ارشيف من :آراء وتحليلات
العقود الكردية ... وأزمة قانون النفط العراقي

بغداد ـ عادل الجبوري
لا يخرج الخلاف الحاد بين الحكومة الاتحادية في العاصمة العراقية بغداد، وحكومة اقليم كردستان، الذي اتسعت مدياته في الآونة الأخيرة بشأن قانون النفط والغاز عن مجمل الاختلافات حول جملة من القضايا، التي يعتبرها البعض أمراً طبيعيا وجزءاً من استحقاقات بناء النظام السياسي الديمقراطي، وترسيخ مفهوم المشاركة في إدارة الدولة وتداول السلطة في إطار الدستور، في حين يعتبرها البعض الآخر مؤشراً على عمق الأزمات السياسية بين الفرقاء، وتباين الرؤى والتوجهات بشأن القضايا الاستراتيجية والمحورية للبلاد.
وبعد صمت ظاهري لعدة أشهر، قرر الأكراد فتح جبهة المواجهة مع الحكومة في بغداد، وتحديداً مع رئيسها نوري المالكي، وعنوان المواجهة هو (عدم التزام المالكي بورقة المطالب الكردية التي وقّع عليها قبيل تشكيل الحكومة أواخر العام الماضي).
وبدا للكثيرين أن التصعيد الكردي ضد الحكومة جاء مفاجئا وغير متوقع، حتى إن هناك من ربطه بعدة أمور من بينها، القصف التركي والإيراني لمواقع تابعة لجماعات مسلحة معارضة تتخذ من أراضي اقليم كردستان العراق مقرات ومنطلقات لها، والموقف الكردي الرسمي الداعي الى تمديد بقاء القوات الأميركية في العراق بعد نهاية العام الجاري، والأهم من هاتين النقطتين، هو اقرار مجلس الوزراء مسودة قانون النفط والغاز الذي لا ينسجم مع التوجهات والرؤى الكردية، إذ إن مسودة هذا القانون بصيغتها الحالية والمقدمة من مجلس الوزراء استنادا لاحكام الفقرة 2 من المادة 80 من الدستور تشدد على أن إدارة ملف استخراج النفط وتسويقه واستثماره بيد الحكومة المركزية وبالتعاون مع الاقاليم والمحافظات المنتجة، وهو أمر دستوري حسب ما نصت عليه المادة 112 من الدستور العراقي وفق ما يرى الخبير القانوني محمد السامرائي، على اعتبار ان الملف الاقتصادي والملف الأمني للدولة العراقية يكون من صلاحية المركز لأنه متعلق بسيادة الدولة عموماً وبالتشاور مع المحافظات و الأقاليم، وهنا لا يجوز للمحافظات او الأقاليم ان تبرم عقوداً في مجال الاستثمار النفطي بدون علم وموافقة الحكومة الإتحادية.
وكانت حكومة اقليم كردستان السابقة برئاسة نيجرفان البارزاني قد أعلنت اواخر عام 2005 شروع مجموعة النفط النرويجية (DNO) بالتنقيب عن النفط في منطقة طاوكي التابعة لقضاء زاخو في محافظة دهوك، وفي حينها قال البارزاني في مراسم احتفالية "انه وبحسب الدستور العراقي الجديد تستطيع حكومة اقليم كردستان العراق ابرام العقود مع الشركات العالمية لاستخراج النفط والثروات الطبيعية وعلى هذا الأساس أبرمنا هذا العقد مع المجموعة النفطية النرويجية الصغيرة (DNO) للبدء بعمليات تنقيب عن النفط في هذه المنطقة، معتبراً ان هذا المشروع تاريخي والحدث تاريخي حيث يتم ولأول مرة استخراج النفط من اقليم كردستان".
وفي اواخر عام 2007 أعلنت حكومة الاقليم انها وقعت سبعة عقود نفطية جديدة مع شركات أجنبية للتنقيب عن النفط في أراضي الإقليم، حيث جرى التوقيع على اتفاقيتين مع شركة "او ام في بتروليوم اكسبلوريشين" للتنقيب عن النفط المملوكة لشركة "او ام في اكيتينغيسليشافت" النمسوية لاستخراج النفط من حقلي ملا عمر وشورش في محافظة اربيل، وتوقيع عقدين اخرين لاستغلال حقل اكري ـ بيجيل في محافظة دهوك لشركة كاليغران المحدودة المملوكة لشركة ام او ال المجرية للنفط وشركة غاز بي ال سي، وشركة غلف كيستون بتروليوم المتفرعة عن شركة غلف كيستون.
كما منح عقد استغلال حقل شايكان في محافظة دهوك الى غلف كيستون وتكساس كيستون وكاليغران في حين منح عقد استخراج النفط من حقلي روفي وسارتا لشركة رلاينس انرجي الهندية، كما منح عقد لاستغلال حقل اخر في محافظة دهوك لشركة غربية، الى جانب ابرام عقود اخرى لاستغلال أربعة حقول في السليمانية وأربيل من قبل شركة كردستان للتنقيب والإنتاج التابعة لحكومة الاقليم.
وفي عدة مناسبات اكدت حكومة الاقليم أن العراق سيحصل على 85% من عائدات العقود فيما ستحصل الشركات المتعاقدة على النسبة المتبقية، وأن الاكراد سيحولون العوائد المالية الى بغداد بعد استقطاع نسبة 17% منها لمصلحتهم.
في مقابل ذلك فإن الحكومة الاتحادية أكدت مرات عديدة أن إبرام أية عقود من قبل حكومة إقليم كردستان يعد غير قانوني قبل تشريع وإقرار قانون النفط والغاز من قبل مجلس النواب العراقي، وهذا ما صرح به وزير النفط العراقي السابق ونائب رئيس الوزراء الحالي لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني، وهو ما أثار حفيظة الأكراد ودفعهم الى المطالبة بإقالته من منصبه، وما زالت العلاقات معه متأزمة، اذ انهم يعتبرونه المسؤول الأول عن عرقلة اقرار قانون النفط والغاز بالصيغة التي يريدونها.
بيد انه ليس الشهرستاني وحده من يطرح تحفظات واعتراضات على آليات ابرام العقود النفطية من قبل الحكومة الكردية، والغموض الذي يكتنف تلك العقود، ناهيك عن افتقادها الى الاساس القانوني المتفق عليه.
ولعل المشكلة الرئيسية تكمن في ان الحكومة الاتحادية ترى انه لا يمكن لأية حكومة محلية ان تقوم بإبرام عقود نفطية بعيدا عنها، فاختيار الشركات والإتفاق على صيغ العمل ونوعية العقود المبرمة (عقود مشاركة او عقود خدمة)، والنسب التي تمنح للشركات لا بد أن يتم كله عبر الحكومة الاتحادية في بغداد.
ولم يفلح الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين بغداد وأربيل قبل حوالى ثلاثة أعوام، والذي أتاح للاكراد تصدير مئة وخمسين ألف برميل نفط يوميا، على أن تحول عوائده الى الخزينة المركزية للدولة، لم يفلح في معالجة المشكلة وفك العقدة، لأن القضية تنطوي على قدر كبير من التعقيد والتداخل الذي يصل الى حد المطالبة بوضع آلية شاملة لكيفية التعامل مع عموم واردات اقليم كردستان من التصدير والمبادلات التجارية والرسوم الجمركية.
وبما ان الجدل والسجال حول قانون النفط والغاز ينطوي على أبعاد وحسابات سياسية، ويتحرك في أجواء وفضاءات أزمة الثقة بين الفرقاء السياسيين، فإنه من المستبعد جداً أن يبصر النور خلال وقت قريب، ولا سيما ان الهوة بين ما تريده بغداد، وما تحاول أربيل فرضه كبيرة جداً، وربما يذهب الأكراد الى مبدأ الصفقة الواحدة، كما حصل في مرات سابقة، وذلك ببحث مشروع قانون النفط والغاز الى جانب مشاريع قوانين أخرى، ليصار الى حسمها مع بعضها البعض عبر مساومات وتنازلات وترضيات متبادلة.
ولا شك في ان هذا المنهج خطير جداً حينما يتم اللجوء إليه لحسم قضايا استراتيجية لها تأثير كبير جداً على مستقبل البلاد.
قد تكون جولات التراخيص النفطية الأربع التي عقدتها الحكومة العراقية صيغة معقولة ومنطقية، وتمتاز بقدر كبير من الشفافية والوضوح، ويمكن العمل بنفس هذه الصيغة لتنظيم عمليات التنقيب والاستخراج والتصدير والتكرير في اقليم كردستان، بشكل يحافظ على دور الحكومة الاتحادية في الاشراف على موارد وثروات البلاد على وجه العموم، ولا يلغي دور الحكومات المحلية، سواء حكومة اقليم كردستان او الحكومات المحلية الاخرى.
ولكن الامر المهم جداً هو ان أية صيغة توافقات بهذا الشأن تتطلب تفاهمات سياسية تكون مدخلا لتنظيم المسائل التقنية والفنية والمالية بكل جوانبها، وبغياب تلك التفاهمات فإن الازمة ستبقى تدور في حلقة مفرغة، ولن تفلح أية املاءات من أي طرف كان في الوصول الى حلول ومخارج عملية وواقعية لها.
لا يخرج الخلاف الحاد بين الحكومة الاتحادية في العاصمة العراقية بغداد، وحكومة اقليم كردستان، الذي اتسعت مدياته في الآونة الأخيرة بشأن قانون النفط والغاز عن مجمل الاختلافات حول جملة من القضايا، التي يعتبرها البعض أمراً طبيعيا وجزءاً من استحقاقات بناء النظام السياسي الديمقراطي، وترسيخ مفهوم المشاركة في إدارة الدولة وتداول السلطة في إطار الدستور، في حين يعتبرها البعض الآخر مؤشراً على عمق الأزمات السياسية بين الفرقاء، وتباين الرؤى والتوجهات بشأن القضايا الاستراتيجية والمحورية للبلاد.
وبعد صمت ظاهري لعدة أشهر، قرر الأكراد فتح جبهة المواجهة مع الحكومة في بغداد، وتحديداً مع رئيسها نوري المالكي، وعنوان المواجهة هو (عدم التزام المالكي بورقة المطالب الكردية التي وقّع عليها قبيل تشكيل الحكومة أواخر العام الماضي).
وبدا للكثيرين أن التصعيد الكردي ضد الحكومة جاء مفاجئا وغير متوقع، حتى إن هناك من ربطه بعدة أمور من بينها، القصف التركي والإيراني لمواقع تابعة لجماعات مسلحة معارضة تتخذ من أراضي اقليم كردستان العراق مقرات ومنطلقات لها، والموقف الكردي الرسمي الداعي الى تمديد بقاء القوات الأميركية في العراق بعد نهاية العام الجاري، والأهم من هاتين النقطتين، هو اقرار مجلس الوزراء مسودة قانون النفط والغاز الذي لا ينسجم مع التوجهات والرؤى الكردية، إذ إن مسودة هذا القانون بصيغتها الحالية والمقدمة من مجلس الوزراء استنادا لاحكام الفقرة 2 من المادة 80 من الدستور تشدد على أن إدارة ملف استخراج النفط وتسويقه واستثماره بيد الحكومة المركزية وبالتعاون مع الاقاليم والمحافظات المنتجة، وهو أمر دستوري حسب ما نصت عليه المادة 112 من الدستور العراقي وفق ما يرى الخبير القانوني محمد السامرائي، على اعتبار ان الملف الاقتصادي والملف الأمني للدولة العراقية يكون من صلاحية المركز لأنه متعلق بسيادة الدولة عموماً وبالتشاور مع المحافظات و الأقاليم، وهنا لا يجوز للمحافظات او الأقاليم ان تبرم عقوداً في مجال الاستثمار النفطي بدون علم وموافقة الحكومة الإتحادية.
وكانت حكومة اقليم كردستان السابقة برئاسة نيجرفان البارزاني قد أعلنت اواخر عام 2005 شروع مجموعة النفط النرويجية (DNO) بالتنقيب عن النفط في منطقة طاوكي التابعة لقضاء زاخو في محافظة دهوك، وفي حينها قال البارزاني في مراسم احتفالية "انه وبحسب الدستور العراقي الجديد تستطيع حكومة اقليم كردستان العراق ابرام العقود مع الشركات العالمية لاستخراج النفط والثروات الطبيعية وعلى هذا الأساس أبرمنا هذا العقد مع المجموعة النفطية النرويجية الصغيرة (DNO) للبدء بعمليات تنقيب عن النفط في هذه المنطقة، معتبراً ان هذا المشروع تاريخي والحدث تاريخي حيث يتم ولأول مرة استخراج النفط من اقليم كردستان".
وفي اواخر عام 2007 أعلنت حكومة الاقليم انها وقعت سبعة عقود نفطية جديدة مع شركات أجنبية للتنقيب عن النفط في أراضي الإقليم، حيث جرى التوقيع على اتفاقيتين مع شركة "او ام في بتروليوم اكسبلوريشين" للتنقيب عن النفط المملوكة لشركة "او ام في اكيتينغيسليشافت" النمسوية لاستخراج النفط من حقلي ملا عمر وشورش في محافظة اربيل، وتوقيع عقدين اخرين لاستغلال حقل اكري ـ بيجيل في محافظة دهوك لشركة كاليغران المحدودة المملوكة لشركة ام او ال المجرية للنفط وشركة غاز بي ال سي، وشركة غلف كيستون بتروليوم المتفرعة عن شركة غلف كيستون.
كما منح عقد استغلال حقل شايكان في محافظة دهوك الى غلف كيستون وتكساس كيستون وكاليغران في حين منح عقد استخراج النفط من حقلي روفي وسارتا لشركة رلاينس انرجي الهندية، كما منح عقد لاستغلال حقل اخر في محافظة دهوك لشركة غربية، الى جانب ابرام عقود اخرى لاستغلال أربعة حقول في السليمانية وأربيل من قبل شركة كردستان للتنقيب والإنتاج التابعة لحكومة الاقليم.
وفي عدة مناسبات اكدت حكومة الاقليم أن العراق سيحصل على 85% من عائدات العقود فيما ستحصل الشركات المتعاقدة على النسبة المتبقية، وأن الاكراد سيحولون العوائد المالية الى بغداد بعد استقطاع نسبة 17% منها لمصلحتهم.
في مقابل ذلك فإن الحكومة الاتحادية أكدت مرات عديدة أن إبرام أية عقود من قبل حكومة إقليم كردستان يعد غير قانوني قبل تشريع وإقرار قانون النفط والغاز من قبل مجلس النواب العراقي، وهذا ما صرح به وزير النفط العراقي السابق ونائب رئيس الوزراء الحالي لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني، وهو ما أثار حفيظة الأكراد ودفعهم الى المطالبة بإقالته من منصبه، وما زالت العلاقات معه متأزمة، اذ انهم يعتبرونه المسؤول الأول عن عرقلة اقرار قانون النفط والغاز بالصيغة التي يريدونها.
بيد انه ليس الشهرستاني وحده من يطرح تحفظات واعتراضات على آليات ابرام العقود النفطية من قبل الحكومة الكردية، والغموض الذي يكتنف تلك العقود، ناهيك عن افتقادها الى الاساس القانوني المتفق عليه.
ولعل المشكلة الرئيسية تكمن في ان الحكومة الاتحادية ترى انه لا يمكن لأية حكومة محلية ان تقوم بإبرام عقود نفطية بعيدا عنها، فاختيار الشركات والإتفاق على صيغ العمل ونوعية العقود المبرمة (عقود مشاركة او عقود خدمة)، والنسب التي تمنح للشركات لا بد أن يتم كله عبر الحكومة الاتحادية في بغداد.
ولم يفلح الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين بغداد وأربيل قبل حوالى ثلاثة أعوام، والذي أتاح للاكراد تصدير مئة وخمسين ألف برميل نفط يوميا، على أن تحول عوائده الى الخزينة المركزية للدولة، لم يفلح في معالجة المشكلة وفك العقدة، لأن القضية تنطوي على قدر كبير من التعقيد والتداخل الذي يصل الى حد المطالبة بوضع آلية شاملة لكيفية التعامل مع عموم واردات اقليم كردستان من التصدير والمبادلات التجارية والرسوم الجمركية.
وبما ان الجدل والسجال حول قانون النفط والغاز ينطوي على أبعاد وحسابات سياسية، ويتحرك في أجواء وفضاءات أزمة الثقة بين الفرقاء السياسيين، فإنه من المستبعد جداً أن يبصر النور خلال وقت قريب، ولا سيما ان الهوة بين ما تريده بغداد، وما تحاول أربيل فرضه كبيرة جداً، وربما يذهب الأكراد الى مبدأ الصفقة الواحدة، كما حصل في مرات سابقة، وذلك ببحث مشروع قانون النفط والغاز الى جانب مشاريع قوانين أخرى، ليصار الى حسمها مع بعضها البعض عبر مساومات وتنازلات وترضيات متبادلة.
ولا شك في ان هذا المنهج خطير جداً حينما يتم اللجوء إليه لحسم قضايا استراتيجية لها تأثير كبير جداً على مستقبل البلاد.
قد تكون جولات التراخيص النفطية الأربع التي عقدتها الحكومة العراقية صيغة معقولة ومنطقية، وتمتاز بقدر كبير من الشفافية والوضوح، ويمكن العمل بنفس هذه الصيغة لتنظيم عمليات التنقيب والاستخراج والتصدير والتكرير في اقليم كردستان، بشكل يحافظ على دور الحكومة الاتحادية في الاشراف على موارد وثروات البلاد على وجه العموم، ولا يلغي دور الحكومات المحلية، سواء حكومة اقليم كردستان او الحكومات المحلية الاخرى.
ولكن الامر المهم جداً هو ان أية صيغة توافقات بهذا الشأن تتطلب تفاهمات سياسية تكون مدخلا لتنظيم المسائل التقنية والفنية والمالية بكل جوانبها، وبغياب تلك التفاهمات فإن الازمة ستبقى تدور في حلقة مفرغة، ولن تفلح أية املاءات من أي طرف كان في الوصول الى حلول ومخارج عملية وواقعية لها.