ارشيف من :آراء وتحليلات

مشروع دولة لخدمة المفاوضات

مشروع دولة لخدمة المفاوضات
علي حيدر

بعيداً عن مقاربة العدو، وأجهزته الإعلامية والسياسية والأمنية، لاقتراح إعلان الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، وما واكبها من استعدادات للجيش الإسرائيلي استباقاً لتحرك شعبي فلسطيني يواكب أو يلي إعلان أي موقف سلبي (مرجح) أو ايجابي (مستبعد) تجاه هذا الطرح, من المهم تسليط الضوء على الظروف التي دفعت رئيس السلطة محمود عباس للمبادرة إلى هذا المسار، كونه يكشف عن آفاق هذا الطرح وخلفياته وبالتالي مفاعيله المفترضة على أرض الواقع.

بداية لا بد من التذكير بأن منظمة التحرير الفلسطينية حصلت على وضع "مراقب" في الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1974، وفي 15/11/1988، صدر "إعلان الإستقلال" عن الدورة 19 للمجلس الوطني الفلسطيني، أعقبه صدور قرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15/12 من العام نفسه، تم بموجبه تغيير اسم "م.ت.ف" إلى "فلسطين". ومما يُقال في هذا المجال، إنه كان بالإمكان في حينه الحصول على دولة بصفة مراقب (دولة غير عضو). لكن ياسر عرفات اكتفى، في حينه، بتغيير اسم "م.ت.ف" إلى "فلسطين" لتجنب ما من شأنه أن يُعقِّد فتح قناة الحوار الرسمي مع واشنطن التي رهنتها بالالتزام الرسمي الفلسطيني بالشروط الثلاثة المعروفة: الاعتراف بالقرارين 242 و 338 + الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود + نبذ "العنف"، وهذا ما حصل لاحقاً.

إلى ذلك، من الواضح جداً أن لجوء السلطة إلى هذا الخيار، لم يأت إلا بعد انسداد أفق التسوية وسقوط كافة الرهانات على محاولة التوصل إلى إتفاق نهائي حول كافة القضايا الجوهرية العالقة بين السلطة و"إسرائيل", وتحديداً بعد فشل الرهانات الكبيرة التي عُقدت على باراك اوباما في أعقاب توليه للرئاسة في البيت الأبيض. هذا الواقع جعل أنصار التسوية أمام وضع حرج، إما المراوحة أو الإعلان الرسمي عن فشل هذا الخيار، وبالتالي تسريع استمرار تآكل مصداقية هذا الخيار وصولاً إلى انهياره.

لكن ما عزَّز هذا التوجه لدى قيادة السلطة، ودفعها إلى رفض التراجع عن هذا الخيار، هو الشعور بالحاجة إلى تحقيق انجاز سياسي مهما كانت درجته، بفعل الثورات التي تجتاح العالم العربي، وبشكل آكد بعد سقوط الرئيس المصري حسني مبارك. الحاضن الاستراتيجي للسلطة وخيارها، والضاغط الاستراتيجي على قطاع غزة وحركة حماس وخيارها.

وعلى ذلك، يصبح مفهوماً وجلياً أن التوجه إلى الأمم المتحدة لطرح الإعلان عن دولة فلسطينية لم يكن تعبيراً عن خيار سياسي استراتيجي بديل، تم تبنيه بعد مراجعة وتقييم خيار التسوية والمفاوضات، في أعقاب فشله بهدف التحرر من أعبائه وقيوده. وانما جزء من التكتيك السياسي لقيادة السلطة أملته بل فرضته الظروف. وما فتح الطريق أمامه موقف أوروبي مؤيد (متفاوت من دولة إلى أخرى) للضغط على الحكومة الإسرائيلية الحالية لتحريك عملية التسوية بهدف التوصل إلى اتفاق ما. في ظل هوة سحيقة بين الحد الأقصى الذي يمكن لنتنياهو تقديمه والحد الأدنى الذي يمكن للسلطة أن تقبل به وتتمكّن من تسويقه أمام الجمهور الفلسطيني.

2011-09-27