ارشيف من :آراء وتحليلات
الفيتو الأميركي: حيلة أميركية بائسة لكنها تنطلي على من يشاء...

عقيل الشيخ حسين
معارضة الولايات المتحدة وتهديدها باستخدام حق النقض ـ فيما لو وصل طلب محمود عباس بالحصول على عضوية فلسطينية كاملة في الأمم المتحدة ـ دليل على أحقية وصوابية المطلب، ودليل على أحقيته وصوابية موقف الكيان الصهيوني الذي اعتبر أن هذا المسعى هو بمثابة إعلان للحرب.
تلك واحدة من الأفكار التي يطرحها المدافعون عن هذه الضربة المسرحية الجديدة في تاريخ القضية الفلسطينية الحافل بأحداث وأفكار منها، كما في حالة الضربة المسرحية المذكورة، ما يميت القلب، ومنها، كما في حالة خيار المقاومة بما هو السبيل الوحيد للتحرير، ما يبعث الحياة في عطش رمال النقب وفي صخور جبال الجليل ويبعث الحلاوة في مياه البحر الميت.
ما يعني أن أصحاب تلك الفكرة يعلمون أن أميركا والكيان الصهيوني لا يمكن أن يسمحا، على افتراض أن مسعى محمود عباس يخدم القضية الفلسطينية، بأي حل ينسجم مع مصلحة الفلسطينيين. لكنه العلم الذي يمكن وصفه بأنه أسوأ من الجهل بأدلة كثيرة ما قبل الأخير منها هو ما عبر عنه أبو مازن عندما قال قولته الشهيرة: مفاوضات، مفاوضات، مفاوضات!
على كل حال، لا بد من أن نتجرع هذه المرارة الجديدة وأن نتدرع بالصبر الجميل ريثما يَجِدُّ جديدٌ يفقأ عين التلاعبات الهزيلة البائسة التي تعلو ـ للأسف ـ على الحقائق التي بات يعلمها كل طفل في طول العالم العربي وعرضه.
ليس من المفيد التذكير بتلك الأيام التي كان يقال فيها بالثورة المسلحة للتحرير من النهر إلى البحر، وفوهة البندقية واليد التي تدمر الدبابة وثورة ثورة حتى النصر. ولا بتلك التي كانت تضع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في خندق واحد هو خندق اغتصاب فلسطين وتشريد شعبها وقتله والتنكيل به في كل مدينة وقرية ودسكرة ومخيم وصولاً إلى المنافي وبلدان الشتات.
لأننا وصلنا إلى زمن يقف فيه الرئيس نيكولا ساركوزي ليقول عن الشعوب العربية إنها لا تنزل إلى الشوارع لكي تتظاهر ضد سياسات الغرب أو ضد فرنسا وأميركا و"إسرائيل"، بل ضد الحكام العرب.
ذلك لأننا دخلنا، منذ أوسلو، وما قبل أوسلو، في دهليز نفي الذات وجلدها واحتقارها عبر الرهان على نصرة تأتي من واشنطن والأمم المتحدة، رغم سيل التجارب التي ـ لشدة ما أعادت نفسها ـ بتنا نعلم مسبقاً أن الغرب وأميركا والأسرة الدولية قد حزمت أمرها وقالت بصريح الكلام انها لا تقدم للفلسطينيين غير خيارات من نوع التفرغ الأبدي للمفاوضات... أو البحث عن وطن بديل يمكنه أن يضمن الذوبان في بلدان الشتات أو، لتوسعة دائرة الفتنة، أو للإمعان في تحويل القضية الفلسطينية إلى مفجّر لحروب العرب على بعضهم البعض... في بلد عربي آخر هو الآن، تحديداً، الأردن. مع إمكانية بديل آخر أو حتى بدائل أخرى: أليست "أرض إسرائيل"، على ما تقوله الدعاية الصهيونية الرائجة في الغرب، نقطة لا تظهر على الخارطة وسط البحر العربي المترامي الأرجاء؟!
الخوف الأميركي من مسعى عباس والتهديد بالفيتو هو واحدة من الألعاب التي يصفق لها الانتهازيون ولا تنطلي إلا على ضيقي الأفق. إذ ما معنى الاعتراف، فيما لو تم، بدولة تحت الاحتلال، من قبل أسرة دولية واهنة وشكلية الوجود ولا تقوم بغير وظائفها التي تتحدد إنطلاقاً من الإملاءات الأميركية؟
صحيح أن الاعتراف بها في الجمعية العمومية لا يعطيها من حقوق العضوية أكثر من حق الانضمام لمنظمات دولية لا وظيفة لها هي الأخرى غير خدمة السياسيات الغربية، كالمحكمة الجنائية الدولية التي باتت سقف أحلام السلطة الفلسطينية والتي، على فرض تجردها لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، تقزم القضية الفلسطينية إلى مجرد خلافات مع قياديين إسرائيليين يمكن أن يذهبوا لتتعزز فكرة البقاء للكيان الصهيوني بشكله المستجد تحت اسم الدولة اليهودية.
وعلى افتراض أن واشنطن وتل أبيب منزعجتان من مسعى عباس، ألا يكفي هذا الانزعاج لإقناعه وإقناع غيره بالكف عن الرهان على أميركا وبالتعامل مع أميركا والكيان الصهيوني باللغة الوحيدة التي يفهمانها؟
أغلب الظن أن هذا المسعى الذي لم يتم اللجوء إليه إلا بعد مشاورات وإيحاءات من قبل نافذين إقليميين ودوليين يهمهم تذويب القضية الفلسطينية، قد استند إلى التصريحات التي أدلى بها باراك أوباما قبل عام من الزمن وتمنى فيها أن يرى لفلسطين مقعداً في الأمم المتحدة قبل نهاية العام 2011.
وظل (المسعى) مصراً على صدقيتها حتى بعد أن هدد أوباما باللجوء إلى حق النقض، ما يعني أن الإصرار لا يهدف إلى أكثر من إثارة حركة علاقات عامة وتحصيل أشكال من التأييد اللفظي من هنا وهناك، من دون أن تكون لهذا التأييد أية إمكانية للصرف على أرض الواقع.
وإذا كانوا لا يزالون يعوّلون على وعد أوباما، فقد فاتهم أن أوباما منشغل الآن بنصرة شعوب عربية أخرى كالشعبين الليبي والسوري... بقدر حرصه على نصرة قضية الكيان الصهيوني!
بفضل التعويل على أميركا، بدلاً من إيقافها عند حدها بالصارم المسلول، أصبحت سياسات الأنظمة العربية، ومنها نظام السلطة الفلسطينية، أشبه بحاطب ليل في وعر تشتبك فيه المفارقات والتناقضات التي تجعل أحدهم أقل حرصاً على مصالح شعبه من حرصه على الولاء لمن يسمّرونه في الحكم ويدفعون له ثمن بزاته الأنيقة وسياراته الفارهة وفيلاته المنتشرة في العالم "الراقي".
معارضة الولايات المتحدة وتهديدها باستخدام حق النقض ـ فيما لو وصل طلب محمود عباس بالحصول على عضوية فلسطينية كاملة في الأمم المتحدة ـ دليل على أحقية وصوابية المطلب، ودليل على أحقيته وصوابية موقف الكيان الصهيوني الذي اعتبر أن هذا المسعى هو بمثابة إعلان للحرب.
تلك واحدة من الأفكار التي يطرحها المدافعون عن هذه الضربة المسرحية الجديدة في تاريخ القضية الفلسطينية الحافل بأحداث وأفكار منها، كما في حالة الضربة المسرحية المذكورة، ما يميت القلب، ومنها، كما في حالة خيار المقاومة بما هو السبيل الوحيد للتحرير، ما يبعث الحياة في عطش رمال النقب وفي صخور جبال الجليل ويبعث الحلاوة في مياه البحر الميت.
ما يعني أن أصحاب تلك الفكرة يعلمون أن أميركا والكيان الصهيوني لا يمكن أن يسمحا، على افتراض أن مسعى محمود عباس يخدم القضية الفلسطينية، بأي حل ينسجم مع مصلحة الفلسطينيين. لكنه العلم الذي يمكن وصفه بأنه أسوأ من الجهل بأدلة كثيرة ما قبل الأخير منها هو ما عبر عنه أبو مازن عندما قال قولته الشهيرة: مفاوضات، مفاوضات، مفاوضات!
على كل حال، لا بد من أن نتجرع هذه المرارة الجديدة وأن نتدرع بالصبر الجميل ريثما يَجِدُّ جديدٌ يفقأ عين التلاعبات الهزيلة البائسة التي تعلو ـ للأسف ـ على الحقائق التي بات يعلمها كل طفل في طول العالم العربي وعرضه.
ليس من المفيد التذكير بتلك الأيام التي كان يقال فيها بالثورة المسلحة للتحرير من النهر إلى البحر، وفوهة البندقية واليد التي تدمر الدبابة وثورة ثورة حتى النصر. ولا بتلك التي كانت تضع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في خندق واحد هو خندق اغتصاب فلسطين وتشريد شعبها وقتله والتنكيل به في كل مدينة وقرية ودسكرة ومخيم وصولاً إلى المنافي وبلدان الشتات.
لأننا وصلنا إلى زمن يقف فيه الرئيس نيكولا ساركوزي ليقول عن الشعوب العربية إنها لا تنزل إلى الشوارع لكي تتظاهر ضد سياسات الغرب أو ضد فرنسا وأميركا و"إسرائيل"، بل ضد الحكام العرب.
ذلك لأننا دخلنا، منذ أوسلو، وما قبل أوسلو، في دهليز نفي الذات وجلدها واحتقارها عبر الرهان على نصرة تأتي من واشنطن والأمم المتحدة، رغم سيل التجارب التي ـ لشدة ما أعادت نفسها ـ بتنا نعلم مسبقاً أن الغرب وأميركا والأسرة الدولية قد حزمت أمرها وقالت بصريح الكلام انها لا تقدم للفلسطينيين غير خيارات من نوع التفرغ الأبدي للمفاوضات... أو البحث عن وطن بديل يمكنه أن يضمن الذوبان في بلدان الشتات أو، لتوسعة دائرة الفتنة، أو للإمعان في تحويل القضية الفلسطينية إلى مفجّر لحروب العرب على بعضهم البعض... في بلد عربي آخر هو الآن، تحديداً، الأردن. مع إمكانية بديل آخر أو حتى بدائل أخرى: أليست "أرض إسرائيل"، على ما تقوله الدعاية الصهيونية الرائجة في الغرب، نقطة لا تظهر على الخارطة وسط البحر العربي المترامي الأرجاء؟!
الخوف الأميركي من مسعى عباس والتهديد بالفيتو هو واحدة من الألعاب التي يصفق لها الانتهازيون ولا تنطلي إلا على ضيقي الأفق. إذ ما معنى الاعتراف، فيما لو تم، بدولة تحت الاحتلال، من قبل أسرة دولية واهنة وشكلية الوجود ولا تقوم بغير وظائفها التي تتحدد إنطلاقاً من الإملاءات الأميركية؟
صحيح أن الاعتراف بها في الجمعية العمومية لا يعطيها من حقوق العضوية أكثر من حق الانضمام لمنظمات دولية لا وظيفة لها هي الأخرى غير خدمة السياسيات الغربية، كالمحكمة الجنائية الدولية التي باتت سقف أحلام السلطة الفلسطينية والتي، على فرض تجردها لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، تقزم القضية الفلسطينية إلى مجرد خلافات مع قياديين إسرائيليين يمكن أن يذهبوا لتتعزز فكرة البقاء للكيان الصهيوني بشكله المستجد تحت اسم الدولة اليهودية.
وعلى افتراض أن واشنطن وتل أبيب منزعجتان من مسعى عباس، ألا يكفي هذا الانزعاج لإقناعه وإقناع غيره بالكف عن الرهان على أميركا وبالتعامل مع أميركا والكيان الصهيوني باللغة الوحيدة التي يفهمانها؟
أغلب الظن أن هذا المسعى الذي لم يتم اللجوء إليه إلا بعد مشاورات وإيحاءات من قبل نافذين إقليميين ودوليين يهمهم تذويب القضية الفلسطينية، قد استند إلى التصريحات التي أدلى بها باراك أوباما قبل عام من الزمن وتمنى فيها أن يرى لفلسطين مقعداً في الأمم المتحدة قبل نهاية العام 2011.
وظل (المسعى) مصراً على صدقيتها حتى بعد أن هدد أوباما باللجوء إلى حق النقض، ما يعني أن الإصرار لا يهدف إلى أكثر من إثارة حركة علاقات عامة وتحصيل أشكال من التأييد اللفظي من هنا وهناك، من دون أن تكون لهذا التأييد أية إمكانية للصرف على أرض الواقع.
وإذا كانوا لا يزالون يعوّلون على وعد أوباما، فقد فاتهم أن أوباما منشغل الآن بنصرة شعوب عربية أخرى كالشعبين الليبي والسوري... بقدر حرصه على نصرة قضية الكيان الصهيوني!
بفضل التعويل على أميركا، بدلاً من إيقافها عند حدها بالصارم المسلول، أصبحت سياسات الأنظمة العربية، ومنها نظام السلطة الفلسطينية، أشبه بحاطب ليل في وعر تشتبك فيه المفارقات والتناقضات التي تجعل أحدهم أقل حرصاً على مصالح شعبه من حرصه على الولاء لمن يسمّرونه في الحكم ويدفعون له ثمن بزاته الأنيقة وسياراته الفارهة وفيلاته المنتشرة في العالم "الراقي".