ارشيف من :آراء وتحليلات

من الثورات العربية إلى منصة الأمم المتحدة:أحمدي نجاد صوت صارخ بالبشارة في برية الحضارة !

من الثورات العربية إلى منصة الأمم المتحدة:أحمدي نجاد صوت صارخ بالبشارة في برية الحضارة !
عقيل الشيخ حسين

يحلو للبعض ممن يدبّجون فذلكات تحليلية من النوع الذي يصب الماء في طاحونة مشاريع الهيمنة، أن يقدموا تصورات عن إيران ومجموعة البلدان والحركات التي تتصدى لتلك المشاريع مفادها أن هذه الظاهرة هي من بقايا المعسكر العالمي الذي كان يضم، بين خمسينيات وثمانينيات القرن الماضي، كلاً من المعسكر الشيوعي وبلدان العالم الثالث التي تحررت من نير الاستعمار التقليدي.

وبالتالي، فإن النظام الإسلامي في إيران وبقية البلدان والحركات المذكورة هي تعبيرات عن الشمولية والدكتاتورية المحكوم عليها بالزوال، على ما تفضي إليه تلك التحليلات التي تستشهد بانهيار الاتحاد السوفياتي، وبالتراجع الذي أصاب بلدان وحركات التحرر الوطني، وبخلو الساحة العالمية لنظام القطبية الواحدة الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية.

والواضح أن تلك التحليلات تستند إلى نظرة إلى التاريخ أهم خصائصها هي سجن التاريخ في إطار الحراك التطوري المغلق والآلي والحتمي الذي عفا عليه الزمن عند القائلين به، بينما يتشبث به أولئك الذين ما زالوا يتعيشون على ترداد مفاهيم مبهمة كالحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، وهي المفاهيم التي تستخدمها دوائر الاستكبار العالمي وامتداداته الإقليمية والمحلية في عملية خداع الشعوب بهدف تأبيد استعبادها.

لكن الأحداث، وهي التي ينبغي أن يقرأ من خلالها التاريخ، تأتي لتكذّب الأفكار المسبقة والتحليلات المعلبة: المحللون أنفسهم أمضوا عقوداً من الزمن وهم ينتحبون أمام حالة الهمود التي تعيشها الشعوب العربية في ظل تسلط الأنظمة وفسادها، وفي ظل الصلف الإسرائيلي وتماديه في قمع الشعب الفلسطيني واغتصاب حقوقه وفي إلحاق صنوف التنكيل والأذى بغيره من الشعوب العربية.

وإذا كان من العبث أن ينتظر المرء من هؤلاء المحللين الذين يسترزقون أفكارهم كما يسترزقون خبزهم على مائدة فيلتمان وجوقاته الإقليمية والمحلية، أن يلحظوا التمخضات التاريخية الكبرى التي نشأت عن أحداث ووقائع من نوع الثورة الإسلامية في إيران، وتحطيم أسطورة الجيش الإسرائيلي على يد المقاومة في غزة ولبنان، وصمود سوريا الذي أفشل الهروع العربي الكبير نحو الاستسلام، فإن من العبث أيضاً أن ينتظر منهم استشرافاً للثورات التي تعصف اليوم بالعالم العربي من الخليج إلى المحيط.

لم يكن بإمكان أحدهم أن يتصور كيف أن حدثاً من نوع إقدام بوعزيزي على إحراق نفسه في تونس كفيل بإطلاق العنان لدورة تاريخية كانت خارج إطار المُفكر فيه وحتى خارج إطار ما يمكن أن يفكر فيه.

وفي الوقت الذي يصر فيه الخطاب الإسلامي في إيران على أن ما يجري في العالم العربي يندرج في إطار الصحوة الإسلامية، نجد أولئك المحللين يذهبون كل مذهب في النظر إلى الثورات العربية تارة على أنها نتاج العقل الأميركي، وأنها لن تفضي في أحسن الأحوال إلا لإغراق المنطقة في الفوضى البناءة تارة أخرى.

ويستشهدون بالناتو الذي يعود إلى المنطقة كمخلص ومحرر في ليبيا اليوم، كما في العراق وأفغانستان بالأمس. لكنهم يتعامون عن الواقع المتمثل بأن الحرب/ النزهة في العراق وأفغانستان قد دقت عميقاً مسامير ضخمة في نعش أكبر التحالفات العسكرية العالمية في التاريخ، وأشدها عتواً وتفوقاً على مستوى التسلح والنفير السياسي. ولا يتوقعون بالطبع أن تصبح ليبيا عش دبابير يفور في وجه الغزاة وحلفائهم العرب وأدواتهم المحلية.

صحيح أن بعض الأنظمة تمكنت من تغيير جلدها وصمدت حتى الآن في وجه الثورات العربية. وصحيح أن هذه الثورات ـ وكلها عفوي لم يكن نتيجة تخطيط وتوجيه من قبل تنظيمات وقوى سياسية فاعلة ـ تعاني من الكثير من أوجه التخبط والحيرة. ولكننا نلحظ عملية فرز وتمحيص واضحة تخرج بتلك الثورات من إطار المطالب الضيقة والمبهمة إلى إطار الانتماء والالتزام بقضايا الكرامة والمصير.

فهجمات المتظاهرين على السفارتين الإسرائيليتين في القاهرة وعمان، وتنامي الوعي في اليمن بضلوع أميركا والسعودية في دعم نظام علي عبد الله صالح (وصولاً إلى إحراق دمية تمثل الملك السعودي)، وصمود لبنان وسوريا أمام المؤامرات الخارجية والداخلية، وتأرجحات تركيا وتفجيرات باكستان، كلها أدلة على أن الثورة قد أصبحت واقعاً ملموساً في طول العالم الإسلامي وعرضه.

أما إيران التي تحكم عليها فذلكات المحللين بالانهيار، فإن جميع الضغوط والعقوبات والمؤامرات والحروب التي شنت عليها منذ تفجر الثورة الإسلامية لم تمنعها من الصعود الحثيث والواثق على جميع الصعد الاقتصادية والعلمية والعسكرية. والأهم من ذلك، وبالتزامن مع العرض العسكري المهيب الذي تقيمه إيران في أسبوع الدفاع المقدس، بمناسبة الذكرى الحادية والثلاثين للحرب التي فرضها عليها النظام العراقي البائد بدعم من قوى الاستكبار الإقليمية والدولية...

طرحت إيران نفسها، بلسان رئيسها محمود أحمدي نجاد، ومن على منصة الجمعية العمومية للأمم المتحدة، كمدافع أول، على الصعيد الدولي، عن الشعوب المضطهدة في العالم. فقد عرض نجاد في وثيقة اتهام ضخمة الجرائم التي ارتكبتها الإدارات الأميركية والاستعمارية بحق الشعوب، وكلها جرائم لا ينكرها منكر.

وعندما ذكر ألعوبة الهولوكست دللت وفود قوى الهيمنة وذيولها على تنكرها لدعاوى الديموقراطية والحوار، وخرجت من القاعة لتدلل بذلك على قرب خروجها من دائرة الوجود، ومن دائرة البحث الجدي عن حلول لمشكلات العالم من خلال إدارة عالمية مشتركة، بدلاً من مواصلة صلب العالم على خشبة الفيتو الأميركي، وفي إسار أسرة دولية تحولت إلى صدى هزيل للصوت الأميركي. إدارة عالمية مشتركة يظللها علم الإسلام الحقيقي والمسيحية الحقيقية وتوجه الأنظار نحو زمن خلاص البشرية الموعود.
2011-09-23