ارشيف من :آراء وتحليلات
تفاقم الأزمة المالية والاحتجاجات الشعبية في الدول الغربية

صوفيا ـ جورج حداد*
مساء السبت الماضي، تجمع مئات الأشخاص بالقرب من "وولستريت" في محاولة لتحويل قلب السوق المالية الدولية الى ما يشبه "ساحة تحرير" أميركية. وقد نقلت هذه الفكرة من التجربة المصرية والتونسية، وتم تنظيم العملية بواسطة شبكة الاتصال الاجتماعية. وعبر المتظاهرون عن الاحتجاج ضد دور المؤسسات المالية الكبرى في تفجير الأزمة في الاقتصاد الأميركي، وضد الجشع والفساد المستشري.
كما إن مئات المشاركين في مظاهرة لـ"حركة الغاضبين" في باريس يوم السبت أيضاً عبروا عن معارضتهم لـ"دكتاتورية الكتل المالية" وسياسة "شد الأحزمة" في أوروبا. وأقيم تجمع جماهيري في ساحة الباستيل.
وبحسب المشاركين في الحركة الاحتجاجية التي جرت في إسبانيا في أواسط أيار، فإن السياسة الأوروبية ليس لها أي صلة بالديمقراطية الحقيقية، والنخب الحاكمة ليست قادرة على تسوية المشكلات الإجتماعية المتفاقمة كانهيار ثلجي.
كما إن اجراءات التقشف التي اتخذتها الحكومة اليونانية تثير المزيد من الإستياء. وقد نظمت حركة احتجاج مدنية تظاهرة الاحد في اثينا تحت شعار "لن ندفع" ضد تطبيق ضريبة عقارية اضافية. واعلنت نقابة موظفي الدولة أنها تستعد لإعلان اضراب جديد في 6 تشرين الأول/ اوكتوبر القادم. ودعا رئيس الوزراء غيورغيوس باباندريو الى اجتماع للحكومة خصص للبحث في المشكلات المالية في البلاد وفي منطقة اليورو. ويوم السبت اعلن بشكل غير متوقع عن امتناعه عن السفر الى نيويورك للمشاركة في الجمعية العامة للامم المتحدة. وأوضح الناطق الوزاري أن سفر باباندرييو تم الغاؤه لأن الاسبوع القادم سيكون حاسماً من أجل اتخاذ موقف من تطبيق القرارات الأوروبية المتعلقة بالأزمة في اليونان. وقد دعا زعيم حزب "الدمقراطية الجديدة"، وهو الحزب المحافظ المعارض الرئيسي في اليونان، الى اجراء انتخابات نيابية فورية. وحسب اندونيس ساماراس فهذه هي الوسيلة الوحيدة لاخراج البلاد من الازمة الاقتصادية التي تغرق فيها. وحسب استطلاعات الرأي فإن حزب "الديمقراطية الجديدة" يتقدم على حزب "باسوك" الاشتراكي الحاكم. ويعارض هذا الحزب مشاريع الانقاذ الدولية لليونان بحجة ان اجراءات التقشف تؤدي الى خنق النمو الاقتصادي.
ويوم الاثنين صرح نائب وزير المالية اليوناني فيليبوس ساخينيديس، ان اليونان الغارقة في الديون يوجد لديها في الخزينة اموال تكفي لشهر تشرين الاول/ اوكتوبر فقط، وانه توجد حاجة ملحة لصرف الدفعة الثانية من المساعدة المالية الدولية.
وفي مقابلة تلفزيونية وجواباً عن سؤال حول قدرة الدولة على دفع الرواتب والمعاشات التقاعدية، قال ساخينيديس "اننا نحاول ان نضمن ان تستطيع الدولة ان تستمر في دفع الرواتب والمعاشات حتى تشرين الاول/ اوكتوبر بدون مشكلات".
وقد ظهرت اشارات اكثر وضوحاً تدل على خطر الافلاس المعلق فوق رأس اليونان في سوق صرف العملات اذ انهار اليورو في بورصات آسيا. وفي مدة وجيزة سقط اليورو الى أدنى سعر له في السنوات العشر الأخيرة، حيال الين الياباني، اذ بلغ 104،90 ينّات مقابل اليورو.
وانخفض سعر اليورو حيال الدولار ايضاً، وبلغ 1،3594 دولار مقابل اليورو.
ومن المتوقع أن يعود خبراء الإتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي الى اثينا خلال هذا الأسبوع كي يقرروا فيما إذا كان سيتم صرف الدفعة الثانية من المساعدة المالية لليونان والتي يبلغ مقدارها 8 مليارات يورو. وكان هؤلاء الخبراء قد قطعوا زيارتهم لليونان في 2 ايلول/سبتمبر الجاري بعد ظهور خلافات مع السلطات اليونانية حول حجم العجز في الميزانية واسبابه. وقد بررت اثينا رسمياً مغادرة الخبراء بأنه لأجل إعطاء مزيد من الوقت للسلطات اليونانية للقيام "بعمل تقني". ويوم الأحد عقد رئيس الوزراء باباندريو مؤتمراً صحافياً مفاجئاً في مدينة سالونيك، في أعقاب اجتماع طارئ لمجلس الوزراء، أعلن فيه أن الدولة اليونانية ستقوم بتنفيذ جميع المتوجبات المتفق عليها مع الدائنين الأجانب ولن تعلن الافلاس. وكرر رئيس الوزراء عدة مرات أنه لا يوجد خطر لاعلان إفلاس الدولة. وعبر باباندريو عن الثقة التامة بأنه سيتم دفع الدفعة الثانية من المساعدة المالية الدولية بدون مشكلات.
وبدأت اليونان بتطبيق ضريبة عقارية جديدة تحت ضغط الدائنين من أجل إجراء تخفيضات جديدة في الميزانية. ومن جهته اعترف وزير المالية بأنه يوجد تأخير في تنفيذ برنامج الحد من العجز، الذي ازداد بمقدار 4 مليارات بالمقارنة مع الفترة ذاتها من السنة الماضية.
وجاء في وكالات الأنباء انه توجد تخوفات من أن عجز الميزانية اليونانية لن تتم السيطرة عليه، وان البلاد لن تستطيع ان تؤمن خدمة الدين العام، وأن كل ذلك سيؤدي الى توجيه ضربة للبنوك الفرنسية الكبيرة.
وقد خسرت اسهم بنوك BNP PARIBAS و CREDIT AGRICOL و SOCIETE GENERALE بين 6 و 11% من قيمتها، وهذا من أكبر الانخفاضات في الأشهر الأخيرة. وكان السبب الأساسي لذلك هو تحذيرات وكالة التصنيف الدولية " موديز" بأنها يمكن أن تخفض مرتبة تصنيف تلك البنوك بسبب مشاركتها الكبيرة في الدين اليوناني.
وبالحقيقة اعتبرت البنوك الفرنسية أنها الأكثر تضرراً بأزمة الديون في منطقة اليورو، بسبب مشاركتها القوية في الدين اليوناني، والايطالي والاسباني. وقد ازداد الضغط على الصحة الرأسمالية لتلك البنوك، بالرغم مما بذلته من محاولات لتهدئة الأسواق بنتائج مالية افضل مما كان متوقعاً، وببرامج سريعة للتحرر من الأصول غير الاستراتيجية وبتقليص النفقات.
وحسب المعطيات التي نشرتها مجلة "ايكونوميست" فإن مشاركة البنوك الفرنسية الثلاثة الأكبر في الدين الاشكالي في اطراف منطقة اليورو تبلغ ما لا يقل عن 50 مليار يورو.
ولا يستبعد وزير الاقتصاد الالماني فيليب ريسلير اعلان افلاس "مسيطر عليه" لليونان بهدف انقاذ اليورو، كما اذاعت دويتشيه فيلي. "من اجل تأمين استقرار اليورو، لا يجب ان نستبعد اية فكرة كانت"، قال ريسلير في مقالة له نشرتها جريدة "دي فيلت". وحسب رأي هذا الوزير الالماني، فإن عدة بلدان اوروبية، بما فيها اليونان، لا تقوم بالجهود الكافية لتدعيم ميزانياتها. وهذا يؤدي الى فقدان الثقة بالعملة الاوروبية الموحدة، ان في الاسواق او لدى الناس. واكد ريسلير ان المانيا سوف تقدم المساعدة المالية المقررة لليونان بحسب فعالية الاجراءات التي تتخذها اثينا للتغلب على ازمة الديون.
وفي الوقت ذاته فإن وزارة المالية الالمانية، التي يترأسها الوزير فولفانغ شويبي، تنظر في سيناريوهين للاعلان المحتمل عن عجز اليونان عن الدفع. في السيناريو الاول يجري البحث في امكانية بقاء اليونان عضواً في منطقة اليورو، اما السيناريو الثاني فيبحث في امكانية تخلي اليونان عن اليورو والعودة الى استخدام عملتها الوطنية الخاصة: الدراخما (الدرهم).
وفي الوقت ذاته ادلى هورست زيإيهوفر، قائد الحزب الاجتماعي المسيحي، الحليف الائتلافي للحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم، بتصريح تلفزيوني قال فيه ان اخراج اليونان من منطقة اليورو لا ينبغي ان يكون موضوعاً محرماً على البحث. وقال "اذا فشل اليونانيون، بالرغم من كل الجهود المبذولة، في التغلب على ازمة الميزانية، فلا ينبغي ان نستبعد امكانية خروج اليونان من منطقة اليورو".
وفي الوقت ذاته فإن المحلل البنكي ريتشارد بوأوف من Rochdale Securities صرح في التلفزيون الاميركي CNBC بأن افلاس اليونان ليس سوى مسألة وقت.
ان اليونان غير قادرة على ايفاء ديونها. واذا اخذنا بالاعتبار ان النظام المالي في منطقة اليورو لا يزال يتقيد بتقييم التوظيفات في سندات الدولة حسب سعرها في السوق، فإن الكثير من البنوك هي ملزمة بأن ترفع حجم رساميلها، حسبما يقول المحلل بوأوف.
وهو يضيف "وحتى بافتراض انه صار واضحاً ان اليونان هي غير قادرة على ايفاء ديونها وبنوكها اعلنت افلاسها، فلا ادري ما اذا كان يوجد اي بنك اوروبي او اميركي يمكن ان يقيـّم سندات الدولة لديه بأسعار السوق".
ويؤكد انه "لا يوجد بلد، ولا حتى في منطقة اليورو، يمكنه ان يرغب في ان يتحمل العبء، الذي تسببت به الدول المسرفة. فالنظام البنكي لا يمكن ان يبعثر ارباحه عن طريق تجميد مبالغ كبيرة من الرأسمال الجديد، الذي يمكنه ان يعوض الخسائر في حال افلاس بعض الدول ذات المشكلات".
وحسب رأي هذا المحلل فإن ذلك سمح لبنوك محددة بأن تتخذ تدابير دفاعية في محاولة تخفيف مضاعفات المشكلة حين ظهورها.
وحسب رأيه فإن ذلك سمح لبنوك معينة بأن تتخذ اجراءات دفاعية في محاولة منها لتخفيض التأثيرات السلبية للمشكلة، في حال وقوعها.
"ولا يمكن ان يعتقد احد بأن دين الدول الواقعة في صعوبات يمكن اعادة جدولته. فالعديد من هذه الدول لن يستطيع ابداً ان يفي بالمتوجبات عليه. ويمكن القول ببساطة ان زيادة عبء الديون على هذه الدول عن طريق الاستمرار في الإقتراض ليس حلاً للمشكلة" يؤكد هذا المحلل.
وبحسب رأيه فإن اليونان وعدة دول غيرها سوف تعلن افلاسها. وهو مقتنع بأن "المسألة هي فقط مسألة وقت. ولكن جدول الافلاسات يمكن التعديل به".
"وفي لحظة محددة، فإن زيادة الديون على كاهل هذه المؤسسات من طراز 2008 يمكن ان يستدعي الانهيار. والتوتر في الوضع كبير جداً، ولا يمكن السماح باستمراره. واكثر من ذلك فإن الافتقاد الى سياسة واضحة للتخفيف من حدة المشكلة يساهم فقط في تفاقمها. وتتهيأ قوى السوق لان تفعل ما لا تقدم الحكومات على فعله، اي رفض فتح الاعتمادات للدول والبنوك الواقعة في الصعوبات في جميع انحاء اوروبا. ان الامور تسير نحو الانهيار"، كما يؤكد بوأوف.
وتخطط الحكومة اليونانية لاجراء استفتاء شعبي حول القرار المصيري: هل سيتم الاحتفاظ باليورو ام ان البلاد ستعود الى اعتماد الدراخما. هذا ما قالته وكالة رويترز، نقلاً عن الجريدة اليونانية Kathimerini. وسيتم في الايام القريبة القادمة عرض مشروع القانون حول هذا الاستفتاء على مجلس النواب.
وبمقتضى الجريدة، فإن رئيس الوزراء غيورغيوس باباندريو يعتقد ان نتائج الاستفتاء سوف تسمح للوزارة بالاستمرار في تحقيق برنامج تخفيض عجز الميزانية.
وجدير بالذكر ان الدائنين الكبار لليونان، وهم اللجنة الاوروبية، البنك المركزي الاوروبي وصندوق النقد الدولي، يصرون على تطبيق اجراءات تقشفية قاسية لاجل الايفاء بدين الدولة. ولكن السكان يقفون بشدة ضد تخفيض نفقات الميزانية، وبالدرجة الاولى فيما يتعلق بالبرامج الاجتماعية.
وتضيف الجريدة ان مسألة الاستفتاء جرى بحثها في جلسة طارئة لمجلس الوزراء يوم 18 ايلول/سبتمبر الجاري. وحصلت الفكرة على تأييد غالبية الوزراء، الا ان عدداً ملحوظاً منهم وقف ضد الفكرة. وقال وزير الداخلية انه فيما اذا صوتت غالبية اليونانيين على العودة نحو العملة الوطنية، فينبغي ان يتم اجراء انتخابات مبكرة في البلاد. اما وزير الزراعة فقد اقترح ان لا يتم اجراء استفتاء، بل ان يتم اجراء انتخابات مبكرة فوراً.
وافادت جريدة Kathimerini ان فكرة اجراء استفتاء بشأن اليورو كانت قد طرحت قبلاً، ولكن باباندرييو اعترض عليها في حينه. وفيما بعد دحضت الحكومة المعلومات التي تقول ان الحكومة تفكر في اجراء استفتاء حول البقاء في منطقة اليورو. وجواباً عن سؤال حول الموضوع قال نائب الناطق باسم الحكومة انغيلوس تولكاس: "كلا. ان الحكومة لم تبحث هذه المسألة".
ان الدين العام لليونان يبلغ حوالى 350 مليار يورو، وهي تقف على حافة الافلاس. واقتصاد البلاد يستمر باداء وظائفه بفضل الحقن المالية من قبل الاتحاد الاوروبي، البنك المركزي الاوروبي وصندوق النقد الدولي. ولكن الاموال التي دفعت لم تكن كافية لاخراج البلاد من الازمة. وتجري الان مباحثات مع الدائنين للحصول على الدفعة الدورية من المساعدة بمقدار 8 مليارات يورو.
هذا وقالت وكالة رويترز ان البرلمان الايطالي اقر في الاسبوع المنصرم سلة من اجراءات التقشف في الميزانية بلغت قيمتها 54 مليار يورو.
والهدف من هذه التدابير هو ان يتم تحقيق التوازن في الميزانية في عام 2013. وكانت نتيجة التصويت في مجلس النواب 314 نائبا "مع" و300 نائب "ضد".
كما ايد مجلس الشيوخ اجراءات تقضي برفع نسبة الضريبة المضافة 1% (من 20 الى 21%)، وبتخفيض النفقات الحكومية.
ودين الدولة الايطالي هو من اكبر الديون في العالم، بالحجم المطلق، وقد بلغ في شهر تموز/يوليو مبلغ قياسياً هو حوالى 1.912 تريليون يورو، كما اذاع البنك المركزي في 15 ايلول/سبتمبر الجاري. ولم يشر البنك الى النسبة المحددة للدين العام الى الناتج القومي القائم. ولكن توجد تقديرات ان هذه النسبة تبلغ 120%.
وفيما كان مجلس النواب يصوت على اجراءات التقشف للميزانية كان مئات المواطنين يتظاهرون امام البرلمان ضد هذه الاجراءات. واطلق المتظاهرون المفرقعات، وقلبوا حاويات القمامة ورموا رجال الشرطة بما وقع تحت ايديهم. ولم تفد المعلومات عن وقوع اصابات.
وفي الاسبوع الماضي كان قد جرى في ايطاليا اضراب عام ضد اجراءات التقشف شارك فيه مئات الاف المواطنين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب لبناني مستقل
مساء السبت الماضي، تجمع مئات الأشخاص بالقرب من "وولستريت" في محاولة لتحويل قلب السوق المالية الدولية الى ما يشبه "ساحة تحرير" أميركية. وقد نقلت هذه الفكرة من التجربة المصرية والتونسية، وتم تنظيم العملية بواسطة شبكة الاتصال الاجتماعية. وعبر المتظاهرون عن الاحتجاج ضد دور المؤسسات المالية الكبرى في تفجير الأزمة في الاقتصاد الأميركي، وضد الجشع والفساد المستشري.
كما إن مئات المشاركين في مظاهرة لـ"حركة الغاضبين" في باريس يوم السبت أيضاً عبروا عن معارضتهم لـ"دكتاتورية الكتل المالية" وسياسة "شد الأحزمة" في أوروبا. وأقيم تجمع جماهيري في ساحة الباستيل.
وبحسب المشاركين في الحركة الاحتجاجية التي جرت في إسبانيا في أواسط أيار، فإن السياسة الأوروبية ليس لها أي صلة بالديمقراطية الحقيقية، والنخب الحاكمة ليست قادرة على تسوية المشكلات الإجتماعية المتفاقمة كانهيار ثلجي.
كما إن اجراءات التقشف التي اتخذتها الحكومة اليونانية تثير المزيد من الإستياء. وقد نظمت حركة احتجاج مدنية تظاهرة الاحد في اثينا تحت شعار "لن ندفع" ضد تطبيق ضريبة عقارية اضافية. واعلنت نقابة موظفي الدولة أنها تستعد لإعلان اضراب جديد في 6 تشرين الأول/ اوكتوبر القادم. ودعا رئيس الوزراء غيورغيوس باباندريو الى اجتماع للحكومة خصص للبحث في المشكلات المالية في البلاد وفي منطقة اليورو. ويوم السبت اعلن بشكل غير متوقع عن امتناعه عن السفر الى نيويورك للمشاركة في الجمعية العامة للامم المتحدة. وأوضح الناطق الوزاري أن سفر باباندرييو تم الغاؤه لأن الاسبوع القادم سيكون حاسماً من أجل اتخاذ موقف من تطبيق القرارات الأوروبية المتعلقة بالأزمة في اليونان. وقد دعا زعيم حزب "الدمقراطية الجديدة"، وهو الحزب المحافظ المعارض الرئيسي في اليونان، الى اجراء انتخابات نيابية فورية. وحسب اندونيس ساماراس فهذه هي الوسيلة الوحيدة لاخراج البلاد من الازمة الاقتصادية التي تغرق فيها. وحسب استطلاعات الرأي فإن حزب "الديمقراطية الجديدة" يتقدم على حزب "باسوك" الاشتراكي الحاكم. ويعارض هذا الحزب مشاريع الانقاذ الدولية لليونان بحجة ان اجراءات التقشف تؤدي الى خنق النمو الاقتصادي.
ويوم الاثنين صرح نائب وزير المالية اليوناني فيليبوس ساخينيديس، ان اليونان الغارقة في الديون يوجد لديها في الخزينة اموال تكفي لشهر تشرين الاول/ اوكتوبر فقط، وانه توجد حاجة ملحة لصرف الدفعة الثانية من المساعدة المالية الدولية.
وفي مقابلة تلفزيونية وجواباً عن سؤال حول قدرة الدولة على دفع الرواتب والمعاشات التقاعدية، قال ساخينيديس "اننا نحاول ان نضمن ان تستطيع الدولة ان تستمر في دفع الرواتب والمعاشات حتى تشرين الاول/ اوكتوبر بدون مشكلات".

وقد ظهرت اشارات اكثر وضوحاً تدل على خطر الافلاس المعلق فوق رأس اليونان في سوق صرف العملات اذ انهار اليورو في بورصات آسيا. وفي مدة وجيزة سقط اليورو الى أدنى سعر له في السنوات العشر الأخيرة، حيال الين الياباني، اذ بلغ 104،90 ينّات مقابل اليورو.
وانخفض سعر اليورو حيال الدولار ايضاً، وبلغ 1،3594 دولار مقابل اليورو.
ومن المتوقع أن يعود خبراء الإتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي الى اثينا خلال هذا الأسبوع كي يقرروا فيما إذا كان سيتم صرف الدفعة الثانية من المساعدة المالية لليونان والتي يبلغ مقدارها 8 مليارات يورو. وكان هؤلاء الخبراء قد قطعوا زيارتهم لليونان في 2 ايلول/سبتمبر الجاري بعد ظهور خلافات مع السلطات اليونانية حول حجم العجز في الميزانية واسبابه. وقد بررت اثينا رسمياً مغادرة الخبراء بأنه لأجل إعطاء مزيد من الوقت للسلطات اليونانية للقيام "بعمل تقني". ويوم الأحد عقد رئيس الوزراء باباندريو مؤتمراً صحافياً مفاجئاً في مدينة سالونيك، في أعقاب اجتماع طارئ لمجلس الوزراء، أعلن فيه أن الدولة اليونانية ستقوم بتنفيذ جميع المتوجبات المتفق عليها مع الدائنين الأجانب ولن تعلن الافلاس. وكرر رئيس الوزراء عدة مرات أنه لا يوجد خطر لاعلان إفلاس الدولة. وعبر باباندريو عن الثقة التامة بأنه سيتم دفع الدفعة الثانية من المساعدة المالية الدولية بدون مشكلات.
وبدأت اليونان بتطبيق ضريبة عقارية جديدة تحت ضغط الدائنين من أجل إجراء تخفيضات جديدة في الميزانية. ومن جهته اعترف وزير المالية بأنه يوجد تأخير في تنفيذ برنامج الحد من العجز، الذي ازداد بمقدار 4 مليارات بالمقارنة مع الفترة ذاتها من السنة الماضية.
وجاء في وكالات الأنباء انه توجد تخوفات من أن عجز الميزانية اليونانية لن تتم السيطرة عليه، وان البلاد لن تستطيع ان تؤمن خدمة الدين العام، وأن كل ذلك سيؤدي الى توجيه ضربة للبنوك الفرنسية الكبيرة.
وقد خسرت اسهم بنوك BNP PARIBAS و CREDIT AGRICOL و SOCIETE GENERALE بين 6 و 11% من قيمتها، وهذا من أكبر الانخفاضات في الأشهر الأخيرة. وكان السبب الأساسي لذلك هو تحذيرات وكالة التصنيف الدولية " موديز" بأنها يمكن أن تخفض مرتبة تصنيف تلك البنوك بسبب مشاركتها الكبيرة في الدين اليوناني.
وبالحقيقة اعتبرت البنوك الفرنسية أنها الأكثر تضرراً بأزمة الديون في منطقة اليورو، بسبب مشاركتها القوية في الدين اليوناني، والايطالي والاسباني. وقد ازداد الضغط على الصحة الرأسمالية لتلك البنوك، بالرغم مما بذلته من محاولات لتهدئة الأسواق بنتائج مالية افضل مما كان متوقعاً، وببرامج سريعة للتحرر من الأصول غير الاستراتيجية وبتقليص النفقات.
وحسب المعطيات التي نشرتها مجلة "ايكونوميست" فإن مشاركة البنوك الفرنسية الثلاثة الأكبر في الدين الاشكالي في اطراف منطقة اليورو تبلغ ما لا يقل عن 50 مليار يورو.
ولا يستبعد وزير الاقتصاد الالماني فيليب ريسلير اعلان افلاس "مسيطر عليه" لليونان بهدف انقاذ اليورو، كما اذاعت دويتشيه فيلي. "من اجل تأمين استقرار اليورو، لا يجب ان نستبعد اية فكرة كانت"، قال ريسلير في مقالة له نشرتها جريدة "دي فيلت". وحسب رأي هذا الوزير الالماني، فإن عدة بلدان اوروبية، بما فيها اليونان، لا تقوم بالجهود الكافية لتدعيم ميزانياتها. وهذا يؤدي الى فقدان الثقة بالعملة الاوروبية الموحدة، ان في الاسواق او لدى الناس. واكد ريسلير ان المانيا سوف تقدم المساعدة المالية المقررة لليونان بحسب فعالية الاجراءات التي تتخذها اثينا للتغلب على ازمة الديون.
وفي الوقت ذاته فإن وزارة المالية الالمانية، التي يترأسها الوزير فولفانغ شويبي، تنظر في سيناريوهين للاعلان المحتمل عن عجز اليونان عن الدفع. في السيناريو الاول يجري البحث في امكانية بقاء اليونان عضواً في منطقة اليورو، اما السيناريو الثاني فيبحث في امكانية تخلي اليونان عن اليورو والعودة الى استخدام عملتها الوطنية الخاصة: الدراخما (الدرهم).
وفي الوقت ذاته ادلى هورست زيإيهوفر، قائد الحزب الاجتماعي المسيحي، الحليف الائتلافي للحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم، بتصريح تلفزيوني قال فيه ان اخراج اليونان من منطقة اليورو لا ينبغي ان يكون موضوعاً محرماً على البحث. وقال "اذا فشل اليونانيون، بالرغم من كل الجهود المبذولة، في التغلب على ازمة الميزانية، فلا ينبغي ان نستبعد امكانية خروج اليونان من منطقة اليورو".
وفي الوقت ذاته فإن المحلل البنكي ريتشارد بوأوف من Rochdale Securities صرح في التلفزيون الاميركي CNBC بأن افلاس اليونان ليس سوى مسألة وقت.
ان اليونان غير قادرة على ايفاء ديونها. واذا اخذنا بالاعتبار ان النظام المالي في منطقة اليورو لا يزال يتقيد بتقييم التوظيفات في سندات الدولة حسب سعرها في السوق، فإن الكثير من البنوك هي ملزمة بأن ترفع حجم رساميلها، حسبما يقول المحلل بوأوف.
وهو يضيف "وحتى بافتراض انه صار واضحاً ان اليونان هي غير قادرة على ايفاء ديونها وبنوكها اعلنت افلاسها، فلا ادري ما اذا كان يوجد اي بنك اوروبي او اميركي يمكن ان يقيـّم سندات الدولة لديه بأسعار السوق".
ويؤكد انه "لا يوجد بلد، ولا حتى في منطقة اليورو، يمكنه ان يرغب في ان يتحمل العبء، الذي تسببت به الدول المسرفة. فالنظام البنكي لا يمكن ان يبعثر ارباحه عن طريق تجميد مبالغ كبيرة من الرأسمال الجديد، الذي يمكنه ان يعوض الخسائر في حال افلاس بعض الدول ذات المشكلات".
وحسب رأي هذا المحلل فإن ذلك سمح لبنوك محددة بأن تتخذ تدابير دفاعية في محاولة تخفيف مضاعفات المشكلة حين ظهورها.
وحسب رأيه فإن ذلك سمح لبنوك معينة بأن تتخذ اجراءات دفاعية في محاولة منها لتخفيض التأثيرات السلبية للمشكلة، في حال وقوعها.
"ولا يمكن ان يعتقد احد بأن دين الدول الواقعة في صعوبات يمكن اعادة جدولته. فالعديد من هذه الدول لن يستطيع ابداً ان يفي بالمتوجبات عليه. ويمكن القول ببساطة ان زيادة عبء الديون على هذه الدول عن طريق الاستمرار في الإقتراض ليس حلاً للمشكلة" يؤكد هذا المحلل.
وبحسب رأيه فإن اليونان وعدة دول غيرها سوف تعلن افلاسها. وهو مقتنع بأن "المسألة هي فقط مسألة وقت. ولكن جدول الافلاسات يمكن التعديل به".
"وفي لحظة محددة، فإن زيادة الديون على كاهل هذه المؤسسات من طراز 2008 يمكن ان يستدعي الانهيار. والتوتر في الوضع كبير جداً، ولا يمكن السماح باستمراره. واكثر من ذلك فإن الافتقاد الى سياسة واضحة للتخفيف من حدة المشكلة يساهم فقط في تفاقمها. وتتهيأ قوى السوق لان تفعل ما لا تقدم الحكومات على فعله، اي رفض فتح الاعتمادات للدول والبنوك الواقعة في الصعوبات في جميع انحاء اوروبا. ان الامور تسير نحو الانهيار"، كما يؤكد بوأوف.
وتخطط الحكومة اليونانية لاجراء استفتاء شعبي حول القرار المصيري: هل سيتم الاحتفاظ باليورو ام ان البلاد ستعود الى اعتماد الدراخما. هذا ما قالته وكالة رويترز، نقلاً عن الجريدة اليونانية Kathimerini. وسيتم في الايام القريبة القادمة عرض مشروع القانون حول هذا الاستفتاء على مجلس النواب.
وبمقتضى الجريدة، فإن رئيس الوزراء غيورغيوس باباندريو يعتقد ان نتائج الاستفتاء سوف تسمح للوزارة بالاستمرار في تحقيق برنامج تخفيض عجز الميزانية.
وجدير بالذكر ان الدائنين الكبار لليونان، وهم اللجنة الاوروبية، البنك المركزي الاوروبي وصندوق النقد الدولي، يصرون على تطبيق اجراءات تقشفية قاسية لاجل الايفاء بدين الدولة. ولكن السكان يقفون بشدة ضد تخفيض نفقات الميزانية، وبالدرجة الاولى فيما يتعلق بالبرامج الاجتماعية.
وتضيف الجريدة ان مسألة الاستفتاء جرى بحثها في جلسة طارئة لمجلس الوزراء يوم 18 ايلول/سبتمبر الجاري. وحصلت الفكرة على تأييد غالبية الوزراء، الا ان عدداً ملحوظاً منهم وقف ضد الفكرة. وقال وزير الداخلية انه فيما اذا صوتت غالبية اليونانيين على العودة نحو العملة الوطنية، فينبغي ان يتم اجراء انتخابات مبكرة في البلاد. اما وزير الزراعة فقد اقترح ان لا يتم اجراء استفتاء، بل ان يتم اجراء انتخابات مبكرة فوراً.
وافادت جريدة Kathimerini ان فكرة اجراء استفتاء بشأن اليورو كانت قد طرحت قبلاً، ولكن باباندرييو اعترض عليها في حينه. وفيما بعد دحضت الحكومة المعلومات التي تقول ان الحكومة تفكر في اجراء استفتاء حول البقاء في منطقة اليورو. وجواباً عن سؤال حول الموضوع قال نائب الناطق باسم الحكومة انغيلوس تولكاس: "كلا. ان الحكومة لم تبحث هذه المسألة".
ان الدين العام لليونان يبلغ حوالى 350 مليار يورو، وهي تقف على حافة الافلاس. واقتصاد البلاد يستمر باداء وظائفه بفضل الحقن المالية من قبل الاتحاد الاوروبي، البنك المركزي الاوروبي وصندوق النقد الدولي. ولكن الاموال التي دفعت لم تكن كافية لاخراج البلاد من الازمة. وتجري الان مباحثات مع الدائنين للحصول على الدفعة الدورية من المساعدة بمقدار 8 مليارات يورو.
هذا وقالت وكالة رويترز ان البرلمان الايطالي اقر في الاسبوع المنصرم سلة من اجراءات التقشف في الميزانية بلغت قيمتها 54 مليار يورو.
والهدف من هذه التدابير هو ان يتم تحقيق التوازن في الميزانية في عام 2013. وكانت نتيجة التصويت في مجلس النواب 314 نائبا "مع" و300 نائب "ضد".
كما ايد مجلس الشيوخ اجراءات تقضي برفع نسبة الضريبة المضافة 1% (من 20 الى 21%)، وبتخفيض النفقات الحكومية.
ودين الدولة الايطالي هو من اكبر الديون في العالم، بالحجم المطلق، وقد بلغ في شهر تموز/يوليو مبلغ قياسياً هو حوالى 1.912 تريليون يورو، كما اذاع البنك المركزي في 15 ايلول/سبتمبر الجاري. ولم يشر البنك الى النسبة المحددة للدين العام الى الناتج القومي القائم. ولكن توجد تقديرات ان هذه النسبة تبلغ 120%.
وفيما كان مجلس النواب يصوت على اجراءات التقشف للميزانية كان مئات المواطنين يتظاهرون امام البرلمان ضد هذه الاجراءات. واطلق المتظاهرون المفرقعات، وقلبوا حاويات القمامة ورموا رجال الشرطة بما وقع تحت ايديهم. ولم تفد المعلومات عن وقوع اصابات.
وفي الاسبوع الماضي كان قد جرى في ايطاليا اضراب عام ضد اجراءات التقشف شارك فيه مئات الاف المواطنين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب لبناني مستقل