ارشيف من :آراء وتحليلات

المجتمع المدني... مؤسسات ظل للأنظمة أم أداة تخريب داخلية؟

المجتمع المدني... مؤسسات ظل للأنظمة أم أداة تخريب داخلية؟
محمد الحسيني

دخل مصطلح "المجتمع المدني" قاموس العبارات الايجابية، كالديمقراطية والحرية والتعددية منذ التسعينيات من القرن الماضي، ولا سيما بعد انهيار ما سمّي بالمعسكر الاشتراكي، وبات ركناً أساسياً في أدبيات نشطاء ورجال الاجتماع والسياسة والقانون، وانتشرت بكتيريا الجمعيات المنضوية تحت هذا المصطلح الذي أضحى شعاراً ترفعه غالبية الجماهير من دون أن تبذل أدنى جهد لترجمته عملياً، سوى أنه تعبير يكرّس التباين بين الشرائح الشعبية والمنظومة المؤسساتية للنظام الحاكم، وهذا هو المطلوب: تعبير مطاط أو قالب متغيّر يصلح أن يُصب فيه أي مادة قد تقود إلى "التغيير" أو لمجرد الانتقال إلى مرحلة متقدّمة من التمدّن، بعدما أضحت كثرة منظمات المجتمع المدني مؤشراً على التحضّر!!

وانطلاقاً من هذه النقطة تُطرح الأسئلة: ما هي ماهية المجتمع المدني وتعريفه؟ ما هي منطلقاته وأهدافه؟ وأين يجد مصداقاً له في المسرح العالمي؟ هل نجحت منظمات المجتمع المدني، في تشكيل السياسات العالمية من خلال حملات الدعوة وتعبئة السكان والموارد؟ كيف يمكن أن يكون المجتمع المدني تعبيراً حقيقياً عن قيامة الشعوب أو أن يكون أداة لتخريب الأنظمة تحت شعارات الدمقرطة ومناصرة حقوق الإنسان؟

يشير تعبير "المجتمع المدني" في تعريف لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) إلى "جميع الجماعات العاملة خارج نطاق الحكومات، مثل الجماعات المجتمعية والمنظمات غير الحكومية والنقابات العمالية ومنظمات الشعوب الأصلية والمنظمات الخيرية والمنظمات الدينية والروابط والمؤسسات المهنية. ويعبّر المجتمع المدني عن اهتمامات الجماعات الاجتماعية ويستثير الوعي بالقضايا الرئيسية من أجل التأثير في صنع السياسات والقرارات".
ويُعرّف قاموس "أوكسفورد" السياسي المجتمع المدني بأنه "مجتمع المؤسسات التي لا تتبع الدولة ولا ترتبط بها كما لا تتبع عائلة أو حزباً أو تنظيماً من التنظيمات. وهو المجتمع الذي يضم مؤسسات تطوعية وهيئات تعاونية". وتفيد تعريفات أخرى أنه "المجتمع الذي تنتشر فيه الجماعات المتطوّعة لتقدّم خدماتها مجاناً من دون مقابل مثل وجود مؤسسات لرعاية الأيتام، والتزويج والحد من الفقر والأميّة...".

واستناداً لما سبق، فإن أي مجتمع لا يحتوي على هذا النوع من المنظمات لا يكون مجتمعاً مدنياً، بل يمكن تصنيفه ضمن تصنيفات أخرى، فيكون مجتمعاً عسكرياً (حكم الجيش والعسكر) أو أمنياً (حكم الأنظمة المخابراتية) أو سياسياً (نظام الأحزاب) أو أهلياً (مجتمع العشيرة أو العائلة)، كما هي الحال حين نتحدث عن لباس مدني أو شرطة مدنية أو مؤسسة مدنية وكأننا نريد تمييز هذه الكيانات عما هو غير مدني. كما يرى بعض المنظّرين أمثال سعد الدين ابراهيم وبرهان غليون أن الرهان في التغيير هو على المجتمع المدني باعتباره ساحة للحرية وملتقى تفاعلياً لكل الناس، ومنطلقاً لمبادرات جماعية قد تشكّل نقطة التقاء تقود إلى الإجماع على قضية ذات اهتمام مشترك أو مصالح مشتركة، وهو فضاء يسمح بالتعبير عن مشاعر وآراء مشتركة.

إذاً هو وسيلة لإحداث تغيير ما في نظام سياسي قائم من دون ان يكون لهذا النظام اي تواصل أو صلة فيه، وليس أفضل من تسخير مصطلح "المجتمع المدني" للتغطية على ما يسمّى "الفوضى الخلّاقة" التي يريد الغرب من خلالها أن يحوّر أهداف حركات الشعوب ويتحكم بمساراتها، وبالتالي لا يمكن التمييز بين شعب ثار بكلمته ودمه على حكم ظالم مرتهن، كما في تونس ومصر وليبيا واليمن، وبين تحرّك مسلّح يعيث فساداً وتخريباً في نظام معادٍ للسياسات الأميركية كما في سوريا، وكل ذلك تحت شعار الحرية وتطلّعات المجتمع المدني، وتبقى البحرين الاستثناء في هذه المعادلة.

وبدا حتى اليوم أن الغرب لم يكن قادراً على التحكّم بحراك "المجتمع المدني" الذي خلع حاكمي تونس ومصر، فاتجه إلى محاولة استغلال حالة الااستقرار التي أعقبت التحوّلين الكبيرين، واستدرك الوضع في ليبيا ويتجه إلى تعميم هذا الاستغلال في اليمن ويحاول فرض استنساخ مشوّه لهذا الحراك في سوريا وتالياً في إيران، وبذلك يكون المجتمع المدني أداة لتخريب الأنظمة بدل أن يكون مؤسسات ظل داخلية تسعى لتنبيه الحكّام إلى مَواطن الخلل بغية الإصلاح وإرساء نظام العدالة الاجتماعية.

هذا في دول العالم الثالث وغيره أما في الغرب فإن أي حراك تحت عنوان "المجتمع المدني" في فرنسا أو إيطاليا أو أسبانيا أو بريطانيا أو الولايات المتحدة الأميركية، هو حراك قابل للقمع والاعتقال وممارسة العنصرية في العرق واللون والدين، وهي عصابات خارجة عن القانون وموتورة وتستحق الحصار وقطعها عن الاتصال مع الداخل والخارج، لأن الأداة الأقوى هي لسياسات الأنظمة، ويراد للمجتمع المدني هناك ألا "يستثير الوعي بالقضايا الرئيسية من أجل التأثير في صنع السياسات والقرارات".

أطلق أحد الأساتذة الأكاديميين من ذوي العراقة في التعليم الجامعي، وذوي الاطلاع الواسع على ثقافات وتجارب الشعوب والتشريعات الدينية المختلفة مقولة مفادها: "إذا كان لكل امرئ الحق في كل شيء، فهذا يعني أن ليس لامرئ الحق في أي شيء... إن لم يكن الأقوى".
آن لنا أن نغيّر الاتجاه ونتحكم بمسارات البوصلة ونصنع مفهومنا نحن للمجتمع المدني.

2011-09-18