب فرزٍ جديد جعل المسافة بين السلطة وبين بعض المعارضة؛ أقل منها بين هذه الأخيرة وتلك المعارضات التي تنادي بحمل السلاح، وطلب "الحماية الدولية". حتى إن أحد أبرز الوجوه الثقافية في المعارضة ـ (ميشال كيلو) ـ قال في إحدى مقالاته: "لو أن أبي سيحمل السلاح، سأقف في وجهه".

لقد بات هذا الطيف المهم الواعي من المعارضة يردد الآن بصوتٍ عالٍ بأن "خيوط الأزمة السورية أخذت تخرج من يدنا إلى الخارج". أما هذا الخارج الذي يراهن عليه البعض فقد أخذ يلمس لمس اليد بأن سقوط النظام بات مستحيلاً من الداخل ودونه صعوبات. ولا سيما أن تركيا لا تستطيع أن تكون نقطة الإرتكاز لضربة عسكرية موجهة لسوريا. بعد أن لمست بأن تداعياتها عليها ستغدو كارثية، وهذا ما يعكسه تراجع اللغة (العنترية) التي كان يتحدث بها "أوغلو" و"أردوغان"!.

لم يعد أمام الخارج إلا إطالة أمد الأزمة بإعطاء أولئك المهووسين من المعارضة الأمل بالفوز!، مقرونة بمنشطات مالية !!؛ ليبقوا على حراكهم المسلح. وهنا يظهر السباق بين حركة التنظيمات المسلحة لكسب الوقت بانتظارالأمل الموعود!، وبين تضييق السلطة الخناق عليهم.

حتى الآن سجلت السلطة عدة أهداف في (المرمى السياسي) لهذه التنظيمات بعد أن باتت الأخيرة شبه مكشوفة جراء انكفاء أطياف من المعارضة كما ذكرنا. أما في (المرمى العسكري) فلا شك بأن السلطة حققت عدة انجازات نوعية. لكن ومع ذلك ستبقى المواجهة مفتوحة؛ الى ان تصل القيادة السورية الى سقف أهدافها، وهي التي تعتبر أن أية تسوية يكون ثمنها مبادلة أي (إصلاح سياسي) مقابل وقف العنف؛ هي بالحد الأدنى تنازل!؛ بقدر ما هي حل مؤقت!؛ حيث ينطوي على تنويم الخلايا المسلحة إلى أجل آخر!؛ وحيث يكون ابتزاز آخر تحت عنوان جديد!!. هذا ما لا تساوم عليه القيادة السورية المعروف عنها في المبدأ رفضها الحازم للربط بين مسائل الداخل، والتسويات مع الخارج. هو ذا ما لمسه نبيل العربي، وسمعه في دمشق.

(*) كاتب من لبنان

2011-09-12